كم يتمتع (ماهر) برغد من العيش؛ فهو يسكن قصراً من أرقى القصور, ويقود سيارة من أحدث الموديلات, ويرتدي كل جديد, ويأكل ما لذ وطاب,فهو في عيشته مغبوط من الجميع, ولكن للأسف أسرف وبذر, ونسي أو تناسى حق منعمها.

وما إن دار الكون دورته, حتى انقلبت نعمه إلى نقم, وضاقت به الدنيا ذات يمين وشمال, فباع الغالي والرخيص, ورضي بالقليل عن الكثير, وتبرأ منه الجميع, فلم يجد له من دون الله معينا ولا نصيرا.

وبينما هو في تلك الضائقة وتلك الكربة الفاجعة إذ سمع بمشروع تجاري هائل من شأنه أن يعوض له خسائره ويفك عنه كربته, لترده لحاله بل ربما أفضل بكثير.

لكن هذا المشروع يستغرق ثلاثين شهراً, ويحتاج جهداً كبيراً وسهراً طويلاً، وتفرغاً مليئاً بالإضافة إلى تدريب وترويض.

قرر (ماهر) أن يبدأ ويبذل قصارى جهده لينال ما يريد, ومضت الأيام تلو الأيام وهو يتجرع مرارة العمل فلا النوم يهنأ به, ولا الأكل يتلذذ بطعمه, وكل ما عليه أن يجاهد نفسه ويصبر فالفقر ذلة وفاقة لصاحبها.

انقضت الأيام المحددة للمشروع, الذي تكلل بفضل الله بالنجاح والإنجاز فحقق (ماهر) أرباحاً هائلة ومكافأة عظيمة.

عاد (ماهر) لمنزله الصغير, وأصبح ينظر لثروته الهائلة بكل فرح وسرور, فما إن مرت الساعات حتى ذهب متجها لحديقته, ورمى ثروته ببقعة من الحديقة وتلفت يمينا وشمالا باحثا عن عود ثقاب, فما إن وجده أشعل النار بثروته, وأصبح يضحك بقوة على ما جنت يداه, وهو بكامل قواه العقلية.

وكأنني أسمع بك أيها القارئ اللبيب تهمس وتقول: هذه القصة قد تكون أشبه بالخيال أو أن صاحبها فعلا أصابه الجنون فكيف بالله يحرق ثروته التي طالما شقي في سبيل الظفر بها بعد أن كابد مرارة الذلة والفقر.

فرويدك فلعل فعلة هذا الشاب هو ما نفعله أنا وأنت وإليك تفسيرها.

فكل من أسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي ونسي أو تناسى حق منعمها ومجليها, بعدما أسبغ الله عليه نعمه الجليلة وآلاءه الجسيمة فجاءه مشروع رمضان نعم التجارة مع الله.

فتجرع وتصبر نهاره بالصيام والصدقة والصلاة وعندما أكمل صيامه لهذا اليوم وظفر بالحسنات العظيمات أحرقها بعد الإفطار بمشاهدة نتن الأفلام والمسلسلات وسماع مزامير الشيطان, وهو بكامل قواه العقلية.



م. ندى البكر - الرياض