http://www.aleqt.com/2009/07/08/article_249590.html

الصكوك النقية والصكوك المختلطة والصكوك المحرمة

د.صلاح بن فهد الشلهوب

منذ أن بدأ الاهتمام الكبير من قبل كثير من الأفراد بسوق الأسهم, وكان ذلك تقريبا في مطلع عام 2003, اشتغل عدد من العلماء وطلبة العلم بدراسة الأسهم دراسة علمية متفحصة من خلال القوائم المالية, وقائمة الدخل والأرباح والخسائر, والقروض وأنواعها, وهذه الدراسات المتفحصة تمخضت عن تقسيم الأسهم في السوق المحلية, بل حتى في الأسواق الخليجية المجاورة إلى ثلاثة أقسام:


القسم الأول: الأسهم النقية, وهذه الأسهم لها مواصفات, وهي أنها تمارس نشاطا مباحا بعيدا عن المعاملات الربوية, أو إنتاج منتجات محرمة شرعا أو تقديم خدمات غير جائزة, ومن صفات هذه الشركات أيضا التي تتداول أسهمها في السوق المالية أنها تلتزم في قروضها واستثماراتها ألا تكون ربوية أو محرمة بشكل عام, وهذه الأسهم بشكل عام يجوز تداولها بيعا وشراء وأرباحها مباحة لا يجب إخراج أي جزء منها والتخلص منه في رأي أغلب العلماء وطلبة العلم, خصوصا الذين لديهم دراسات مفصلة عن الأسهم.

النوع الثاني من الأسهم وهي الأسهم التي توصف بأنها أسهم مختلطة, وهذه الأسهم هي الأسهم التي تمارس نشاطا مباحا, ولكن جزءا من قروضها أو استثماراتها يدخل فيه شيء من الأمور المحرمة مثل الربا أو غيره, وبعضهم يعمم وصف الأسهم المختلطة لجميع الأسهم التي لا تمارس معاملات محرمة, وبعضهم يضع معيارين:

الأول, ألا تزيد نسبة العوائد المحرمة على رأس بأكثر من 5 في المائة, كما أنه لا تزيد نسبة القروض على مستوى الثلث مقارنة برأس المال أو القيمة الدفترية للسهم, واختلف العلماء وطلبة العلم في حكم تملك هذه الأسهم, حيث إن هناك من يقول بجواز ذلك مطلقا مع الالتزام بالتخلص من الجزء المحرم من العوائد, ويسمى ذلك التطهير, والرأي الآخر يحرم تداول هذه الأسهم مطلقا, حتى إن كان نشاطها مباحا, ولكل قول أدلته وبراهينه.

أما النوع الثالث فهو ما يسمى الأسهم المحرمة, وهذه الأسهم هي الأسهم التي تمارس نشاطا محرما بشكل كامل أو جزئي, لما يترتب على المساهمة فيها من الحصول على عوائد محرمة, ودعم الأنشطة المحرمة أيضا.

وعلى كل حال فإن هذا الجهد الكبير الذي بذله العلماء وطلبة العلم في هذه الدراسات جهد مشكور, وهم في ذلك ما بين مصيب له أجران, أو مخطئ له أجر واحد, ما دام أن لديهم التأهيل المطلوب للفتيا, وبذلوا جهدهم في ذلك.

ولعل من الملاحظ أن هذه الاصطلاحات لم يكن لها رواج في الفترة التي كانت قبل الاهتمام الكبير بسوق الأسهم حينها, حيث إن فتاوى العلماء في السابق كانت تقتصر على التحريم أو الإباحة دون استخدام أوصاف مثل النقية أو المختلطة مع أن وجهات النظر الحالية هي امتداد لوجهات نظر سابقة لعلماء مثل العلامة الشيخ عبد العزيز بن باز والعلامة الشيخ محمد بن عثيمين ـ رحمهما الله, وغيرهما من العلماء.

ولعل استخدام هذه المصطلحات سهل على كثير من الناس فهم أحكام هذه الأسهم, والاختيار في مسألة التعامل بأي نوع من أنواعها, حتى أصبحت هناك مواقع إلكترونية وحديث الناس عن الأسهم لا يكاد يخلو من هذه المصطلحات, وأصبح كثير من الشركات عندما ترغب أن يصبح لها رواج بين شريحة أكبر من الناس تحول قروضها والتزاماتها واستثماراتها من تقليدية إلى ما يوصف بأنه إسلامي, وهذا قد يكون ناتجا عن رغبة شخصية من قبل أعضاء مجالس الإدارات رغبة عن البعد عن الحرام في ظل وجود بديل مشروع وجائز, أو أنه قد يكون أيضا بضغوط أحيانا من المساهمين.

ومع وجود سوق للصكوك في السوق المالية المحلية اليوم, فهناك تساؤل وهو هل ستحظى الصكوك بالحجم نفسه من الاهتمام الذي حظيت به الأسهم من الدراسات والفتاوى, وهل سيكون هناك تقسيم لها على غرار ما حصل في الأسهم؟
الحقيقة أن الصكوك عندما أنشئت كان ذلك بغرض أن تكون بديلا للسندات التي تعتمد القروض بفائدة, فالصكوك الموجودة في العالم اليوم, ستجد أن هناك عددا من العلماء أو هيئات شرعية تعتمدها على أساس أنها جائزة شرعا.

ولكن هذا لم يجعل للصكوك حصانة بحيث أن تكون جائزة على كل حال وليس هناك من ينتقدها بشكل أو آخر, بل إنه في الفترة الماضية حصل هناك جدل كبير بين العلماء خصوصا العلماء البارزين في مجال المالية الإسلامية, بل إن هذا الخلاف والجدل قد يصل إلى حد الجدل الحاد الذي يوحي إلى كثير من المراقبين والمتابعين بأن هناك خشية من انتشار بعض الصور من الصكوك التي يعدها عدد من العلماء وسيلة للتحايل يمكن التوصل بها إلى معاملات محرمة شرعا, ولعل من أمثلة ذلك بعض صور الصكوك المبنية على عقد الإجارة, وكذلك الصكوك المبنية على عقد المرابحة التي من الممكن أن تكون مبادلاتها شكلا من أشكال المبادلات بالديون.



ولذلك لعله من المهم أن تكون هناك جهود من قبل العلماء وطلبة العلم المختصين في دراسة وبيان أحكام هذه الصكوك على غرار ما تم في الأسهم, وذلك لأن هذه السوق مهمة جدا للأفراد, خصوصا مع حجم المخاطرة العالي الذي يوجد في سوق الأسهم خصوصا وقلة وعي عدد من المستثمرين الأفراد بها, كما أن كثيرا من الشركات في حاجة اليوم إلى الحصول على تمويل مباح شرعا, يمكنها من تقديم عديد من المنتجات والخدمات للأفراد.

ودراسة هذه الصكوك وبيان أحكامها للناس بالشكل الذي كان في الأسهم قد يسهمان في رواجها بين الناس وزيادة الوعي بأهميتها وجدواها الاقتصادية, وهذا بالطبع ليس من مسؤولية العلماء الترويج لها, ولكن من المؤكد أن من مسؤولياتهم بيان أحكامها للمجتمع.