حتى أواسط العقد الثاني من القرن العشرين ، كان شراء الأسهم من البورصات حكراً على كبار الأثرياء القادرين على تلبية الشروط اللازمة وأقلها تقديم ضمانات مالية كبيرة ، وتامين الحضور في ردهة البورصة ، ناهيك عن استطلاع أخبار الشركات ومسارات أعمالها ، ولكن رجلا واحداً استطاع أن يغير هذا العالم ، وأن يفتح أبواب البورصات أمام صغار المستثمرين : تشارلز ميريل .
ولد تشارلز ميريل في عام 1885 بولاية فلوريدا الأمريكية ، وعمل منذ نشأته في الصيدلية التي كان يملكها والده الطبيب الذي يحمل الاسم نفسه ، وتنقل مع والديه في أكثر من ولاية إلى أن تخرج في العام 1907 م ، من كلية القانون في جامعة ميشيغان . أنتقل تشارلز في العام 1909 إلى نيويورك حيث عمل في مكتب ( جورج بور وشركاه ) لبيع السندات ، فبرع في عملة ، ولكنه أكتشف أنة كان محكوماً بالترويج لأسهم في شركات على حافة الإفلاس ، وأن علية في بعض الأحيان أن يبلغ بعض المستثمرين أنهم خسروا كل أموالهم . وكان يكره هذه المهمة كرهاً شديداً ، فاستقال من وظيفة هذه مشمئزاً في عام 1913 م .
بعد ذلك بسنتين أسس تشارلز مع صديق له من أيام الدراسة ويدعى إدموند لينش مكتبا يقوم على فكرة كانت ثورية آنذاك وهي تقديم الاستشارات وبيع الأسهم بالمفرق لصغار المستثمرين ، بما يغنيهم عن التعامل المباشر مع البورصة الذي لا يقدرون عليه . ورفع شعاراً يقول ( تحقق ثم استثمر ) . وأضاف تشارلز على مكتبه الذي عرف باسم ( ميريل لينش ) قيمة دفعته إلى النجاح بسرعة صاروخية ( الاستقامة في التعامل ) . ففي العام 1928 مثلا ، كان يقول لكل زبائنه إن أسعار الأسهم وصلت إلى مستويات مبالغ فيها ، ونعته البعض بالجنون . وتوكيداً على قناعته ، باع كل أسهمه وخرج من السوق في ربيع العام 1929 ، قبل الانهيار الكبير الذي حصل في أكتوبر من العام نفسه .
خلال فترة الكساد الكبير ، عمل تشارلز لبضعة سنوات في إدارة شركة التجزئة ( سيفواي ) ، ليعود في العام 1940 إلى سوق الأسهم ، مستفيدا من الطفرة الصناعية التي حصلت بسبب الحرب العالمية الثانية . وعندما توفي تشارلز ميريل في العام 1965 ، كانت شركة ميريل لينش أكبر سمسار أسهم في أمريكا ، يبلغ عدد زبائنها نحو نصف مليون مستثمر ، ومازالت كذلك حتى اليوم . وتشير الإحصاءات إلى أن المستثمرين في سوق الأسهم الأمريكية كانوا في العام 1940 نحو 16 % من عدد السكان، وازدادت نسبتهم اليوم الى نحو 50 % بفضل مفهوم التعاضد الذي ابتكره تشارلز ، وتخفيض كلفة الاستثمار ، وتوفير نتائج الأبحاث النزيهة للعامة .