عندما يلهو الكبار..!!
تعودنا في تراثنا الاجتماعي، عندما يلهو ولدان صغيران، ويتمازحان في المجلس ينهرهما الكبار للالتزام بالهدوء والحكمة، والمحافظة على وقار المجلس،
ولكن عندما يلهو الكبار، فمن يسكتهم، ومن يقول لهم عيب، هذا لو كانا يلهوان ويتمازحان بكرة أو قطعة قماش في المجلس، فكيف وهما يتمازحان ليس في مجلس خاص، بل أمام الملأ العام، ولا يتمازحان بكرة أو قماش، بل يتجاذبان كتلة اقتصادية ضخمة ومؤثرة في اقتصادنا الوطني، لو سقطت على بيت لهدمته،
هذه الصورة المخيفة، هي بالضبط ما يصور ما يحدث بين المملكة القابضة، وإعمار العقارية، عندما أثارتا ضجة من العيار الثقيل، الأسبوع الماضي، وهما أكبر شركتين، في الشرق الأوسط، بل ومن كبرى الشركات العالمية، ولديهما مصداقية، واحترافية في العلاقات العامة، ولهما سجل حافل من الإنجازات الاقتصادية، لذلك فمن المفارقات العجيبة أن يقعا في فخ تترفع عنه حتى صغار المؤسسات الفردية ذات الرأسمال الذي لا يتجاوز 50 ألف ريال، فكيف بشركات يبلغ رأسمالها 50 مليار دولار؟
الضجة سقطة، بل ينبغي التوقف عندها كثيرا، فقد كنا نشتكي من الفرقعات الإعلامية للمساهمات العقارية المكذوبة التي تخدع المواطنين، فكيف نتصدى لفقرعات إعلامية يلهو بها الكبار، عندما أعلن مسؤول في شركة المملكة القابضة عن توقيع الشركة على اتفاقية تنفيذ أطول ناطحة سحاب في العالم في جدة، ينتظر أن تكون الأطول بين أقرانها بارتفاع 1000 متر، لتشكل التنافس المحموم للوصول إلى القمة، من خلال بناء الأبراج الشاهقة، وأشارت المملكة إلى أنه تم اختيار شركة إعمار العقارية من بين 5 شركات عالمية أخرى، وذلك لما تتمتع به من خبرات قوية في مجال تطوير المشروعات العملاقة، ويسترسل الخبر بأعجوبة وجرأة، عندما قيل، أن شركة إعمار ستكون مسؤولة عن التطوير والإشراف على بناء مشروعي مدينة المملكة وبرج المملكة في جدة، الأطول في العالم، واستطاعت شركة إعمار أن توفر فريق عمل قام بعملية وضع خطة التطوير العامة، والتخطيط، ودراسة البيئة، ودراسات الحركة المرورية وبدء أعمال تأهيل الموقع حيث إنه تم الحصول على التصريح المبدئي، وتعمل شركة إعمار بالتنسيق التام مع أمانة مدينة جدة، ليتصدر الخبر كل الملاحق الاقتصادية في المنطقة.
نفت شركة إعمار العقارية الخبر فورا، ونفت توقيع أي عقد مع مجموعة المملكة القابضة لتنفيذ مشروع عقاري في المملكة العربية السعودية أو الاستثمار فيه، وأتى هذا التصريح عقب صدور بيان المملكة القابضة الذي أفاد بأن الشركة وقّعت عقداً مع إعمار في مشاريع ترتفع تكلفتها إلى 100 مليار ريال سعودي (أي ما يساوي 26.6 مليار دولار أمريكي)، بما في ذلك البرج الأطول في العالم، وقالت المملكة القابضة إن اختيار إعمار يمثّل تحالفاً استراتيجياً بين الشركتين،
وصرّحت إعمار أنها لن تستثمر في أي مشاريع من هذا النوع، مضيفةً أنّها وقّعت اتفاقية مع شركة جدة الاقتصادية، لتوفير خدمات إدارية في إطار مشروع عقاري لقاء رسوم فقط، وتجدر الإشارة إلى أن أسهم إعمار ارتفعت بنسبة 7.2% في سوق دبي المالية يوم الأحد عقب إعلان مجموعة المملكة القابضة أنها وقعت الصفقة لتطوير مشروع جدة.
لهو الكبار ليس جديدا، فقد نشرت شركة جبل عمر المساهمة، في مشروعها العملاق، بالمنطقة المركزية بمكة المكرمة، الشهر الماضي، بيانا نشر على صفحات كاملة في كل الصحف في محاولة للرد على حملات التشكيك في مصداقية تصاريح العمل لديها، والتي قدمتها لأمانة العاصمة المقدسة، لإنشاء المشروع، وهبطت على إثر هذه الشائعة أسهم شركة جبل عمر، ثم عاودت الصعود بصعوبة بعد تصريحات سمو أمير المنطقة للصحف، يفيد بأن المشروع قائم، ونظامي، ومعتمد من المقام السامي، وله شركة مساهمة تم تأسيسها نظاميا، ولها مجلس إدارة، وملاك وأسهمها تتداول في سوق المال، مما لا يدع مجالا للتشكيك في سريان المشروع حتى يكتمل، ولا نعلم من المستفيد من هذه الضجة.
يجب على الصحف
اتباع احترافية أكبر في نقل أخبارنا الاقتصادية المؤثرة، خصوصا عندما يتعلق الأمر بكبار المستثمرين، وكبرى المشاريع الاقتصادية في المنطقة، بحيث تحصل على تصاريح من مسؤولين مطلعين قبل تداول الأخبار، وبالمقابل على الشركات الكبرى، أن تبتعد عن الانفعالية، ولا تدع الصحافة، مسرحا لحربها بعضها على بعض،
فإن لهو الكبار، هم مفزع للصغار، ويفقد به المجتمع وقار الكبار وسلامة الاقتصاد.
مازن عبدالرزاق بليلة
الوطن السعودية 20/06/2009
المفضلات