ألبرت أينشتاين قال مرة " المشكلات الضخمة التي نواجهها لا يمكن حلها بنفس مستوى الفكر الذي كان سائداً عندما قمنا بصنعها"، والاقتصاد ليس استثناء، فالحل لأزمة العالم المالية الكبرى لن يأتي من نفس المدرسة التي صنعتها. ومع تجربة وزير المالية الياباني المبكرة في الانتقال إلى فكر مدرسة أخرى، وبداية حكم فرانكلين روزفلت في بداية عام 1933م في الولايات المتحدة الأمريكية، أصبح الفكر الاقتصادي يعمل بكلتا اليدين، الخفية والظاهرة، أو مزيج من قوى السوق والتدخل المقصود، لقد أصبحت الكينزية الطريق إلى الخروج من الأزمات في أمريكا، وفي أوروبا نشط ما سمى بالنهج الاشتراكي الديمقراطي. ففي الولايات المتحدة الأمريكية بلد الأزمات والبلد الذي بخروجه منها حمل لقب زعامة المعسكر الرأسمالي ولاحقاً العالم، كان تفسير رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي الأمريكي(نوفمبر 1934م إلى فبراير 1948م) لمبررات الأزمة في نهاية العشرينيات هو الخلل في توزيع الثروة، والأهم الخلل في توزيع الدخل الناتج عن الإنتاج الآني. فعندما يتركز الدخل الناتج عن نشاط الاقتصاد السنوي بيد القلة التي تميل إلى الادخار والاستثمار ولا تستهلك، يحدث فائض في جانب عرض السلع والخدمات، يعوضه من لا يملكون بالاقتراض من أجل تمويل المزيد من الاستهلاك ولكن مع أخذ مخاطر عالية. وعند مستوى تقرره الظروف السائدة، يصبح الاستمرار بالاقتراض والاستهلاك وارتفاع الأسعار قد بلغ مداه، وتبدأ بعدها حالات العجز الفردية بالتحول إلى عامة، يتبعها زيادة في جانب عرض الأصول مع انحسار حاد في الطلب، وتنتقل معه الأزمة إلى مراحلها الثلاث، أسعار الأصول ثم القطاع المالي ثم الاقتصاد الحقيقي.
وقد تبنى روزفلت السياسة المالية التوسعية أو التمويل بالعجز عند بلوغ الدين العام 40% من الناتج القومي الإجمالي مقابل 20% أيام هوفر الرئيس السابق ، تبني إجراءات ذات نفس اشتراكي وقريب من المدارس الناشطة في أوروبا الغربية، ومخالفة تماماً لمدرسة الاقتصاديين التقليديين أو أحفاد آدم سميث. تم تقديم مفهوم الضمان الاجتماعي(التقاعد) وتشجيع تأسيس اتحادات العمال لمناكفة الملاك على حقوقهم، وإنشاء وكالة فيدرالية للإنقاذ بما يعنيه من تدخل حكومي. ولكن هذه المدرسة التي بدأت بالتلاشي بدءاً من النصف الأول من عقد سبعينات القرن الفائت، واستبدلت بمدرسة النقديين، يبدو أنها سوف تعود مع أزمة العالم الحالية، ومعها سوف يحدث تغيير أقل حدة وأكثر بطء من عالم ما بعد الكساد العظيم، ولكنه جوهري للوجه السياسي لمستقبل هذا العالم.