بعد أكثر من ثلاث سنوات من بدء عمل مكاتب الوساطة والاستشارات المالية في السعودية،لا يبدو هناك في الأفق ملامح يمكن أن نطلق عليها أنها بالفعل أسهمت في تخفيف أمية المتعاملين في سوق الأسهم، أو خلقت وعيا لديهم، فنسبة الذين يتعاملون مع سوق الأسهم من الأفراد لا تزال كما هي، وأصحاب المحافظ الكبيرة وتجار الأسهم، يفضلون أن يباشروا بأنفسهم عمليات البيع والشراء، من خلال مديرين لهذه المحافظ. فماذا تفعل مكاتب الوساطة التي تأسست، هل تواجه مشكلة، أو منافسة، أو أنها غير قادرة على تسويق نفسها، أو أنها غير قادرة على أن تغير نمط تعوده المتعاملون في سوق الأسهم وهي"كل بيدك تشبع". أو أن حجم التعامل في سوق الأسهم قد تراجع بشكل لافت فأصبح غير مغر، فحجم تداول ما بين 4 إلى 6 مليارات ريال في اليوم وعدم استقرار السوق ربما السبب الرئيس.
ورغم أن الناس كانت متحمسة ومتحفزة لمكاتب الوساطة لأنها سوف تعيد ترتيب سوق الأسهم، بعد أن بقي لسنوات و مازال يتبع أسلوب القطيع، في تنفيذ أوامر الشراء أو البيع، و أكثر الضحايا هم من الأميين في سوق الأسهم، هذا الإخفاق من مكاتب الوساطة مرده عدة أسباب، من أهمها أنها لم تتمكن من إقناع هؤلاء المساهمين بأنها قادرة على إدارة محافظهم، سواء من العاملين ومدراء المحافظ، نتيجة لقلة خبرة العاملين فيها، والأمر الآخر هو أن هذه المكاتب دخلت السوق كمدراء للمحافظ الاستثمارية وليس كجهة توعوية تقدم النصح، لهذا كان الإقبال عليها ضعيفا، والأمر الآخر أنها وجدت منافسة قوية من البنوك والمصارف التي أسست شركات وساطة مالية، فلم تستطع مقابلتها ومواجهتها نظرا للإمكانيات والخبرات المتوفرة، أو يمكن القول أنها القشة التي قسمت ظهر الكثير من شركات الوساطة المالية.
ولم تشفع ثلاث سنوات هي عمر هذه الخدمة في البلاد، فأن الكثير منها دخلت وخرجت بسرعة، والبعض منها ألغت ترخيصها، وربما تكون قد غادرت، ولا أريد أن اسأل هيئة سوق المال عن أسباب هذا التراجع والإقبال الضعيف من الشركات للحصول على التراخيص، وهل بالفعل هناك تحيز من الهيئة تجاه مكاتب الوساطة التي أسستها البنوك والمصارف المحلية، وأنها"مدللة" ولا يمكن معاقبتها أو حتى مساءلتها. خلال السنوات الثلاث الماضية رخصت هيئة سوق المال لنحو 31 شركة ما بين وساطة واستشارة وإدارة محافظ وترتيب أوراق مالية، والحقيقة رغم هذا الاندفاع الكبير من الهيئة في منح التراخيص، إلا أنها كانت متسرعة في الموافقة على هذه التراخيص، من دون التأكد من إمكانية وقدرات هذه المكاتب والعاملين فيها، فلم نسمع عن عدد العاملين في هذه المكاتب والخبرات التي استحصلوا عليها من أين؟ والجهات المدربة تجربتها، الدراسة التي أجريت من اجل افتتاح مكاتب وساطة مالية، والجدوى الاقتصادية، والخطة الزمنية المتوقعة لمنح التراخيص، وهل الإفراط في تأسيس المكاتب مفيد لسوق الأسهم، فالكثير من الشركات غادرت السوق قبل أن تعمل أو بعد أشهر قليلة، وهذا مؤشر خطير ويستدعي أن تفسر لنا هيئة سوق المال الأسباب التي دفعت هذه الشركات لأن تخرج من السوق بشكل لافت وملحوظ، خاصة وان من بينها شركات أجنبية لها سمعة وتجربة عالمية. الأسبوع الماضي شكا مجموعة من أصحاب مكاتب الوساطة المالية من صعوبات وحسب تصريحاتهم لصحيفة الوطن السعودية، أنهم لا يجدون معاملة عادلة من قبل الهيئة، فالشركات البنكية تحظى بدعم، واستحوذت شركات الاستثمار البنكية على قيم التداولات في سوق الأسهم السعودية، حيث استحوذت على نحو 375.3 مليار ريال، وبنسبة بلغت 96.7 في المائة من إجمالي قيمة تداولات شهر مايو الماضي، فيما لم تتعد حصة الشركات من خارج البنوك 13.5 مليار ريال، وبنسبة 3.3 في المائة من إجمالي تعاملات الشهر. إذا كان هذا الكلام صحيحا فمن المهم أن توضح لنا هيئة سوق المال محاباتها وانحيازها لهذه الشركات التابعة للبنوك، وكيف يمكن أن نقول أن مستقبل صناعة الأوراق المالية مفتوح وآمن. وليس هذا فحسب بل أن طريقة ربط الحسابات الاستثمارية لزبائن شركات الوساطة المستقلة بحسابات شركاتهم في البنوك غير عملية، تبقيها كزبائن لدى المصارف، حيث تضطر الشركة إلى فتح حساب يسمى "تجميع" في أحد البنوك، ومن ثم يفتح العميل حساباً في نفس البنك يخصص للتعامل مع شركة الوساطة، وهذا الأمر يحتاج لحلول بديلة.
والحقيقة منذ بداية العام خرجت ما يقرب خمس شركات ما بين سحب وإلغاء وتعليق، في المقابل رخصت الهيئة لما يقرب لنحو أربع شركات، ولا اعرف سر هذا الخروج السريع والدخول المفاجئ، من الواضح أن معظم الشركات التي دخلت السوق من أجل تقديم الخدمات، ربما تغريها سوق المال السعودي وحجم التداول فيه، وأيضا قوة ومتانة الاقتصاد، ولهذا تندفع بقوة، إلا أنها تصطدم من الوضع الداخلي للأنظمة والتعاملات من قبل هيئة سوق المال والتميز الواضح للبنوك، وعدم المساواة في التعامل.وهذه الكارثة التي نعيشها أن الجهات الحكومية والمعنية لا تنظر يعين العدل. إذا كان الحال كذلك إما أن توقف هيئة سوق المال التراخيص لشركات وساطة، أو تبقى تعاملاتها مع الشركات التابعة للبنوك،وقتها لن نلوم هيئة سوق المال.

جمال بنون / صحيفة الحياة.