هناك سببان يجعلنا نعتقد أن التكاليف الإضافية لن تكون عبئاً ثقيلاً على خزينة الدولة. السبب الأول ، هو أن المملكة مازالت تتمتع بفائض مالي هائل في خزينتها وهو ما يجعل من السهل عليها أن تدعم أي نفقات إضافية في الميزانية . لكن أي هبوط حاد في أسعار النفط سيكون بمثابة الخطر الوحيد على الخزينة على مدار السنتين القادمة .
السبب الثاني ، هو أن الإجراءات الجديدة ليست دائمة ، ويمكن وقف العمل بها بمجرد انقضاء فترة السنتين رغم أن الاستياء الاجتماعي الحاصل حينئذ ، قد يجعل منها إجراءات دائمة . وحتى في حال أصبحت زيادة المرتبات إجراءُ دائماً بعد سنتين، فإن هذا الالتزام لن يشكل عبئاً كبيراً على خزينة الدولة.
وإذا أخذنا الأمر من منظور مالي ، فإن الزيادة المضطردة للأجور ، تعد بشكل عام توجهاًُ حكيماً , يتوافق بالكامل مع سياسة الإنفاق العام الرشيدة للدولة ، وعلينا أن نبقي في اعتباراتنا أن الأجور والمرتبات . تشكلان جزءاً كبيراً من بند النفقات الجارية في الميزانية . وحتى خلال الفترات التي عانت المملكة فيها من عجز في ميزانيتها (1988-2003) ، ظلت الأجور والمرتبات تشكل معظم النفقات الجارية ، رغم خفض الإنفاق إلى الحد الأدنى . وعليه فإن إجراء زيادة المرتبات الذي تم إقراره في المملكة ( زيادة سنوية بنسبة 5% ) لن يؤدي إلى أي ضغوط تضخمية هامة في 2009 . فالزيادة السنوية في 2008 لم تتجاوز نسبة 2.3% من موجودات المملكة النقدية ، لذا سيكون تأثيرها على نمو الوفرة النقدية عند حدوده الدنيا . كما أن استمرار الزيادة في أجور القطاع العام يحمل في طياته مخاطر توجه الكثير من المواطنين السعوديين نحو الوظائف الحكومية . ويجب أن تكون الزيادة في أعداد موظفي القطاع العام ، متبوعة بزيادة مماثلة في معدل الإنتاج ، وهو أمر ليس بالسهل تحقيقه تحت أي ظرف من الظروف .
ويضاف إلى ذلك أن مرتبات موظفي القطاع العام، تعد في أغلب الأحيان مؤشراً على بقية الأنشطة الاقتصادية ، كما أنها تزود القطاع الخاص بمقياس يتم العمل به . لكن المدى الذي ستؤثر فيه زيادات الحكومة على مرتبات القطاع الخاص يعتمد جزئياً على درجة اعتماد القطاع الخاص على العمال المغتربين وكون الغالبية العظمى من القوة العاملة في القطاع الخاص في المملكة هي من العمال المغتربين فإن التأثير سيقع حتماً . فالعمال المحليون يمتلكون قدرة تفوق قدرة المغتربين على المساومة في سوق العمالة ، مما يؤدي إلى زيادة في المرتبات . ولا بد أن تأثير ذلك سيكون أعظم بكثير ، كما أن هناك تقارب كبير بين زيادة الـ 5% , التي بدأ تطبيقها منذ مطلع السنة الهجرية الأولى التي بدأت في 1 محرم (10 يناير 2008) ، ومعدل التضخم المالي ، فزيادة الأجور ستزيد من معدل الاستهلاك . وفي حين كان عامة الناس في المملكة يأملون بإقرار زيادة في أجور القطاع العام بنسبة أعلى ، فإن مثل هذه الخطوة ستكون متناقضة مع محاولات كبح جماح التضخم بالطرق الصحيحة .
ورغم أن كثيراً من الناس فهموا في البداية أن الزيادة ستكون زيادة بسيطة بنسبـة 5%، إلا أن العلاوة هي في الحقيقة زيادة سنوية مركبة بنسبة 5% على مر السنوات الثلاثة التالية، هذا يعني أن مرتبات القطاع العام ستكون قد زادت ، بحلول الـ 2010، بنسبة تقارب الـ15% عملياً . لكن هذا الإجراء يظل بالطبع إجراءً مؤقتاً يمكن للحكومة أن توقف العمل به بمجرد انقضاء الثلاث سنوات .
المفضلات