المصارف المركزية والتباطؤ الاقتصادي

الفاينانشيال تايمز 5/10/2008 م
الأزمة المالية الآن توقع ضحايا في الاقتصاد "الحقيقي". فالصناعات التحويلية في أرجاء العالم تعاني مشكلات. وعمليات المسح المتعلقة بمديري المشتريات تظهر تباطؤا للصناعات التحويلية في اليابان، المملكة المتحدة، منطقة اليورو، والولايات المتحدة. وتعاني الشركات من ضربات الأزمة المالية، كما يعانيها عملاؤها أيضا. ومع ضعف النمو الذي يعم العالم ينبغي لبنك إنجلترا والبنك المركزي الأوروبي البدء في تخفيف سياستيهما، لكن على الاحتياطي الفيدرالي أن يُبقي الوضع كما هو في الوقت الحالي.
وفي ضوء الوضع الاقتصادي الآخذ في التردي، قلصت الشركات حول العالم إنفاقها المتعقل فعليا. والإنفاق في مجال الإنشاءات والإسكان وكذلك استثمار الشركات تقلص في الربع الثاني من هذا العام في المملكة المتحدة، ومنطقة اليورو، والولايات المتحدة.
ومع تزايد تفاقم الأزمة المالية يتزايد تفاقم تأثيرها في الاقتصاد الحقيقي. وزادت فروق أسعار الفائدة على الديون أخيرا، حتى إن العمالقة المصنفين AAA يستدينون وفق شروط مرهقة الآن. وصفقة جنرال إلكتريك مع المستثمر وارن بوفيت تشير إلى قلق خطير بشأن ضائقة تمويل محتملة. لكن على صانعي السياسة أن يضعوا في الحسبان أن الأثر الأكثر سوءا للائتمان باهظ الثمن سيتم الشعور به في الأشهر المقبلة وسط الشركات الصغيرة التي ليس لديها سوى خيارات استدانة قليلة.
في الوقت نفسه طلب المستهلكين آخذ في التراجع. وجانب من ذلك يعود، مرة أخرى، إلى الائتمان المتناقص. وذكر بنك إنجلترا الخميس أن المقرضين خفضوا حجم الائتمان المتاح للمستهلكين، لأن المقرضين كيفوا وضعهم مع الأزمة وتغيرت شهيتهم للمخاطر.
وحتى المتسوقين الذين يمكنهم الاستدانة يؤكدون نفورهم من اللجوء إليها. وبسبب الشعور بالقلق من ارتفاع قيمة الفواتير والصورة المستقبلية القاتمة للوظائف، قليلون هم الذين يريدون الاستثمار، خصوصا في السلع المعمرة عالية التكلفة. وتراجعت مبيعات السيارات في العالم المتقدم في الوقت الذي تعيد فيه الأسر بناء ميزانياتها المتمددة بشكل كبير.
قبل بضعة أشهر كان التضخم الانكماشي يشكل تهديدا خطيرا. لكن ضعف الطلب سمح، في نهاية الأمر، لأسعار السلع بأن تتراجع. وأتاح التراجع الأخير في أسعار النفط بوجه خاص، للمصارف المركزية مجالا لتخفيف سياسة أسعار الفائدة. ومع أن التضخم لا يزال أعلى من المستوى المستهدف في المملكة المتحدة ومنطقة اليورو، إلا أن ضعف الطلب يعني أن أسعار الفائدة تبدو الآن أعلى من اللازم.
وبالأمس قرر البنك المركزي الأوروبي أبقاء سعر الفائدة في منطقة اليورو عند 4.25 في المائة، لكنه بعث برسالة "حمائمية" بشأن تخفيضات مستقبلية. وعلى بنك أن إنجلترا أن يكون أكثر شجاعة ويخفضها في الأسبوع المقبل ـ والسؤال الحقيقي؛ بأي قدر؟
ومع أن تخفيضات أسعار الفائدة ينبغي تقريرها استنادا إلى العوامل الاقتصادية وحدها، إلا أن التخفيض لديه أيضا تأثيرات جانبية تؤدي إلى جعل منحنى العائد أكثر حدة وتزيد ربحية القطاع المصرفي المحاصر.
والمشكلة بالنسبة للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي مختلفة. فأسعار الفائدة الحقيقية في الولايات المتحدة تقل بالفعل كثيرا عن الولايات المتحدة ومنطقة اليورو ـ وهي في الحقيقة سلبية إلى حد كبير. ولأنه لم يفعل سوى القليل لطمأنة الأسواق بشأن قدراته على مواجهة التضخم، مقارنة بنظرائه الأوروبيين، ولأنه يكافح مع نظام مصرفي أكثر انحرافا، على الاحتياطي الفيدرالي أن يبقي شيئا من ذخائر خفض الفائدة في حوزته.