طبيعي...!
سعود الريس الحياة - 23/08/08//
أن تنقطع الكهرباء وتهدم ليلة زفاف تم التخطيط لها منذ أشهر أو أعوام، ويخرج علينا مسؤول في شركة الكهرباء ليبلغنا بأنه من الطبيعي ان تنقطع الكهرباء، أو تصاب المولدات بالاعطال نتيجة زيادة الاحمال في الصيف، قد نتقبلها ونتفهمها، وأن يُدلي مسؤولٌ في الدفاع المدني بتصريح يوضح انه من الطبيعي ان تزداد الحرائق في فصل الصيف مع اشتداد الحرارة، وفي الشتاء مع استخدام التدفئة البدائية «الحطب»، أيضاً نتقبلها ولا غبار عليها، أيضاً أن يخرج وزير التعليم العالي في تصريح له يؤكد به انه سيتم استيعاب 80 في المئة في الجامعات، ثم نفاجأ بأن هذه النسبة تهيم على وجهها في الشوارع، لا نقول إننا نتقبلها، بل نقول تعودنا عليها، واصبحت تحت خانة «من الطبيعي»...
لكن ان يخرج مسؤولٌ في شركة طيران ويتحدث عن كارثة محتملة بأنها «أمر طبيعي» فهنا لا بد ان تعقد لسانَنا الدهشةُ!
قبل الدخول في التفاصيل، ترى كم يبلغ عدد المصابين بـ «فوبيا الطيران»؟ وهل انت عزيزي القارئ واحدٌ منهم؟
اذا كانت الاجابة بـ «نعم»، فأنا أنصحك بعدم تتمة الموضوع لانه سيفاقم من ازمتك، فقد تعودنا ان يُطمئن العاملون في شركات الطيران ركابهم، ويؤكدون على حسن صيانة طائراتهم، ويبالغون في حرصهم على سلامة المسافرين، إلا مدير خدمات الاركاب والمبيعات في الخطوط السعودية محمد العصيل، فهو لديه رأي آخر، إذ قال في تعليق له على هبوط اضطراري لطائرة في مطار الملك فهد تعطل احد محركيها وعلى متنها 74 راكباً «ان الوقت الان هو موسم الصيف وحرارة الجو والرطوبة في اعلى درجاتهما، وتعطل الطائرات أمر طبيعي، خصوصاً وسط كثرة التنقلات بين المدن السعودية بالجو»...
هذا كان جزءاً من تصريح مسؤول يعمل في واحدة من كبرى شركات الطيران العالمية واكثرها حرصاً على سلامة ركابها، وتحظى بسجل سلامة دولي مرتفع، لكن السؤال الان عطفاً على ما قاله العصيل: ما علاقة ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة بأعطال الطيران؟ فعلى حد علمي ان الطائرات تسير في الجو وليس على كورنيش الخبر، ومن المعروف ان الحرارة تنخفض في الجو، إذن ما علاقة ذلك بالعطل؟ وبخلاف ذلك عن أي كثرة حركة يتحدث مدير خدمات الركاب؟ بعد ان بتنا نستجدي مقعداً في ظل إلغاء محطات وتباعد اوقات الرحلات،
واذا افترضنا ان هناك بالفعل حركة نشطة فهل يمكن مقارنتها مع حركة الطيران في الدول الأوروبية أو الأميركية على سبيل المثال لا سيما ان الطائرات من النوعية ذاتها؟
ثم نتساءل عن ابرز ما ورد في التصريح بأن تعطل الطائرات «أمر طبيعي»، ومعروف ان عطل الطائرات أمر مخيف، وإذا وقع - لا سمح الله - قد تكون عواقبه وخيمة، قياساً بعدد الضحايا، لذلك فأنا أشك ان يكون العصيل جاداً في وصف ذلك الامر بـ «الطبيعي»، لانه غير ذلك على الاطلاق.
واذا كنا نتحدث عن وقوع الحوادث، فيؤكد خبراء الطيران ان ما نسبته 80 في المئة منها تقع نتيجة أخطاء بشرية، ما يجعل فرضية أنه «طبيعي» أمراً مستبعداً تماماً، وغير مستحبٍ، وإلا لفضل الكثيرون - وأنا منهم - السفر مشياً على الاقدام، ولو كان الوصول لوجهتنا بعد حين!
التصريح في حد ذاته يفتح الباب على مصراعيه امام تصريحات مشابهة يُطلقها مسؤولون، لتغطية اي خلل في اداراتهم، أو للتهرب من المسؤولية، فمصطلح «من الطبيعي» بات دارجاً عند الاستفسار عن اي خلل أو تقصير في دائرة أو مؤسسة، ويشجع على استخدام ذلك المصطلح انه من النوع المطاطي، وللاسف كثيراً ما يواجهنا هذا المصطلح، لدرجة اننا سلمنا بأن كل ما يحدث لنا من ازمات وكوارث ومصائب وتراخٍ هو أمر «طبيعي»، لا بد ان نتعامل معه كأمر واقع في حياتنا اليومية، وطالما الامر كذلك فأرجو ممن تعرضتْ لهم هذه المقالة اعتبار الأمر أيضاً «طبيعياً»!
srayes@alhayat.com
المفضلات