خلص تقرير وكالة التصنيف العالمية "موديز" عن التضخم في الشرق الاوسط الى الحديث عن مرحلة من التضخم الكبير في المنطقة المذكورة، وانها تعاني بسبب اعتمادها على اسعار صرف ثابتة او شبه ثابتة، فضلا عن السيولة الكبيرة بفعل ارتفاع اسعار النفط، وكذلك وجود ضعف في البنى التحتية، واعتماد اغلب الدول على استيراد حاجاتها من الغذاء.
وبالنسبة لصندوق النقد الدولي فقد صنف منطقة الشرق الاوسط الاعلى تضخما في عام 2007 بمعدل وصل الى 10.4 في المائة، ومن المتوقع ان يتسارع هذا المعدل في 2008.
وبالرغم من ان التضخم عامل ثانوي في تصنيفات "موديز"، الا انه من الممكن ان يؤثر من خلال ثلاث قنوات: مالية، سياسية واقتصادية.
وترى الوكالة ان هذه الاتجاهات بدأت تظهر في الشرق الاوسط.
وباعطاء المخاطر المتعلقة بعدم الاستقرار
الاجتماعي تأثيرا اكبر فان الحكومات تلاقي صعوبات في ايجاد التوازن المالي.
ان اتجاه التضخم الى خلق مشاكل سياسية، هي اقل في البلدان المصدرة للنفط، لاستطاعتها توجيه مواردها المالية نحو زيادة الانفاق بما يمنع تآكل القوة الشرائية لمواطني هذه الدول.
وبحسب «موديز» فان الدول الافقر تملك هامشا اقل من المناورة، ولذلك فان الانعكاسات المالية والسياسية للتضخم اعلى في المدى القصير.
وبالرغم من ان التضخم المتسارع يؤثر على النمو في المنطقة الذي يستمر قويا، الا ان مخاطر تنبعث قد تقوض النشاط اذا استمرت.
وتشير الوكالة الى تصنيفها للبلدان في الشرق الاوسط بحسب درجة تأثرهم النسبية بالتضخم.ويأتي التصنيف بناء على ثلاثة اعتبارات : المخاطر الاجتماعية، المرونة المالية والضغوط التضخمية.
وكما هو متوقع فان البلدان غير المصدرة للنفط، والتي تعاني من ضيق في مواردها المالية والتي تشهد نسبا مرتفعة من التضخم، هي اكثر عرضة على المدى القصير من الدول المصدرة للنفط.
التضخم وتصنيف الدول
تاريخيا لم يكن التضخم دافعا لتغيير تصنيف «موديز» الائتماني السيادي. لكن هناك ارتباطا ظاهريا بين مستوى التضخم ودرجة التصنيف، فالبلدان المصنفة في المراتب الاولى تحظى في اغلب الاحيان بمستويات ادنى من التضخم. ان البلدان المصنفة في المراتب العليا تميل الى ان تحظى بادارة اقتصادية اقوى ومؤسسات ضخمة وسياسة نقدية متطورة التي تستهدف التضخم بشكل اساس. اما البلدان المصنفة في المراتب الادنى فلديها عادة اطار للسياسات اضعف، وهي اكثر عرضة لازمات النقد وغيرها من الضربات الاقتصادية وهي منكفئة عن معالجة التضخم.
ان ارتفاع معدلات التضخم يمكن ان يكون له تاثير غير مباشر على التصنيف:
1- ماليا : ان تم تدارك التضخم فقد يكون هناك تأثيرات مفيدة على ديون الحكومات وعلى الرغم من هذا فان الحكومات تجد صعوبة في الحفاظ على الاستقرار المالي خلال فترات التضخم، بسبب تعاظم مطالب المواطنين للتعويض عن خسارة القيمة الشرائية لديهم، ودعم المواد والسلع. كما ان اصحاب الديون على الحكومة يطلبون فائدة اعلى واكثر مرونة. ان التضخم قد يقوض الثقة ويؤدي الى تدني اسعار الصرف.
2- السياسي : ان المعدلات العالية للتضخم ترفع من حدة التجاذبات الاجتماعية بما ان القدرة الشرائية، خصوصا لاصحاب الدخول المحدودة، تضعف.
ان الحكومات والشركات العامة والخاصة تتردد في اغلب الاحيان في زيادة الاجور، او دعم بعض السلع لمنع تآكل الاجور، وذلك بناء على مخاوف مشروعة بان أي زيادة في الانفاق ستزيد الضغوط التضخمية والطلب الكلي.
ان التأثير الاجتماعي للتضخم ضار خصوصا اذا ما عزز الاخير تضرر بعض القطاعات ونمو البطالة.
3-الاقتصادي : ان معدلات عالية من التضخم تعرض النمو للخطر عبر ضرب الاستثمارات الانتاجية، والحد من الحوافز في السوق، وتزيد مطالب رفع الاجور وتؤثر على الانتاج عبر تزايد الاضرابات والاحتجاجات.
كما ان الية عمل السوق الحرة قد تتأثر عبر اجراءات حكومية غير سوية، منها التحكم بالاسعار.
الشرق الاوسط الاكثر تضخما
شهد الشرق الاوسط اعلى معدل للتضخم في 2007 وفقا لصندوق النقد الدولي
ومن المتوقع ان تحصل المنطقة على ثاني اعلى معدل تضخم لعام 2008 بعد الصين والهند وسنغفورة. وفي عام 2007 راوح التضخم في الشرق الاوسط بحدود معدل 10,4 في المائة وكان بنحو ضعف المعدل في الاقتصادات الناشئة.
16 % مصر و4 % المغرب
في وقت يرتفع التضخم في كل البلدان، فان هناك تفاوتا كبيرا في المعدلات .
وتتراوح بين 16,4 في المائة في مصر(ابريل) و3,7 في المائة في المغرب (ابريل).
ويفوق المعدل في الشرق الاوسط البلدان الناشئة بنحو 7 في المائة في ثمانية بلدان من اصل 11 بلدا في تصنيف «موديز» للشرق الاوسط.
عوامل التضخم تزيد
ان بلدان الشرق الاوسط هي حتما عرضة لضغوط تضخمية مشابهة لتلك التي تسيطر على البلدان الاخرى، خصوصا بسبب ارتفاع اسعار السلع. ارتفعت كل اسعار الغذاء والمعادن خلال السنوات الخمس الماضية، وهي تستمر بالتزايد بوتيرة متسارعة.
العديد من بلدان الشرق الاوسط وخصوصا الخليج تعتمد على استيراد الغذاء، بفعل المناخ المسيطر وعدم تطور قطاع الزراعة.
ربط العملات بالدولار
ان جزءا من المشكلة هو بفعل ربط اسعار الصرف بالدولار، اذ تتميز سياسات الصرف بعدم المرونة في بلدان الشرق الاوسط. باستثناء المغرب وتونس (اللتين تربطان عملتيهما باليورو)، اغلب العملات في المنطقة تربط بالدولار.
ان ضعف سعر الصرف التجاري مع الدولار، فاقم تأثيرات التضخم المستورد
في هذه المنطقة.
قيد الارتباط بالدولار السياسة النقدية للبلدان المختلفة، الامر الذي تطلب خفضا للفوائد مع خفض الفدرالي لفوائده وهو ما قاد الى فائدة حقيقية سالبة في بلدان الشرق الاوسط.
وقد ادى ارتفاع الضغوط التضخمية الى نقاشات حامية في العديد من البلدان حول جدوى ربط اسعار الصرف بالدولار خصوصا في دول الخليج.
تجد حكومات الخليج صعوبة سياسية في تخفيض انفاقها مع الطفرة النفطية، ومع وجود سياسة نقدية مقيدة الى حد كبير يصبح صعبا ترويض التضخم بفعالية، من دون تعديل على اسعار الصرف.
وعلى الرغم من ان «موديز» تلحظ ان جزءا مهما من التضخم ناجم عن عوامل غير مستوردة، خصوصا ايجارات السكن التي تحد من فعالية اعادة تقييم العملات.
الفوائد السالبة
وعلى الرغم من ان بعض المستثمرين حذرون من الاسواق المالية بدول الخليج خصوصا بعد هبوطها عامي 2005 و 2006، فان اسعار الاسهم في المنطقة ترتفع بشكل كبير كذلك بالنسبة لاسعار العقار.
ان ربحية الشركات تدفع اسعار اسهمها الى الارتفاع، في حين تدفع الدخول المتعاظمة اسعار العقارات الى اعلى كذلك فعل فتح الاسواق امام الاستثمارات الاجنبية.
ان عرض العقارات محكوم بمخزون قديم من المنازل، ونقص في عرض الاراضي وارتفاع المنافسة على اليد العاملة والمواد الاولية.
الى هذا، فان الفائدة السالبة وزيادة الاقراض كان لهما تأثيرهما الهام.
نمو القروض
ان نمو القروض للقطاع الخاص وخصوصا القروض الاستهلاكية يعزز التضخم في بعض البلدان. ان دول الخليج المصدرة للنفط تواجه اعظم نمو للقروض بسبب توسع البنوك المتخمة بالسيولة بهذه العملية.
اتخذت بعض المصارف المركزية اجراءات للتشدد في الاقراض للمستهلكين، الا ان هذا الامر لم يفعل في بعض المناطق الاخرى حيث استمرت القروض في النمو.
ان سوق الرهون الناشىء يتوسع بقوة في بعض البلدان.
في دبي على سبيل المثال بعض المقترضين يعطون اموالا بنسبة اقتراض 97 في المائة الى قيمة الرهن.
هذا الامر يعزز احتمال اصابة نوعية اصول البنوك ويرفع التزامات الحكومات عند أي حركة تصحيح بسيطة في الاسواق.
ضعف البنية التحتية
ان نوعية وحجم البنية التحتية في المنطقة لا تكفي الطلب المتزايد في بلدان المنطقة، خصوصا في مجال العقارات الذي ترتفع فيه الايجارات، وهذا عائد الى الاستثمارات القليلة في المنطقة تاريخيا.
بعد ان سارع القطاعان العام والخاص نحو الانفاق الاعماري، زاد الطلب على المواد الاولية مثل الاسمنت والحديد.
هذا الامر على صلة وثيقة بالدول المصدرة للنفط التي تشهد تدفقا كبيرا للاموال. الى هذا فان الدول غير المصدرة للنفط، مثل مصر والاردن، تتأثر ايضا بالازدهار النفطي بفعل توجه الاستثمارات الاجنبية المباشرة اليها وبعضها يتوجه بالطبع نحو العقارات.
تأثر الانتاجية سلبا
على الرغم من ان التأثير المضاد للتضخم يجب ان ينعكس على نمو الناتج المحلي، فقد بدأت مظاهر سلبية تظهر على بعض النشاطات، اذ فرضت اغلب الحكومات الخليجية قيودا على اسعار المواد الاساسية والايجارات، وحدثت تظاهرات في مصر ولبنان وكذلك مطالبات متفرقة من عمال في الخليج، كما رفعت مصر الرواتب في القطاعات العامة 30 في المائة، وكذلك فعلت دول خليجية وان بنسب متفاوتة. ان هذا الامر يدفع موظفي القطاع الخاص الى المطالبة ايضا برفع الرواتب مما يؤثر على انتاجية هذا القطاع.
ضغوط لرفع الانفاق الحكومي
يرفع التضخم الضغوط على الحكومات لزيادة انفاقها على الرواتب ودعم القوة الشرائية للمواطنين.
ان الضغوط المالية اكثر حدة في البلدان ذات الرواتب المنخفضة مثل مصر والاردن لبنان، خصوصا ان الموطنين في هذه الدول هم اكثر عرضة للتضخم وحكوماتهم تعاني في اغلب الاحيان من عجز مالي كبير في موازناتها.
التكلفة السياسية للتضخم
تعمل بعض الحكومات في البلدان ذات الدخل المنخفض اجراءات للحد من التأثيرات السلبية، لنتائج التضخم. واتخذت مصر مجموعة من الاجراءات لتعويض زيادة الرواتب والدعم، وهذا يشمل زيادة اسعار الوقود والسجائر وتقليل الاعفاءات الضريبية للشركات في المناطق الحرة. واتجه الاردن اول العام الى الغاء دعمه للوقود.
وكذلك تعمل الحكومة اللبنانية على زيادة الضرائب لتحسينماليتها الضعيفة.
وبالرغم من ان «موديز» تقيمبطريقة ايجابية بعض الخطوات المتخذة للحد من التأثير السلبي لنمو النفقات الحكومية، فانها تسجل ان هذا الامر قد يكون له ثمن سياسي ويعزز حدة التوتر الاجتماعي.
عضو مميّز
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الرويلي
ضوابط المشاركة
رد مع اقتباس
المفضلات