الرياض – عمر عبد العزيز
مع تصاعد أزمة الغذاء وارتفاع أسعار القمح والذرة عالميا وبالتالي ارتفاع تكلفة إنتاج الطحين والخبز، ومع توقع المزيد من الارتفاعات للقمح مع تحول المزارعين عالميا لإنتاج الذرة الذي أصبح يستخدم في إنتاج الإيثانول؛ عاد الجدل ليتصاعد من جديد في المملكة العربية السعودية حول قرار وقف زراعة القمح خلال 8 سنوات بدعوى الحفاظ على مخزون المياه.
وفيما دافع البعض عن القرار باعتبار أن الحفاظ على المياه المهددة بالنضوب أهم من زراعة القمح الذي يمكن استيراده
شكك آخرون في مصداقية الدراسات الخاصة بنضوب المياه الجوفية، وحذروا من عواقب وخيمة يمكن أن تترتب على إيقاف زراعة القمح، وخاصة على الصعد الاجتماعية والسكانية، مع وجود أزمة دقيق في البلاد، على الرغم من اكتفاء البلاد ذاتيا من القمح.
عائلات تفقد مصدر دخلها
مئات بل آلاف أجهزة الري المحورية وملايين العائلات يمكن أن تفقد لقمة عيشها في لحظات بفعل هذه الظروف، الزراعة لم تعد كما كانت، بعد أن قررت الحكومة وقف زراعة القمح خلال 8 سنوات، وأسعار المدخلات من بذور وأسمدة ومبيدات وغيرها سجلت ارتفاعات بنسب متفاوتة تراوحت بين 60 و400%، في الوقت الذي تم فيه تخفيض سعر شراء القمح من 3.5 ريالات إلى ريال واحد (الدولار يساوي 3.75 ريالات).
ويقول خبراء في مجال الزراعة في السعودية: إن العامين المقبلين سيكونان حاسمين لهذا النشاط، وقد تتجه شركات زراعية إلى إعلان تصفيتها في مدة لن تتجاوز 4 سنوات.
وقررت الحكومة السعودية بداية العام الجاري 2008، التوقف عن زراعة القمح، والتحول إلى استيراد كل احتياجاتها السنوية بالكامل بحلول عام 2016 بموجب خطة لتوفير المياه، وذلك من خلال خفض مشترياتها من القمح من المزارعين المحليين بنسبة 12.5% سنويا.
تهديد الشركات الزراعية
ويرى المهندس عبد المحسن المزيني رئيس اللجنة الزراعية في الغرفة التجارية الصناعية في منطقة القصيم (وسط السعودية) أن قرار الخفض التدريجي لشراء القمح يهدد وضع كثير من الشركات، لا سيما المعتمدة على المحاصيل الزراعية.
وأضاف لـ"الأسواق نت" أن هناك مقترحات يمكن أن تشد من أزر الشركات العاملة حاليا والمعتمدة على بيع القمح للدول وتمكن من بقائها، أهمها إعادة الدولة لتسعيرة شراء الطن من القمح ورفعه من 1000 ريال، إضافة إلى إطالة وقت التقليص إلى 10 سنوات مثلا أو الإبقاء عليه مع التسعيرة الموازية للتسعيرة العالمية.
وقال: إن رفع سعر شراء الطن من القمح خلال السنوات المقبلة ولو بتطبيق التخفيض من شأنه أن يدعم توجه الشركات نحو خلق فرص جديدة أمامها، والذهاب للبحث عن مناطق استثمار بأنشطة أخرى، وأنه وفقا لهذه الآلية المقترحة ستصبح الشركات والمزارعون -على حد سواء- بمنأى ولو نسبي عن الأزمة القادمة.
جوانب سلبية وإيجابية
أما المهندس سعد السواط مدير شركة تبوك الزراعية (شمال غرب السعودية)، فرأى أنه لا توجد شكوك حول وجود إيجابيات من القرار الاستراتيجي بحفظ المياه الجوفية.
لكنه استدرك وذكر أن هناك جوانب سلبية تتمثل في تضرر شريحة واسعة من العاملين في المجال الزراعي.
وأفاد السواط بأن القرار جاء في وقت تتزايد فيه التساؤلات حول الدراسات التي عملت من أجل استقراء الوضع الحالي والمستقبلي للمياه الجوفية وكمياتها المتاحة، موضحا أن الأمل كان تدارس القرار مع القطاع الخاص المتضرر قبل التنفيذ لأخذ رؤاه وطرق معالجته وآليات تنفيذه.
وأوضح أن تبعات القرار ربما تطال ما هو أبعد من المزارع، إذ إن هناك مناطق كثيرة من البلاد قائمة على زراعة القمح، فماذا سيحصل لتلك المناطق بعد إيقاف الشراء مثل الجوف وتبوك وغيرها، إضافة إلى أن هناك بعدا اجتماعيا بالغ الأهمية المتمثل في العاملين في القطاع، لا سيما أن هناك عددا كبيرا من الخدمات المساندة للمزارعين ستقع تحت طائلة الانعكاسات السلبية من القرار، ومنها النقل والأسمدة، وغيرها كثير.
وقف الإنتاج غير مناسب
وانتقد عبد العزيز الطلاس عضو مجلس إدارة شركة الجوف للتنمية الزراعية قرارات خفض مساحات زراعة القمح، وفرض القيود لتحجيم الزراعة في السعودية، ووصفها بأنها جاءت في توقيت غير مناسب.
وقال في حديثه لـ"الأسواق نت" إنه على الرغم من أن القرار يمس شريحة كبيرة من المجتمع؛ إلا أن إصداره لم يأخذ حقه من البحث، ودون عرضه ومناقشته مع مسؤولي القطاع الزراعي.
واعتبر أن وقت صدور قرار وقف زراعة القمح يتوافق مع عدد من الظروف العالمية التي تعاني منها المملكة في شكل مؤثر، ومن بينها اختفاء سلع وارتفاع أسعارها من حين إلى آخر، وأهمها الدقيق، وفي وقت تواصل فيه السعودية إنتاج القمح.
وتساءل "كيف ستكون الحال عندما تتوقف الزراعة، وعندما نعتمد على الاستيراد؟ وماذا عن ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية الأخرى ومدى توافرها؟.
وحذر من أن مناطق مثل حائل والجوف وتبوك ووادي الدواسر والأفلاج والخرج وغيرها ستتحول إلى مدن أشباح، وسيهجرها أهلها إلى المدن الرئيسة التي ستعاني من الهجرة العكسية، وستكتظ بالعاطلين من العمل، وتكبر المشكلات الأمنية التي تعاني البلد منها حاليا.
وأضاف أنه عندما فكرت وزارة الزراعة في وضع الخطة الاستراتيجية للزراعة في المملكة كان التفكير سليما، لكنها لم توفق بالجهة التي أوكل إليها إعداد هذه الاستراتيجية وهي البنك الدولي، مشيرا إلى أن القائمين على إعدادها كانوا ممن عُرفت آراؤهم المبيتة لوقف الزراعة، ولم يكونوا يخفونها، بل كانوا يعلنونها في كل مناسبة، وعليه فنتيجة دراستهم كانت معروفة مسبقا.
ودعا إلى إعادة النظر في تلك القرارات، مشيرا إلى أن منطقة مثل بسيطا في الجوف رغم مرور 20 عاما على زراعتها فإن منسوب المياه فيها لم يحدث له تغيير يذكر، مما يعني أن له تغذية تأتيه من دول ومناطق أخرى ويؤكد أنه لا خوف من نضوب مياهها لو وضعت خطة لها تسير عليها وعملت توليفة محصولية تناسب إمكانياتها.
وتساءل: من يقف وراء التهويل بأن مخزون المملكة من المياه سينضب لو لم توقف الزراعة تماما خلال هذه الفترة؟ مشيرا إلى أن بعض الشركات الزراعية نجحت في تخفيض استهلاك هكتار القمح من 7 آلاف إلى 4 آلاف متر مكعب، بنسبة 40%، وبجهود فردية غير منظمة.
القمح يستهلك ثلث مياه الزراعة
وفي المقابل يؤيد الخبير الجيولوجي فهد العبيد، وقف زراعة القمح التي قال إنها تستهلك ثلث المياه الموجهة إلى الزراعة.
وقال: إن زراعة القمح تستهلك 32% من مخزون المياه الجوفية غير المتجددة، في حين تستهلك كل الزراعات 68%، متسائلا عن جدوى زراعة القمح التي تستهلك ثلث كمية المياه الجوفية.
وطالب بمنع زراعة جميع المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه العذبة، فكثير من الثمار كالبرتقال والبطيخ والحبوب كالرز والقمح تستهلك كميات كبيرة من المياه.
وتساءل قائلا: "أيهما أجدى إنتاج كيلوغرام واحد من القمح أم هدر 200 جالون من المياه؟ واستيراد ألف طن من الخضروات أم توفير مليون متر من المياه اللازمة لزراعتها؟ واستيراد اللبن من الخارج أم إنتاجه بمياه محلاة تكلف 15 ريالا لكل كوب؟".
وكانت دراسة قدمها رئيس اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى الدكتور محمد القنيبط حول الواقع المائي في السعودية، أوضحت أن خزانات المياه الاستراتيجية قرب مدينة الرياض العاصمة لا تكفي لاستهلاك أكثر من ثلاثة أيام بمعدلات الاستهلاك الحالية، أو من 5 إلى 7 أيام على أبعد تقدير، ومن ثم فإن موضوع خزانات المياه الاستراتيجية ومصالح المياه في مدن السعودية تعتبر مشكلة أمنية أخطر بكثير من مشكلة الأمن الغذائي.
وقالت الدارسة: إن الغالبية العظمى من المواطنين يملكون في منازلهم مواد غذائية تكفيهم أسابيع عدة، في حين لا يملك غالبيتهم من الماء ما يسد حاجتهم 3 أو 4 أيام على الأقل.
واقترحت الدراسة تقديم إعانة لمزارعي القمح نظير رفع الدعم عنه، وكذلك استيراد حاجات السوق السعودية من القمح.
زراعة القمح غير مجدية
ويقول المهندس سلطان الثنيان -مهندس زراعي معهد بحوث زراعية-: إن زراعة القمح لم تعد مجدية في ظل الارتفاع الكبير في الأسمدة والمبيدات والنقل، إلى جانب أن أسعار البذور التي تنتجها الشركات -مشيرا إلى جميع متطلبات الزراعة- تشهد ارتفاعات متكررة.
وأشار إلى أن المزارع الصغير لم تعد زراعة القمح خيارا اقتصاديا بالنسبة له، متوقعا أن يشهد الموسم المقبل انخفاضا في المساحات المزروعة بنسبة تصل إلى 40%.
تضرر المزارعين
ويقول محمد البنية -وهو مزارع من الجوف-: إن مناوئي زراعة القمح يدعون أنها تستنزف المياه رغم عدم وجود دراسات حقيقية أو واقعية تدعم هذه الفرضية، في الوقت الذي يستخدم كثير من المزارعين والشركات وسائل ترشيد كبيرة خفضت الاستهلاك بنحو 40%، فضلا عن كون فترة زراعة القمح في السعودية قصيرة ولا تتجاوز 75 يوما وتتم في فصل الشتاء في جميع المناطق.
وشدد البنية في تصريحات لموقعنا على أن إجبار المزارعين على وقف زراعة القمح تحديدا من خلال قرارات التخفيض وتجاهل معاناتهم سيجبر كثيرين منهم إلى الاتجاه نحو زراعات أخرى، سواء البطاطس أو الأعلاف أو البصل، وكلها أكثر استهلاكا من القمح.
واعتبر الطرح الذي يقول: إنه يمكن شراء القمح وهو السلعة الاستراتيجية من الخارج اعتبره قولا تنقصه الدقة، لأن الأسعار العالمية حاليا ارتفعت بسبب مشاكل في العرض والطلب على القمح بعد أن تم تحويل عدد كبير من حقول القمح في أمريكا وأوروبا إلى الذرة الصفراء التي ارتفع الطلب عليها كأعلاف، ودخولها في مجال الصناعات التحويلية للإيثانول.
تاريخ زراعة القمح
وكانت الحكومة السعودية بدأت في سبعينات القرن الماضي برنامجا لتشجيع المزارعين على زراعة القمح، وكانت تضمن لهم في ذلك الوقت سعرا يبلغ 3500 ريال للطن، وأسست المؤسسة العامة لصوامع الغلال عام 1972 لتسهيل تصريف الإنتاج، فاتسعت المساحة المزروعة، وزادت أعداد المزارعين.
وما لبثت مشكلة نقص المياه أن برزت في المملكة، وألقت دراسات كثيرة التبعة على القطاع الزراعي، خصوصا زراعة القمح التي تستنزف كميات كبيرة من المخزون الاستراتيجي للمياه.
وفي مواجهة الانتقادات لدفعها أسعارا مبالغا فيها للمزارعين خفضت الحكومة السعر تدريجيا إلى 1000 ريال للطن.
وتنتج السعودية 2.5 مليون طن من القمح سنويا تكفي الطلب المحلي لديها.
المفضلات