هبوط أسعار العقارات .. هل يكون الخطر القادم؟
أحمد العمري - محامي
مع توافر عدد كبير من الفوائض النقدية الباحثة عن منافذ استثمارية لدى العديد من المصارف العربية, خاصة الخليجية منها, دأبت الغالبية العظمى من تلك المصارف على التركيز في تسهيلاتها الائتمانية على قطاعي الأسهم والعقار. وقد يكون السبب في هذا التوجه هو النأي عن المخاطر مع وجود ضمانات لتلك المصارف متمثلة في الأسهم والعقار. وبالفعل فقد كان أداء المصارف العربية جيدا خلال عام 2005, حيث استطاع العديد منها مضاعفة أرباحه مقارنة بعام 2004. وتزامن ذلك مع ارتفاع ملحوظ في محفظة القروض وازدياد قاعدة الودائع وحقوق المساهمين بنسب عالية للغاية بلغت مليارات الدولارات. واستمر هذا التوجه الإيجابي يواصل صعوده خلال الربع الأول من هذا العام, لتشهد بعده أسواق الأسهم في المنطقة العربية عموما والخليج بصورة خاصة انخفاضا كبيرا في الأسعار عقب القفزات الخيالية التي سجلتها الأسهم خلال العام الماضي.
حاليا مازالت عملية التصحيح التي تمر بها أسواق الأسهم الخليجية تسير ببطء يشوبه بعض التذبذب إلى أن تأخذ مسارها الصحيح في نهاية المطاف. فمع الارتفاع الكبير الذي سجلته أسعار الأسهم خلال الأعوام الماضية تزايد الإقبال على القروض الشخصية بغرض شراء الأسهم, وبهوامش ربحية عالية, كان الأفراد يقبلون بها أملا في أن يكون تواصل وتيرة الارتفاع في أسعار الأسهم كفيلا بتحقيق عائدات مجزية تضمن لهم سداد التزاماتهم لتلك المصارف مع تحقيق بعض المكاسب. فإذا ما صحت بعض التقديرات التي تشير إلى أن المصارف قامت في العام الماضي بتوفير الإقراض لنحو 50 في المائة من عمليات الاستثمار في الأسهم ونحو 70 في المائة من إجمالي المبالغ المستثمرة في اكتتابات الطرح العام الأولي, جاز لنا أن نتخيل مدى المخاطر التي قد تتعرض لها البنوك من جراء عمليات الإقراض هذه. وبالقدر نفسه فإن ما حدث من انخفاض لأسعار الأسهم يعزى بدرجة كبيرة إلى زيادة العرض على الطلب الناجمة عن لجوء الكثيرين من حملة الأسهم إلى طرحها للبيع بغية تقليص خسائرهم من جهة أو بسبب لجوء بعض المصارف إلى تسييل المحافظ الاستثمارية في اللحظة التي تشعر فيها بنزولها إلى نقطة الخسارة, حتى لا يؤثر انخفاض التداول في الأسواق سلبا في إيرادات تلك البنوك.
أما بالنسبة إلى القروض العقارية فقد انتهجت فيها البنوك سياسة النأي عن المخاطرة نفسها من خلال اللجوء إلى الضمانات التي غالبا ما تكون في شكل رهن عقاري. وعلى الرغم من عدم تأثر أسواق العقارات حتى الآن بالتراجع الذي شهدته أسواق الأسهم لعدة أسباب, من أهمها ارتفاع معدل النمو السكاني والسماح للأجانب في بعض دول الخليج بتملك العقارات, إلا أن الأسعار التي بلغتها العقارات في معظم دول الخليج قد وصلت إلى أرقام فلكية لا تتناسب مع القوة الشرائية للسواد الأعظم من أفراد الطبقة المتوسطة أو محدودة الدخل, سواء من حيث أسعار البيع أو الإيجار, مما ينذر عاجلا أم آجلا بحدوث حالة من الركود في سوق العقارات ناشئة عن انعدام التوازن بين العرض والطلب. لقد أدى قيام المزيد من الشركات العقارية العملاقة ذات الاستثمارات الضخمة إلى حدوث فائض في العقارات المعروضة للبيع في سوق العقارات.
وبما أن جزءا كبيرا من الأموال المستثمرة في تشييد هذا الفائض العقاري تم تمويلها عبر القروض المصرفية، فإن أي تعثر في سداد المبالغ أو الأقساط المستحقة للبنوك في حينها سوف يخلق صدمة في سوق العقار تنتهي إلى امتلاك المصارف عقارات مقيمة دفتريا بأقل من قيمتها السوقية الفعلية. وبطبيعة الحال فإنه سيكون من الصعب أو المستحيل على المصارف الاحتفاظ بملكية هذا الكم الهائل من العقارات، لأن مجرد تشغيلها وصيانتها يفرض على البنوك أعباء إدارية لا قبل لها بها، إضافة إلى أن انخفاض التداول فيها بسبب ارتفاع أسعارها سوف يؤثر سلبا على إيرادات المصارف، ويؤدي إلى تجميد نسبة كبيرة من أصولها في شكل موجودات عقارية يصعب تسييلها طبقا للقيمة الدفترية التي تفوق كثيرا ما يرغب المشترون في دفعه.
حتى الآن لا يزال قطاع العقار متماسكا دون أن يسجل الانخفاض الحاد نفسه الذي شهدته الأسهم، لكن من المؤكد أن زيادة المعروض في هذا القطاع بصورة لا تتناسب مع الطلب ستكون من شأنها أن تؤدي في نهاية المطاف إلى انخفاض كبير في الأسعار تكون البنوك هي أول من يدفع ثمنه. إن السياسات والصيغ الراهنة المتبعة من قبل البنوك في مجال الإقراض العقاريربما لا تكون مجدية على المدى إذا ما قورنت بمثيلاتها في الدول الأكثر تقدما، والتي يشكل فيها التعامل المصرفي منظومة أساسية في حياة الفرد تعنى بجميع احتياجاته ومتطلباته وبصورة تنسجم مع متوسط دخل الفرد والأوضاع الاقتصادية بصورة عامة، وحيث إن البنوك هي في نهاية المطاف مؤسسات وطنية استثمارية وتمويلية يجب أن يكون لها دور رائد في تحقيق التنمية الاجتماعية، فلا بد ألا يكون دورها مقصورا فقط على تحقيق أعلى معدلات الربحية من خلال الفوائد العالية على القروض، بل يجب أن يمتد دورها لدفع عجلة التنمية الاجتماعية من خلال الأخذ بيد عملائها من الشرائح المتوسطة الدخل نحو تحقيق تطلعاتهم عبر خطط الإقراض الهادفة إلى إقامة مشاريع إنتاجية مضمونة الجدوى ذات فائدة للبنك والمجتمع والعميل على حد السواء.
إن دور قطاع العقار والتشييد في الاقتصاد الخليجي يعد دورا لا يستهان به في ظل الطفرة الاقتصادية والتنموية التي تشهدها دول المنطقة بشكل عام، وبالتالي كان لا بد من أن تحظى الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع تكلفة وأسعار العقار باهتمام كبير من قبل بعض الدول الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، والتي بادرت إلى تحمل مسؤولياتها الاجتماعية تجاه الشرائح الضعيفة من خلال إطلاق خطتها الرامية إلى إنشاء 16 ألف وحدة للإسكان الشعبي، إضافة إلى دعمها لصندوق التنمية العقارية الذي لا أحد ينكر ما أسهم به من دور فعّال في حل مشاكل السكن بالنسبة لمحدودي الدخل خلال فترة الطفرة العقارية الأولى. وبالتالي فإن الدور المنتظر من البنوك في المجال العقاري يجب أن يتجاوز المشاريع العقارية ذات الطابع الاستثماري والتكلفة العالية إلى تمويل مشاريع الإسكان الشعبي التي تهم شريحة واسعة من المواطنين، جلهم من قطاع الشباب المتطلع إلى بناء حياته وتكوين الأسرة وصولا إلى حل العديد من المشاكل الاجتماعية والأسرية.
المفضلات