بسم الله الرحمن الرحيم
منذ أن صرح الأمير الوليد بن طلال عن عزمه على طرح جزء من شركة المملكة القابضة للاكتتاب العام والإدراج في السوق المالية السعودية منذ ذلك الوقت أصابتني حالة من التشاؤم والنظرة السوداوية ليست للسوق المالية السعودية فحسب بل للاقتصاد السعودي ككل...وكلما حاولت الكذب على نفسي محاولا إقناعها بإيجابية هذا الأمر على السوق المالية على المدى البعيد صفعتني(نفسي) بتساؤلات منطقية ومقلقة لاأعرف لها منتهى ....
حاولت مرارا وتكرارا تجنب الكتابة في هذا الموضوع
مستبعدا موافقة هيئة سوقنا على طرح جزء من هذه الشركة للاكتتاب العام قبل طرحه للدراسة المستفيضة المحايدة الغير متحيزة بعيدا عن المحاباة من أجل معرفة آثاره القريبة والبعيدة المدى على السوق المالية بشكل خاص والاقتصاد السعودي بشكل عام وخاصة إذا ماعرفنا أنها لاتعدو عن كونها محافظ استثمارية غالبيتها في أسهم أقلية لشركات أجنبية ومحلية متنوعة الأنشطة والأعمال خاضعة للتقلبات الاقتصادية السريعة هذا عدا عن ضخامة رأسمالها البالغ 63 مليارا والذي لابد من التأكد من عدالة تقييمه ......
لقد ازداد عجبي بعدما قرأت تصريحات الأمير الوليد التي أطلقها في بعض الوسائل الإعلامية مقررا فيها طرح جزء من شركته للاكتتاب العام قبل نهاية الربع الثاني من هذا العام ضاربا بعرض الحائط هيئة سوق المال ورئيسها الذي لم ينبس ببنت شفة حيال هذا الموضوع الهام الذي أربك السوق وخلط الأوراق حتى ظن البعض أن رئيس الهيئة هو سمو الأمير لا سعادة الدكتور!!!!وخاصة بعد الموافقة السريعة من قبل الهيئة على بدء عملية بناء سجل أوامر الاكتتاب لشركة المملكة القابضة.
فإن قال قائل: إن للأمير الحق في إطلاق مايشاء من تصريحات إعلامية متعلقة بشركته.....
قيل له : نعم للأمير أن يصرح بما يشاء ولكن فيما ليس فيه ضرر للآخرين فحريته تتوقف عند ضرر الآخرين ومن المعلوم مدى الضرر الذي تحدثه تصريحات الأمير المجردة من أي خبر فكيف بالله عليكم ياهيئتنا الموقرة إذا ماتضمنت هذه التصريحات المباغتة المتصفة بالفرض (لاالطلب) خبر اكتتاب هذه الشركة الاستثنائية في كل شئ....
إن من حقي ومن حق جميع الشعب السعودي وخاصة الذين فقدوا نصف زينة الحياة الدنيا(أموالهم) في محرقة المال السعودية, من حقنا جميعا أن نطرح وجهات نظرنا وأن يتم أخذها في الاعتبار فنحن جزء من هذا المجتمع وأموالنا كانت وقودا لمحرقة أشعلها نازيون جدد سامونا سوء العذاب فنهبوا أموالنا واختلسوا ثرواتنا وسرقوا أحلامنا وبددوا آمالنا وقتلوا طموحاتنا وتركونا مجندلين تحت أديم السماء تسفونا ريح الخسائر مثقلين بالديون فإلى الله المشتكى....
فمن هذا المنطلق أطرح بعض التساؤلات والإشكالات الهامة حيال هذا الاكتتاب وذلك من خلال النقاط التالية:
أولا:تأسست شركة المملكة القابضة عام 1980م على يد الأمير الوليد بن طلال ويبلغ رأسمالها في الوقت الحاضر 63 مليار ريال(حسب زعم الشركة) عبارة عن محافظ استثمارية في أسهم شركات أجنبية ومحلية مختلفة الأنشطة ويبلغ عدد موظفي الشركة 63 موظفا فقط
ثانيا: من المؤسف جدا أن وسائل إعلامنا المختلفة لم تتطرق إلى المشكلة الرئيسة التي ستتولد من طرح جزء من شركة المملكة القابضة للاكتتاب العام بل كان مدار النقاش حول النسبة التي يعتزم الأمير الوليد طرحها من شركته فانقسم كثير من المحللين إلى طائفتين طائفة ترى أن النسبة المتوقعة هي 30% أي مايعادل 1.89 مليار سهم قيمتها 18.9 مليار ريال وطائفة أخرى ترى أن النسبة المتوقعة 5% أي مايعادل 315 مليون سهم قيمتها 3.15 مليار ريال وأخذ كل طرف يدلي بدلوه حول تأثير النسبة التي توقعها على السوق المالية فيما لو كان قرار هيئة السوق موافقا لرأيه ....وفي رأيي أن النقاش السابق يعتبر نقاشا فرعيا لايبحث أساس المشكلة ولكن في أثر من آثارها الجانبية
وكان من المفروض أن يدور النقاش حول النقطة الأهم ألا وهي إمكانية السماح للشركة بطرح جزء من أسهمها والإدراج في السوق المالية السعودية من عدمه ... ودراسة مدى تأثير هذا الطرح ومن ثم الإدراج(أيا كانت نسبته ) على السوق المالية والاقتصاد السعودي والمناخ الاستثماري على المديين القريب والبعيد خاصة في ظل سعي الأمير الوليد عن مصلحته المالية في المقام الأول حتى لو تعارض ذلك مع بعض المصالح الاقتصادية العليا مع عدم إغفال الطموح المتزايد للأمير الوليد والسعي الحثيث من أجل مزيد من السيطرة الاقتصادية والإعلامية(عصبا العولمة) وحب البروز الاجتماعي على الصعيد المحلي والعربي والعالمي .
ثالثا: غاب كثير من محللينا وكتابنا في الوسائل الإعلامية المختلفة عن مناقشة مثل هذا الموضوع الهام جدا ولم يتم التطرق له إلا من حيث النسبة المتوقع طرحها وكان من المفترض فتح الأبواب على مصارعيها لأهل الاختصاص من أكاديميين ومستشارين اقتصاديين وماليين من أجل الحديث عن هذه النازلة الاقتصادية العويصة ولا يستبعد أن يكون سكوت الهيئة كل هذه الفترة بعد تصريحات الأمير الوليد وعدم التعليق عليها كان لرصد الزوبعة والصخب الإعلامي التي ستحدثها تلك التصريحات ومن ثم اتخاذ القرار بناء على مدى قوة ردود الأفعال التي لم تكن متوافقة مع هذا الحدث الجلل الأمر الذي أسفر عنه موافقة الهيئة السريعة على بدء عملية بناء سجل أوامر الاكتتاب لشركة المملكة القابضة .
رابعا: تنفس البعض الصعداء بعد إعلان الهيئة عن عدد الأسهم التي سيتم طرحها للاكتتاب 315 مليون سهم تمثل مانسبته 5% من أسهم شركة المملكة القابضة آملين ألا تؤثر هذه الكمية على سيولة السوق وفي اعتقادي أن خيار 5% هو الخيار المفضل للأمير الوليد الذي سيسهل عليه إيجاد بنك يتعهد بتغطية الاكتتاب البالغ 3.15 مليار ريال وهو ماسيكون صعبا فيما لو كانت النسبة 30% (أي 18.9 مليار ريال) حيث سيتعذر على البنك المتعهد (حتى لو كان سامبا) أن يخاطر بالتعهد بتغطية اكتتاب يتوقع له أن يشهد عزوفا كبيرا من قبل فئة كثيرة من المجتمع بسبب بعض نشاطات الشركة المحرمة وكذلك ضخامة عدد الأسهم المطروحة .....
إن طرح 5% سيوفر للأمير الوليد فرصة عظيمة لتقييم محفظته الاستثمارية كلها مع ضمان نجاح الاكتتاب لقلة الأسهم المطروحة(315 مليون سهم) كما أن له الحق بعد مرور ستة أشهر أن يبيع مايشاء من أسهم شركته في السوق المالية بكل يسر وسهولة ...
خامسا : إن الموافقة للأمير الوليد على طرح جزء من شركته للاكتتاب العام ومن ثم الإدراج في السوق المالية السعودية ستضع شركة المملكة القابضة المؤثر الأكبر في مؤشر السوق السعودي الأمر الذي سيجعل الأمير الوليد من أكبر العوامل المؤثرة في السوق وسيخضع سوقنا لمزاج أميرنا الطموح وسنجبر على متابعة صحته وأخباره وأحواله كلها كما سنهتم بمتابعة استثمارات شركته وأخبارها وأوضاعها المالية والقانونية في جميع بلاد الدنيا ...
كيف لا ..؟..ومصير أموالنا مرتبط بشخص الأمير وشركته......
إن تسليم زمام السوق المالية السعودية لشخص واحد سيفقد السوق عمقه المنشود وسيقلل من ثقة المستثمرين فيه وسيجعله قليل المناعة كثير التغيرات ضعيف الاستقرار مما سينعكس على المنظومة الاقتصادية كلها....
سادسا: يشكل الاستثمار في شركات أجنبية أكثر من ثلثي المحفظة الاستثمارية لشركة المملكة القابضة أكثرها حصة أقلية في أسهم شركات مدرجة في البورصات العالمية وبالتالي يحق لنا أن نتساءل عن مدى المنفعة التي ستعود على الوطن والمواطن من هذه الاستثمارات البعيدة عن أرض الوطن وخير دليل على ذلك عدد موظفي شركة المملكة البالغ عددهم 63 موظفا فقط جلهم من الأجانب, كما يحق لنا أن نتساءل عن أسباب عزوف هذه الشركة عن الاستثمار في مشاريع تنموية كبرى تساهم في النمو الاقتصادي كالمشاريع الصناعية وخاصة البتروكيماوية حيث تعتبر بلادنا(ولله الحمد) مجالا خصبا لمثل هذه الاستثمارات.
كما أن حجم هذه الحصص المستثمرة في كثير من هذه الشركات تعتبر عديمة التأثير في قراراتها مما يعني تلاشي أي أمل في توجيه قرارات هذه الشركات الكبرى من أجل الدخول إلى السوق السعودية للاستثمار فيها.
سابعا: يلاحظ أن شركة المملكة القابضة تمتلك أسهما في كل من شركة التصنيع الوطنية بنسبة 15% وشركة صافولا بنسبة 17.9% ومجموعة سامبا المالية بنسبة 5% وجميع هذه الشركات شركات متداولة الأسهم في السوق السعودية وبالتالي فإن إعادة تقييمها ومن ثم طرح المحفظة الاستثمارية المضمنة إياها للاكتتاب هو نوع من الازدواجية.....
قد يقول قائل وما المانع من ذلك فصافولا تمتلك في شركة المراعي وكلتاهما مدرجتان في السوق المالية وهناك شركات أخر تماثل وضعهما
...؟ ونجيب عليه بقولنا: إن شركة صافولا تمتلك في شركة المراعي قبل إدراجها في السوق المالية السعودية وعندما طرحت للاكتتاب تم ذلك عن طريق بيع حصة من حصص الملاك والتي من ضمنها حصة شركة صافولا مع احتفاظها بجزء من حصتها لم تبعه ولايمكن لها أن تعيد طرحها مرة أخرى للاكتتاب العام وإذا أرادت التخلص منها فستبيعها في السوق مباشرة ....وبالتالي فإن استثمار شركة المملكة القابضة في أسهم شركات مدرجة في السوق المالية السعودية ثم إعادة تقييمها وطرحها مرة أخرى هو نوع من الازدواجية ......
ثامنا: مما يثير الاستغراب عدم قيام الشركة بنشر قوائمها المالية حتى كتابة هذا الموضوع مع أن الشركة تدعي دائما الشفافية والوضوح
فهل يعقل أن يتم تأخير نشر قوائمها وبياناتها المالية إلى هذا التاريخ....؟
هل يكفي نشرها قبل الطرح ببضعة أيام وهي الشركة ذات رأس المال الــ63 مليارا ...؟..
أم أن النشر من أجل تحلة القسم فقط ...؟
وأين الهيئة عن مطالبة الشركة وإلزامها بنشر قوائمها المالية ليطلع ذوو الاهتمام والاختصاص عليها قبل الطرح بوقت كاف ...؟
تاسعا: قد يعتقد البعض أن دافعي من كتابة هذا الموضوع هو أن صاحب الشركة من طبقة الأمراء ...فوالله ماكان هذا الدافع أبدا والأمير الوليد نحترمه كأمير ولكننا نختلف معه في بعض الأمور ومنها السماح له بطرح جزء من شركته للاكتتاب العام ...ولست (ولله الحمد) ممن يصطاد في الماء العكر بل إن هناك طبقة من الأمراء المستثمرين نفتخر بهم ونثني على جهودهم كالأمير سلطان بن محمد بن سعود الكبير العضو المنتدب لشركة أسمنت اليمامة ورئيس مجلس إدارة كبرى شركات الألبان في الشرق الأوسط ألا وهي شركة المراعي التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي للمملكة والأمير عبدالله بن مساعد رئيس مجلس إدارة شركة صناعة الورق وقبلهم قيادتنا الحكيمة خادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه وسمو وزير الداخلية رجل الأمن الأول....
ختاما
أتمنى من جميع المسؤولين في مجلسنا الاقتصادي المحترم وهيئتنا الموقرة دراسة هذه النازلة الاقتصادية دراسة متعمقة وإشراك أهل الاختصاص والشأن من أكاديميين ومستثمرين ومحللين قبل الإقدام على طرح هذه الشركة للاكتتاب العام
وتقبلو تحية اخيكم الرشيد
المفضلات