النمور الخليجية وتحدي الاتكال على النفط
النمور الخليجية
وددت ان اشق قلوب مسؤلينا الاقتصاديين لأعلم بماذا يفكرون به عندما كانوا يراقبون اسواقهم تنهار واحدة تلو الأخرى خلال السنتين الماضية، فموقفهم المتفرج أو قرارتهم الارتجالية لا تعتبر كافية لإشباع نهمنا في معرفة طريقة تفكيرهم.
انهيار اسواق الأسهم بعد فقاعاتها ليست الا تجربة بسيطة مقارنة بالأحداث التي من المتوقع أن تأخذ مكانها في طريق تطور اقتصادياتنا الخليجية الناشئة، فمجرد الاعتقاد بأن باحتمال حدوث عقبات مزمنة أو جذرية يعتبر غير كاف لأنها أحداث غير محتملة بل متوقعة والأزمة التي تعرضت لها النمور الأسيوية ليست ببعيدة.
المسألة التي أشير إليها هي التوسع الذي نشهده حاليا في عملية تمويل المشاريع والأفراد المحلية في ظل التطورات العمرانية والمالية في المنطقة، هذا الأمر الذي اعتقد بأنه سيكون الدافع الرئيسي لاستمرار ارتفاع معدل التضخم في المنطقة وبشكل خاص في السعودية. الأرقام الرسمية المعلنة للتضخم في السعودية للأسف تعتبر غير دقيقة وقديمة، فأرقام تكلفة المعيشة التي تصدر عن مؤسسة النقد اظهرت ارتفاع يتجاوز 100% خلال السنتين الماضية في نفس الوقت الذي بدء التمويل للأفراد والذي كان لا يقل عن 40% منه موجه لسوق الأسهم.
السعودية مقبلة على تطور مختلف للبيئة العقارية فيها فهناك مشاريع المدن الاقتصادية ومشاريع التطوير العقاري للمدن الرئيسية، هذه المشاريع ستعتمد على التمويل البنكي بشكل شبه رئيسي وعملية تسويقها للأفراد كوحدات سكنية ستكون أيضا باستخدام ميزة التمويل المتوفرة سواء عن طريق البنوك او شركات التمويل التي ستأخذ وضعها لاحقا في النظام المالي السعودي. هذا التطور كفيل بأن يدفع معدلات التضخم لمستويات غير مسبوقة، وفي نفس الوقت سيسبب ضغطا اضافيا على الريال السعودي مقابل الدولار او حتى العملات الأجنبية الأخرى بسبب هرولة هيئة الاستثمار للمستثمر الأجنبي، فمؤسسة النقد لا تستطيع استخدام معدل سعر الفائدة كأداة فعالة في مواجهة التضخم بسبب ربطها الريال بالدولار والطريقة البديلة التي تستخدمها هو التحكم في التمويل ما بين فترة وأخرى وانتظار الزمن ليعالج المشكلة.
فعند امتداد تأثير ذلك على سعر صرف الريال سيدفع مؤسسة النقد لاستنزاف الاحتياطي الأجنبي التي تملكه والذي يعتبر الأكبر حاليا مقارنة بالسنوات الماضية والفضل يعود لارتفاع سعر البترول، المعضلة هنا هي ان ارتفاع سعر البترول حاليا معرض للهبوط خاصة اذا وضعنا في الاعتبار أمرين مهمين. الأمر الأول هو قرب انتهاء فترة رئاسة بوش والذي كان السبب الأساسي في ارتفاع سعر البترول بسبب سياسة الحرب على الإرهاب التي تعتمدها إدارته، وهو مرتبط بالأمر الآخر وهو الحرب على إيران، فما يحدث الآن من تطورات إيجابية في سعر البترول ليس الا بسبب الحرب المحتملة على إيران، فكلما زادت احتمالات الحرب زاد الخوف في اسواق البترول، وهو الأمر الذي سيستمر حتى تنتهي ولاية الرئيس الأمريكي الحالي.
دول الخليج الأخرى ليست أحسن حظا من السعودية فالإمارات سبقتنا في التطور العقاري والذي دفع معدلات التضخم لديهم إلى حدود 9% بحسب الأرقام المعلنة، هذا الارتفاع في معدل التضخم كانت بدايته مدفوعة بالتطور العمراني في مدينة دبي وحرية النظام المالي في نفس الأمارة. وهو ما دفع الإمارات الأخرى لمجاراتها مما يعني توقع ازدياد مضطرد في معدل التضخم.
الأمر المزعج بالنسبة للإمارات هو ان مسؤوليها الماليين والاقتصاديين بخلاف الشيخ محمد بن راشد دخلهم القليل من الثقة الزائدة وهو أمر واضح في تصريحاتهم مؤخرا ، وابدائهم الاستعداد باستضافة البنك المركزي الخليجي يثير المخاوف بأن مثل هذه الخطوة المبكرة ستلهيهم عن مشاكل اقتصادية محلية أعظم، فالمسؤولين الاقتصاديين الخليجين بشكل عام لم يسبق لهم أن عاصروا نكسات اقتصادية كالتي حدثت للنمور الأسيوية، ولا استبعد أن يفيق المسؤولين الاقتصاديين في الإمارات مع نهاية السنة المالية الحالية على احتمال اقتراب الدولة لمرحة كساد مزعج.
أعتقد أنه يجب على المسؤولين الاقتصاديين الخليجيين وبالأخص السعوديين والإماراتيين العمل على وضع استعدادات حقيقية للعقبات الاقتصادية المتوقعة وليست المحتملة، فما حدث للنمور الأسيوية ليس ببعيد خاصة وأن قوة اقتصاد المنطقة يعتمد بشكل شبه كامل على عائدات النفط والتي لاتعتبر دائمه.
محمد عبدالله السويد – مدير مجموعة الخليج للإستثمار بدبي
رابط المقالة بجريدة الحياة
المفضلات