بسم الله الرحمن الرحيم
تـــنـــويـــــــه:
أود التنوية إلى أن هذا الموضوع هو (خلاصة) دراسة استغرقت عدة أشهر للاقتصاد السعودي الكلي بناء على التغيرات والتحولات الإستراتيجية خلال الثلاث سنوات الماضية وركزت في الخلاصة على سوق الأوراق المالية بسبب إتجاه السياسة الإقتصادية السعودية استراتيجياً لسوق الأوراق المالية كقناة إستثمارية لإعادة هيكلة البناء الإقتصادي والكامل مع العمل المؤسساتي كمنهج لتحقيق الإنفتاح الإقتصادي وتوسيع وتنويع قواعد البناء الإقتصادي الكلي.
طــفــرة ســوق الأســهــم: نــظــرة إســتــراتــيجــيـــة عـــميـــقــة
مـقـدمـه
كثيرا ما نقرأ ونسمع بعض الأقوال الاجتهادية التي تجزم بنهاية طفرة الأسهم ودخول فترة ركود وخروج السيولة من السوق وآخرين يربطون ارتفاع سوق الأسهم خلال السنوات الماضية بارتفاع النفط فقط أو عودة السيولة المهاجرة بعد أحداث سبتمبر 2001 مما ساهم في حدوث طفرة ثم فقاعة ثم انهيار ووضع فرضية أن هذه السيولة غادرت السوق إلى غير رجعة!
وهناك الكثير من الفرضيات "التشاؤمية" المختلفة في مضامينها والمتفقة على نهاية "طفرة الأسهم" ومعظم هذه الفرضيات غفلت عن جوانب ومحفزات اقتصادية ضخمة تنتظر الاقتصاد السعودي الكلي خلال السنوات القليلة القادمة وتعطي مؤشرات حقيقية إلى نقلة نوعية ينتظرها هذا الاقتصاد الناشئ نحو مرحلة النضج والتكامل.
من وجهة نظري أن هذه الفرضيات والتوقعات خاطئة وتفتقد للدقة والمهنية والنظرة الإقتصادية الشمولية الناضجة ولا تتجاوز كونها "وجهات نظر" مبنية على فكر مضاربي قصير المدى يهتم بالتقلبات السوقية للأسعار على المدى القصير ولا يعتمد على مبادئ الدورات الاقتصادية وحركات الأسعار الإستراتيجية وارتباطها بالمؤثرات الاقتصادية المحيطة مما أوجد خللاً كبيراً في معايير التقييم والمقارنة مع تجارب أخرى عالمية تتفق في سلوكها وتختلف في المؤثرات المحيطة بها.
نظرة إستراتيجية لسـوق الأسهم:
إذا أردنا أن نقيَم ونحلل "طفرة الأسهم" كنشاط إقتصادي وتجاري لتحديد إطار زمني أو مدة لعمره الإفتراضي لابد أن تكون النظرة شاملة ودقيقة بتحليل جميع العناصر المؤثرة على هذا النشاط والمرتبطة به وتسببت في إنتعاشه أو قد يكون لها تأثير مباشر على مواصلة/عدم مواصلة إنتعاشه وخاصة العناصر الرئيسية التي تمثل الأركان والأعمدة الأفقية والعمودية التي تتكامل مع بعضها لتغذية هذا النشاط وحيويته ومدى تأثير هذه العناصر على سوق الأسهم إيجاباً أو سلباً.
بنظرة إستراتيجية لسوق الأسهم نجد أن أهم العناصر التي ساهمت في إنتعاشه:
- تدفقات السيولة والمتداولين على السوق بالإكتتابات الجديدة أو الفرص الإستثمارية
- إنتعاش وإرتفاع أسعار الصناعات النفطية وتأثيرها على الدخل القومي وعلى القطاعات المرتبطة بصناعة النفط بشكل مباشر أو غير مباشر بنمو ربحيتها
- دخول التقنية كعنصر فاعل في زيادة عدد المتداولين وبالتالي "التدفقات النقدية" وتسهيل عملية المتاجرة والحصول على المعلومات بطريقة ميسرة
- استمرار نمو أعداد صناديق البنوك الإستثمارية ومكاتب المتاجرة واجتذاب السيولة "الخاملة" لسوق الأسهم
- انتشار ثقافة الأسهم التي أوجدت لها مكاناً في كل جزء من المجتمع على كافة المستويات مما أدى إلى اهتمام وسائل الإعلام بهذا النشاط كمطلب جماهيري مما سيدفع المزيد من السيولة لتحين فرص السوق
- توجهات الدولة وخطواتها الجادة لتحقيق التوازن والتنوع الإقتصادي جغرافياً وإستثمارياً لتقليل المخاطر ودعم الإقتصاد الكلي وفتح الفرص الإستثمارية للشركات الوطنية عبر سوق المال مما أوجد "فرص خام" للأموال الاستثمارية الضخمة على المدى المتوسط والبعيد
- النمو المضطرد في أرباح كثير من الشركات المساهمة مختلفة الفئات خلال الثلاث سنوات الأخيرة
- توجه الكثير من الشركات المساهمة للتوسعات والإندماجات "وتنويع الإستثمار" لتقليل المخاطر وتعزيز القدرة على التنافسية الإقليمية والدولية وتجاوز الآثار السلبية للكساد في نشاطات معينة على إيراداتها بشكل عام
- سهولة التعامل مع سوق الأسهم ومرونة التحكم في رأس المال مقارنة بالاستثمارات الأخرى
هذه من أهم العوامل والمؤثرات الدافعة للطفرة والمتوقع أن تكون بإذن الله أساسات ومحاور رئيسية لإستمرارها مهما حدث من تغيرات وتطورات إقتصادية أو تغيرات "حركية" في سوق الأسهم تتمثل في التصحيحات المرحلية بين فترة وأخرى .
ولو دققنا النظر لوجدنا أن أهم أسباب الطفرة هو تزايد التدفقات النقدية بسبب الإزدياد المضطرد في أعداد المتداولين سواء عن طريق الإكتتابات أو التداول أو الإستثمار ، وهذه التدفقات ليست من أثرياء قلة أو مؤسسات مالية فقط بل إنها تعود لشرائح كبيرة في المجتمع مما يعني أن السيولة التي تغذي السوق لها مصدرين: عمودي (أثرياء ومؤسسات مالية) وأفقي (نسبة كبيرة جداً من المواطنين ولازال إزديادها مضطرداً) وهذا يعطي السوق وقوداً لاستمرار العطاء إضافة لحصص الدولة كشريك إستراتيجي، ولكن أثر ذلك قد يحتاج إلى فترة زمنية لإعادة هيكلة السوق واللاعبين فيه وسيبقى الاستثمار بعيد المدى هو الخيار الأمثل كما حدث في الطفرة السابقة.
ولو أخذنا ارتفاع النفط كعنصر مؤثر لمعرفة مدى تأثيره المتوقع على المدى المتوسط في طفرة الأسهم:
نجد أن "النفط" يمثل الدخل الرئيسي للدولة وتنعكس أسعاره إيجابا وسلباً على إيرادات الدولة مما ينعكس على حجم الإنفاق الحكومي على المشاريع والتنمية
وعلى الجانب الآخر "سوق الأسهم" نجد أن الشركات المرتبطة بالنفط ومنتجاته الأولية أو الثانوية أو المرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر لا تتجاوز10 شركات تمثل 10% من السوق فيما تمثل الشركات الأخرى "غير النفطية" 90% من السوق.
ولذلك فإن الربط بين أسعار النفط وسوق الأسهم ليس دقيقا لأن تأثيره لا يتجاوز 10% فقط من إجمالي شركات السوق إضافة إلى سياسة (تنويع مصادر الدخل) وذلك بالتوسع في الصناعات لأخرى إضافة إلى النشاطات الاقتصادية الموازية الأخرى كالمدن الاقتصادية والصناعية المختلفة التي أعلن عنها وبعضها حالياً تحت الإنشاء إضافة إلى مساهمة الدولة كشريك للقطاع الخاص في كثير من القطاعات الخدمية والعقارية وغيرها مما يضمن للدولة عوائد استثمارية متنامية بدون تكاليف تشغيلية (وقد أثبت هذا التوجه فعاليته في تجارب كثيرة وذلك بعدم استهلاك هذه العوائد أو اختلاسها بالفساد الإداري والصفقات والمشاريع المشبوهة كما يحدث بعض المنشئات الحكومية)، وهذا التوجه أو السياسة تشكل المفصل الرئيسي في التوازن الاقتصادي والعمل الناضج بحيث يضمن العوائد الاستثمارية للطرفين ويضيف عمقاً إستراتيجياً للبناء الاقتصادي الكلي مما يقلل تأثير تقلبات أسعار النفط مستقبلاً على الاقتصاد السعودي ويزيد من تنوع الناتج القومي مما ينعكس إيجاباً على الاقتصاد ككل.
أما من ناحية الدولة وتأثر دخلها وإنفاقها من أي تغير سلبي في أسعار النفط وبالتالي إنعكاس ذلك على الإنفاق الحكومي وسوق الأسهم:
فلا أجد مبررا إقتصاديا مقنعا لهذه الفرضية والسبب هو أن معظم المشاريع والإستثمارات التي تغذي الشركات المساهمة لا تعتمد على المشاريع الحكومية أو الإنفاق الحكومي إلا بنسب ضئيلة جداً ونظرة على عقود ومشاريع الشركات المساهمة وإعلاناتها لسنوات تكفي للتأكد من ذلك، فالشركات المساهمة تعتمد على القطاعات غير الحكومية في إيراداتها: أفراد، مؤسسات، عقود خارجية.
وهذا لم يأت بالمصادفة، بل هو توجه حكومي ناضج للتنوع والتعددية وعدم الاعتماد على النمو العمودي للإقتصاد والذي يشكل خطراً كبيراً على الإقتصاد في حال تأثر أحد عناصره، كما نلاحظ وجود إجراءات وإستراتيجيات وخطط حكومية ناضجة لزيادة العمق الإقتصادي الكلي وليس "الأحادي" الذي يعتمد على الدولة فقط.
وبالتالي فلا توجد علاقة مباشرة "عملية" بين الإنتعاش الكلي لسوق الأسهم وأسعاره بالنفط للسببين المذكورين في الفقرة السابقة وألخصهما فيما يلي:
- محدودية عدد الشركات المرتبطة بالنفط في سوق الأسهم (10% من إجمالي السوق)
- عدم ارتباط إيرادات ومشاريع شركات السوق بالإنفاق الحكومي بشكل كبير
هذه النقطة بالذات لا تحتاج إلى إثبات لأن الغالبية العظمى من شركات السوق في قطاعاته المختلفة لا تشكل الحكومة إلا نسبة ضئيلة جدا من مستهلكي إنتاجها وبالتالي فحجم الإنفاق الحكومي (المعتمد على نمو الدخل أو إنحساره) لا يؤثر على مبيعات وأرباح هذه الشركات ويدعم ذلك أيضاً الإتجاه الإستراتيجي للحكومة للعمل المؤسساتي والخصخصة.
نقطة أخرى يتحدث عنها الكثيرون وهي (الأموال المهاجرة) أو (السيولة المحفزة) :
وهي أموال الأثرياء السعوديين الكبار التي تتجول في أنحاء العالم بحثاً عن الفرص الاستثمارية وما يتردد حالياً بأن هذه الأموال خرجت من السوق السعودي ولن تعود إليه إلا بعد سنوات طويلة وأعتقد أن هذه الفرضية أو التصور تقف أمامه عوائق كثيرة ومخاطر "سياسية" بالدرجة الأولى تمنع هذه الأموال من المغامرة بالهجرة الكاملة خارجياً بسبب الاحتقان السياسي العالمي (وتغير هيكل وتشريعات الحريات) في كثير من البلدان وخاصة أمريكا وأوربا بعد أحداث سبتمبر 2001 مما قد يعرض أموال هؤلاء الأثرياء للمخاطر وبالتالي لن يغامروا إلا بنسبة معينة من ثرواتهم خارج البلاد خاصة أن بلادهم تتمتع بقوة اقتصادية واعدة وتشهد نمواً اقتصاديا شاملاً يتوقع أن يحدث "نقلة نوعية" لاقتصاد السعودية يؤهلها لمنافسة اقتصاديات العالم الكبرى (والتاريخ الاقتصادي يشهد بأن الأثرياء هم أول من يكتشف هذه الفرص ويخططون لاقتناصها بنظرة بعيدة المدى) .
ويجب ألا نهمل جانباً مهما وهو ضخامة هذه الأموال وأرقامها الهائلة التي مازال الكثير منها سيولة "نائمة" في البنوك منذ سبتمبر 2001 وأمام التغير النوعي والتوسعات الاقتصادية والصناعية والمستقبل الاقتصادي الواعد للسعودية الذي يتجه لمرحلة النضج خلال السنوات القادمة ستبحث (نسبة من هذه الأموال) عن فرص سوق الأسهم خاصة وأن معظم المشاريع العملاقة والطروحات الأولية الضخمة التي طرحت أو المجدولة تتمتع بجدوى اقتصادية ممتازة كعائد استثماري بعيد المدى لا يتكرر كثيراً كما حدث قبل سنوات مع سابك والراجحي وصافولا ومكة والاتصالات والإسمنت وغيرها من الشركات التي حققت عوائد استثمارية خيالية للمستثمرين بعيدي المدى.
ومن الطبيعي جداً أن تزداد المخاوف والفرضيات المتشائمة بعد أي هبوط عنيف وقاسي في أسواق المال يدعمها تحركات سلبية لسوق الأسهم لمحاولة إيهام المتداولين بصحة هذه الفرضيات المتشائمة وتعتبر هذه المرحلة (مرحلة دخول السيولة الذكية) أو دخول الحيتان إلى المحيط بالسباحة عكس التيار وهو وصف معبر لأن ضخامة الحيتان (والمقصود هنا ضخامة رؤؤس الأموال) تشتري بعكس التيار في ترند نزولي وهذا ما نشهده حالياً في السوق وقد تزيد هذه السيولة الذكية ضغوطها على السوق بشكل كبير يخسر معه أصحاب النظرة القصيرة المدى لتغيرات الأسعار (المضاربين) ومن أهم سمات هذه المرحلة فقدان الثقة في معظم الأشياء ( كالتحليل الفني والأساسي ومكاتب الاستشارات والخبراء) ويغلب التشاؤم والنظرة السوداوية وحركة السوق المحبطة فعندما نتحدث عن رؤؤس أموال بالمليارات ومئات الملايين فهي تحتاج لفترة زمنية طويلة لإعادة بناء مراكزها المالية لأن نظرتها بعيدة المدى وتخطط لسنوات.
المفضلات