عند زيارته للملكة العربية في المنتدى الاقتصادي كتب رئيسوزراء ماليزيا

الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي

كلمة الدكتور مهاتير محمد ،رئيس وزراء ماليزيا في ندوة الرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي


لقد سررت كثيراً بدعوتي للتحدث في هذه الندوة رغم شعوري بأنني غير مؤهل لإعطاء هذا الموضوع حقه.

إنني لا أعرف القدر الكافي عن الاقتصاد السعودي سوى أن المملكة من أكبر منتجي ومصدري النفط. فهذا الاقتصاد مختلف تماماً عن الاقتصاد الماليزي الذي يعتمد كلياً على التجارة حيث يبلغ حجم التجارة ضعف حجم الناتج المحلي الإجمالي. وحتى في اليابان، التي تتميز بضخامة الصادرات، تشكل التجارة أقل من 30% من ناتجها المحلي الإجمالي. لذلك يمكن القول بأن الاقتصاد الماليزي دالة في التجارة، صادرات المنتجات الإلكترونية والكهربائية وغيرها من السلع الصناعية التي تشكل حوالي 80% من إجمالي الصادرات بجانب الصادرات النفطية والمواد الخام الأخرى التي تشكل 20%.

ومن ناحية أخرى – وهنا أرجو أن أكون مصيباً – يعتمد الاقتصاد السعودي إلى حد كبير على إنتاج النفط وتصديره. أعتقد أن المملكة تصدر حوالي 10 مليون برميل من النفط يومياً(1)



لقد ذُهلت لهذا الرقم حيث أن ماليزيا تنتج فقط 650 ألف برميل في اليوم وتصدر فقط 100 ألف برميل، بينما يتم استهلاك باقي الكمية محلياً.

وبافتراض سعر 20 دولار للبرميل على سبيل المثال، فإن تصدير 10 مليون برميل يحقق إيرادات مقدارها 200 مليون دولار في اليوم وحوالي 73 بليون دولار في السنة. بالطبع، ينبغي علينا خصم تكلفة الإنتاج، والتي تعد منخفضة بالمقارنة مع الإنتاج الذي يتم بعيداً عن الساحل في ماليزيا. ورغم ذلك، سيكون الرصيد المتبقي بعد خصم التكاليف كبيراً جداً وتتمثل إيرادات حكومية صافية في بلد يقل عدد سكانه كثيراً عن ماليزيا حيث يصل عدد السكان إلى 24 مليون نسمه.

لقد عرفنا أن الاحتياطيات المثبتة سوف تستمر حوالي 200 سنة قياساً بمعدل الإنتاج الحالي. وإذا كان ذلك صحيحاً، فإن النفط سوف يظل يمثل المحرك الرئيسي لمستقبل الاقتصاد السعودي.

إن احتمال ظهور وقود بديل للنفط في المستقبل المنظور لا يزال ضئيلاً. سيشهد المستقبل بعض التقدم نحو جعل مولدات الكهرباء ومحركات السيارات أكثر كفاءة ولكن ليس بالقدر الذي يساوي الزيادة في الطلب على الوقود.
لذلك، سيظل مستقبل الاقتصاد السعودي معتمداً إلى حد كبير على إنتاج النفط وتصديره. ولكن ماليزيا تدرك جيداً المخاطر الناجمة عن الاعتماد على المواد الخام بصفة عامة وعلى سلعة واحدة بصفة خاصة.

لقد اعتادت ماليزيا على إنتاج المطاط والقصدير فقط، ولكن فَقَدَ المطاط أسواقه نتيجة لظهور المطاط الصناعي. وبالنسبة للقصدير، يقتصر استخدامه الرئيسي على صناعة العلب. ومن ثم انخفض الطلب عليه كثيراً بفعل ظهور مواد التعبئة الجديدة مثل الألمنيوم، والورق، والزجاج، والبلاستيك.
فإذا كانت ماليزيا لا تزال معتمدة على هاتين السلعتين فإن اقتصادها لم يكن ليتجاوز واحداً على عشرين من حجمه الحالي.
وكما نعلم جميعاً فإن أسعار النفط عرضة للانخفاض. إن انخفاض دولار واحد في سعر البرميل قد يسبب خسائر ضخمة في دخل الدول التي تنتج كميات كبيرة من النفط. فبالنسبة لماليزيا، التي تنتج 650 ألف برميل في اليوم وتصدر فقط 100 ألف برميل في اليوم، ستكون الخسائر في الدخل 100 ألف دولار في اليوم أو 36.6 مليون دولار في السنة. وحيث تقدر إيراداتنا النفطية بحوالي 100 مليون دولار في السنة، فأن الصادرات النفطية لا تشكل أهمية كبيرة. ولكن بالنسبة للمملكة، فإن الخسارة في الإيرادات ستكون كبيرة مع الوضع في الحسبان أن الانخفاض قد يكون أكبر من دولار واحد.

لقد اضطرت ماليزيا، نتيجة انخفاض الطلب على المطاط والقصدير، إلى التحول إلى الصناعات التمويلية. ولم تكن لدينا الخبرة في هذا المجال أو رأس المال اللازم لذلك. كما أنه كان لزاماً علينا من أجل التصدير والحصول على النقد الأجنبي، ضمان استيفاء منتجاتنا للمواصفات العالمية. لقد لجأنا إلى سلوك الطريق المختصر وهو جذب المستثمرين الأجانب من خلال توفير حوافز مغرية. وكانت النتيجة أن صادرات المنتجات الصناعية تشكل 80% من إيرادات الصادرات الحالية البالغة حوالي 100 بليون دولار.
لقد استوعب الماليزيون بسرعة فائقة المهارات اللازمة من الصناعات التي أنشأها المستثمرون الأجانب بحيث أصبح جزءاً هاماً من الصادرات الصناعية اليوم يتم من قبل مصانع يملكها ويديرها الماليزيون.
تمتع ماليزيا بأعداد وافرة من العمالة الماهرة والمؤهلة ومن ثم فإنها لجأت إلى الصناعات كثيفة الاستخدام للعمل. ونظراً لصغر حجم السكان نسبياً، فليس بإمكان ماليزيا استبعاد النساء، بما فيهن المسلمات، من سوق العمل. وفي الحقيقة فإن النساء على درجة عالية من الكفاءة والمهارة. وقد اتضح أن براعتهن في العمل اليدوي وقدرتهن على التركيز على مهامهن في الصناعات الإلكترونية، تحقق إنتاجية عالية.
يشكل المسلمون فقط 56% من إجمالي سكان ماليزيا. فإذا تم منع النساء من العمل، فإن الموارد البشرية للمسلمين سوف تنخفض بنسبة 28%.
إننا نـتـنافس مع غير المسلمين في ماليزيا وغيرها من الدول ولسنا على استعداد لتقليص قدراتنا التنافسية بمقدار النصف.
والآن، ورغم كافة الجهود المبذولة، هناك نقص في العمالة. إن علينا الآن التوجه نحو الصناعات ذات التقنية العالية والكثافة الرأسمالية من أجل تحقيق النمو الاقتصادي وتحقيق إيرادات أفضل لشعبنا وبلدنا.

هل التجربة الماليزية ملائمة للرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي؟ الإجابة إلى حد ما، نعم. فبقدر ما تعتمد الميزات النسبية لماليزيا على العمالة التي تتمتع بمستوى رفيع من التدريب والمهارات، فان الميزة النسبية للمملكة تكمن في النفط أو بعبارة أصح في موارد الطاقة. كما تتميز المملكة بمساحات شاسعة وقدرة على إنشاء المصانع حتى في الأراضي القاحلة والجافة. إنني متأكد من وجود الفوسفات وغيرها من المعادن القيمة في حد ذاتها أو من حيث الاستخدام في مجال الأسمدة.
تعود وفرة النفط في المملكة لكون أن شبه الجزيرة العربية كانت عبارة عن سطح مائي ضخم في عصر ما قبل التاريخ فمن المملكة إعادة تشجير الصحراء باستخدام أسلوب الري الصحيح من خزانات المياه الجوفية التي ستكون كبيرة إذا استخدمنا بئر زمزم كمقياس. ولا أقصد بذلك إعادة تشجير الصحاري بأكملها ولكن أجزاء منها فقط. إن من شأن إعادة التشجير المساهمة في هطول الأمطار وبالتالي إمكانية زراعة جميع أنواع المحاصيل. ولن يتحقق ذلك خلال عام أو عقد من الزمان ولكن يمكن تحقيقه مع مرور الوقت من خلال استخدام أساليب الري العلمية الحديثة. لقد تمكنت المملكة بالفعل من إنتاج القمح باستخدام الري الصناعي. وبالطبع ستكون التكلفة مرتفعة على المدى القصير ولكن فوائد كثيرة سوف تتحقق على المدى البعيد – ليس من إنتاج القمح ولكن من إعادة التشجير.

ولكن الميزة النسبية الأساسية لا تزال تكمن في النفط أو الطاقة. فالمملكة تصدر كميات كبيرة من النفط. ولكن بالإمكان تحويل النفط إلى منتجات أخرى أهمها الطاقة الكهربائية، حيث بالإمكان، بدلاً من تصدير النفط، إنتاج الطاقة الكهربائية وبيعها، وبالتالي تحقيق دخل ثابت. فالتقلبات في أسعار الكهرباء لن تكون في مستوى تقلبات أسعار النفط. إن من شأن تصدير الكهرباء التخفيف من التأثيرات السلبية لتقلبات أسعار النفط.
يمكن أيضاً نقل النفط عبر الأنابيب لمسافات بعيدة كما يمكن شحنه لأي مكان في العالم. وباستخدام ميزة التكلفة المنخفضة للنفط، تستطيع المملكة بناء محطات طاقة كهربائية في كل أرجاء العالم، على الأقل في شكل مشروعات مشتركة مع البلدان التي ستزودها بالطاقة الكهربائية. وتكمن جاذبية مثل هذه المشروعات في تزويد محطات الطاقة الكهربائية بإمدادات نفطية ثابتة.
لم تعد شركات التجزئة الكبرى لبيع المنتجات النفطية تملك أي موارد نفطية في بلدانها. فبعد استنفاذها للموارد النفطية المحلية، أخذت هذه الشركات تبحث عن النفط في جميع أرجاء العالم وأصبحت اليوم تهيمن على الإمدادات النفطية العالمية على الرغم من اعتمادها على مصادر خارجية.

تبدو معظم شركات النفط الوطنية سعيدة بتحصيل رسوم من إنتاج وتصدير نفطها بواسطة الشركات الكبرى. لقد قامت شركة النفط الوطنية الماليزية "بتروناس" بالاستثمار في الخارج حيث تعمل حالياً في 32 دولة في مجال التنقيب والإنتاج ومد شبكات الأنابيب والتسويق. كما تقوم ببيع النفط في جنوب شرق آسيا وجنوب إفريقيا. وتُعد الكويت مثالاً آخر لدولة تقوم ببيع المنتجات النفطية في محطات المحروقات خارج الكويت.
ليس هناك ما يمنع بيع النفط السعودي بالتجزئة كما هو الحال في أنشطة التجزئة التي تمارسها شركات شل، وموبيل وغيرها. فالمملكة تتمتع بميزة إنتاج الحجم الكبير. كما أن أسعار التجزئة لا تنخفض دائماً عند انخفاض أسعار النفط الخام. ومرة أخرى، بإمكان بيع المنتجات النفطية على مستوى التجزئة الحد من تأثيرات عدم التيقن المصاحب لأسعار النفط الخام.
تُعد التكلفة الحالية لتحلية المياه عالية جداً ولكن بالإمكان تقليل التكلفة من خلال تكثيف الجهود البحثية. هناك بعض دول المنطقة التي تحتاج إلى المياه ومن ثم تستطيع محطات التحلية السعودية تحقيق إيرادات للدولة.
هناك أيضاً صناعات أخرى كثيفة الاستخدام للطاقة. وخير مثال لذلك مصاهر الألمنيوم. ولا بد أن هناك العديد من الصناعات المعتمدة على الطاقة الرخيصة. وأن القيمة المضافة سوف تعوض السعر المنخفض للوقود.
قد يكون هناك تساؤل وهو لماذا لا يتم بيع النفط السعودي دائماً بسعر السوق؟ وبإمكاننا أن نسأل أيضاً، لماذا تقوم دولة مثل ماليزيا ببيع عمالتها بسعر يقل كثيراً عن أسعارها في الدول المتقدمة؟. أو لماذا تقل تكلفة العمالة في الصين كثيراً عن تكلفتها في العديد من الدول النامية الأخرى؟. ألسنا نقوم ببيع مواردنا ذات الميزة النسبية بأسعار بخسة؟
والإجابة على هذا السؤال هي أننا لا نبيع حقاً بأسعار بخسه، فالأجور المنخفضة تُعوض بصورة موازنة من خلال انخفاض تكاليف المعيشة. وفي الوقت الحالي فإن الدولار الأمريكي الواحد يعادل 3.8 رينجيت، غير أن الرينجيت الواحد يشتري سلعاً وخدمات في ماليزيا تعادل ما يشتريه دولار أمريكي واحد في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن ثم فإن شعبنا يتمتع بمعيشة طيبة برغم انخفاض الأجور. وبالتالي فإن القوى العاملة لدينا بأجورها المنخفضة تتسم بقدرتها التنافسية.
إننا نعلم الآن أن أسعار المنتجات النفطية في المملكة العربية السعودية تقل بدرجة كبيرة عن أسعار المنتجات في معظم الدول الأخرى. ومن ثم فإن بيع النفط بأسعار زهيدة لمنشآتكم الصناعية لا يشكل ظاهرة استثنائية. وعند بيع منتجاتكم – كالطاقة الكهربائية مثلاً – لدول أخرى على أساس أسعاركم المنخفضة فقد يبدو الأمر كما لو كنتم تقدمون إعانة حكومية ضمن السعر للدول الأخرى. غير أنه يمكن وعلى نفس المنوال النظر للمنتجات الصينية الرخيصة على اعتبار أن العمال في الصين يقدمون دعماً للمستهلكين في الدول الأخرى. ولم تكن الصين لتصبح عملاقاً اقتصادياً في غضون تلك الفترة القصيرة لو أن عمالها قد طالبوا بأجور وأسعار تضاهي المستويات العالمية.
ليس من الممكن تحديد قياس معياري على المستوى العالمي للأجور والدخول. وعلى أية حال، فإن المملكة العربية السعودية قد تتحمل أدنى القليل من تكاليف النقل في معرض استخدامها للنفط الذي تنتجه. ويضمن هذا العنصر في حد ذاته أن أسعار النفط داخل المملكة ستكون أرخص سعراً لكافة المستهلكين، بما في ذلك المنشآت الصناعية. وتأسيساً على ذلك، فإن أسعار صادرات المملكة من الطاقة والمنتجات كثيفة التوظيف للطاقة سوف تتمتع حقاً بقدرة تنافسية.
يمكن للمملكة أن تستفيد من استراتيجية التصنيع الماليزية من خلال الاستفادة من تكلفة الوقود بدلاً من تكلفة الأيدي العاملة. وبطبيعة الحال فلو أمكن خفض الأجور العالية التي تدفع للعمال والمدراء السعوديين فإن المنتجات السعودية يمكن أن تصبح أكثر منافسة. وفيما يتعلق بالتقنية فمن الممكن شراؤها أو استقدام شركاء أجانب للمشاركة. وبطبيعة الحال فمن الضروري تحقيق الجاذبية للاستثمارات الأجنبية والحد من الإجراءات البيروقراطية، كذلك فإن الاستقرار السياسي يشكل أهمية جوهرية.
نحن نعيش الآن عصر المعلومات حيث تعد تقنية المعلومات والاتصالات بمثابة القوى المحركة للتقدم الاقتصادي. وفي هذا المضمار فليست هناك حاجة لقوى عاملة كبيرة. غير أن هناك حاجة على وجه التأكيد لأيدي عاملة حاصلة على تعليم عال في حقول العلوم والرياضيات، وهي مجالات حقق فيها العرب تفوقاً في الماضي. ولا حاجة بي لأن أعدد أسماء علماء العرب الأفذاذ في حقول العلوم والرياضيات والطب والذين مهدوا السبيل أمام العلوم الحديثة. ولسوء الحظ فإن المسلمين أداروا ظهورهم في مرحلة معينة للعلوم والرياضيات، ومنذ ذلك الحين فقد تراجعت تلك الحضارة وأصبح المسلمون اليوم بين أقل شعوب العالم تعليماً وتقدماً. وربما جاز لي القول أن المسلمين بإهمالهم لتلك العلوم الجوهرية قد تجاهلوا أوامر الإسلام فيما تدعو إليه من ضرورة طلب العلم والتسلح بالقوة اللازمة لحماية أنفسهم ودينهم.
ومهما كان الأمر، فالحقيقة هو أننا معشر المسلمين لا نستطيع اليوم أن نهمل العلوم والرياضيات إذا كنا نريد أن نحول بينا وبين الوقوع ضحية للضعف والاضطهاد. وينبغي لجميع الموارد البشرية في بلداننا الإسلامية أن تحصل على القدر الأتم من التعليم في حقول العلوم والرياضيات. ولا نستطيع بطبيعة الحال أن نستثني نساءنا من ذلك إذا ما كنا نريد تعظيم قدراتنا ومقوماتنا الإنتاجية.
إن مستقبل المملكة العربية السعودية ليس استثناءً في هذا الصدد. إن جراحيكم العظام قد برهنوا على مهارتهم للعالم أجمع. وأنا على يقين من أن المملكة العربية السعودية تستطيع أن تتفوق في مجال تقنية المعلومات إذا ما شرعت على الفور في بناء الموارد البشرية اللازمة.
إنني أرسم في مخيلتي صورة للمملكة العربية السعودية وقد حققت تقدماً كاملاً بالمعنى الحقيقي للكلمة. وفي الواقع فإن حصة الفرد من الدخل الوطني وارتفاع مستوى المعيشة لا يعني أن الدولة متقدمة، فالتقدم يعني البراعة في بعض المجالات الهامة للإنتاج الصناعي، المالية، التقنية، ولا سيما التقنية المتقدمة.
هناك من المسلمين من يعتقد أن مواكبة مقتضيات العصر والتقدم تشكل صورة مخالفة لما ينبغي أن يكون عليه المسلم. ونحن بهذا إنما نتجاهل أثر التحديث الذي جاء به الإسلام على العرب في عصر الجاهلية. إن هذا الأثر التحديثي للإسلام في سياق مجتمع العرب في ذلك العصر هو الذي ساعد على انتشار الإسلام وبناء الإمبراطورية الإسلامية. ولقد كان بوسع الإسلام أن يسهم في تحديث المسلمين ومواكبتهم لمقتضيات العصر بحيث تصبح الأمة الإسلامية دوماً قوة عالمية لو لم يكن المسلمون في مرحلة معينة قد انصرفوا عن متطلبات التحديث ومواكبة مقتضيات العصر محبذين بدلاً من ذلك إعادة إنشاء العالم على غرار السنوات الأولى من الهجرة. بل أن هناك بعض المسلمين الآن ممن يعتقدون أن الإسلام يمكن أن يزدهر فقط في عالم السنوات الأولى من الإسلام. ويعتقد أولئك البعض أن الإسلام لا يصلح لكافة العصور، ونتيجة لذلك فإنهم يتناسون الدور التحديثي للإسلام مما أوقعهم في دائرة التخلف.
إن مواكبة العصر لا تفضي بالضرورة إلى الكفر والإلحاد، كما يحدث في الغرب. وفي الحقيقة فإن التحديث الإسلامي ومواكبة العصر يمكن أن يحقق توازناً بين هذا العالم والحياة الآخرة كما نضرع إلى الله سبحانه وتعالى دائماً في صلواتنا.
إن مشاعرنا المقدسة ستظل هي مشاعرنا المقدسة حتى وإن أصبحت المملكة العربية السعودية قوة صناعية ومالية عظمى استناداً لما حباها الله به من ثروة نفطية وموارد أخرى عديدة. ويعلم الله أن الأمة الإسلامية في مسيس الحاجة لدولة مسلمة تكون قوة عالمية، والمملكة العربية السعودية في موقع جيد لأن تكون قوة عالمية إذا ما اختارت لنفسها ذلك وأعانتها عليه الأمة الإسلامية في سائر أنحاء العالم.
إن هذه الرغبة التي تحدونا لأن تكون لدينا دولة إسلامية ذات قوة عالمية ليست وليدة رغبة منا في أن نشرع في سن غزوات على مستوى العالم. إن الدافع لهذه الرغبة يكمن ببساطة في ضمان ألا يتعرض المسلمون وبلدانهم للقهر كما هو شأنهم اليوم.
إذا ما أحسنا التقيد بتعاليم الإسلام واستمسكنا بها فإن بوسعنا أن نصبح أقوياء على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي من دون أن نفقد هويتنا وعقيدتنا.
لقد حاولت في معرض هذه الكلمة أن أرسم ملامح عامة للرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي. وكل ما قلته في سياق هذه الكلمة يمكن تحقيقه شريطة أن تتوفر بطبيعة الحال الإرادة للقيام بالمتطلبات اللازمة. إن الخيار لكم، والإسلام لا يقف حائلاً دون ذلك. وفي الحقيقة فإن الإسلام يفرض علينا ضرورة القيام بكل ما أسلفت ذكره وأشرت إلى إمكانية تحقيقه.

مكتب رئيس الوزراء

منقول من منتدى طوى