في دراسة شملت 2690 شخصاً عن أسباب وجود ظاهرة السحر والشعوذة بين أفراد المجتمع
سحر "الحب" والتفريق بين الزوجين و"الكراهية" الأكثر انتشارا بين السعوديين


بعض المواد التي ضبطت عند أحد ممارسي السحر والشعوذة
الرياض: عبدالله العبدالله
الوطن

أكدت دراسة عن "ظاهرة السحر والشعوذة في المجتمع السعودي", تفشي الممارسات الخاطئة التي لها علاقة بالسحر والشعوذة, مثل تصديق العرافين والمشعوذين الذين يسعون إلى ابتزاز عامة السعوديين, من خلال بيعهم عبوات الزيوت والمياه, التي يزعمون أنه تمت القراءة عليها, من قبل أفراد مشهود لهم بالخير في ظهر الغيب, وأشارت الدراسة إلى أنه من الممارسات الخاطئة التي يرتكبها بعض السعوديين الذين يصدقون أفعال المشعوذين حضور (مجالس الزار) التي تنتشر بين بعض شرائح المجتمع, كذلك تعليق التمائم للوقاية من الأمراض, واستخدام البخور لطرد الجن وخاصة في المنازل, ولكن من أخطر هذه الممارسات الاستعانة بالسحرة لفك السحر, فهي تدل على ضعف اليقين, الذي يخرج الإنسان من دينه, وأرجعت الدراسة اللجوء إلى السحر والمشعوذين والدجالين من بعض الفئات إلى الجهل الملحوظ بالعقيدة الصحيحة, والذي يتضمن نقصاً في الإيمان بالله والتوكل عليه, وأن هذه الظواهر تعد مؤشراً خطيراً على قلة التوعية المدروسة لمعالجة المشكلات الحقيقية التي تعترض الناس, مما يجعلهم يلجأون إلى هذه الممارسات كحل لما يعانون منه, وأن الوعي بمخاطر هذه الممارسات ووجود المؤسسات الحكومية وشبه الحكومية التي تتولى تقديم الخدمات الصحية بكفاءة سيقلل من هذه الممارسة.
جاء ذلك في الدراسة الميدانية التي قام بها الدكتور سعد بن سعيد الزهراني, والدكتور علي بن صديق الحكمي لمركز البحوث والدراسات الإسلامية التابع لوكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون المطبوعات والبحث العلمي. وقد جاءت في شقين الأول دراسة نظرية عن السحر والشعوذة تاريخياً، والمنظور الإسلامي لقضية السحر, وحقيقة السحر وأنواعه, والفرق بين السحر والشعوذة والفرق بينه وبين الكرامة, وحكم تعلم السحر واستعماله, وحكم العمل بالسحر واللجوء إلى الساحر لحل السحر من المسحور, وقتل الساحر, وعلاقة السحر بالشعوذة والكهانة والتنجيم وقراءة الحظ والحسد والعين, وكيفية علاج السحر من المنظور الإسلامي, وفتاوى كبار العلماء والمعاصرين في كل هذه الأمور, ثم بعد ذلك تناول الباحثان النظريات الاجتماعية في تفسير السحر والشعوذة.
أما القسم الثاني فتضمن دراسة ميدانية قام بها الباحثان لشريحة مختلفة من أبناء المجتمع السعودي الذكور والإناث شملت أساتذة جامعات وقضاة ومدرسين وموظفين بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وأئمة مساجد وخطباء جوامع, وشرائح أخرى. شملت أسئلة حول أهم أشكال السحر والشعوذة في المجتمع السعودي, وأهم الخرافات التي تقع بين أفراد المجتمع المحلي, وأشكال الخرافات والشعوذة التي استجدت في العصر الحاضر ولم تكن معروفة من قبل, وأكثر أشكال السحر انتشاراً في المجتمع السعودي, وأكثر الطبقات الاجتماعية تعرضاً للوقوع تحت تأثير المشعوذين والسحرة, والآثار التي يمكن أن يتعرض لها الفرد من جراء الاستعانة بالمشعوذين والسحرة, وما يمكن أن يتعرض له المجتمع من آثار بسبب السحر جراء استعانة أفراده بالمشعوذين والسحرة, وما هي الأسباب التي تدفع الفرد إلى اللجوء أو التعامل مع المشعوذين والسحرة, وما هي أهم وسائل الوقاية من انتشار هذه الممارسات في المجتمع.
400 شخص
الدراسة الميدانية شملت أربعمئة فرد, يمثلون أربع فئات مهنية, الفئة الأولى تمثل مجموعة من المختصين في الشريعة, والفئة الثانية من العاملين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والفئة الثالثة تمثل مجموعة من خطباء المساجد التابعين لوزارة الشؤون الإسلامية والإفتاء والدعوة والإرشاد, والفئة الرابعة تمثل مجموعة من المختصين في علم النفس وعلم الاجتماع, وشارك في المرحلة الثانية من الدراسة 2689 شخصاً كلهم من السعوديين متوسط أعمارهم 24 سنة تقريباً, نسبة الذكور منهم 57.9% ونسبة الإناث 42.1%.
سحر الحب
وكشفت الدراسة أن أكثر أنواع السحر والشعوذة سحر الحب (العطف), حيث استخدم السحر والشعوذة بغرض ربط وتعليق شخص آخر وجاء بنسبة 20% يليه سحر الصرف, الذي يستخدم في التفريق بين زوجين حيث أشار إليه 18% من أفراد الدراسة, ومن ثم فإن سحر العطف (الحب) وسحر الصرف يمثلان 38%, وهما الأكثر شيوعاً في المجتمع, ويستخدمان لتحقيق أهداف أسرية واجتماعية إما بربط قلبين لشابين أو زوجين أو التفريق بينهما, ويكون بغرض الزواج أو التفريق بينهما, ويكون بغرض الزواج أو التفريق, إما انتقاماً أو حسداً, وقال 7% إن استخدام السحر للأذية والانتقام وذلك بإصابة الزوج بالخمول.
وفي الدرجة الثانية جاء استخدام السحر والشعوذة للعلاج من الأمراض المستعصية, وقد يمارس هذا تحت مسمى الطب الشعبي, وذكر 6% استخدام السحر لغرض الإنجاب والعلاج من العقم, و6% يستخدمون السحر للاستعلام عن الغيب كقراءة الفنجان أو الكف. أو التنجيم, و3% يستخدمون السحر للاستدلال على شيء مفقود, و5% يعلقون الخرز أو الودع و4% قالوا إن ممارسة السحر في المجتمع المحلي القراءة والرقى غير الشرعية التي يقوم بها بعض الدجالين.
الألعاب البهلوانية
أما عن أنماط السحر والشعوذة التي استجدت في المجتمع السعودي ـ طبقاً لسماع أفراد العينة ـ فقد تصدرت الألعاب البهلوانية والسيرك (التخيل) المقدمة بنسبة 8%, ثم التنجيم وأبراج الحظ 5% ونفس النسبة للاستعلام عن الغيب وقراءة الكف, ثم بعد ذلك التماس الشفاء من الأمراض عن طريق السحر, وممارسة الخدم والشغالات لسحر أهل البيت, وسيطرة المرأة على زوجها, والسفر للخارج لالتقاء السحرة أو الاتصال بهم هاتفياً.
وأكدت الدراسة أن أكثر فئات المجتمع تأثراً بالسحر والوقوع تحت تأثير السحرة والمشعوذين هي الفئة الجاهلة من العوام, من ذوات التعليم والثقافة الدينية الضحلة 19%, ثم النساء 13%, وضعاف الإيمان الذين أصابهم المرض لفترة طويلة 12%, والطبقات الفقيرة 7%, والطبقة الغنية المترفة 5% وكذلك بالنسبة لأهل البادية 5%, والعصاة والحساد وأصحاب القلوب السوداء 3%, والشباب من هواة السفر للخارج 1%, ونفس النسبة لأصحاب الثقافات المنحرفة والفرق الضالة, والخادمات من جنوب شرق آسيا.
قلق واضطراب
أما عن الآثار التي يمكن أن يتعرض لها الفرد من جراء الاستعانة بالمشعوذين والسحرة, فقد أظهرت الدراسة أن 28% قالوا إن أثر ذلك يؤدي إلى جلب غضب الله المولى عز وجل, فيخسر الإنسان آخرته بسبب ضعف توكله على الله وقلة إيمانه, و14% قالوا إن ذلك يؤدي إلى القلق والاضطراب النفسي وضيق الصدر والأمراض الصدرية, و12% قالوا إن ذلك يؤدي إلى ضرر مادي بسبب استخدام السحر, 7% أكدوا أن اللجوء للسحرة يؤدي إلى فشل في الحياة الزوجية, و6% إلى الإصابة بالأمراض, و5% قالوا إنه يؤدي إلى قسوة القلب, وكذلك النسبة قالوا إنه يؤدي إلى تسلط شياطين الإنس والجن على من يذهب للسحرة, و3% قالوا إن هؤلاء منحرفون أخلاقيا.
جهل وطلب علاج
ولكن ماذا عن الأسباب التي تدفع بعض أبناء المجتمع السعودي إلى اللجوء للسحرة والمشعوذين؟.
فقد أكد الباحثان أن 23% قالوا إن ضعف الإيمان والتوكل على الله وضعف الوازع الديني هو السبب, في حين قال 16% إن طلب العلاج من مرض أو مشكلة عضال بأي وسيلة, والاعتقاد بأن السحرة والمشعوذين الوسيلة الوحيدة للتخلص من المرض, 12% قالوا إن الجهل بأحكام الشريعة وقلة الوعي والعلم, 9% أكدوا أن السبب الدعاية لهؤلاء السحرة والمشعوذين من قرناء السوء الذين سبق لهم التعامل مع السحرة من وسائل الإعلام, و7% قالوا إن السبب الحسد والبغضاء والعداوة, ونفس النسبة قالوا إنه حب المال والدنيا الزائد في قلوب بعض الناس, فلجأوا إلى السحرة كي يزيدوا من ثرواتهم أو للحصول على زوجة, و4% قالوا إن السبب هو "الانتقام من شخص ما".
أما عن الوقاية من انتشار ممارسات السحر والشعوذة في المجتمع السعودي فقد أكد أغلب المشاركين أن نشر العلم الشرعي وزيادة وعي الناس وتباين الأحكام الشرعية لهم عن السحر والسحرة بشتى الطرق عبر وسائل الإعلام والصحف والمجلات والكتب والنشرات والمحاضرات هو الحل الأول للتصدي للسحرة والمشعوذين, أيضاً طالب 22% بالحزم والشدة في التعامل مع السحرة والمشعوذين وتطبيق أحكام الله عز وجل فيهم أولاً بأول, وقال 8% بضرورة تقوية الإيمان والتوكل على الله والوازع الديني, والإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتحصن بالأذكار, و7% طالبوا بتعاون أفراد المجتمع مع المسؤولين في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والشرطة للقضاء على السحرة والمشعوذين, بل وتشجيع أفراد المجتمع على ذلك, ولو من خلال المكافآت المالية.
وطالب 3% بإيجاد البديل بحيث هناك من يرقون الرقية الشرعية من المشايخ والصالحين المعروفين لدى الجهات المختصة, وأكد 3% على ضرورة عدم السماح لأحد بعلاج الناس إلا بعد دراسة سلوكه وحاله ومراقبته للتأكد من شرعية عمله وإصدار تصاريح خاصة بهذا العمل ومراقبة العاملين في هذا المجال, و2% أشاروا إلى دور وسائل الإعلام في عرض بعض الحالات لتوعية الناس الذين يلجأون للسحر والشعوذة, ونفس النسبة طالبت بضرورة دعم قدرات هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سبيل مواجهة السحرة والمشعوذين معاً وأشار بعض المشاركين إلى ضرورة تشديد الرقابة على العمالة الوافدة, وخاصة الشغالات, وبتبصير الجاهل منهم بأحكام السحر والشعوذة عن طريق الكتيبات, والعمل على تربية الأسرة الصالحة حتى ينبذ المجتمع السحر والشعوذة.
معتقدات خاطئة
وأشارت الدراسة إلى أن وجود معتقدات خاطئة لدى بعض أفراد المجتمع هي التي تدفعهم للذهاب إلى السحرة والتردد على المشعوذين لطلب عمل العمل للآخرين أو ربط شاب أو التفريق بين زوج وزوجته.
وهناك من يرى أن وضع لوحة قرآنية على المنزل يمنع العين والحسد, وقال البعض إنهم يتشاءمون من وجود بعض الأشخاص, ورأى البعض الآخر أن استخدام السحر (الدنبوشي) يجلب الحظ ويحقق الفوز في المباريات الرياضية, وهناك من يقومون بعمل الأحجبة والتعاويذ.
اللغة العربية
وأظهرت الدراسة أن اعتقاد البعض أن المعالج الذي يقوم بمخاطبة الجن بغير اللغة العربية يمارس الشعوذة, وأكد المشاركون في الدراسة أن بعض المعالجين الشعبيين الذين يعالجون المرض يستخدمون الجن لمساعدتهم في معالجة مرضاهم, وهناك من يعتقد أن مس الجن (التلبيس) هو السبب وراء الكثير من المشكلات والأمراض النفسية.
وأكد الباحثان عدم صحة زيادة نسبة النساء المترددات على السحرة من الرجال, فقد أظهرت نتائج الدراسة أن تردد النساء على السحرة والمشعوذين تعادل نسبة الرجال ولا يوجد فرق بين الجنسين, وأن غير المتزوجين أكثر تردداً على السحرة من المتزوجين بسبب عدم الشعور بالاستقرار النفسي الذي تحققه الحياة الزوجية السوية للأفراد المتزوجين, وأنه كلما زاد المستوى التعليمي للرجل أو المرأة زادت المعارضة للمعتقدات الخاطئة ورفض أعمال السحرة والمشعوذين, وأن الذين لديهم أمراض صحية مزمنة أو صعبة أكثر قناعة بالسحر والشعوذة على عكس الذين لا يعانون من هذه الأمراض, ويرى بعض المرضى النفسيين أن اللجوء للسحر حلال، ونقلت الدراسة عن بعضهم القول "لا نعتقد أن استخدام السحر في عمل الخير محرم", وقال البعض الآخر "إذا لم يكن أمامي إلا السحر لضمان استمرار محبة من أحب فإنني لا أمانع من استخدامه", وقال آخر "لا أمانع من قراءة بعض الطلاسم إذا كانت ستحل مشكلتي".
ابتزاز الناس
وأكدت الدراسة أن السحرة والمشعوذين يقومون بابتزاز الناس من خلال بيعهم عبوات الزيوت والمياه بدعوى أنه تمت القراءة عليها من قبل أفراد مشهود لهم بالصلاح, وقال 37.9% إنهم يشترون الزيوت المقروء عليها, وقال 34% إن عبوات المياه المقروء عليها هي المتفشية في المجتمع, و23.7% أفادوا أن تعليق الآيات والأذكار على جدران المنازل خوفاً من السحر, 23.1% يمارسون قراءة أبراج الحظ, 21% يعتقدون أن وضع المصحف في السيارة أو المنزل يمنع الحوادث, و16.1% قالوا إن ممارسة مجالس الزار أو (رقص الزيران) من العادات المنتشرة في المجتمع وما يصاحب هذه المجالس من تحاور مع الجن أو الادعاء بأن الجن تفضل أهزوجة أو أغنية معينة محددة ليترك المصروع وهي أمور منتشرة في بعض مناطق المملكة, وخاصة في الأفراح, وهناك من يستخدم البخور في المنازل لطرد الجن.
ومن الممارسات الخاطئة التي لها علاقة بظاهرة السحر والشعوذة كما رتبها أفراد العينة أن 21% يقولون إن تعليق المصحف أو وضعه في السيارة حماية من الحسد, 17% يرون تعليق آية الكرسي في السيارة, و16.1% يرون حضور مجالس الزار, 10.8% استخدام البخور لطرد الجن و6.9% يقولون إنهم يرون البعض يذهب للعرافين عند فقدان شيء عزيز لمعرفة مكانه, و5.7% قالوا إن هناك من يستعين بساحر لفك سحر, و5.4% يقومون بإهراق دم عند امتلاك سيارة جديدة, و5% شاهدوا الجن وتحدثوا إليهم.
وأكدت الدراسة أن الجنس له تأثير على عدد من الممارسات التي لها علاقة بالسحر والشعوذة ومن هذه الممارسات تعليق خرزة سوداء في السيارة لاتقاء العين, ووجد أن النساء أكثر ميلاً في استخدام لعبة الزهر أو ما يقوم مقامها من ودع وحجر وخط في الرمل للتنبؤ بالمستقبل, وأنهن الأكثر إقبالا على شراء زجاجات الزيوت وعبوات المياه المقروء عليها.
وخلصت الدراسة إلى أن المعتقدات الخاطئة لدى البعض هي التي تدفعهم إلى اللجوء للسحر والشعوذة, وأن كبار السن وغير المتعلمين الأكثر قبولاً للسحرة من المتعلمين, وطالبت الدراسة بالتحذير من أفعال هؤلاء المشعوذين وتوعية الناس منهم والأخذ على أيدي السحرة.