قال إن المملكة تتبع سياسة متحررة في مجال القيود غير الجمركية
اقتصادي يشكك في قدرات القطاع الصناعي على المنافسة عالمياً دون تطوير
الدمام - عبدالناصر القحطاني:
قدمت الغرفة التجارية الصناعية للمنطقة الشرقية ورقة عمل مهمة، في ندوة دول مجلس التعاون الخليجي ومنظمة التجارة العالمية، التي عقدت تحت عنوان تحسين المقدرة التنافسية في ظل اقتصاد عالمي متغير ونظمتها الغرفة التجارية الصناعية بالرياض، بالتعاون مع اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك خلال الفترة من 5إلى 6ديسمبر 2006م.
وأوضحت الدراسة التي قدمها مستشار الغرفة لشؤون منظمة التجارة العالمية طارق عبدالرحمن الزهد تحت عنوان "أثر الانضمام لمنظمة التجارة العالمية على المقدرة التنافسية للقطاع الصناعي في دول مجلس التعاون الخليجي: التجربة السعودية" أن القطاع الصناعي في دول المجلس والسعودية خاصة، يشتمل على ثلاثة قطاعات رئيسية هي: النفط الخام ومشتقاته، الصناعات البتروكيماوية، والصناعات التحويلية.
وبيّنت الدراسة ان المملكة تعتمد - كما هو الحال في دول مجلس التعاون الخليجي - على صادراتها من النفط الخام، كما أن صادراتها من المنتجات النفطية والبتروكيماوية تشكل العمود الرئيسي لصادراتها غير النفطية، إذ تمثل صادرات النفط ومشتقاته حوالي 88% من إجمالي الصادرات، وتشكل الصادرات البتروكيماوية ما نسبته 22% من صادرات المملكة غير النفطية.
وأوضح الزهد - في الدراسة - أن قطاع الصناعات التحويلية في المملكة قد خطا خطوات ملحوظة نحو التطور خلال السنوات الماضية، حيث زادت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي من حوالي 7.5% عام 1985إلى 9% عام 1994إلى9.8% عام 1999إلى 10.1% عام 2004م.. وعزت الدراسة هذا التطور إلى تنامي استثمارات القطاعين العام والخاص في هذا القطاع، خلال السنوات الماضية.
وأضاف ان هيكل الصناعات التحويلية يتصف بسيطرة وارتفاع الأهمية النسبية للصناعات الكيماوية والبلاستيكية، التي تستأثر بحوالي 62.4% من إجمالي الاستثمارات في القطاع الصناعي، و حوالي 23.5% من الأيدي العاملة و22.2% من إجمالي عدد المنشآت الصناعية. وأرجعت الدراسة الارتفاع الكبير في الأهمية النسبية لهذه الصناعات إلى ما تتمتع به من ميزة نسبية، من حيث اعتمادها على الغاز الطبيعي والنفط، وتميزها بكثافة رأس المال، وقلة اعتمادها على العمالة.
وذكرت الدراسة ان الصناعات التعدينية غير المعدنية - كصناعة الاسمنت والبلاط ومواد البناء - تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، إذ تستأثر بحوالي (11.05%) من إجمالي الاستثمارات في قطاع الصناعات التحويلية، وذلك للتوسع الكبير في الطلب على هذه المنتجات خلال السنوات الماضية، بسبب الطفرة العمرانية التي شهدتها كافة دول المنطقة، وتحتل الصناعات الغذائية المرتبة الثالثة بنسبة تصل إلى 7.78% بينما تأتي صناعات المعادن الأساسية، كالحديد والنحاس والألمنيوم وغيرها، في المرتبة الرابعة من حيث الأهمية، إذ تستأثر بحوالي (7.5%) من الاستثمارات في الصناعات التحويلية.
وأشارت الدراسة إلى أن التوجه التصنيعي - في دول المجلس ومن ضمنها السعودية - قد تركز على محورين أساسيين، أولهما: تطوير الصناعات التي يمكن أن تحل محل المستوردات، بحيث يتم استخدام المواد الخام المحلية لإنتاج السلع الموجهة لتلبية احتياجات السوق المحلية، كالاسمنت ومواد البناء، أما المحور الثاني فيتمثل في تطوير الصناعات القائمة على استغلال الموارد الطبيعية المتوفرة بكثافة، كالصناعات الأساسية في مجال البتروكيماويات، والحديد، والصلب، والألمنيوم، ونظراً لكون طبيعة هذه المشاريع كبيرة، ولا تكفي السوق المحلية لاستيعاب إنتاجها، فقد تم توجيه القسم الأعظم من إنتاج هذه الصناعة إلى التصدير.
وبيّن الزهد أن حكومة المملكة قامت بدور رئيسي ومباشر في إنشاء وتمويل الصناعات الأساسية ذات التكنولوجيا المتطورة، والكثافة الرأسمالية العالمية، والصناعات الثقيلة، فيركز القطاع الخاص على إقامة المشاريع الصناعية الصغيرة والمتوسطة الحجم، لاسيما تلك المشاريع التي ترتبط بروابط خلفية وأمامية قوية مع الصناعات الأساسية. كما ساهمت الحكومة في توفير البيئة والخدمات الأساسية للمشاريع الصناعية من طرق، ومواصلات، واتصالات وقامت بإنشاء المدن الصناعية مما أسهم في تهيئة البيئة اللازمة لتحقيق انطلاقة قوية نحو تحقيق تنمية صناعية شاملة.
آليات البحث في تأثير الانضمام للمنظمة على القطاع الصناعي السعودي:
وحول أثر الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية على القطاع الصناعي، بيّن الزهد أنه لا توجد دراسات متخصصة تقيم عوائد أو خسائر القطاع الصناعي، نتيجة الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، كما أشار إلى أن الدراسات التي حاولت تتبع آثار معينة، لم تندرج في إطار دراسات ميدانية أو مسحية، مشيراً إلى أن هذا ينطبق على معظم الدراسات التي تناولت آثار المنظمة على اقتصاديات الدول، حيث ان الآثار الاقتصادية الناجمة عن تنفيذ سياسة اقتصادية معينة، تتطلب فترة زمنية طويلة نسبياً لدراستها.
آثار الانضمام:
وفي معرض حديثه عن آثار الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية على القطاع الصناعي السعودي، بيّن الزهد ان دراسته تركز على بحث التزامات المملكة في تخفيض التعريفات الجمركية على السلع غير الزراعية (الصناعية)، وكذلك دراسة الآثار القانونية لتطبيق اتفاقية المنظمة، من أجل تهيئة الصناعة لمواجهة تحديات تطبيق أنظمة وتشريعات جديدة سوف تؤثر عليها من الناحية الاقتصادية.
وفي هذا السياق، ذكرت الدراسة ان المملكة التزمت - بموجب المادة الثانية من اتفاقية الجات 1994- بتقديم جدول التزامات بشأن التخفيضات الجمركية على الواردات، وسوف تؤثر التخفيضات الجمركية على المجموعات السلعية المختلفة من ناحية زيادة واردات تلك المجموعات التي يتم تخفيض تعريفاتها الجمركية، وبذلك سوف تتأثر الصناعات المحلية التي تتعرض لمنافسة الواردات من السلع الأجنبية، والتي سوف تزداد بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية.. وبيّنت الدراسة ان عملية تنفيذ الالتزامات سوف تتم تدريجياً مما يعني أن تأثير الانضمام سوف يكون تدريجياً.. فبعد عشر سنوات من الانضمام سوف يكون الربط الجمركي على السلع المستوردة للمملكة حوالي 10.5%.. كما أن حوالي 11% من الواردات من السلع الصناعية سوف تكون معفاة من الجمارك.. وقد احتفظت المملكة بحقها في حماية بعض السلع الصناعية الحساسة مثل الحديد والفولاذ والأخشاب، حيث أبقت التعريفة الجمركية على معظم السلع الصناعية المستوردة (92% من السلع الصناعية المستوردة) عند الانضمام للمنظمة، فيما ستقوم بتخفيض التعرفة الجمركية على باقي السلع الصناعية، خلال الأعوام 2008و 2010وبحد أقصى 2015م.
وبيّن الزهد أن التزامات المملكة، جاءت متوافقة مع النسق العام لتوجهات الدول الأعضاء بالمنظمة، لتحرير المزيد من القطاعات السلعية، وأضاف الزهد ان هذه التوجهات تبلورت من خلال تقديم الدول الأعضاء بالمنظمة لعدد من المبادرات القطاعية، خلال جولة أورجواي، وبعد تأسيس منظمة التجارة العالمية.. وذكرت الدراسة ان أهم هذه المبادرات تمثلت في الغاء الرسوم الجمركية كليا على عدد من السلع منها: الأدوية، الأثاث، الألعاب، مواد البناء، المعدات والآلات الزراعية والطبية، الحديد، منتجات الورق، ومنتجات تكنولوجيا المعلومات.. ومن هذه المبادرات، تخفيض نسبة السلع الصناعية التي تفرض عليها رسوم جمركية تزيد على 15% من7% من اجمالي الواردات إلى 5% فقط، وربط الرسوم الجمركية على حوالي 98% من اجمالي السلع الصناعية المستوردة، الأمر الذي لا يتيح للدول الصناعية رفع رسومها الجمركية على هذه السلع.
وأكد الزهد ان المملكة تتبع سياسة متحررة إلى حد كبير في مجال القيود غير الجمركية، غير أن هناك عدداً محدوداً جداً من القيود الجمركية المفروضة، تتعلق بحظر وتقييد استيراد وتصدير بعض السلع الصناعية، أما أهم السلع التي تحظر استيرادها فهي: الخمر والأسلحة ولحم الخنزير وذلك لأسباب صحية ودينية وأمنية.
أثر الاتفاقية على الصادرات من السلع الصناعية السعودية:
بينت الدراسة أن الاتفاقية تفتح المجال واسعاً أمام السلع الصناعية السعودية للمنافسة في الأسواق العالمية، حيث أن مبادئ منظمة التجارة العالمية سوف تطبق على الصادرات السعودية، عند دخول تلك السلع الى أسواق الدول الأعضاء بالمنظمة، والتي تكفل حقوق المصدرين السعوديين، ومن هذه الحقوق التمتع بالرسوم الجمركية المنخفضة التي تطبق على منتجات الدول الأعضاء دون تمييز، وتقليص العوائق غير الجمركية التي كانت تفرضها بعض الدول على الصادرات السعودية، مثل الضرائب التي يمكن أن تفرض على الصادرات السعودية، أو أي اجراءات مشابهة مثل رسوم مكافحة الإغراق، أو تحديد كمية الصادرات السعودية وإخضاعها لنظام الحصص، أو وضع شروط وعراقيل معينة أمام الصادرات السعودية في تلك الدول.
وأوضحت الدراسة ان المصدرين السعوديين يستطيعون بحث هذه العوائق التجارية ومدى توافقها مع أنظمة وقواعد منظمة التجارة العالمية، كما يستطيعون توظيف حقوقهم التي تكفلها تلك الأنظمة، من أجل زيادة الصادرات السعودية للأسواق العالمية، ولفتت الى ان تقليص العوائق التجارية غير الجمركية أمام الصادرات السعودية، سوف يزيد من قدرتها على المنافسة في الأسواق الخليجية، حيث يتوقع زيادة الصادرات البتروكيماوية، التي كانت تعاني بعض الصعوبات للوصول الى اسواق بعض الدول، بسبب هذا النوع من العوائق.
ونبهت الدراسة الى ان الاستفادة من اتاحة الفرصة لدخول أسواق هذه الدول، سوف تعتمد بقدر كبير على ما تبديه صناعاتها من استعداد لاجراء تحسينات على منتجاتها، من ناحية الكيف والكم والسعر، بما يمكن سلعها من المنافسة في الأسواق الخارجية، خاصة دول جنوب شرقي آسيا التي تمتاز بمقدرة تنافسية عالية اثر اتفاقيات المنظمة في مجال تجارة السلع على القطاع الصناعي السعودي.
لدى دراسة الأنظمة والقوانين التجارية تبين أن المملكة قد عدلت عدداً من القوانين التجارية، لتتواءم مع متطلبات منظمة التجارة وفي 2006/6/12صادق مجلس الوزراء على النظام الموحد لمكافحة الإغراق، الذي يعطي فرصة حقيقية لحماية الصناعة السعودية والخليجية من الممارسات التجارية الدولية غير المشروعة.
كما أن عدداً من الأنظمة التجارية، قد تم تعديلها بهدف تقليل أو تحييد أثر الاجراءات الفنية التي تؤثر على حرية التجارة، مثل: المواصفات والمقاييس، والمعايير الطبيعية للمستودرات، وطرق فحص السلع المستوردة لمطابقتها مع المواصفات والمقاييس المحلية.
وفي هذا السياق قامت بمايلي:
- تطبّق أنظمتها التجارية بطريقة تضمن عدم حصول نكوص في حرية الوصول للأسواق التي تحققت من خلال الغاء التعريفات، والا يتم تقليص مزايا هذا الإلغاء من خلال قرض عوائق أخرى غير جمركية.
- ازالة العوائق غير الجمركية وتشمل تحرير منتجات تقنية المعلومات، كما تعهدت بمراجعة رسوم الموانئ لتعكس الكلفة الحقيقية للخدمة وازالة رسوم التأشيرات في نهاية شهر ديسمبر من عام
2007.- عدم ربط عملية الترخيص للاستيراد لداخل المملكة بمعايير معينة، مثل مدى قدرتها على تشجيع صناعات معينة، لتشجيع المحتوى المحلي للسلع المصدرة، أو زيادة التصدير أو مدى قدرتها على دعم المحتوى المحلي للسلع المستوردة كمدخل إنتاجي، أو مدى قدرتها على منافسة المنافسين المحليين.
- السماح بقيام تجارة حرة في منتجات تكنولوجيا المعلوماتية كالهواتف الخلوية، وأجهزة الحاسوب، والمفكرات الإلكترونية، وأجهزة التصوير.
- إلغاء شرطها بحصول الموردين على شهادات تثبت مصداقية وثائق الجمارك من الدوائر القنصلية بالسفارات السعودية في موعد لا يتجاوز ديسمبر
2007.- الغاء المنع الذي تفرضه على تصدير كافة أنواع الخردة المعدنية، والا تفرض ضرائب على تصدير منتجات الخردة.
دور القطاع الصناعي في مواجهة التحديات الناجمة عن الانضمام لمنظمة التجارة العالمية
بينت الدراسة التي أعدها الزهد ان دور القطاع الصناعي بالمملكة العربية السعودية في مواجهة تبعات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، يمكن أن يتمحور بدراسة التزامات المملكة تجاه منظمة التجارة العالمية، ورسم استراتيجيات واضحة للتعامل مع هذه الالتزامات، ويكون ذلك عن طريق عقد لقاءات ومشاورات مستمرة بين رجال الأعمال (ملاكا وإدارة في مستوياتها المختلفة) لتحديد الصناعات (أو أجزائها) التي يمكن المنافسة فيها عالمياً. ولعل البداية الصحيحة هي التركيز على الصناعات التي تملك المملكة فيها ميزة نسبية، لكن لابد من تطوير هذه الصناعات عن طريق التوسع الأفقي والرأسي لزيادة القيمة المضافة، وتحويل تلك الميزة الى ميزة تنافسية.
كما أوضحت الدراسة أنه ينبغي على المنشآت الصناعية تحديد ميزات معينة، يمكن ان تنافس بها المنشآت الأجنبية، والتركيز على النوعية الجيدة والكفاءة، حيث أن ذلك قد أصبح - بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية - مطلباً أساسياً لكل المنشآت التي تبحث عن النجاح والبقاء في السوق، فهناك العديد من الميزات التي يمكن الاختيار من بينها، ولاشك أن الاختيار له علاقة بالصناعات المختارة.
وأخيراً أكد الزهد انه لا يمكن للقطاع الصناعي السعودي المنافسة عالمياً، والاستفادة من المميزات الناجمة عن الانضمام للمنظمة دون تخصيص مبالغ معينة من الأرباح لعمليات البحث والتطوير والابتكار الذي يساهم في المحافظة على الميزة التنافسية التي تتمتع بها أي صناعة من الصناعات السعودية.
المفضلات