منقوووووووووول


بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله رب العالمين وناصر المظلومين، تكفل بإجابة المظلوم وإن كان من الكافرين، وسنّ سنن البقاء لأمم العدالة والعادلين، والزوال والفناء لكل عدو من الظالمين، سبحانه وتعالى شرف بعبادته العابدين، وأخبرهم بأنه قريب يجيب دعوة السائلين، يحب خضوع الخاضعين، يفضل أنين التائبين على تسبيح المسبحين، توعد بعز من ذل له من الطائعين،
وبذل من استعز بالإثم من العاصين، فسبحانه منزه من المعايب وانتقاص الناقصين، ثم أصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، محمد الصادق الأمين، وعلى آله الأطهار وصحابته الأخيار والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفو وكرم من أكرم الأكرمين، ثم أما بعد..فالسلام الله عليكم ورحمة الله وبركاته

" توطئة "

لا يخفى عليكم ما تمر به الأمة الإسلامية في الوقت الراهن وما نترقبه من الخطر المحدق بها جراء هذا الاعتداء التتاري الغاشم على أرض العراق، كلنا نعلم أن طبول الحرب قد قُرعت هذه الأيام والله وحده أعلم بما ستؤول إليه الأمور والأحوال..الكثير منا متخوف من هذه الأزمة والبعض منا متعلق بأسباب النجاة وحدها والبعض الآخر ممن يحمل هم الإسلام يعتقد أن نهاية الأمل في استعادة عزه قد قربت على أيدي هؤلاء الظلمة والمعتدين ويختلف الناس بمشاعرهم وتصوراتهم للأحداث باختلاف مشاربهم وخلفياتهم وثقافاتهم فلكل رؤيته الخاصة به والتي تكون منطلقا لمشاعر تعتلج خلجات فؤاده ومن ثم تؤثر هذه المشاعر على تصرفاته الحياتية سواء الآنية منها أو المستقبلية، وبما أن مشاعر الإحباط والتشاؤم هي الأقرب للنفوس خصوصا وقت الأزمات تولدت فكرة كتابة هذا المقال والذي أحاول فيه بث شيء من روح التفاؤل الباعث على العمل لا الداعي إلى الركون والدعة والتكاسل بحجة التواكل المزعوم ولتغض الطرف أخي القارئ الكريم عن ركاكة الأسلوب وضعف العرض المطلوب فالمقال كتب في جلسة واحدة وبذهن مشتت غير منضبط فلابد للتقصير والزلل من أن يعتنقاه فهو جهد بشري أولا وأخيرا

" ولنا في قصصهم عبرة "

كلنا ولله الحمد نقرأ القرآن، وجميعنا علم بقصة يوسف مع إخوته وما واكبها من أحداث فدعونا نعيد قراءة أحداث القصة لكن بشكل مغاير عن ذي قبل كي نستشف العظة والعبرة و الدروس، وهذه ميزة من مزايا القرآن العظيم فعند تكرار القراءة تتجدد المعاني مع أن الألفاظ واحده فسبحانه عز شانه وعظم كلامه..نعود لمحور كلامنا فأقول دعونا نضع الأحداث متسلسلة بأرقام حتى يكون الحديث ذا طابع تنظيمي وتتوصل الفكرة للعقل بطريقة آلية سريعة فبسم الله نبدأ ونقول :

1 – يتآمر إخوة يوسف عليه فيقول قائلهم ( اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم..الآية)..تأمل هذه الآية ففيها مصيبة وبلاء و أزمة وهي التآمر على قتل يوسف عليه السلام!! لكن انظر للآية التي تليها فيقول الله تعالى ( قال قائل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجب..الآية) تأمل أزمة يأتي بعدها فرج من الله انطق أحدهم باقتراح ينجي به يوسف من القتل ويشير عليهم بإلقاءه في غيابت الجب فمن موت متحقق إلى إلقاء في الجب

2 – بعد أن القي يوسف عليه السلام في الجب وهي أزمة لكن بذاتها فرج لأزمة أشد منها وأنكى وهي القتل يقول الله تعالى ( وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قال يابشرى هذا غلام..الآية) انظر للفرج من الله أتى سريعا فبعد إنزاله بعث الله سيارة تأتي كي ترد من الماء فلما ألقى الدلو أخرج يوسف من الجب فانظر منة الله وتفريجه على عبده إذ لم يكن مكثه في الجب إلا مجرد ساعات حتى قال بعض المفسرين أن إخوة يوسف رجعوا إليه وباعوه بثمن بخس فتأمل تفريج الله لكربته من البقاء في الجب وحيدا لا حول له ولا قوة إلى إنقاذه وإخراجه منه

3 – قال تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر..الآية ) تأمل معي قضية بيعه كعبد هي أزمة لكنها بحد ذاتها تفريج لأزمة أخرى وهي إبقاءه وحيدا في الجب...لكن تأمل معي بقية الآية يقول الله تعالى ( وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه..الآية) انظر التلازم بين الشدة والفرج فبعد أن فرج الله عليه شدة الجب بإخراجه منه تأتي أزمة أخرى وهي بيعه كعبد مملوك فتلحق هذه الأزمة بتوصية من المشتري لامرأته بأن تكرم مثواه !! فسبحان الله فالفرج بعد الشدة متلازم

4 – قال تعالى ( وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ..الآية ) تأتي شدة وأزمة أخرى وهي عرض للزنا مغري من سيدته فهو عبد مملوك غريب شاب مرغوب مطلوب مهيأة له الأسباب مغلقة دونه الأبواب يخشى من سيدته السجن أو العذاب فيهرب ومن ثم تلحقه وهي من خلفه يفتح سيدها الباب ..تأمل معي هذه الشدة ويزيد الطين بلة أنها بدأت تتبلى عليه قال تعالى (..قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً إلا أن يسجن أو عذاب أليم)..فيأتي الفرج من الله ويشهد له شاهد من أهلها..سبحان الله أنظر للفرج يأتي شاهد وليس أي شاهد بل من أهلها فتكون شهادة أقوى وأعظم تبرئة له

5 – قال تعالى بعد عرضه لمشهد النسوة اللاتي لمن امرأة العزيز (.. ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننّ وليكوناً من الصاغرين) هنا تأتي شدة أخرى دخوله للسجن لكن قبل ذلك أود إلى لفت انتباهكم لفائدة ذكرها العلماء في هذه الآية وهي قولها (ليسجننّ) فتجد أنها شددت النون ههنا لأنها تملك قرار سجنه ولكن تأمل قولها ( وليكوناً من الصاغرين) فخففت النون في يكوناً لأنها لا تستطيع أن تجعله صغيرا فهذا ليس في مقدرتها

6 – تقدم معنا أن الشدة هي دخوله في السجن فتأمل قول الله تعالى على لسان صاحباه في السجن حين استفتياه برؤيا لهما فقالا ( نبأنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين) فانظر لتفريج الشدة السجن بجعله معظما موقرا في السجن من قبل المساجين فكان في نظرهم من المحسنين

وهكذا يستمر مسلسل الأزمات يمر بيوسف عليه السلام حتى يأتي الفرج الأكبر وهي خروجه من السجن بعد تعبيره لرؤيا الملك لكن خروجه يأتي بعد شهادة النسوة وعلى رأسهن امرأة العزيز معترفة.. وكما يقال في علم القانون أن الاعتراف سيد الأدلة وهكذا أصبح وزير المالية في مصر فانظر لتلازم الشدة والفرج ولم استعرض جمع الصور فلو رجعت إلى سورة يوسف وقرأتها بتمعن ستجد فيها العجب العجاب فهناك أزمات واكبت يوسف لوحده وأخرى ليعقوب وثالثة لأخيه ورابعة لأخوته وهكذا.. فسورة يوسف من السور العظيمة وكل القرآن عظيم لكن ماذكرته مجرد إضاءات بسيطة لعرض صورة مهمة ومتأصلة وهي أن الشدة والفرج وجهان لعملة واحدة... وتأمل قول الله تعالى ( إنّ مع العسر يسرا ) قال تعالى مع ولم يقل إن بعد العسر يسرا.. ولن يغلب عسر يسرين كما قال المفسرون والمتأمل يجد هذا جليا واضحا في القرآن والسنة والسير وأحوال الأمم السابقة وهذا من سنن الحياة الكونية

وصدق الشافعي إذ يقول :

صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا ** من راقب اللّه في الأمور نجا
من صدّق اللّه لم ينله أذى ** ومن رجاه يكون حيث رجا

وقال الشاعر:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى * ذرعاً وعند اللّه منها المخرج
كملت فلما استحكمت حلقاتها * فرجت وكان يظنها لا تفرج

لذا أضحى لزاما أن نؤمن أن كل أمر قد قدره الله لا بد أن يكون وأن نعلم أن كل أزمة ولها فرج فالصبر مفتاحه والعمل خلاصه وكما يقال اشتدي أزمة تنفرجي فلا نتشائم ولا نجعل لليأس طريقا في قلوبنا بل لنعلق أملنا وآمالنا في الله وبالله وعلى الله وحده لا شريك له

" دورنا في هذه الأحداث "

حتى لا يكون الكلام تنظيرا بحتا لابد من طرق سبل العلاج والخوض في الأدوار المناطة على عواتقنا كي تبرأ بها الذمم وتصلح من خلالها الأمم فنقول وبالله التوفيق :


1 – الاستغفار.. الاستغفار شأنه عظيم وعجيب وغريب فسبحان من شرعه لنا فهو عبادة يسيرة لكن أثرها وتأثيرها عظيم جدا لكن مع يسرها إلا أن الموفقون لها قلة نسأل الله أن نكون منهم. فيجب الاستغفار من جميع الذنوب والحديث عن الاستغفار يطول وليس هذا باب الإطناب فيه

2 – التوبة النصوح الصادقة الخالصة لله عز وجل.. فلنعجل بتوبتنا لله قبل أن نندم ولات ساعة مندم فباب التوبة مفتوح قبل غرغرة الروح أو خروج الشمس من مغربها والتوبة واجبة على كل امريء مسلم بل إن تأخير التوبة ذنب آخر يحتاج إلى توبة فالله الله في الصدق مع الله والله الله بالمسارعة إليه مادمنا في وقت الفسحة والإختيار

3 – العبادة والعمل الصالح وهذه والله من أهم المسائل فورد في الحديث أن العبادة في وقت الفتن كهجرة إلى الرسول عليه السلام كل هذا من باب تعظيم شأن العبادة وأنها لا تتعطل وقت الأزمات بل على العكس من ذلك يزداد أمرها تعظيما وشأنها إجلالا فمن العمل الصالح طلب العلم الشرعي المؤصل من أهله وهو والله وتالله وبالله لمن أهم المهمات في وقتنا الحالي حتى ولو انقشعت غمامة الغزو الغاشم على العراق فالفتن تترى والجهل يطغى والله المستعان ومن العمل الصالح القيام بالسنن والواجبات وترك المكروه والمحرمات

4 – الصبر والتصبير والمصابرة.. والصبر من أعظم القربات إلى الله ومن أجلّها فيوفى الصابرون أجرهم بغير حساب لعظم ما قاموا به من عناء الصبر والاحتساب

5 – نبذ الخلاف والفرقة ونزع رايات التعصب والنزاع والتشرذم...فهذه الانقسام في أحوالنا وأقوالنا وأعمالنا لمصلحة من ؟ فتقسيم الناس لجامي أو قطبي أو سروري أو سلفي أو خارجي بدعة من ؟ رحم الله علماء الأمة من السلف الكرام حين كانوا يتركون شيء من الحق مع المبتدعة من أجل أن يتفقا في صد طغيان أهل الكفر.. وهذا من فقههم رحمهم الله ومن علمهم بمقاصد الشريعة وتنزيلهم لقواعدها على أرض الواقع عملا بأن المفسدة الصغرى تدفع بها المفسدة الكبرى وأي مفسدة والله أشد من تفرقنا في حين اجتماع كلمة الكفر قاطبة علينا

6 – تحقيق مبدأ الأخوة وتطبيقها واقعا عمليا...فقل لي بربك أخي الكريم لو أنّ أخاك من أمك وأبيك وقعت له مصيبة من فقر أو مرض أو حادث أو غيرها فهل يعقل أن تتركه وشأنه وتبحث تقلب في الأسواق عن فتاة تغازلها ؟ أو عن كرة تطبل لها ؟ أو فلم أو صورة تتسمر أمامها ؟ أو عن أي وسيلة ترفيه محرمة أو حتى كانت مباحة فهل ستترك أخيك في محنته وتفتش عن لذة ذاتك ؟ إذا مابالنا نرى أخ لنا يقتل وأخت لنا تغتصب وأم لنا تعذب وطفل لنا يموت جوعا وآخر من البرد يتململ وبيوت لنا تهدم وبلاد لنا تسلب ومع هذا وذاك ننام ملئ جوفننا ونشبع ملئ بطوننا ونضحك ملئ شدوقنا ومن ثم إذا ما صحت ضمائرنا وجذوة الإيمان في دواخلنا لعنا بوش وأذنابه وتذمرنا من وضعنا المهين ومن ثم نعود لمسلسل ترفنا المشين فقلي لي بربك أي أخوة متحققة من أفعالنا تلك ؟ أي معالم نصرة لمن يهمنا أمره تلك ؟ فالله الله في تحقيق هذه الحقوق فلقد ورد أن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم !! سبحان الله نزّل هذا الكلام على واقعنا هل نحن من المسلمين ؟ هل نهتم لأمرهم ؟ هناك أمر آخر لابد من الانتباه له وهو هل بينك وبين الله نسبا ؟ إذا ما الذي يمنع من أن تجتاح أرضنا ؟ ويتيتم أطفالنا ؟ وتترمل نساءنا ؟ وتغتصب بناتنا ؟ ليس ذلك بعزيز فقلي وقتها هل ترضى أن تقرأ أو أن تسمع أن المسلمين في شتى بقاع الأرض يحضرون بالآلاف لمدرجات الملعب غير مهتمين بك وبما حل بشعبك ؟ قد أكون أطلت الحديث في هذه النقطة لكن لأهميتها في نظري كان ما كان والحديث في هذه النقطة بالذات ذو شجون

7 – كثرة التبرع والصدقات فالصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء كما ورد في الحديث وبذل الأموال والمساعدة بها من القربات العظيمة لله عز وجل

8 – الدعاء وهو والله سلاحنا الوحيد الذي لا يستطع الأعداء منا سلبه مهما أُتوا من قوة وعتاد فالله الله بالدعاء وتحري مواطن الإجابة بين الآذان والإقامة في السجود وأدبار الصلوات آخر ساعة من يوم الجمعة في الثلث الأخير من الليل وعند نزول المطر وفي حال السفر وغيرها كثير فينبغي أن تلهج ألسنتنا بالدعاء في كل وقت علها توافق وقت إجابة فتكون نصرا للأمة وتمكين للمسلمين بسببك أنت أخي قد تستغرب كلامي فأقول لك كلا بل قد ينصر الله المسلمين بسببك كما أنه قد يعذبهم بسببك!! تذكر معي قصة تائب بني إسرائيل حين توقف المطر عن النزول فخرج موسى عليه السلام يستسقي فأوحى الله إليه أن فيكم عبدا يجاهرني بالمعاصي أربعين سنة مره فليخرج فلما بلغ موسى عليه السلام قومه علم العبد العاصي أنه المعني بالكلام فوضع رأسه بين رجليه محتبيا ثم ذل وخضع وتاب وأناب ورجى الله أن يستر عليه كما ستر عليه من قبل فبكى ودعا من قلب خالص فأنزل الله المطر وأغاثهم فقال موسى مستغربا يا رب لم يخرج أحد!! قال سترته أربعين سنة وهو عاصي أفلا أستره وهو يطيعني به منعتكم القطر وبه سقيتكم!! فسبحان الله ما أحلمه وما أعدله وما أعظمه.. فحلي بنا أخي القاريء الغالي والكريم أن ندعو وندعو وندعو وندعو ونتحرى شروط الإجابة من إطابة مطعم وصدق لهجة وغيرها من ما ذكرها أهل العلم في كتبهم ونزيل موانعها وأن أقل الواجبات عليك أخي المسلم هي الدعاء فلا تقصر فيه يا رعاك الله

9 – كثرة توعية الناس في المنتديات والمجتمعات بالدور المطلوب والحث على الرجوع إلى الله والإنابة إليه والتوكل عليه والعمل بالإسباب والتخلي عن التواكل والركون والدعة والتسليم بأن لا حول لنا ولا قوة بل كل مطالب بحسبه فليؤدي كل امريء دوره المناط به

هذه عدة أمور سقتها من عقل لم ينضج بعد ومن رأي غير معصوم فما كان فيها من حق فهي من الله خالصة وماكان فيها من خطأ أو زلل أو تقصير أو نسيان فهي مني ومن الشيطان والله ورسوله منه بريئان فالله الموفق وبه المستعان أقولي قولي هذا وأستغفرالله من كل ذنب فسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا آله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته