نشرت بعض الصحف ان البنك الاهلي التجاري قد كشف عن دخول ملاك جدد في قائمة الملاك الحاليين للبنك, حيث بلغ عددهم الآن 24 فردا يمتلكون في مجموعهم ما يوازي 20% من رأسمال البنك أي (24 مليون سهم). وقد سبق ان نشر ان وزارة المالية السعودية تتفاوض على شراء بقية اسهم البنك الاهلي التجاري بمبلغ 7 مليارات ريال بقيمة 400 ريال للسهم من عائلة بن محفوظ (خالد وزوجته وابنائه), وان المشتري سيكون صندوق الاستثمارات العامة, وصندوق معاشات التقاعد, وبذلك تصبح حصة الدولة في البنك 80%, ولكن مع الاسف الشديد لم يصدر اي تأكيد او نفي لهذا الخبر من البنك او اي من الجهات المعنية!!

وهذا يجعل الموضوع فيه كثيرا من الغموض, حيث تكثر الشائعات, وتتعدد الروايات, في الغياب الكامل للشفافية او المعلومات الصحيحة!!

ورغم انه تم الاعلان في عام 1998م عن تحويل البنك الى شركة مساهمة يمتلكها افراد عائلة خالد بن محفوظ بالكامل, فقد اعلن بعد ذلك في عام 1999م عن صفقة شراء صندوق الاستثمارات العامة حصة 50% من اسهم البنك, ودخول مساهمين جدد, وتشكيل مجلس ادارة جديد, مما اشاع جوا من التفاؤل والاستقرار في المحيط المالي, ولكن منذ ذلك التاريخ لف الصمت المطلق والسرية التامة عما يجري داخل البنك, ولم تصدر اي ارقام عن نسب ملكية مختلف المساهمين في البنك, او نتائج اعماله كما ان البنك لم يعلن ميزانياته المقررة للاعوام المالية الثلاثة 2000- 2001- 2002م, او اي معلومات عن من هم مساهميه??

كما قيل ان الرئيس الحالي لن يرشح نفسه للرئاسة او عضوية مجلس الادارة, فهل استقال او اقيل, ام ان هناك اسباباً اخرى? وان البنك ينوي انتخاب وترشيح مجلس ادارة جديد, فهل هناك خلافات بين الاعضاء الحاليين? وهل فشل مجلس الادارة السابق في مهمته? وما هي الاسباب?

الافصاح والشفافية:

ان هناك كثيرا من علامات الاستفهام والتساؤلات التي تحتاج الى اجابة من الجهات المعنية بذلك, واهم تلك التساؤلات هي كيف تم اختيار المساهمين الجدد? وعلى اي اساس تم اختيارهم? وبأي سعر تم تحديد سعر السهم لكل مساهم? وهل تم توزيع بعض الاسهم بشكل منح مجانية? وما هو السعر الذي تم دفعه لأسهم عائلة ابن محفوظ? وهل دفع المقابل نقدا? ام كانت هناك تسويات ومناقلات خارجية?

اذا كانت الحكومة تريد ان تقوم بتخصيص البنك لاحقا كما حدث لشركة الاتصالات فإنه من المفروض ان تقوم وزارة المالية او مؤسسة النقد بنشر كل الحقائق المالية والقانونية عن البنك وما يجري فيه من تعديلات وتغيرات اولا بأول!!

ليس هناك شيء اقوى في كسب ثقة الناس في مؤسساتهم المالية من الشفافية والقدرة على الافصاح عن كل التغيرات الايجابية والسلبية بكل صراحة ووضوح.

لقد عودتنا مؤسسة النقد السعودية على نشر تقاريرها السنوية والتي تحتوي على معلومات مالية كثيرة تتسم بقدر كبير من الشفافية مما اكسبها ثقة المسؤولين والمواطنين على حد سواء, ولكنها لم تتعرض لما يحدث في البنك الاهلي بالرغم من انه اكبر واقدم البنوك في السعودية, ويعد من اكبر البنوك في الشرق الاوسط, وقد تم تحويله الى شركة مساهمة منذ عام 1998م!!

ان هذا الصمت وعدم الافصاح عما يجري داخل احد اكبر البنوك في البلد تنافي مع قواعد الافصاح والشفافية المطلوبة في المؤسسات المالية وخصوصا اذا كانت شركة مساهمة عامة, وليست شركة تضامنية خاصة كما كانت في السابق.

ولعل نظرة على تطور البنك وحركة المساهمين فيه تبرز الفكرة..

** في عام 1953م: تأسس البنك الاهلي التجاري, بين كل من صالح موسى كعكي واخيه عبدالله موسى كعكي, وابن عمهم عبدالعزيز محمد كعكي, وسالم احمد بن محفوظ, الذي اصبح بعد ذلك يمتلك اغلبية اسهم البنك الذي كان رأس ماله 30 مليون ريال مقسمة الى 30,000 سهم قيمة كل سهم 1000 ريال.

** في عام 1992م: انهار بنك الاعتماد الدولي, وظهر اسم خالد بن محفوظ (مدير عام البنك الاهلي آنذاك) كأحد المساهمين الكبار الذين يلاحقهم القضاء الامريكي.

** في عام 1993م: تم الاعلان عن زيادة رأس المال الى 6000 مليون ريال, مقسمة الى 120 مليون سهم قيمة كل سهم 50 ريالاً, مملوكة بالكامل لورثة الملاك الاساسيين.

** في عام 1996م: تم الاعلان بأن خالد بن محفوظ, وزوجته نائلة بنت عبدالعزيز كعكي, قاما بشراء جميع اسهم البنك من جميع الشركاء (75% و25%).

** في عام 1998م: تم الاعلان عن تحويل البنك الاهلي من شركة تضامنية الى شركة مساهمة, وعن دخول بعض رجال الاعمال كشركاء جدد في البنك الى جانب عائلة الكعكي وابن محفوظ. ولم يوضح اي شيء عن توزيع الحصص وعلى أي اساس تم اختيار الشركاء الجدد او سعر السهم!!

** في عام 1999م: اعلن عن شراء صندوق الاستثمارات العامة (الذراع المالي لوزارة المالية) 50% من اسهم البنك من عائلة ابن محفوظ, ولكن بدون اعلان اي قيمة لتلك الصفقة, وهل تم الدفع نقدا? وبذلك اصبح مجموع الشركاء 20 كما هو موضح (بالجدول المرافق), وفيه تظهر لأول مرة اسماء جميع المساهمين في البنك مع توضيح حجم حصة كل منهم.

ومن الجدول يتضح ان خالد بن محفوظ وزوجته واثنين من ابنائه وبنته لا يزالون يمتلكون 48% من اسهم البنك اي 57,6 مليون سهم, بينما اميمة وصالح كعكي يمتلكون 1,5% اي 1,8 مليون سهم, بينما الـ12 لا يمثلون سوى 240 ألف سهم فقط.

** في عام 2002م: نشرت الشرق الاوسط خبر شراء صندوق الاستثمارات العامة, وصندوق التأمينات الاجتماعية كامل حصة عائلة خالد بن محفوظ بمبلغ 7000 مليون ريال وبقيمة 400 ريال للسهم.

** واخيرا في عام 2003م: اعترف رئيس مجلس ادارة البنك الاهلي بأن البنك اصبح مملوكاً للدولة بنسبة 80% (صندوق الاستثمارات العامة 70%) و (صندوق التأمينات الاجتماعية 10%) و20% موزعة على 24 فردا من المساهمين الآخرين.

ولكن لم يوضح من هم الـ12 فرداً الآخرين وكيف تم اختيارهم?

الخلاصة:

ومن خلال كل ما سبق يتضح للقارئ مدى الغموض الذي يدور حول تلك التحولات الجذرية التي تحدث في اكبر بنك في السعودية, وكيف ان الشفافية غائبة هنا!!

كما ان المعلومات المتسربة عن تلك الصفقة غير دقيقة, فعلى سبيل المثال لو قمنا بحساب قيمة الاسهم المشتراه من عائلة ابن محفوظ وهي حوالي 57,6 مليون سهم بقيمة 7000 مليون لوجدنا ان سعر السهم هو حوالي 195 ريالاً فقط وليس 400 ريال كما ذكر في الاخبار, فأيهما اصح, وما هي حقيقة الامر??

وحيث ان البنك الاهلي من اعرق البنوك في المملكة ويعد اكبر بنك في منطقة الشرق الاوسط برأس مال يبلغ 6000 مليون ريال, فإن ما يجري في داخل هذا البنك العملاق يهم جميع المواطنين لتأثيره البالغ على الاقتصاد الوطني?

ان عدم الافصاح عما يجري في داخل اكبر بنك في البلد يتنافى مع طبيعة الشركات المساهمة ومع الانظمة المعمول بها في المملكة, ويؤدي الى كثرة القال والقيل ولا يخدم المصلحة العامة, فهل من مجيب?



* استاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبدالعزيز

wdkabli@hotmail.com

فاكس: 6952805

د. وديع احمد كابلي *