مع السقوط الفاحش للمؤشريوم أمس واليوم ....شعرت بحاجة ملحة لأن أقول شيئا راودني منذ فترة طويلة وحان الوقت لأبوح به هنا ...

فمع التتابع المستمر لهبوط المؤشر وهبوط قلوبنا معه وجدت نفسي أتأمل في أحوالنـأ وأردد في سري : حسبنا الله ونعم الوكيل .. كان لابد أن يحدث لنا هذا ونحن في غفلة من أمرنا ....

حسبنا الله ونعم الوكيل ... وكفى بالله حسيبا .....وعلى أحوالنا رقيبا ....

حسبنا الله الذي لاإله لنا غيره ... وليس هناك مايمكن قوله بعد أن تكشفت الأمور وزالت الغشاوة التي كانت على الأعين ...

حسبنا الله ونعم الوكيل أيها الإخوة والأخوات فيما يحدث لنا بسبب هذه الأسهم وارتفاعاتها وانخفاضاتها وتقلباتها اليومية المستمرة .....

هذه الأسهم كم شغلتنـا عن حياتنا ... وكم حرمتنا من الإستمتاع بها كمايجب ...

هذه الأسهم شغلتنا عن ديننا... وألهتنا عن صلواتنا وعباداتنا فصرنا نرتجلها ارتجالا ... ونختصرها خوفا من ضياع فرص السوق علينا ..!....

هذه الأسهم بسببها أهملنا أعمالنا ومصادر رزقنا .... وبذلك فقدنا تميزنا في أعمالنا وصرنا مجرد آلات فاقدة للإهتمام والشعور ...

هذه الأسهم جعلت من مكان العمل مجرد مكان يحبس الموظف فيه لمدة ساعات ثم يفر منه حتى قبل أن ينتهي فترة الدوام المقررة ليستمع أولا إلى ماصار بالسوق من مستجدات ... ثم ليجهز نفسه حتى وقت افتتاح السوق التالي ليعوض مافاته أثناء الدوام من أرباح ومكاسب .!..

هذه الأسهم التهمت أوقاتنا التي كان من الممكن الإستفادة منها في أمور أهم وأجدى ... هي وحدها التي سيطرت على عقولنا بشكل جنوني .... استبدت وطغت حتى على علاقاتنا بمن نحب من أهل أو أزواج أو أبناء أو أصدقاء ومعارف .. أنستنا واجباتنا تجاه الجميع وتسببت في تدهور حياتنا الإجتماعية ... بل وكادت تقودنا إلى قطع الرحم الذي هو سبب من أسباب رضاء الله عنا ...

هذه الأسهم جعلتنا نصبح أسرى شاشات الحواسب في بيوتنـا .... أوزبائن ثقيلين في صالات التداول ....

هذه الأسهم أنهكت عيوننا وأفسدت صحتنا بسبب الجلوس الطويل ... وبسبب التحديق الأبله لساعات طويلة في الشاشات التي صرنا لانراها إلا متوهجة بحمرة ضارة وقاتلة ومتعبة للعين والصحة وللقلوب الضعيفة ...

هذه الأسهم سجنتنا في بيوتنا .. فصرنا نقضي الأوقات الطويلة في غرف مقفلة .. أو في تجمعات خاصة بنا نتسامر ونتحادث حول أحلام الثراء ... بعيدا عن أجواء الحياة الواقعية المتماوجة بالأحداث .

صرنا عبيدا لها.. فلم نعد نترفق بأنفسنا .... أو نجد الوقت والمزاج المناسب للعناية بصحة أجسامنا وعقولنا .... ... جرفتنا موجة الأسهم هذه حتى ظننا ووجزمنا وصدقنـا أن أبواب الرزق الحلال صارت مفتوحة على مصراعيها أمامنـا بعد أن أقفلت الأبواب الأخرى للوصول إليه .......

كل منا صار يعتقد أنه وجد فرصته التي طالما حلم بها ليحصل على مايريد ...

منا من أراد مجرد كسب بعض المال لبناء بيت يأوي أسرته ...

وبيننا من أراد فقط أن يضاعف رأس ماله ليعيش حياته بعيدا عن قلق الحاجة والديون وليوفر لأبنائه ولنفسه بعض الرفاهية التي طالما حلم بها ...

البعض كان فقط يأمل في تحقيق ربح ينفق منه على مشروع خاص به جاهد كثيرا ليحييه ويخرجه إلى عالم الواقع ...

هناك الذي أغراه حلم الثراء السريع فباع كل مالديه وانطلق ليلحق بالقافلة التي انطلقت قبله ...

وهناك من باع بيته وتحول من مالك فخور ببيته الجميل يبحث عن الشقة الأرخص سعرا لكي يأوي فيها مع أهله وأبنائه حتى تتحسن الأحوال ....

بل هناك من تهور فجازف بشراء أسهم بالمهر الذي أعده ليكون مهرا للعروس التي نوى أن يبني معها عش الزوجية بعد شهور قليلة ... وربما ضاعت منه العروس وضاع معهاالحلم الجميل بالإستقرار في عش الأحلام الذي بناه في خياله لسنوات طويلة .

لانحتاج إلى التحدث عمن استلف من هنا وهناك وصار عبدا مملوكا لدائنيه ... حديث كهذا لم يعد جديدا علينا.. فكم من واحد وضع قيد الدين في عنقه باختياره وهو سادر في غيبوبة الحلم يالثراء القريب . ....

من لم يستلف ليس بأحسن حالا بعد أن ضاع منه شقاء العمر كله بسبب الإندفاع في الأحلام والتعلق بخيوط الآمال ...

أحلام جميلة ..وآمال كبيرة ... وأنهار من ذهب وفضة وماس وجواهر تخيلناها أمامنـا حين كانت الأسواق تسير نحو الأعلى والأرباح تتدفق بسهولة ويسر .....

وأخيرا .. وببعد مرحلة من الإطمئنان والتفاؤل والإنسياق وراء أحلام اليقظة الساحرة .... حدث ماحدث ...
وماذا حدث ... ؟.. هل تحققت الأحلام ...؟... هل وصلنا إلى عالم الثروة والغنى الذي حلمنا به ونحن نقذف أموالنا في بحر الأسهم الغادر ...؟... أبدا فكل مابنيناه من أحلام في شهور وكل ماكسبناه أو ظننا أننا كسبناه في شهور أوأعوام ضاع هباء ..... ضاع وتلاشى مع أول هبة ريح .... ريح جارفة ومدمرة لاتبقي ولاتذر ....

سراب والله سراب .... سراب ٌ لايروي من ضمأ ولايغني من جوع ... وهانحن نقف فاغري الأفواه ... مذهولي النظرات ..تتآكلنا الحسرة بعد أن تبدد الحلم وظهرت الحقيقة العارية .... بعد أن اكتشفنا أننا كنا مجرد وقود لغيرنا في هذه الماكينة الجبارة .... نحن نخسر وهم يكسبون أموالنا بكل بساطة ودون عناء.... بمجرد تكتيكات بسيطة يجيدونها وقت اللزوم فيقلبون بها حركة المؤشر ويضيع كل شيء ... وبكل بساطة تنتقل أموالنا إلى محافظهم وإلى جيوبهم التي لاتشبع ولاتقنع ...

إنها الصدمة الكبرى ... والضربة القاصمة والقاضية على كل الآمال والآحلام ... قد نتحمل ونحتسب الأجر والثواب .... وقد لانحتمل حسب قدراتنا واستعداداتنا النفسية ...... أوقدنا شموع الأمل بأموالنا وأحلامنا فجاء أولئك الذين يلعبون وراء الكواليس ليطفؤها بنفخة واحدة ......

.. وهانحن نخسر... ونخسر .. ونحسن الظن ونطيل الأمل فنخسر أكثر وأكثر .... وفي النهاية ننتبه فنجد أننا نقف على أرض تهتز من تحت أرجلنا .... نتلفت حولنا حولنا نبحث عن من يعيننا في مصابنا فلا نجدأحدا ... ونصرخ ... نصرخ ... فيردد المدى صرخاتنا ... وننادي ولكن من يسمع ومن يرد ومن يلبي .....
هي أخطاؤنا بالدرجة الأولى ... هي التي قادتنا إلى هذه الحال البائسة .. فلم نتوقع أن يصححها الآخرون لنا ...!!..

كل ماعلينا الآن هو نعود لنستدرك الأخطاء ونناقش كيفية الخروج من هذه الورطة بأي شكل كان ....
فرصتنا لدراسة أوضاعنا وإصلاح مافسد من أمرنا ... والإلتفات إلى أعمالنا وأحوالنا ..وترتيب أمورنا بشكل واقعي وسليم ..

فرصتنا الآن للعودة إلى الله تعالى والتمسك بحبله المتين ...... فرصتنا لنتذكر قدرة الله سبحانه وتعالى ....خالق هذاالكون وصانعه ومبدعه ... نتذكر أنه هو الرازق ..المانع ، المعز....المذل ، القادر على كل شيء .... هوالعارف بكل أحوال عباده ...وهو الذي يعطي ويرزق ويهب من يشاء بغير حساب ....

الذي وهبنا الحياة هو الذي يهبنا المال كيفما يشاء ... وهو الذي يمنعه عنا لحكمة يعرفها هو ونجهلها نحن ( سبحانه وتعالى ) ...

هو سبحانه الخالق العظيم الذي خلق البشر فجعل منهم الغني والفقير ، والظالم والمظلوم ، والسارق والمسروق منه ، والمستبد والضعيف ، وجعل منهم من يملك القدرة على الإيذاء والبطش والسلب ومنهم من هو مبطوش به مسلوب حقه محروم من أبسط الحقوق الإنسانية...

هي قدرة عظيمة من الخالق وحكمة بالغة .... وهو القادر وحده على الإنصاف والعدل ... وهو المنتقم الذي يمهل ولايهمل كل جبار ظالم لايرحم العباد ولايتعفف عن أخذ أموالهم وحقوقهم .
الصبر ياأيها الأحبة والإخوة في الشدة ...الصبر .الصبر .. فالله وحده هو الذي يحمينا من غدر من أهم أقوى منا وأكثر مالا وعدة ....

هو من سيفرج الغمة ويجلو الكرب ويعيد الحقوق لأصحابها عاجلا أو آجلا ... او يكتب لهم بدلا منها الثواب والأجر العظيم الذي تهون أمامه كل نعم الدنيـا ومغرياتها الفانية .

لنلجأ إليه الآن بالإستغفار والدعاء والتقرب إليه بالأعمال الطيبة ... ولنطلب منه العون والصبر وأن يعوضنا خيرا عن كل ماخسرناه بجهلنا وطيشنا وتعلقنا بالآمال والأوهام الكاذبة ...

إنما هي خاطرة أملتها عليَّ وأوحت بها ظروف سوقنـا التعيس الذي أورثنا غما إلى غم .. ... وزادنا هما مضافا إلى همومنـا الحياتية الأخرى .... من يدري فقد تنبهنا هذه الصدمة من غفوتنا وتعيدنا إلى التفكير في يحدث لنا من مصائب وهموم ومتاعب نفسية وحياتية بسبب هذه الأسهم وتأثيراتها المدمرة علينا وعلى حياتنا وحياة من حولنـا ... ولعل مأبثعه هنا من خواطر تشد من أزر الإخوة والأصدقاء المتعلقين والمنكوبين والمسحوقين .... وقد تساعد بعض المتعلقين ممن لازالوا متمسكين بحبال الأمل في عودة الأوضاع إلى أحوالها الطبيعية ... فيبدأون بالتفكير في مصادر أخرى للدخل ... مصادر لاتورث الهموم والأسقام والالام والخسائر المادية والإجتماعية والصحية كما تفعل بنـا أسواق الأسهم هذه الأيام .

اللهم كن لنـا عونا وسندا ولاتكلنا إلى غيرك طرفة عين ... عليك توكلنـا وإليك المصير ... اللهم عليك اعتمادنا وإليك مآلنـا فسدد خطانا وخذ بأيدينا والهمنا صبرا واجعلنا من عبادك الصالحين المخلصين ..