وجهة نظر ... صناع السوق في الأسواق المالية العربية .... زياد الدباس

يتحسر الكثيرون هذه الأيام على غياب صناع السوق في الأسواق المالية العربية وهم يشاهدون حجم الخسائر التي تتعرض لها معظم الأسواق الخليجية والعربية نتيجة تراجع حجم الطلب وتراجع حجم السيولة وتراجع مستوى الثقة نتيجة الخوف الذي يسيطر على المتعاملين والمضاربين في هذه الأسواق.


وخلال الصيف الماضي أشرنا في أكثر من مناسبة الى أهمية وجود صناع للأسواق المالية العربية عندما كانت أسعار الأسهم ترتفع بنسبة كبيرة اعتماداً على الشائعات بدون مبررات منطقية بحيث أصبحت أسعار أسهم العديد من الشركات لا تتناسب ومستوى أدائها او القيمة الحقيقية لأصولها.
والمعلوم أن صناع الأسواق المالية يلعبون دوراً بالغ الأهمية في جميع أسواق الأوراق المالية العالمية والبعض لا يتصور امكان الاستغناء عنهم دونما التسبب في تعطيل حركة التداول وتهميش آليات السوق وانخفاض كفاءته.

فلا يمكن في وجود صناع للسوق أن تتدفق عروض بيع دون أن يقابلها طلبات شراء او وجود طلبات شراء دون أن يقابلها على الجانب الآخر طلبات بيع، وبالتالي تحتفظ الأسواق دائماً بحالة من التوازن بين العرض والطلب وتضييق الفرق بين سعري البيع والشراء ويتحقق بهذه الأسواق أهم وظائفها وهي القدرة على تسييل الأوراق المالية بسرعة وسهولة وايجاد توازن مستمر بين العرض والطلب مما يحد من تقلبات الأسعار صعوداً او هبوطاً ويؤدي الى استقرارها واقترابها من الثمن العادل فضلاً عن ضمانة استمرارية السوق في القيام بواجباته وتحقيق أهدافه.
ويبلغ عدد المتخصصين في بورصة نيويورك ،350 والشخص المتخصص هو الذي يجمع بين وظيفة المتعامل والوسيط فحينما يبيع ويشتري لحسابه فهو يقوم بعمل المتاجر او المتعامل ويحقق بذلك هامشاً من الربح المحقق من الفرق بين الشراء والبيع بينما يتقاضى عمولة من عمليات البيع والشراء للجمهور او من عملائه وعادة ما يقتصر عمل هذا المتخصص على عدد قليل من الأوراق المالية او الأسهم.

وفي الأوقات التي ينشط فيها السوق فإنه يتعامل مع ورقة واحدة وبسبب التخصص يصبح صانع السوق ملماً بكل ما يتعلق بالورثة المالية او أسهم الشركة التي يعمل صانعاً لها من حيث تاريخها المالي وكفاءة إدارتها وربحيتها وسلامة مركزها المالي والتصورات المستقبلية لأدائها وربحيتها وبالتالي يتدخل صانع السوق عندما يجد عروض بيع على أسهم الشركة بشكل مبالغ به ودون مبرر منطقي فيتدخل في هذه الحالة كمشتر والعكس صحيح يتدخل صانع السوق بالبيع عندما تتوافر طلبات شراء بكميات كبيرة من أسهم الشركات دون وجود مبررات منطقية لهذا الطلب وصانع السوق يعلن يومياً عن أسعار البيع والشراء للورقة المالية وفي بعض الأسواق يحدد الكميات التي يكون مستعداً لشرائها وبيعها وبالأسعار المعلنة.

ويفترض بالاستثمار المؤسسي في الأسواق المالية العربية والذي يتكون من المحافظ الاستثمارية الجماعية (صناديق الاستثمار المشتركة) وصناديق التقاعد والمعاشات اضافة الى محافظ البنوك ومحافظ شركات التأمين وغيرها من الشركات المساهمة العامة أن تلعب دوراً مشابهاً لدور صانع السوق من خلال الحفاظ على استقرار الأسواق المالية العربية من حيث شراء أسهم الشركات المساهمة العامة المدرجة عندما تنخفض الأسعار دون قيمتها العادلة وبيع الأسهم عندما ترتفع فوق قيمتها العادلة اضافة الى أهميتها في تعزيز أداء الأسواق المالية وارتفاع مستوى نشاطها في ظل وجود متخصصين محترفين يشرفون على إدارة هذه الصناديق والمحافظ الاستثمارية وامتلاكها سيولة عالية وحجم كبير من الأسهم المتداولة، إلا أننا بصورة عامة لاحظنا محدودية الدور الذي لعبه الاستثمار المؤسسي خلال فترة تصاعد حدة المضاربات التي تعرضت لها الأسواق المالية العربية خلال العام الماضي ويعود ذلك الى أسباب عدة منها محدودية حجم الاستثمار المؤسسي مقابل حجم أموال المضاربين بمختلف شرائحهم وحيث وصلت قيمة أموال المضاربين بعد الاتساع الكبير في قاعدتهم الى أضعاف حجم الاستثمار المؤسسي اضافة الى أن العديد من مديري المحافظ الاستثمارية للبنوك وشركات التأمين وصناديق الاستثمار تحولوا الى مضاربين يسيرون خلف القطيع سواء بالبيع او الشراء بهدف تحقيق أعلى مستوى من الأرباح بغض النظر عن الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة والمتداولة اضافة الى تجاهل مكررات الربحية والتي تجاوزت الحدود المقبولة في الأعراف الاستثمارية وبالتالي انضم مديرو هذه المحافظ الى شريحة المضاربين في تجاهل المؤشرات المالية للشركات وتجاهل القيمة الحقيقية لأصولها وبالمقابل نلاحظ أيضاً محدودية او تراجع دورهم خلال هذه الفترة التي تشهد فيها الأسواق العربية تصحيحات قاسية أدت الى انخفاض أسعار أسهم العديد من الشركات دون قيمتها العادلة، والأسبوع الماضي شهد انتكاسة وتصحيحاً مؤلماً في سوق الأسهم السعودي والذي كان يغرد خارج السرب لفترة زمنية طويلة حيث خسر مؤشر السوق ما نسبته 10،37% وهي أكبر خسارة اسبوعية يتعرض لها مؤشر السوق السعودي وقيمة الخسائر بلغت 314 مليار ريال خلال ستة أيام، بينما خسر مؤشر سوق قطر ما نسبته 6،58% ومؤشر سوق الأردن ما نسبته 7،17% وبلغت خسائر مؤشر أسواق الإمارات خلال هذا العام ما نسبته 12،5% والملاحظ أن حجم التصحيحات في الأسواق الخليجية والعربية خلال هذا العام يتناسب طردياً مع حجم الارتفاعات السعرية في هذه الأسواق خلال العام الماضي والسؤال المطروح حالياً ماهي أسباب غياب صنّاع الأسواق في أسواق الأوراق المالية العربية الثانوية؟

بالرغم من تطور هذه الأسواق من حيث عدد الشركات المدرجة وحجم التداول وتنوع الأدوات الاستثمارية في بعض هذه الأسواق واتساع قاعدة المستثمرين والمتعاملين وتطور التشريعات والأنظمة والتعليمات التي تساهم في توفر حماية مصالح جميع الفرقاء في عمليات التداول، حيث يكون الهدف من وظيفة صانع السوق إضفاء المزيد من السيولة على الأسواق الثانوية وخاصة في أوقات عدم توافر أوامر شراء وبيع متطابقة أو حين يغيب الاهتمام بالشراء أو البيع وبالتالي تكون مهمة صانعي الأسواق الاستعداد دوماً لشراء أو بيع أي ورقة مالية كل منهم حسب ما تم تخصيصه له من تلك الأوراق إضافة إلى عملهم على الاستقرار النسبي لاتجاهات الأسعار، وحيث يعتمدون على الأبحاث والدراسات والمعلومات الضرورية التي تمكنهم من التسعير العادل للأوراق المالية التي يتم تداولها وبالتالي عدم سيرهم خلف المضاربين أو شراء أسهم الشركات بأسعار مصطنعة.

وإضافة صنّاع للأسواق المالية العربية، إضافة نوعية بدلاً من الإضافات الكمية وحيث نسمع يومياً عن ترخيص وسطاء جدد بالعمولة بحيث أصبح عددهم يشكل عبئاً على المتعاملين وعلى الأسواق المالية والأسواق المالية العربية أحوج ماتكون خلال هذه الفترة إلى صنّاع السوق في ظل تراجع سيولة الأسواق والتقلب الشديد في مؤشراتها نتيجة حالة التخوف والترقب وانتشار الشائعات وتعرض صغار المستثمرين لخسائر جسيمة.

والسؤال المطروح والذي سينجيب عنه لاحقاً: ما هي المتطلبات والشروط والآليات اللازمة لنجاح صنّاع السوق في الأسواق المالية العربية؟ وللحديث بقية.