منقول عن صحيفة الاتحاد الاماراتية........
مرت عشرة أشهر تقريبا على ارسال أول دفعة من مقاتلي طالبان وعناصر القاعدة الذين ألقي القبض عليهم في أفغانستان وغيرها من المناطق الأخرى خلال الحرب ضد الارهاب الى قاعدة جوانتانامو مكبلين بالقيود· وما يزال هؤلاء محتجزون في معسكر دلتا الذي يقع على جرف عال يطل على البحر الكاريبي وسط تشديدات أمنية كثيرة· فالشريط الساحلي المحاذي تنتشر فيه المجسات الالكترونية ويقع تحت حراسة الجيش وحرس الحدود الذين هم دائما في حالة تأهب لافشال أي محاولة انقاذ قد يحاول تنظيم القاعدة القيام بها عن طريق البحر·
خلال النهار يمكن للمرء أن يرى من نقطة المراقبة الخاصة بالصحفيين والتي تبعد عن أقرب زنزانة بحوالى 200 متر، السقوف المعدنية ومواقع الحرس والأسوار العالية التي تحيط بالمعسكر التي تعلوها أسلاك حادة· وفي الليل تخيم في المعسكر الأضواء البيضاء التي تبعثها مصابيح الهالوجين المثبتة على أعمدة عالية·
وقد أثارت الظروف السيئة التي يحتجز فيها المشتبه بتورطهم بالعمل ضمن منظمات ارهابية الكثير من الاستياء من قبل المجتمع الدولي الذي رأى في ذلك انتهاك أميركي واضح لاتفاقية جنيف التي تمنع حجز السجناء في أماكن مكشوفة وذلك احتراما لحرياتهم الشخصية· ولكن الولايات المتحدة لم تعر انتباها لهذه الانتقادات اذ ما تزال الصور التي تلتقط في ذلك الموقع تظهر سوء أوضاع السجناء حتى بعد أن نقلوا من معسكر اكس راي الى معسكر دلتا على بعد عدة أميال في شهر أبريل الماضي·
وبالرغم من السرية التي أحيطت بها الظروف في معسكر الاعتقال في جوانتانامو الا أن بعض المعلومات أخذت تتسرب عنه ولا سيما بعد اطلاق سراح ثلاثة من الأفغان الذين أمضوا ما يقارب من ثمانية أشهر هناك· وبما أن الهدف الأول الذي يثير اهتمام الأميركيين هو جمع المعلومات الاستخباراتية لذلك كان الاعتماد على تحطيم الروح المعنوية للسجناء كوسيلة للتقليل من عنادهم أثناء الاستجواب· ففي معسكر دلتا هناك ثماني مجموعات من الزنزانات تصطف كل أربع منها على أحد جانبي ممر ضيق يزود المقيمين بالهواء والنور·
اقامة لا تصلح للآدميين
أعدت الزنزانات من حاويات معدنية تستخدم أصلا في عمليات الشحن حيث حولت كل حاوية الى خمس منها· وتم استبدال ثلاثة جوانب من كل حاوية بشريط من الشبك وترك السقف والأرض وأحد الجوانب فقط ليكونوا من المعدن· وفي معسكر دلتا تم تأمين المراحيض الأرضية، وهو مايراه الحرس خطوة كبيرة الى الأمام مقارنة بالأوعية التي كان على السجناء استخدامها كمراحيض وتفريغها في معسكر اكس راي·
وفي داخل الزنزانات ينام كل سجين على لوح معدني يعلوه مفرش رقيق كذلك الذي يستخدم في السجون الأميركية· ولكن من خلال جدران الشبك يستطيع السجين النظر الى الآخرين والتحدث الى خمسة أشخاص، ثلاثة عبر الجدران الشبكية واثنان عبر الممر·
وتعتبر الزنزانات في جوانتانامو أصغر مساحة من زنزانات المحكوم عليهم بالاعدام في سجون تكساس· ولكن سجناء تكساس يخرجون من زنزاناتهم يوميا لممارسة التمارين الرياضية والاستحمام، في حين أن سجناء جوانتانامو لا يسمح لهم بالخروج الا مرتين أسبوعيا ولا تتجاوز المدة في كل مرة 15 دقيقة· كما لا يسمح لهم بالتجمع ويعمد الحراس الى تبديل أماكن المحتجزين باستمرار للحيلولة دون تآمرهم مع بعضهم البعض·
وقد يستدعى المحتجزون للاستجواب في الليل والنهار على حد سواء· وأولئك الذين لايظهرون تعاونا مع المحققين يحولون الى الزنزانات الفردية التي تكون جميع جدرانها معدنية بحيث تحول دون الاتصال مع الآخرين· ولكن الزنزانات الفردية مكيفة، وكذلك هي غرف التحقيق·
عذر أقبح من ذنب
ويشير المسؤولون الأميركيون أن السبب المنطقي في اتباع مثل هذا النظام الصارم في المعسكر هو احتمال وجود انتحاريين بين مجموعة المعتقلين فيه· وذكرت التقارير تعرض الحراس لمحاولات هجوم وهذا ما استخدمه وزير العدل الأميركي ليصف المحتجزين بأنهم خطيرون الى درجة لا يمكن تصورها · ولكن الحقائق تبين أنه لم يقع سوى هجوم واحد من هذا النوع وذلك عندما تم ترحيل المعتقلين لأول مرة من أفغانستان·
ومنذ ذلك الوقت لم تتجاوز المقاومة حدود اللجوء الى عض ذراع حارس أو البصق عليه أو نثر الماء في وجهه أو الاضراب عن الطعام· وتم اللجوء الى هذه الوسيلة الأخيرة لمرة واحدة فقط اثر دخول أحد الحراس لأخذ عمامة أحد السجناء غير متفهم لحقيقة أنه يحتاجها لوضعها على رأسه أثناء أداء فريضة الصلاة· ولكن بعد ذلك أصبح الجنود الاحتياط في الشرطة العسكرية الذين يتولون مهمة حراسة المعسكر يجهزون من خلال دورات تثقيفية لتزويدهم بمعلومات تتعلق بثقافة المعتقلين وديانتهم وتعطي لهم الأوامر بعدم التعرض لكل ما يتعلق بالممارسات الدينية· كما يرفع الأذان المسجل على شريط خاص خمس مرات يوميا· وكل الوجبات التي تقدم للسجناء يتم اعدادها بما يتناسب مع العقيدة الاسلامية والذبح الحلال· وتحدث الكولونيل جون بيرون الذي يتولى القيادة في المعسكر عن خططه بشأن رمضان مشيرا الى أنهم سيقدمون وجبات سحور ساخنة عند الساعة الرابعة صباحا-أي قبل الموعد المعتاد بساعتين بالاضافة الى وجبات خاصة بعد غروب الشمس·
المعتقلون ليسوا أسرى حرب!
وقد تم التعرف على أسماء 40 محتجزا من أصل 598 يتواجدون حاليا في جوانتانامو ينتمون الى 43 جنسية مختلفة· معظم المحتجزين في بدايات العشرينات من العمر وذكر أن أحدهم لم يكن يتجاوز الخمسة عشر عاما عندما ألقي القبض عليه· وحتى الآن لا يبدو أي مؤشر يدل على البدء بعقد محاكمات عسكرية لمقاضاة المحتجزين في جوانتانامو· وهذا هو الأمر الذي ينتظره المراقبون منذ عام تقريبا- منذ أن أصدر البيت الأبيض أمرا من الرئيس بوش بتعديل نظام المحاكم العسكرية حسب مقتضيات الحرب ضد الارهاب·
ولا يخفى على أحد أن الادارة الأميركية قد انتهكت بنود اتفاقية جنيف التي يصر بوش على أنها لا تنطبق على المعتقلين في جوانتانامو اذ لا ينبغي لأي منهم أن يعامل كسجين حرب· وخلال الفترات الماضية كان البيت الأبيض يعد العدة لالقاء القبض على أسامة بن لادن وغيره من قيادي القاعدة· وكان الأميركيون يصرون على اقناع العالم بأنه لايمكن مواجهة خطر الشبكات الارهابية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم وامكانية حصولها على أسلحة الدمار الشامل باستخدام قوانين الحرب السائدة حاليا· ولذلك لجأت الادارة الى خبرائها في مجال القانون العسكري وحاولت أن تعطي لنفسها الحق في معاملة المحتجزين في جوانتانامو واعتبارهم خارج الفئات التي تصنفها اتفاقية جنيف كأسرى حرب· فالاتفاقية تشير الى أن كل محارب يتم القاء القبض عليه يعتبر أسير حرب الى أن يصدر قرار محكمة بعكس ذلك· وتحاول الادارة الأميركية في سعيها لالغاء صفة أسير الحرب عن أي من معتقلي تنظيم القاعدة أن تنفي الحاجة الى عقد محاكمات لأنه لا توجد أي شكوك حول الخطر الذي يشكله مثل هؤلاء·
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد أطلقت مؤخرا سراح ثلاثة من المعتقلين في معسكر جونتانامو من الأفغان الذين وصلوا الى بلادهم في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر الماضي مؤكدة بأن وجودهم لم يعد مهما بالنسبة لها· وقد تباينت أقوال الثلاثة حول الظروف التي كانوا يقيمون فيها في المعتقل والتي أدلوا بها الى الصحفيين في احدى مستشفيات كابول حيث أقاموا لاجراء الفحوص والتأكد من أحوالهم الصحية·
والرجل الذي كان أكثر اثارة للانتباه هو فايز محمد الرجل المسن ذو اللحية البيضاء الذي بلغ السبعينات من العمر· وقد وصف مراسل صحيفة النيويورك تايمز هذا الرجل بأنه عجوز، أصم تقريبا غير قادر على الاجابة عن أبسط الأسئلة·وتحدث الرجل العجوز الى وكالة الأسوشييتد برس قائلا لا أعرف لماذا ألقوا القبض علي· لقد أخبرتهم أنني بريء وأنني مجرد رجل عجوز· وعند سؤاله ان كان غاضبا من الجنود الذين ألقوا القبض عليه، أجاب الشيخ أنا لا أبالي بذلك· فقد أخذوا ملابسي القديمة وأعطوني ملابس جديدة· وكان فايز محمد ما يزال يضع البطاقة التي تحمل تاريخ ميلاده على معصمه· ولولا ذلك لما تمكن أحد من معرفة عمره اذ لم يكن هو نفسه يعرف ذلك اذ أشار مرة الى أنه يبلغ 105 سنوات من العمر في حين تشير البطاقة الى أنه من مواليد عام ·1931
ويقول فايز أنه اعتقل في أحد المساجد في مقاطعة أوروزجان حيث قيد ووضعت عصبة على عينيه ونقل الى قندهار بواسطة هيليوكوبتر واخيرا بطائرة الى كوبا· ويضيف الشيخ المسن منذ ذلك الوقت لم تسمع عني أسرتي، وكذلك لم أسمع أنا عنهم أي أخبار· كانوا يقضون ساعات في استجوابنا فقد أرادوا أن يعرفوا الى أي مكان أنتمي، وان كنت عنصرا من عناصر طالبان أو مؤيد لها أو ان كان أحد أقاربي ينتمي الى تلك الحركة وان كانت طالبان قد قدمت لي السلاح ·ويقول فايز محمد ان الأفغان المحتجزين في جوانتانامو هم من صغار مقاتلي طالبان والقادة الدينيين· ويعقب على المعاملة التي يلقونها في المعسكر قائلا كانوا يعاملوننا بشكل جيد· فكميات الطعام كافية· ويسمح للمعتقلين بالصلاة والاغتسال لخمس مرات يوميا· هذا بالاضافة الى امكانية قراءة القرآن الكريم في جميع الأوقات ·
أما الرجل الثاني محمد صديق، وهو أيضا في السبعينات من العمر، فقد أكد على أن احتجاز المعتقلين في زنزانات صغيرة لم يكن انسانيا أبدا· وتحدث صديق الى صحيفة نيويورك تايمز قائلا ان الأسرى هناك يعاملون كما لو أنهم حيوانات· كما تذمر أيضا من البقاء داخل السجون على مدى 24 ساعة يوميا اذ لم يكن يسمح لهم بالخروج لممارسة الرياضة سوى لمدة 15 دقيقة ولمرتين أسبوعيا· ولكنه أكد من جهة أخرى احترام الحراس لممارساتهم الدينية·
وثالث المفرج عنهم من الأفغان هو جان محمد البالغ منتصف الثلاثينات من العمر وهو واحد من مقاتلي طالبان الذين ألقي القبض عليهم على أيدي قوات تحالف الشمال التي سلمتهم بدورها الى القوات الأميركية· ويشير جان الى أنه كان مجبرا على القتال مع طالبان اذ يقول لم يكن لي أي خيار الا الانضمام لهم· نحن سعداء الآن بعد أن حصلنا على حريتنا· ويؤكد أيضا أن الرسالة الوحيدة التي تمكن الصليب الأحمر أن يوصلها اليه من أسرته جاءت قبل مغادرته الجزيرة الكوبية بثلاثة أيام·
وينتقد أحد المسؤولين في جمعيات حقوق الانسان الأميركية السياسة الأميركية بخصوص القاء القبض على المشتبه بتورطهم بمنظمات ارهابية قائلا عندما بدأ الأمر أكد المسؤولون الأميركيون أنهم درسوا جميع الحالات وتأكدوا بأن هؤلاء الأشخاص هم أسوأ السيئين· وقد وصفهم جورج بوش بالقتلى· والآن يتبين أن عددا غير معروف منهم قد ألقي القبض عليهم بالخطأ·
وكان البنتاجون قد أعلن عن خططه لاطلاق سراح بعض المعتقلين من قاعدة جوانتانامو الذين لم تعد تستفيد منهم المخابرات الأميركية ولم تثبت عليهم تهم التورط في نشاطات ارهابية·
عضو قدير
ضوابط المشاركة
رد مع اقتباس
المفضلات