انطلقتالأسواق المالية مع نظرية الاقتصادي الكبير (آدم سميث) وثروات الأمم وماصاحبها من تقسيم العمل والسوق الكبيرة وحجم الانتاج والتخصص فيه وما تلا ذلك من تطورات مالية كثيرة حتمت جميعها قيام سوق الأوراق المالية التى هدفت إلى تنمية الادخار عن طريق تشجيع الاستثمار فى الأوراق المالية وتوجيه المدخرات لخدمة الاقتصاد الوطنى وضمان حماية مصالح صغار المستثمرين والحفاظ على مصلحة البلاد المالية، وكذلك فإن الأوراق المالية المتداولة فى هذه السوق سواء كان النقد من أذونات الخزانة وشهادات الإيداع القابلة للتداول والأوراق التجارية أو حتى الأوراق المتداولة فى سوق رأس المال من أسهم عادية أو ممتازة أو المستندات بأنواعها فإن جميع هذه الأوراق يمكن تحويلها إلى أموال نقدية بكل يسر وسهولة.

ويتمثل مفهوم السوق المالية فى أنها ملتقى ما بين المدخر والمستثمر سواء كان ذلك مباشرة فى قاعة السوق أو عبر الوسطاء وبوسائل الاتصال الحديثة، لتصبح السوق أداة لانسياب المدخرات من المدخرين إلى المستثمرين أو بالأحرى لقاء المال الفائض بالتمويل العاجز أو ربط المستهلك مالك الأموال بمنتجي السلع والخدمات، أى عرض المال والطلب عليه، لتقدم السوق بذلك الخدمة المالية.

إن الأسواق المالية على درجة عالية من الخطورة أكثر من الأسواق العادية وذلك بسبب التقلبات الكبيرة التى تحدث فيها حيث يقوم على إدارتها الوسطاء والمؤسسات المالية المختلفة وبيوت السمسرة والمصارف إلاّ أنّ هاتين الأخيرتين قد يقتصر دورهما على إصدار الأوراق المالية وتوزيعها حيث يستخدم المقرضون والمقترضون الكفاءة التقنية للمؤسسات وقدرتها على وضع تسوية الأوراق المالية المتاحة، فالمؤسسات لاتقوم بدور التمويل وإنما تكافأ بعمولات وهذا يحدث فى حالة الاتصال أو التمويل المباشر أمّا فى حالة الاتصال غير المباشر بين الفائض والعجز، فيظهر وسطاء ماليون يستقبلون الفوائض المالية ويصدرون بالمقابل شهادات دين مثل شهادة الوديعة، ويستعملون هذه الفوائض من أجل تقديم القروض ليتحملوا بذلك المخاطر والمفاجآت التى لا يريد أو لا يستطيع أن يتحملها مالكو الأموال فالمصارف تشترك فى هذه الحالة مباشرة في عملية التمويل لتتحصل على مكافأة بسبب الفارق بين كلفة الأموال المجتذبة وتلك المقرضة كما أن الحصة النسبية للتمويل المباشر تختلف قياساً عن التمويل غير المباشر وفقاً للأموال الجاهزة ونمو المؤسسات المالية والتقنية ودرجة تمويل الدولة أو خصائص المحفظة المالية للعناصر الاقتصادية ذات الفائض المالي.

تتأثر الأسواق المالية باتجاهات المدى البعيد حيث تتعاقب مراحل النمو والانحسار للتوسط المالي، ففى مراحل الثبات والنمو الاقتصادى والثقة تكون العناصر الاقتصادية صاحبة الفائض المالي أكثر قابلية للمساهمة المباشرة، أمّا فى مراحل الخوف وانعدام الاستقرار الاقتصادي فينمو الاتجاه نحو استدعاء الوسطاء الماليين.

يسهم عدد من الشروط الملائمة في إنشاء وتكوين الأسواق المالية كزيادة عدد المؤسسات المالية الموجودة فى الدولة وذلك للعلاقة المترابطة ما بين القطاع المالي وتنمية المدخرات وتشجيع الاستثمار وشرط آخر هو تحويل المدخرات إلى استثمارات عبر شراء الأوراق المالية التى تمثل حصصاً من رأس مال الشركات والمؤسسات الصناعية والزراعية والتجارية والعقارية أو قروضاً تتمثل فى سندات.

أمّا الشرط الأخير والمهم فهو إنشاء " بورصات " للأوراق المالية حيث تعد " البورصات " أسواقاً لاستثمار أموال الأفراد والمصارف وصناديق التأمين والادخار لتكون من أهم الأجهزة الادخارية والاستثمارية، كما أنّ التعامل فيها ينطوى على مجازفة وخطر كبيرين والدليل على هذا ماحدث من انهيارات كبيرة فى شرق آسيا وروسيا وأمريكا اللاتينية وحتى أوروبا والولايات المتحدة ليتفاقم هذا الخطر عند تحرير رؤوس الأموال الأجنبية المتعامل فيها التى تعنى ضخ سيولة أجنبية فى داخل "البورصة" وهى سيولة يتحدد دورها بناءً على ضوابط وأسس يفترض أن تحكم حركتها، ويرتكز دور رؤوس الأموال الأجنبية هذه فى التداول السريع لأصول قائمة فعلا ما يجعلها لاتقدم أية فائدة للاقتصاد الوطنى على الرغم من كونها تحرك " البورصة "، كما تعمد رؤوس الأموال الأجنبية هذه إلى استعمال كل الطرق المشروعة أو غير المشروعة لاستخدامها فى "البورصة" من أجل رفع أو خفض أسعار الأسهم والمستندات لتحقيق أعلى الأرباح.

لذا يجب أن يتم فرض ضرائب محددة على عمليات البيع والشراء وعلى الأرباح، ليفرض على المستثمر الأجنبي استثمار جزء منها فى تنمية الاقتصاد الوطني أو وضع سقف للمستثمر الأجنبي فيما يود إخراجه من استثماراته، إضافة إلى سَنّ قوانين رادعة وعقوبات قاسية على المؤسسات المالية وبيوت السمسرة والوسطاء الذين يقومون بأى تلاعب أو تحايل على المستثمرين.

وسنتناول فى الأعداد القادمة بإذن الله هذا الموضوع بشئ من الإسهاب مع التطرق لإمكانية إقامة سوق مالية في ليبيا ومدى نجاحها واستمرارها ودور مصرف ليبيا والمصارف التجارية وشركات التأمين والمؤسسات المالية فى دعمها وإنشائها.