ما الثوابت التي تعتمد عليها الاستراتيجية الأمريكية في رسم سياستها الحالية في الشرق الأوسط ، وما الآليات التي ستتبعها في التعامل مع حكومات المنطقة وشعوبها بعامة ، ومع السعودية بوجه خاص ؟.

بإيجاز شديد ودون الدخول في محاولـة مستفيضـة للإجابة نقول : إن المصالح الأمريكية في المنطقـة لم تعد – على ما يبدو –تتطابق مع مصالح السعوديـة ، ومن ثم فإن العلاقات التقليديـة التي تربط بينهما لم تعد الآن قادرة على تحقيق ما يأمل فيه الأمريكيون منها ، الأمر الذي سوف يدفع الإدارة الأمريكية إلى تغيير سياستها في المنطقة ، حتى لو جاء هذا التغيير على حساب علاقاتها التقليديـة مع دول عربية صديقة مثل السعودية ومصر .

ولعل من الأمور التي تكاد ترقى لمرتبة اليقين ، أن الولايات المتحدة التي سمحت لنفسها باستخدام القنبلـة الذريـة في الحرب العالمية الثانية من أجل تحقيق مكاسب سياسية واقتصاديـة ، لن تتورع عن الدخول في أي حرب من أي نوع طالما أنها تحقـق منافع تشبع نهم شركات الصناعات الحربيـة وشركات البترول الأمريكية ، التي تعتبر من أقوى القوى المسيطرة والضاغطـة على الإدارات الأمريكية المتعاقبـة وأكثرها تدخلاً في صنع القرار الأمريكي . كما أنها لن تتورع عن اختلاق الأعداء إذا ما ارتأت أن الدخول في حروب جديـدة سوف يكفل لتلك الشركات الاستمرار في تسويق منتجاتهـا وجني الأرباح الطائلـة من ورائها ، والتي تؤمّن استمرار حالة الرفاه التي يعيشها الأمريكيون على حساب المجتمعات الأخرى .

من هذا المنظور ، يبدو أن الإدارة الجمهورية بزعامة بوش ، أصبحت على قناعة بأن المصالح الأمريكية التي تعبر عنها شركات النفط وشركات إنتاج السلاح ، تقتضي السير قدماً نحو تحقيق الهيمنة الكاملة على دول المنطقة بلا استثناء .. دون الالتفات إلى العلاقات التقليدية التي تربطها معها .. مستخدمة قوتها العسكرية والاقتصادية إذا لزم الأمر ، ومتذرعة بالإرهاب الذي تُعتبر الدول العربية والإسلامية – في نظر بوش - المنبع الرئيس والوحيد له .

وفي هذا الإطار ، لم يكن هناك ما يمنع الإدارات الأمريكية من استخدام كافة الأساليب التي تمكنها من تنفيذ مخططاتها وتمريرها على الشعب الأمريكي والشعوب الأخرى ، بما في ذلك اللجوء إلى الكذب والتضليل . والدليل على ذلك أن إدارة بوش قامت مؤخراً بإنشاء مكتب ألحقته بوزارة الدفاع ، أسمته Office Of Strategic Information .. مهمته إعطاء معلومات مضللة حول مخططات معينة تستهدف الإدارة الأمريكية تمريرها على الشعب الأمريكي وعلى الرأي العام العالمي .

وفي هذا الإطار أيضاً ، ليس هناك ما يمنع إدارة بوش من استغلال مسألة حقوق الإنسان وقضية الديمقراطية في تكثيف الضغط على السعودية والدول العربية الأخرى .. كخطوة مضللة على الطريق نحو تنفيذ هيمنتها الكاملة على المنطقة . فقد نشرت صحيفة واشنطن بوست مؤخراً تقريراً خاصاً ذكرت فيه أن الرئيس بوش في طريقه لإطلاق حملة في الخريف القادم تستهدف نشر الديمقراطية في دول الشرق الأوسط والترويج لها . وليس من شك أن السعودية ومصر ستكونان الدولتين المستهدفتين في الأساس من هذه الحملة ، باعتبارهما الأشد معارضة للمخططات الأمريكية الجديدة في المنطقة وبحكم أهميتهما ومركزهما الحيوي فيها ، فضلاً عن تعرضهما المستمر لانتقادات جمعيات حقوق الإنسان الأمريكية التي عادةً ما تكيل – في إطلاق أحكامها – بمكيالين ، فضلاً عن أن الكثير منها ليس بعيداً عن الشبهات .

والواقع أن هذا الموقف المتعسف من إدارة بوش لن يمر – في نظرنا على الأقل - بسهولة ، ذلك أن من يوصفون بالصقور في مبنى البنتاجون الذين لا يريدون أن يسمعوا أو يروا غير أنفسهم وحليفهم الوحيد إسرائيل ، والذين يتمتعون بنفوذ هائل في صنع القرار .. هؤلاء لم يدركوا بعد ما يمكن أن تكون عليه ردود الفعل في الشارع العربي بعامة وفي الشارع السعودي بوجه خاص ، الأمر الذي تتوجس منه دول الاتحاد الأوروبي خيفة ووجلاً إذا ما أقدم بوش على مغامرته في العراق تحت دعوى محاربة الإرهاب .

وأغلب الظن : إنه ما لم تتراجع الولايات المتحدة عن مواقفها المناهضة لحقوق الشعب الفلسطيني والانحياز السافر لإسرائيل ، وما لم تتوقف عن تهديداتها غير المبررة للدول العربيـة والإسلامية وفي مقدمتهـا العراق وسوريا ولبنان والسودان وليبيا ، وما لم تتخل – وهذا هو الأهم – عن مخططاتها في السيطرة على هذه الأمة وتفتيت أرضهـا ومقدراتهـا ومحاربة قيمها الدينيـة والأخلاقيـة ، وتسفيه تراثها الثقافي والحضاري ، ووأد طموحاتها في النمو والتقدم .. فسوف تظـل أمريكا هدفـاً رئيساً – إن لم يكن وحيداً – لأعمال إرهابيـة قد تكون أقسى وأشد مما واجهته في الحادي عشر من سبتمبر 2001م .

منقول من موقع محيط