راي وتحليل
الادارة الأمريكية غير مهتمة بمسألة العجز
باتريك جافين
محلل اقتصادي لدى “يو اس أفيرز” والمقال نشرته “الفايننشيال تايمز”.
كان من المألوف خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية في العام 2004 أن تطالعنا الصحف بعناوين من نوعية “البيت الأبيض يتوقع وصول عجز الموازنة الى 445 مليار دولار للعام الجاري، أعلى مستوى عجز على الاطلاق”. أو “المشاكل المالية الرئيسية لا تحتل مكانة واضحة على جدول أعمال المرشحين”.
ووقتها لم يبد أن المواطنين في الولايات المتحدة، أو حتى رجال السياسة، مهتمون بالوضع المالي المتدهور الذي وصلت اليه الدولة. ولم يبد كذلك أن أحداً يشعر بالانزعاج أو حتى يهتم بالفائض الذي تحول الى عجز قياسي خلال الولاية الأولى لبوش الابن، على الرغم من أن التقارير كانت تشير آنذاك الى أن مستوى العجز القياسي الذي بلغ 412 مليار دولار في العام 2004 في طريقه للوصول الى 427 مليار دولار هذا العام.
وعلى الرغم من أن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي المخضرم آلان جرينسبان حذر أخيراً لجنة الموازنة التابعة لمجلس الشيوخ من الارتفاع المستمر في مستوى عجز الموازنة وامكانية أن يتسبب هذا الارتفاع في جمود اقتصادي أو ما هو أسوأ، إلا أن تحذيره هذا لم يؤثر كثيراً في وول ستريت ولم يثر أي اهتمام على ما يبدو بالنسبة للمواطن الأمريكي.
وأظهر استطلاع حديث للرأي في الولايات المتحدة أن نحو %10 فقط من الشريحة التي شملها الاستطلاع ترى ان القضايا الخاصة بعجز أو فائض الموازنة تعد من القضايا المهمة أمام الادارة الأمريكية.
وباستطاعة أي خبير اقتصاد أن يؤكد الخطر الحقيقي الذي يمكن فعلاً أن ينجم عن الارتفاع المستمر في مستوى عجز الموازنة. وذلك ما يدفعنا للتساؤل عن السبب وراء لا مبالاة المواطن الأمريكي بهذه القضية. ولعل التفسير الأنسب في الوقت الحالي هو أن ترتيب الأولويات تغير تماماً بالنسبة للمواطن الأمريكي في أعقاب الأحداث المتعاقبة التي تلت هجوم الحادي عشر من سبتمبر العام 2001.
لكن هذا لا يمنع وجود أسباب أخرى وان أقل وضوحاً، ومن ضمنها غياب الثقافة الاقتصادية الكافية لدى العديد من مواطني الولايات المتحدة فيما يخص طريقة اعداد الموازنة الفيدرالية أو تأثيرها الاقتصادي، فغالبية الأمريكيين لا يعرفون مثلاً ان الارتفاع الحاد في مستوى عجز الموازنة من شأنه أن يؤدي الى رفع معدلات الفائدة وزيادة مديونية البلاد الخارجية ولا يدركون أن فاتورة العجز هذه سوف تزيد من أعباء الأجيال المقبلة وتؤدي الى الحد من مستوى النمو الاقتصادي وتتسبب في خفض الانفاق الحكومي ورفع الضرائب.
ويصعب على المواطن العادي أن يفهم تأثير الارتفاع الحاد في مستوى عجز الموازنة في حياته الخاصة. وأظهرت الاستطلاعات أن الناخب الأمريكي لا يهتم إطلاقاً بالتدابير الاقتصادية في حال كانت الأوضاع الاقتصادية مستقرة بشكل عام.
ويمكن القول إن المواطن الأمريكي لن يفكر في مطالبة واشنطن باتخاذ خطوة حاسمة لمعالجة العجز المرتفع في الموازنة ما لم يبدأ استشعار انعكاسات هذا العجز المرتفع على حياته الخاصة سواء من خلال ارتفاع معدلات الفائدة أو تراجع قيمة الدولار. ونذكر تماماً كيف استشاط المواطن الأمريكي غضباً في الآونة الأخيرة جراء الارتفاع الحاد في أسعار الوقود، الأمر الذي كان له انعكاسه الواضح على حياته اليومية.
وبالاضافة الى ذلك فقد درج الناخب الأمريكي على رؤية مستويات العجز ترتفع سابقاً لتعود للانخفاض من جديد، ولذا فهو لا يشعر بوجود مايبرر أن ينزعج هذه المرة لارتفاع مستوى عجز الموازنة، حيث شهد المواطن الأمريكي ارتفاعاً حاداً في مستوى عجز الموازنة على مدى العقدين الماضيين خلال ولاية ريجان، غير ان مستويات العجز سرعان ما اختفت إبان ولاية بيل كلينتون. وهم يرون انه طالما حدثت المعجزة مرة فمن شأنها أن تتكرر مراراً.
ويؤمن غالبية الناخبين وخبراء الاقتصاد بأن عجز الموازنة من الممكن أن يكون مفيداً في الأوقات التي يمر بها الاقتصاد بأزمة أو محنة. فعلى سبيل المثال يعتبر خفض الضرائب أو زيادة الانفاق الحل الأنسب لتعزيز الأداء الاقتصادي في أوقات الركود. وهذا بالطبع من شأنه أن يزيد من الغموض الذي يحيط بالعجز وتبعاته بالنسبة للمواطن العادي، فكيف يمكن اقناع المواطن بوجود نوعين من العجز الأول وهو العجز قصير المدى الذي يفيد الاقتصاد في حين يضر الآخر طويل المدى الاقتصاد بشكل بالغ.
ولعل الخطأ هنا يكمن في الخطاب السياسي الذي قلما يلقي الضوء على قضية خفض الانفاق الفيدرالي.
وتواجه الحكومة الأمريكية مشكلة مزمنة عندما يتعلق الأمر بخفض عجز الموازنة وتتمثل هذه المشكلة في صعوبة اقناع الحزبين الديمقراطي والجمهوري والتوصل الى اجماع بشأن هذه القضية. والأسوأ أن رجال السياسة يستخدمون ورقة العجز وموازنة الحسابات للتأثير في الناخبين وللتقليل من أهمية الأولويات المدرجة في جدول منافسيهم.
وتعكس قلة اهتمام المواطن الأمريكي بقضية عجز الموازنة في واقع الأمر جهله الكامل بمثل هذه الأمور. وأظهرت دراسات أجراها لاري بارتيلز الاستاذ لدى جامعة برينستون أن المواطن الأمريكي غالباً ما يدعم سياسات تؤثر فيه سلباً في نهاية المطاف.
لكن يتعين على المواطن الأمريكي وعلى السياسي الأمريكي أيضاً ان يتوخى الحذر هذه المرة فتجاهل العجز الذي يواصل الارتفاع الى مستويات قياسية من الممكن أن يقود الدولة الى أزمة مالية محققة.
ترجمة: عبير أبو شمالة
جريدة الخليج الاماراتية
المفضلات