لبنى سعيد

أخذ الطفل الصغير ينفخ بالونَهُ حتى كبر وتضخم بصورة لم يتوقعها الطفل نفسه، فابتهج الطفل وأخذ يقفز فرحًا، حتى فلت زمام البالون من يده .. وبدأ يتخبط يمينًا ويسارًا عائدًا بسرعة البرق لحجمه الصغير، كل ذلك وسط دهشة الطفل وذهوله مما يحدث أمامه.

قصة هذا الصغير مع بالونه لا تختلف كثيرًا عما حدث لحملة الأسهم في البورصات العالمية، خاصة البورصة الأمريكية "ناسداك" في شهر مارس 2001.

وسر تميز ناسداك عن باقي البورصات، سواء في أوقات قوتها أو ضعفها، أنها البورصة الخاصة بشركات التكنولوجيا "استثمار العصر الحديث"!.

وأتى التقدم في مؤشر ناسداك في السنة الماضية 2000، بسبب نمو شركات التقنية وارتفاع أرباحها، خاصة المتعلقة بالإنترنت، والتي دفعته على حساب الشركات الصناعية القديمة المسجلة في مؤشرات، مثل: "داو جونز"، و"ستندارد أند بوور 500".

ويشمل مؤشر ناسداك العديد من الأسهم في قطاعات الكمبيوتر والاتصالات الهاتفية والتقنيات البيولوجية.

ناسداك يخيب التوقعات

في بداية العام الماضي (2000) وفي وسط معاناة من حروب الأسعار، وارتفاع تكاليف المواد الخام، وزيادة أسعار الفائدة قامت شركات المنتجات الاستهلاكية التقليدية بالتحذير من انخفاض أرباحها؛ مما عزز المخاوف من أن أنشطة التصنيع التقليدية تواجه أزمة حقيقية.

وهكذا اتجه المستثمرون نحو ناسداك، وبدا الأمر وكأنه "عدوى".. خاصة وأن الإنترنت بلغت ذروتها في التألق كنجم في سوق البورصة يتطلع كل طموح لنيل حظه منه، وتدفقت الأموال على ناسداك حتى زاد سعر أسهم بعض الشركات 200%، وبلغت القيمة السوقية لأسهم موقع مثل Yahoo 140 مليار دولار، وهو الأمر الذي لم يتمكن المحللون الاقتصاديون من تفسيره في حينه.

وفي الوقت الذي توقع المستثمرون أن يصل مؤشر ناسداك في العام 2000 إلى 3800 نقطة، بلغ أول العام ( تحديدًا في 10 مارس 2000 ) 5000 نقطة!.

وهكذا دخل ناسداك فيما يعرف بسوق "الثور"؛ حيث يسبق الطمع الخوف وتزيد المجازفات وترتفع التقديرات بصورة لا يملك أحد أن يبررها.

وتوقع الجميع أن يصل المؤشر إلى 6000 نقطة مع حلول عام 2001 ، إلا أن الذي حدث أنه وصل في 11 مارس 2000 إلى 5,048.62 نقطة، وكانت هذه هي آخر زيادة له! حيث بدأ بعدها مسلسل الهبوط إلى أن وصل إلى 2000 نقطة في 10 مارس 2001.

انخفاض الأرباح شرارة النيران

هكذا البورصة؛ يوم لك ويوم عليك، فالذي رفع ناسداك مشابه إلى حد كبير للذي خفضها، حيث قامت بعض شركات التكنولوجيا، مثل: "سيسك"، "أوراكل"، و"إنتل" بالتحذير من انخفاض أرباحها، وأعلنت شركة "سيسكو سيستمز" العملاقة لشبكات الكمبيوتر (الاتصال عبر الإنترنت) عزمها على تسريح عدد جديد من الموظفين (ما بين 3 - 5 آلاف)، وعدم تجديد عقود آخرين (2500 -3000). واستمرت التوقعات بتباطؤ الاقتصاد في الولايات المتحدة، التي يمتلك نصف سكانها تقريبًا أسهما في البورصة، وتمثل الأسهم باقتصادها 40% من الدخل القومي.

وكانت هذه التحذيرات كافية لإثارة الفزع بينهم، فبدأ العديد منهم يفضل الادخار على الاستثمار، خوفًا مما قد يحمله لهم المستقبل المجهول، ومن جديد بدأت العدوى في الانتشار وكما اتجه الكل مرة واحدة للشراء.. اتجه الكل نحو البيع، فكانوا بذلك كمن تعرضوا لزلزال أصابهم ببعض الإصابات لكن الحوادث الكبرى نتجت عن تدافع الناس بلا نظام أو وعي.

وأدى ذلك إلى هبوط الأسعار وزادت الشركات من تحذيراتها، وعكف الناس عن الإنفاق والشراء، فزاد التباطؤ في الاقتصاد.

وفي مارس 2001، وفي الذكرى السنوية لازدهار ناسداك، بلغ المؤشر 2000 نقطة؛ ليدخل ناسداك فيما يعرف بسوق "الدب"؛ حيث بلغت الخسائر 60% في الأسبوع الثاني من مارس 2001.

وسوق الدب التي تعبّر عن حالة من الركود عقب حالة من النشاط، أمر طبيعي في الدورة الاقتصادية، إلا أنه في هذه الحالة، ليس فقط شيئًا طبيعيًّا بل إنه ضروري؛ حيث إنه يصحح التقديرات المبالغ فيها، لتلائم الواقع، وهو الأمر الذي تحتاجه البورصات الآن بشدة، خاصة وأن قرار اللجنة النقدية في الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة بمعدل 5.% جاء مخيبًا لطموح البعض ممن طالبوا بأن يصل التخفيض إلى 0.075%. كما أن القرار - من وجهة نظرهم - جاء متأخرًا، وعلى أي الأحوال فلن يظهر أثره قبل 6 أشهر على الأقل.

تأثيرات عالمية

ولأننا في عصر العولمة، ولأن مركزها الدولة الأقوى الولايات المتحدة، فكان أمرًا طبيعيًّا أن ينعكس ما يحدث بها على باقي العالم لا سيما اليابان التي تعاني هي الأخرى اقتصاديًّا، فانخفض مؤشر البورصة اليابانية "نيكي"، وأوروبا التي كانت تحذيرات شركة مثل "أريكسون" من تخفيض أرباحها كافيًا لإثارة الخوف من أن يجري بها ما جرى بجارتها عبر الأطلنطي، إلا أن الوضع في أوروبا يبقى أفضل بكثير إن لم يكن لاستقرار اقتصادها، فلقلة حملة الأسهم بها بما لا يقارن مع الولايات المتحدة باستثناء الأوروبيين الذين يحملون أسهمًا في البورصات الأمريكية ذاتها.

ناسداك ضد الشركات الإسرائيلية

أما الاقتصاد الإسرائيلي فمثل ما حدث في البورصات الأمريكية لطمة على خده الأيسر بعد ما لطمته الانتفاضة على الأيمن.

فأركان شركات التكنولوجيا في إسرائيل الذين طالما أكدوا أن ما يهمهم فعلاً هو ما يحدث في "ناسداك" لا "نابلس"، خسروا مليارات الدولارات في القيمة الدفترية للشركات الإسرائيلية التي كان بعضها قد رحل إلى الولايات المتحدة.

وقد ذكرت جريدة "الحياة" في عددها في 16 مارس 2001 مثالاً على ذلك بشركة "كومبرز" الإسرائيلية التي كانت قيمتها قبل أشهر 11 مليار دولار، طار أكثرها مع الريح العاصفة التي أصابت أسهم التكنولوجيا حول العالم. وقال خبير في برامج الكمبيوتر يعمل في الشركة أن الأسهم التي تعرض عليه في مقابل عمله، لا تصلح لأكثر من أن يصنع منها طائرات ورقية يطيرها للتسلية.

118 مليار دولار خسائر 13 شركة

هكذا طال إعصار ناسداك وأخواتها العديد من بقاع العالم، بدأ أول ما بدأ بموطنه، حيث طرد من السوق الشركات "الخفيفة" التي تعمل في مجال الإنترنت، وأصاب "الثقيلة" منها إصابات بالغة إلى أن وصل الاقتصاد الأمريكي ككل ومنه إلى العالمي. ويكفي للتدليل على حجم الخسائر التي أصابت الشركات والمستثمرين الكبار في مجال التكنولوجيا ما نشرته مجلة "فوربز" من أن حجم ما خسره 13 من كبار رجال الأعمال وشركاتهم العملاقة يقدر بحوالي 118,7 مليار دولار، وبعد أن كان حجم استثماراتهم في الشركات 205.7 مليارات دولار انخفض نتيجة الهزات المتتالية إلى 86.99 مليارًا فقط.

ورصدت المجلة في عددها الصادر منتصف مارس 2001 تحت عنوان: "كيف وقع الجبار؟"، أهم الخسائر التي لحقت بشركات التكنولوجيا، كما يبدو في الجدول التالي الذي تتصدره "مايكروسوفت" بخسارة قدرها: 1, 35 مليار دولار، وهو الأمر الذي جعل صور "بيل جيتس" الملياردير المعروف تنتشر في المواقع تحت إعلان: "من يشارك بيل جيتس؟" أو "اشتري 4 أسهم واربح 000, 10 دولار".

خسائر شركات التكنولوجيا ( مليار دولار)

-44% (نسبة التغيير)
$44.2 (القيمة في 9/3/2001)
$79.3 (القيمة في 10/3/2000)
مايكروسوفت
بيل جيتس، رئيس مجلس الإدارة ورئيس هندسة البرمجيات.
--------------------------------
-59% (نسبة التغيير)
11.5 (القيمة في 9/3/2001)
28.1 (القيمة في 10/3/2000)
أوراكل
لاري إليسون، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي.
--------------------------------
-44% (نسبة التغيير)
13.5 (القيمة في 9/3/2001)
24.2 (القيمة في 10/3/2000)
مايكروسوفت
ستيف بالمر، المدير التنفيذي
--------------------------------
-56 (نسبة التغيير)
8.7 (القيمة في 9/3/2001)
20 (القيمة في 10/3/2000)
دل كمبيوتر
مايكل دل، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي.
--------------------------------
-83 (نسبة التغيير)
1.4 (القيمة في 9/3/2001)
8.4 (القيمة في 10/3/2000)
برودكوم (ناسداك: (BRCM
هنري نيكولوس الثالث، الرئيس والمدير التنفيذي.
--------------------------------
-90 (نسبة التغيير)
770, (القيمة في 9/3/2001)
8.1 (القيمة في 10/3/2000)
ياهو!
جيري يانج، رئيس ومدير ياهو!
--------------------------------
-82 (نسبة التغيير)
1.4 (القيمة في 9/3/2001)
7.8 (القيمة في 10/3/2000)
أمازون.كوم
جيف بيزوس، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي.
--------------------------------
-74 (نسبة التغيير)
1.9 (القيمة في 9/3/2001)
7.2 (القيمة في 10/3/2000)
جيت واي (نيز:GTW)
تيد وايت، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي.
--------------------------------
-64 (نسبة التغيير)
2.5 (القيمة في 9/3/2001)
6.9 (القيمة في 10/3/2000)
EBAY
بيير أُميدار، المؤسس ورئيس مجلس الإدارة.
--------------------------------
-97 (نسبة التغيير)
131, (القيمة في 9/3/2001)
5.2 (القيمة في 10/3/2000)
برايسلاين.كوم (/PCLn )
جاي ووكر، المؤسس
--------------------------------
-97 (نسبة التغيير)
145, (القيمة في 9/3/2001)
4.9 (القيمة في 10/3/2000)
سي إم جي آت فينتشورز(/CMGI)
دافيد وذيرال، رئيس مجلس الإدارة، الرئيس، المدير التنفيذي.
--------------------------------
-92 (نسبة التغيير)
350, (القيمة في 9/3/2001)
4.2 (القيمة في 10/3/2000)
رييل نتوركس (ناسداكRMWK
روب جلاسر، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي.
--------------------------------
-62 (نسبة التغيير)
,497 (القيمة في 9/3/2001)
1.3 (القيمة في 10/3/2000)
صن مايكروسيستمز (SUNW)
سكوت ماكنيلي، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي.



وتبقى كلمة "جون ستيل جورن" في كتابه "اللعبة الكبرى: ظهور "وول ستريت" كقوى عظمى"، عالقة في الأذهان:

"الإنترنت تكنولوجيا مفعمة بالقوة، بالتأكيد ستغير العالم، لكن كيف يمكن صناعة الأموال منها تحديدًا، هذا ما لم يعرفه أحد بعد".

ويبقى التساؤل: إذا كانت البورصة هي حقًّا مغارة "علِي بابا" التي لا تنفد خزائنها، فمن يعرف سر بابها؟!