6th أغسطس 2002

ما هي آثار هبوط الدولار على أسواق الأسهم ؟

دراسة قام بها حديثاً " جون بوتشينو ومايكل كاراجيانيس " من مؤسسة أبيردين لإدارة الأصول تفحصا من خلالها العلاقة بين الدولار الأمريكي والأسهم .

يعتبر الدولار الأمريكي عملة الاحتياط الرئيسية في النظام المالي العالمي ، وأي هبوط حاد فيه قد يؤدي إلى عدم استقرار الأسواق المالية . نعتقد أن ذلك كان أحد الدوافع الرئيسية وراء الهبوط الذي تشهده الأسواق المالية حالياً .

منذ نهاية فبراير/شباط 2002 هبط الدولار بنسبة 9 % مقابل اليورو وبنسبة 7 % مقابل ألين . واستناداً لميزان المبادلات التجارية ، فقد هبط الدولار بنسبة تتراوح بين 9 % - 10 % منذ نهاية فبراير/شباط .

انطلاقاً من تلك التقلبات الهامة في العملات ، كان من الضروري الرجوع إلى حالات مماثلة في التاريخ وانعكاس نتائجها على أسواق الأسهم المالية . قمنا بدراسة فترتين محددتين – 1989 / 1990 ، عندما هبط الدولار الأمريكي بنسبة 15 % وفق معدل الترجيح التجاري ، و 1994 عندما هبط الدولار بنسبة 12 % .

في كلتا الحالتين كانت تلك الفترات تمثل هبوطاً مفاجئاً من الارتفاع المستمر للدولار وصولاً لتلك النسب المنخفضة ، تزامنت مع عدم استقرار كبير في الأسواق المالية.

بعض الملاحظات العامة عن تلك الفترات تشير إلى أن هبوط أسواق الأسهم المالية يرتبط بشكل كبير مع هبوط الدولار . وهذا لا ينحصر ضمن أسواق الأسهم الأمريكية فقط ، بل غالباً ما يشمل الأسواق العالمية بشكل عام . كما أن هبوط الدولار الحاد يزيد من نفور المستثمرين الذي ينتج عنه بيع الأصول التي تنطوي على مخاطر مثل الأسهم ، وشراء أصول خالية من المخاطر مثل السندات الحكومية الأمريكية .

وفي الوقت الذي يزداد فيه نفور المستثمرين ، يزداد ارتباط أسواق الأسهم حول العالم ببعضها نتيجة حدوث توافق بينها وبين الدولار . وتشير الملاحظة الثانية إلى أنه في حين تهبط مؤشرات أسواق الأسهم العالمية نتيجة هبوط الدولار ، يكون أداء سوق الأسهم الأمريكية في البداية أقل كفاءة من أسواق الأسهم غير الأمريكية .

لكن بمجرد أن يتم تحقيق منافع اقتصادية من هبوط قيمة العملة - كتقوية الأداء الاقتصادي وزيادة أرباح الأعمال التجارية - يبدأ أداء السوق الأمريكي بالتغلب على الأسواق غير الأمريكية على المستوى المحلي .

لم يتناول التحليل الذي أجريناه الهبوط الحاد الذي شهده الدولار خلال شهري أغسطس/آب 1977 ومارس/آذار 1985 بسبب اختلاف تركيبة تلك الفترتين عن الحاضر.

فقد تسبب تضخم البورصة ( stagflation ) - الذي كان يمثل بيئة تميزت بمعدل نمو منخفض ومعدل تضخم عالي ، ونتجت عن الصدمات التي تعرضت لها أسعار النفط خلال السبعينات – عن انخفاض قيمة الدولار مع نهاية ذلك العقد . وتختلف تماماً بيئة الاقتصاد الأمريكي حالياً عن تلك التي كانت في 1977 من حيث تميزها بمعدلات نمو وتضخم معتدلين .

خلال منتصف الثمانينات ، نتج عن اتفاقية بلازا ( Plaza Accord ) – التي تمت بين البنك الاحتياطي الاتحادي وبنك اليابان وبنك بنديز لإضعاف الدولار مرتفع القيمة –تخفيض ملفق وثابت للدولار بنسبة اقتربت من 40 % استمرت لفترة عامين انتهت مع نهاية العام 1987 وتسببت في نمو هائل في الولايات المتحدة الأمريكية ، أدى في النهاية إلى ترسب وبالتالي تحطم سوق الأسهم في أمريكا في 1987 وفي اليابان في 1989 .

انخفاض قيمة الدولار خلال الفترتان 1989/1990 و 1994/1995 – اللتان تتشابهان بنقاط معينة في تركيبتهما مع الحاضر – يسمح لنا باكتساب رؤية تاريخية عن كيفية ردة فعل أسواق الأسهم العالمية إذا ما استمر الدولار في الهبوط خلال الأشهر القادمة .

يظهر من تلك الفترتين أنه غالباً ما تتزامن فترات الهبوط الحاد للدولار مع أوقات الشدة والصدمات المالية التي ينتج عنها ارتفاع في نفور المستثمرين . حيث أن عدم الاستقرار في النظام المالي العالمي يدفع المستثمرين للبحث عن أصول آمنة كالسندات الحكومية بدلاً من الاستثمارات التي تنطوي على مخاطر . لكن تشير الأدلة التاريخية إلى أنه بمجرد أن يستقر الدولار أو يبدأ بالانتعاش ، يبدأ معدل المخاطر بالهبوط وتبدأ أسواق الأسهم العالمية بالانتعاش أيضاً .

في 1989/1990 و 1994/1995 كان للهبوط الحاد للدولار الأثر الكبير في عدم استقرار الأسواق المالية العالمية وانهيار مؤشرات الأسهم العالمية . ولم تنتعش الأسهم إلاّ بعد ارتفاع قيمة الدولار وفق معدل الترجيح التجاري . وهذه الملاحظة مثيرة للاهتمام من حيث أنها تظهر قابلية جميع أسواق الأسهم ، وليس الأسواق الأمريكية فقط ، للتأثر بهبوط الدولار .

بعد الانهيار الذي شهده سوق الأسهم في العام 1987 ، وتحطم الآمال المتعلقة بانتعاشها ، انصبت الأموال في قطاع العقارات . ثم تسارعت هذه النزعة بعد توقف هبوط الدولار في العام 1989 .

تزامن هبوط الدولار في 1994 مع انهيار أسواق السندات العالمية وهبوط الأسهم واحتفاظ المستثمرين بالسيولة المالية . وجاءت تلك الأحداث بعد فترة امتدت من 1991 – 1993 عندما كان انتعاش الاقتصاد الأمريكي بطيئاً ، وكانت تمر الميزانية العمومية للأعمال التجارية باضطرابات شديدة ، وهبطت معدلات الفائدة لمستويات لم تشهدها منذ عقود عديدة – أي تشبه الأوضاع التي نشهدها حالياً .

ليس صدفة أن تحذو أسواق الأسهم حذو الدولار في هبوطه وصعوده خلال فترات أوقات الشدة . فالأسهم عبارة عن أصول تنطوي على مخاطر ، ولذلك يتم بيعها بشكل عام عند هبوط الدولار وارتفاع نفور المستثمرين . لكن عند ارتفاع الدولار وانخفاض معدل المخاطر ، تميل الأسهم إلى استعادة نشاطها تجارياً .

ملاحظة هامة أخرى يجب اعتبارها فيما يتعلق بأداء أسواق الأسهم العالمية خلال فترات هبوط الدولار . وهي الاعتقاد بأن التأثير السلبي لهبوط الدولار يكون أكبر على أسواق الأسهم الأمريكية من أسواق الأسهم العالمية . لكن الأدلة تظهر عكس ذلك .

فإذا تتبعنا تاريخ الأداء النسبي للأسواق الأمريكية مقابل الأسواق غير الأمريكية خلال فترات هبوط الدولار ، نجد في بادئ الأمر أن عائدات أسواق الأسهم المحلية الأمريكية تتلكأ خلف أداء أسواق الأسهم المحلية غير الأمريكية .

لكن يتحول ذلك الأداء النسبي لنجد في النهاية ، انه على المدى الأوسط – الطويل يميل سوق الأسهم الأمريكية إلى التفوق نسبياً بأدائه على الأسواق غير الأمريكية ، على المستوى المحلي ، خلال استمرار هبوط الدولار .

بالإضافة إلى إنه خلال فترتي هبوط الدولار في 1989/1990 و 1994/1995 قام في بادئ الأمر مؤشر MSCI EAFE – الذي يتألف من جميع أسواق الدول المتقدمة باستثناء الولايات المتحدة – بالتفوق بأدائه على مؤشر MSCI US الأمريكي لمدة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر ، على التوالي .
لكن استطاع السوق الأمريكي بعد سوء أدائه خلال تلك الفترتين ، أن يتفوق على مؤشر MSCI EAFE بفارق كبير على المستوى المحلي . التحليل المنطقي لكل ذلك هو أن الاكتساب النسبي لروح المنافسة نتيجة هبوط العملة يعمل كحافز للنمو وزيادة الأرباح للعديد من الأعمال التجارية المنافسة للأسواق الأجنبية والمناهضة للاستيراد .

سوء الأداء المبدئي للأسواق الأمريكية يكون عبارة عن تغيير سيكولوجي قصير الأمد في استيعاب المستثمرين للنمو الأمريكي . فيتم بيع الأسهم المالية واستثمار تلك الأموال في الأسواق الخارجية – حيث تبدو آفاق النمو في بادئ الأمر نسبياً أكثر جاذبية . لكن ثبات هبوط الدولار يتيح للولايات المتحدة أن تصبح أكثر تنافساً مقابل شركائها في التجارة العالمية . وهكذا تصبح الصناعة المحلية الأمريكية أكثر تنافساً ويطرح المصدرون أسعاراً أكثر تنافساً في الأسواق الأجنبية . إلى جانب أنه يتم تحويل الأرباح - التي تجنيها الفروع الخارجية للشركات الأمريكية – إلى دولارات أمريكية ، مما يدعم مكاسب الولايات المتحدة .

لا تزال فترة هبوط الدولار الأمريكي خلال العام 2002 في مراحلها الأولى نسبياً . لكن من الملاحظ أنه منذ فبراير/شباط 2002 ، عندما كان مؤشر ميزان المبادلات التجارية الأمريكية في قمته ، تخلف أداء سوق الأسهم الأمريكية عن أداء الأسواق غير الأمريكية بحوالي 4 % على المستوى المحلي . ويشبه هذا الأداء الضعيف نسبياً ، إلى حد ما ، في حدته ومدته ، أداء الأسواق الأمريكية خلال عامي 1989 و 1994 .

لكن إذا ما استمر الدولار في الهبوط ، أو ثبت عند المستويات الحالية لمدة أطول ، فقد نشهد تفوق أداء السوق الأمريكية على منافسيه في الخارج . وتشير الدلائل خلال الأسابيع القليلة الماضية إلى أن السوق الأمريكية لم تفقد ثقلها مقابل منافسيها غير الأمريكيين .

في الختام ، إلى أن تنتهي فترة هبوط الدولار الأمريكي ، تبقى أسواق الأسهم المالية العالمية عرضة لضغوط بيع إضافية ولارتفاع إضافي في نسبة المخاطر . وبالرغم من كون الولايات المتحدة الأكثر تأثراً بهبوط الدولار في بادئ الأمر ، إلاّ إنها بمجرد استيعاب الجوانب التنافسية لهذا الهبوط ، ستستفيد على المدى الأوسط أكثر من الأسواق غير الأمريكية .

وعندما يستقر الدولار في النهاية ، فإن التحول الكلي في استيعاب المخاطر سوف يمكن المستثمرين من تخفيض المخاطر في سوق الأسهم – وبالتالي دعم أسواق الأسهم العالمية .