25th يوليو 2002

هل تنتهي محنة المستثمرين العرب في أسواق المال العالمية؟ (1من 2)

تدفقت بلايين الدولارات من جميع أنحاء العالم نحو الأسواق العالمية والأسواق الأمريكية بصورة خاصة على اكتاف ثورة الاتصالات والمعلومات والتي سهلت حركة رؤوس الأموال الساخنة تحت حوافز الإغراء بالربح السريع التي وفرتها أليات الأسواق المالية الأمريكية وماكينتها الدعائية الضخمة.

ومن إفرازات انخفاض الوعي الاستثماري لدى شريحة كبيرة من المستثمرين العرب والتي تقدر أموالهم المستثمرة في أسواق المال العالمية بحوالي ألف ومائتان مليار دولار خسروا منها حوالي مائة وعشرون مليار دولار خلال الفترة القصيرة الماضية أن أسواق الأسهم هي المكان الوحيد لتحقيق الأرباح الكبيرة وبالسرعة الفائقة ولجميع المستثمرين وفي كل الأوقات بحيث انقطع الارتباط بين أداء الشركات أو أداء الاقتصاد وأسعار أسهم هذه الشركات في الأسواق المالية وبحيث أصبحت قيمة أسهم هذه الشركات في الأسواق المالية أضعاف قيمتها الاقتصادية أو قيمتها الحقيقية.

والمستثمر الرشيد عادة ما يوزع استثماراته أو محفظته الاستثمارية ما بين الأسهم والسندات والعملات والودائع والعقار وغيرها من الأدوات الاستثمارية المختلفة لحماية أصول المحفظة من تقلبات الأسواق باعتبار أن التنويع في المحفظة يساهم في تخفيض وتوزيع المخاطر بينما أدى الطمع وانخفاض الوعي الاستثماري والركض وراء الربح السريع إلى ارتفاع حصة الأسهم في محافظ معظم المستثمرين العرب وبالتالي ارتفاع مستوى المخاطر باعتبار أن الأسهم هي من أكثر الأدوات الاستثمارية مخاطرة وهي أيضاُ من أكثر الأدوات الاستثمارية عائداً حيث تركزت استثمارات عدد كبير منهم خلال السنوات الماضية في أسهم التكنولوجيا والتي خسر فيها المستثمرون أكثر من 60% من أموالهم وبعضهم خسر كل استثماراته.

فالجميع قد تضرر ولم ينجو أي مستثمر من الانهيارات المتتالية والتي مضى عليها حوالي 28 شهراُ ونسبة الضرر تختلف طبقاً لمواعيد شراء الأسهم, وفي الأسواق الهابطة يتحول الاستثمار في الأسهم إلى مصيدة حيث يصعب على أي مستثمر الخروج من السوق طالما ارتفعت خسائره وهذه البديهية لاحظتها شخصياً على أحد الأصدقاء المستثمرين في سوق الأسهم الأمريكية فقد اشترى أسهم التكنولوجيا عندما كان مستوى مؤشر الناسداك حوالي 2300 نقطة وعندما انخفض المؤشر إلى مستوى 2100 نقطة اعتقد أن هذا التراجع فيه فرصة للشراء يجب استغلاله وضخ أموال إضافية وعندما انخفض المؤشر إلى 2000 نقطة اشترى أسهم إضافية لتعديل كلفة الشراء السابقة ولقناعته وقناعة مستشاره الاستثماري أن المؤشر لن ينخفض عن مستوى ألفين نقطة,واستمر بضخ أموال إضافية والمؤشر في انخفاض مستمر حيث اضطر للاستدانة من البنوك خوفاً من تفويت الفرص الاستثنائية و كانت النتيجة انخفاض المؤشر دون 1400 نقطة وخسارة هذا المستثمر لرأسماله إضافة إلى قرض كبير من البنك يجب تسديده مع الفوائد لذلك فإنني أستبعد عودة جميع الأموال المهاجرة إلى المنطقة على المدى القصير لأن الخسائر كبيرة والبعض يعتبرها خسائر دفترية وعلى أمل ارتفاع الأسعار مرة أخرى واعتقادي أن خسائر العرب في الأسواق المالية لم تقتصر على المستثمرين الأفراد بل شملت استثمارات الصناديق التابعة للحكومات والاستثمارات الخارجية لبعض البنوك والمؤسسات الاستثمارية والتي تزيد أضعافاً عن حجم الاستثمارات الفردية.

ونعتقد أن خسائر المستثمرين العرب في أسواق الأسهم الأوروبية أقل من خسائرهم في أسواق الأسهم الأمريكية نتيجة تحسن سعر صرف اليورو بنسبة تزيد عن 10% مقابل الدولار باعتبار أن الدولار هو عملة معظم العرب المستثمرين في الأسواق العالمية سواء عند دخولهم مختلف الأسواق المالية أو عند تسييل استثماراتهم.

والسؤال الذي يطرح نفسه وبعد مسلسل الفضائح التي طالت بعض الشركات العملاقة في أمريكا وأوروبا وبعض شركات تدقيق الحسابات العالمية ومن نتائجها تراجع ثقة المستثمرين في البورصات العالمية وتراجع تدفق الاستثمارات الدولية للاستثمار في البورصات العالمية إضافة إلى زعزعت هذه الفضائح الثقة بالأصول الأمريكية وهزت مرتكزات النظام الرأسمالي وأضرت بمناخ الاستثمار العالمي والسؤال إلى متى يستمر مسلسل الفضائح ومتى تلملم البورصات العالمية جراحها في الوقت الذي يعتقد فيه عدد كبير من المحللين والمستثمرين والمساهمين أن الفضائح التي طالت بعض الشركات العملاقة هي عينة مما ينضح به الإناء والمسلسل قد يستمر إلى فترة طويلة والمعلوم أن الاستثمار في أسهم الشركات المساهمة العامة في أي بلد يعتمد على الثقة في أداء هذه الشركات والثقة بمجلس إدارتها وفي إدارتها التنفيذية وفي مدققي حساباتها والثقة في الاقتصاد الذي تعمل به هذه الشركات وتراجع أرباح الشركات لأي سبب اقتصادي أو سياسي ليس مشكلة بحد ذاتها حيث أن تأثيرها على أسعار الأسهم عادة ما يكون وقتياً بينما المشكلة الحقيقية هي في تزوير الأرقام وتضخيم الأرباح وفساد الإدارة واستغلال المناصب وعدم الالتزام بالمعايير الأخلاقية وعدم مصداقية بعض شركات مدققي الحسابات وضعف رقابة وسلطة هيئات رقابة أسواق المال والتشكيك في بيانات وكالات التصنيف العالمية و عدم واقعية نصائح شركات الاستثمار العالمية وللحديث بقية.
AME info