1 أغسطس 2002
الأسهم الأمريكية على مشارف انتعاش قوى


في الأسبوع الماضي تدهورت أسواق المال العالمية إلي مستوى متدن للغاية. فالأسهم الأمريكية مثلا، و كما تقاس بمؤشري ستاندرد اند بورز 500 و ناسداك تدهورت بشكل كبير جدا،حيث بلغ مستوى الأنخفاض فيهما نحو 13% و25% على الترتيب.




في الأسبوع الماضي تدهورت أسواق المال العالمية إلي مستوى متدن للغاية. فالأسهم الأمريكية مثلا، و كما تقاس بمؤشري "ستاندرد اند بورز 500"و" ناسداك " تدهورت بشكل كبير جدا،حيث بلغ مستوى الأنخفاض فيهما نحو 13% و25% على الترتيب.

ذلك بحساب الأرقام الحديثة نسبيا.أماإذا كان وجه المقارنة هو أعلى مستوى بلغه المؤشران في مارس عـام 2000،فان نسبةالانخفاض تقفزإلي 36% بالنسبة لمؤشر "ستاندرد اند بورز500" و إلي 71% بالنسبة لمؤشر"ناسداك". وفي الوقت ذاته تعرض الدولار لعمليات بيع كثيفة أمام اليورو و الفرنك السويسري،في حين تزايدالإقبال بشكل ملحوظ على شراء سندات الخزانة الأمريكية و الذهب.

و فيما يتعلق بعمليات البيع المفرطة في ناسداك، فيبدو أنها كانت قد بلغت مداها أصلا. فانهيار أسواق الأسهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر،و ما ظهر بعدها من مؤشرات فنية عديدة توحي بأن هناك تقدما مهما قد بدأ،و أن "ناسدك" ربما في طريقه للصعود بنسبة تتراوح بين 20%و30%،فيما يتوقع في السياق نفسه ارتفاع مؤشر "ستاندرد اند بورز500" بنسبة تصل إلي 15%. و من ضمن هذه المؤشرات يشار مثلا إلي أن نسبة الـ "put/call" لمدى عشرة أيام قد بلغت نحو 972و. في أواخر يونيو الماضي،وهي أعلي قراءة منذ أن بلغت هذه النسبة أدنى مستوى لها،و هو 1.01، في 21 سبتمبر الماضي.

علاوة على ذلك، فان النسبة المئوية للسوق الهابط بحسب مقاييس الرابطة الأمريكية للمستثمرين الأفراد،ارتفعت إلي 46%في 26 يونيو الماضي،وهي نسبة مرتفعة حتى لو قيست بذروة ارتفاعاتها في 20 سبتمبر 2001. وأخيرا أظهرت البيانات الخاصة بالتزامات المتعاملين في بورصة"ستاندرد اند بورز"، إن التعاملات التجارية غطت التزاماتها للأجل القصير،في حين وصل الالتزام القصير الأجل بالنسبة لكبار المضاربين إلي أعلى مستوياته منذ سبع سنوات.

و لذلك، أرى في عمليات البيع الكثيفة، مؤشرا يدل على أن السوق باتت على مشارف قفزة عالية نسبيا. و بشكل عام يمكن القول بأن سوق الأسهم الأمريكية، تتخذ عادة منحى موسميا في تحركاتها.فمثلا نلاحظ أن السوق تميل دائما للهبوط في شهر نوفمبر،ثم تبدأ بعد ذلك في التألق في شهر يناير.و في فبراير تحدث عادة عمليات تصحيح كلما تقدم الشتاء،ليأتي بعده الربيع فتواصل تألقها إلى نهاية شهر أبريل.وفي الفترة الواقعة بين شهري مايو و يونيو، تبدأ السوق في التراجع مرة أخرى،حيث تترافق مع هذه الفترة من العام موجات هبوط عاتية في العادة.

وفى شهر يوليو ترتفع أسعار الأسهم بفعل الانتعاش الصيفي ، و يستمر ذلك حتى أغسطس.في حين تميل الأسواق عادة إلي الضعف في سبتمبر/أكتوبر، مع أرجحية لحدوث انهيارات كبيرة،كما حدث خلال الفترة المقابلة من عامي 1929 و 1987 .و عليه، وبالأخذ في الاعتبار هذا المنحى الموسمي المتأرجح ما بين القوة،كما هي الحال في شهر يوليو، و الضعف الناتج عن عمليات البيع الكثيفة ، كالفترة التي نعيشها الآن، أشعر بتفاؤل و إيجابية كبيرة حيال الأسهم الأمريكية في المدى القريب.

ولكي نكون اكثر تحديدا و موضوعية في تحليلنا، يتعين علينا أن نشير إلي أن المستثمرين قد يميلون إلي التركيز في ظروف الانتعاش، لأجل الاستفادة من ارتفاع الأسهم، و تحقيق اكبر قدر من المكاسب خلال هذه،الفترة التي تتسم بمداها القصير ،مثل تركيزهم على أسهم شركات الاتصالات و الأعلام و التكنولوجيا المتطورة .علاوة على ذلك ، فعندما تبدأ قطاعات السوق ، التي تعرضت أسهمها للبيع بصورة مفرطة أكثر من غيرها في الارتفاع،فذلك يعنى أن هناك عملية تصحيحية بدأت ،و أن من المرجح جدا استمرارها لفترة من الوقت، كما حدث في العملية التصحيحية التي بدأت قبل شهر تقريبا بالنسبة للذهب و اسهم شركات الذهب.و ذلك صحيح بالذات إذا أخذنا في الاعتبار أن الدولار بيع بأكثر من قيمته نسبيا، و من ثم فان المتوقع هو أن يعود لقيمته أمام اليورو كما كان في التسعينات.

عموما ،هناك احتمال لارتفاع سوق الأسهم الأمريكية و الدولار على السواء في المستقبل المنظور،الأمر الذي سيتيح للتجار تحقيق مكاسب معتبرة . ولكن، و كما سبقت الإشارة ،ففي الوقت الذي نجد فيه أن هناك عمليات بيع كثيفة للأسهم، نلاحظ في ذات الوقت أن هناك شيء من الإفراط في شراء سندات الخزانة الأمريكية، الأمر الذي يرجح تراجع الأخيرة، بل ربما دخولها في فترة هبوط طويلة.

وما يقلقني اكثر فيما يتعلق بالسندات، هو ارتفاع معدلات التضخم حول العالم، بصرف النظر عن تعافى الاقتصاد أو عدمه، وذلك بسبب ضخ كميات هائلة من السيولة من قبل البنوك.المركزية.

أما فيما يتعلق بأسعار السلع،و التي حافظت على قوتها منذ بداية العام ،بعد فترة طويلة من الهبوط المتواصل، استمرت لاكثر من عشرين عاما،فهي مرشحة للانتعاش بقوة في السنوات القليلة المقبلة. أيضا يلاحظ أن المستثمرين،بعد حالة الضعف التي اعترت سوق الأسهم وسندات الشركات في النصف الأول من العام الجاري، لجا المستثمرون إلي تحويل أموالهم و استثمارها في سندات الخزانة، التي ينظر إليها باعتبارها أصول استثمارية خالية من المخاطر.

بناء على ما تقدم ، و في حال استردت ا سواق الأسهم عافيتها خلال شهر يوليو الجارى، فسوف يلجأ المستثمرون في الأغلب الأعم إلي بيع سندات الخزينة، و تحويل استثماراتهم من هذا الملاذ الآمن ، و المضجر في الوقت نفسه، إلي أصول ذات مخاطر أعلى، ولكنها أكثر إغراء من ناحية المكاسب ،بل هناك احتمال لاستثمارها في سندات الشركات.

حتى الآن، في رأى أن أسواق المال ربما تكون قد عكست توجهاتها في الآونة الأخيرة. فالأسهم تبدل حالها من الهبوط إلي الصعود،و الدولار عاد للتألق بعد خمسة اشهر من الانخفاض المتواصل، في حين بدأت السندات، مع العلم بأنها ما تزال محتفظة بقوتها حتى الآن، في التراجع.غير أن السؤال الجوهري هنا، هو إلي مدى ستؤدى الاتجاهات المعاكسة الجديدة،والتي.أتوقع لها أن تتواصل، وبصورة حادة لعدة أسابيع مقبلة ،إلي تغيير حقيقي في التوجه.
هنا لا أجد نفسي متفائلا كثيرا.

بذات القدر،و في الوقت الذي وصل فيه السوق إلى شفا الإفراط الجامح في البيع، فان نفسية المستثمرين تجاه الأسهم تبقى في غاية التفاؤل من حيث المنظور البعيد المدى. و فيما يتعلق بالخيارات النقدية ، فإنها لم يسبق أن كانت في مستويات منخفضة توازى مستويات أعوام 1974 و 1982 و 1990 ،مثلما هي عليه اليوم.

ختاما، يلاحظ أن قوة الشركات الأمريكية بدأت تخور بعض الشيء في الآونة الأخيرة. ففي أواخر التسعينات، كانت هذه الشركات تقوم بإعادة شراء أسهمها، من خلال إصدار السندات لتمويل هذه العملية.لكنني أرى في الأفق بوادر مناخ إيجابي ستلجأ فيه الشركات في المستقبل، و خلال كل فترة انتعاش، إلي إصدار الأسهم لاجل تحسين أوضاع ميزانياتها.

ومن ذلك نستنتج بأن المعروض من الأسهم سيبقى مرتفعا،في وقت يرجح فيه أن يكون الطلب عليها معتدلا،ذلك لأن الأسر الأمريكية ما تزال تحتفظ بنسبة 57.1 % من الأصول التي بحوزتها في شكل اسهم،وهي نسبة لا تقل سوى بمقدار ضئيل (06و0%) عن أعلي مستوى بلغته(7و57%) في نوفمبر من عام 20000.

لذلك فأنا، ما زلت عند رأى ،إذا تركنا مسألة الارتفاع الحاد المرجح في المدى القريب جانبا ، فان افضل ما نتوقعه من أسواق الأسهم الأمريكية ،هو مدى تعامل يتراوح بين 950و1200بالنسبة لمؤشر"ستاندرد اند بورز 500".زيادة على ذلك،فإذا تواصل الهبوط من جهة الدولار و السندات بشكل اكبر خلال الأشهر الأثنى عشر المقبلة،فمن شأن ذلك أن يؤدى إلي إضافة المزيد من الضغوط على الأسهم،من خلال تراجع المشتريات الأجنبية و ارتفاع أسعار الفائدة.و لكن ،و كما هو واضح من الشرح،فان انتعاش التعاملات وارد بشكل كبير،إذا أخذنا في الحسبان أن سوق الأسهم في هونج كونج،الذي تربطه صلة قوية بأسواق الأسهم الأمريكية،ستكون له أيضا مساهمته التي لا يمكن إغفالها.