فشلت كل المعادلات في حل ألغازها نوى الذرّات مازالت تحير العلماء

د. عباس حمزة






تبدو النواة مثل أي شيء زئبقي لا يمكن وضع اليد على شكل أو تصرف محدد لها، فهي غائصة في عمق ما نعده المصدر الفوضوي للوجود . . الفوضوي بالنسبة إلينا نحن الذين لا ندرك طبيعة الرياضيات المتقدمة التي تحكم هذا العالم المتناهي في الصغر، ولا تلك النواميس التي تجعل منه عالماً بديعاً ذا تناسق لا يمكن إدراك جمالهوإذا كانت الرياضيات تعد خطوة نحو إدراك جمال وتناسق الوجود، فإن حسابات نوى الذرات تظل مهما اكتشف من أسرارها متاهة لا يدركها عقل إنساني.

ومع مرور قرن كامل على اكتشاف نواة الذرة، فإنها ماتزال تشكل مصدر دهشة عظيمة لكل من يراقب تأثيراتها أو يسعى لكشف أسرارها، ذلك أن تصرفاتها قادرة على تشويش جميع الطرق المؤدية إليها وخلط أوراق العلماء وقلب معادلاتهم رأساً على عقب.. ولم يَرَ أحد نواة الذرة رؤية عينية مباشرة، لكن العلماء يستدلون على وجودها من الحقول الطاقوية التي تنجم عنها، لذا فقد تخيل البعض شكلها مثل عنقود حبات العنب، تندمج فيه بروتوناتها ونتروناتها، أو مثل بويضة جنين إنساني ملقحة في ساعاتها الأولى، ويقولون إن شكل العنقود هو الذي يحدد اختلاف مادة عن أخرى، ولماذا لا يصير الذهب حديداً والحديد أوكسجيناً، مثلما تختلف أجنّة السمكة عن الضفدع والبقرة عن الماعز.

لقد اعتقد العلماء بادئ ذي بدء أن نواة الذرة أعطت جميع أسرارها، ولم يعد هناك من عملٍ إلا التلاعب بمكوناتها لصنع قنابل ذرية أو تحويل التراب إلى ماس ، غير أن التجارب والمعادلات أثبتت أن هذه النواة معقدة تعقيداً لا نهائياً، لأنها ترتبط ببساطة بكون لا يعلم مداه إلا الله.

ولكن إن لم تكن النواة تشبه عنقود العنب، فماذا تشبه على وجه التحديد، وما القوى التي تتحكم فيها؟

في تجربة فريدة أجريت حديثاً في المسارع الذري الفرنسي Ganil قرب مدينة كان، اعتقد العلماء أن مجموعة النترونات تستطيع البقاء ملتحمة ومجتمعة مع بعضها بعضاً لفترة لا تزيد على واحد من مليون جزء من الثانية!

لكنهم طرحوا تساؤلات محيرة عن عدد مكونات النواة من البروتونات والنترونات، ولماذا توجد بأعداد معينة من دون غيرها، ولماذا توجد ذرة من أربعة بروتونات، ولماذا لا تكون بعدد خمسة، ولماذا تتجه خطوط طاقتها المغناطيسية في اتجاه ما من دون غيره، ولماذا يدور الإلكترون من اليمين إلى اليسار، ولمَ يجب أن يكون هناك اتجاه ما تنحو نحوه الأشياء؟

هناك من العلماء من تخيل أن نواة الذرة تشبه طبقات رأس البصل الملتفة، على شكل طبقات تتصاغر باتجاه المركز، وأن النكليون التي تشكل جزءاً من النواة تخضع إلى أنطقة طاقوية محددة ومحكومة بسّ لا تتعداها، فهي خاضعة وساجدة لها، ساجدة لها بمعنى أنها تخضع لقهر هذه القوانين، لدرجة أن النكليون وبقدر ما يبتعد عن المركز فإنه يفقد كمية أقل من الطاقة ما يجعله عند مستوى معين محدد في المركز، ولكن هذه النكليونات، والتي هي في جوهرها جسيمات كمومية، لها مع ذلك مساحة مقبولة من الحرية أعطتها لها ذات القوانين القاهرة.

ولعل السر في بقاءالحديد حديداً، أوالنيكل نيكلاً، إنما يأتي من ثبات عدد مكونات النواة، وهي أعداد عجيبة لا يعرف أحد لماذا تحددت بهذا المقدار من دون غيره، فالنيكل الذي عدد جزيئات نواته 68 أصبح نيكلاً، لأن العدد هو 68، بحيث يستحيل الحصول على عدد 69 أو 67 مع بقاء النيكل على حاله، لدرجة أن العلماء الذين حاولوا دمج مكونات النواة بشكل عشوائي، لم يحصلوا على المادة بمفهومها المتعارف عليه، وحين حاولوا إيجاد أوكسجين من نوع اَخر يدعى الأوكسجين 28 تفتت مكونات النواة وذهبت هباء. •

منقول




--------------------------------------------------------------------------------