يعود من عمله مترنحاً متثاقلاً ؛ قرب العصر ؛ كل همه أن يتناول غداءه ؛ ويصلي العصر ثم ينام قليلاً ؛ يستريح من همِّ العمل .. ثم يصلي المغرب ويعود ليجلس مع زوجته وأطفاله ..

كان يتصور أنه إذا عاد إلى البيت ؛ ستستقبله الحبيبة الفاضلة ؛ لدى الباب ؛ تقبله وتخلع عنه ثيابه ؛ وتسمعه الكلمات العذبة التي تخفف عنه عناء يوم كامل من العمل الشاق المضني .. وتطيّب الأطفال وتعلمهم استقبال أبيهم ؛ ......
تبخَّر ذلك كله !.. من أول وهلة .. أدخل مفتاحه بالباب ؛ فلم يستطع فتحه ؛ حاول مراراً فلم ينجح ؛ ذلك أن الزوجة الكريمة .. نسيت مفتاح البيت بثقب الباب من الداخل ... قرع الجرس فجاءته تسبقها رائحة الطبخ ؛ تحمل بيدها اليمنى المغرفة ؛ وفي الأخرى منشفة التنظيف التي تستخدمها دائماً في عملها في المطبخ ...
فتحت الباب سريعاً ثم أدبرت مولية ظهرها الزوج العائد بهموم العمل على كاهله ...
- أغلق الباب وراءك لو سمحت !
نظر إليها فإذا ملابس البيت تكاد تبلى وتتمزق من طول العهد .. والشعر كأن له عشرة أيام وأربع ساعات ما وقع عليه المشط !

فهز رأسه متأسفاً ...
خلع ثيابه ووضعها في (دولابه) الخاص.. المبعثر !
اتجه إلى غرفة الجلوس ليلتقي بأطفاله الذين ما استقبلوه عند الباب كما كان يتخيل.. لكنه تضجر قبل أن تقع شفتاه على خدِّ أصغرهم لأن رائحة (الحفائظ) الزكية أزكمت أنفه فما استطاع أن يدنو منه ..

رمى بنفسه على (..كنب) الصالة انتظاراً لطعام الغداء الذي كان يتوقع أن يجده أمامه على (السفرة) .. فغفت عيناه غفوات ملؤها الضجيج وصراخ الزوجة على الأطفال .. وبكاء الأولاد ..

الله أكبر .. الله أكبر .. رفع رأسه على أذان صلاة العصر .. والغداء لم يحضر بعد .. توضأ ولبس ثيابه وكاد أن يخرج إلى المسجد فإذا بالسفرة توضع على الأرض ..

- ما هذا ...
- الغداء طبعاً ..ما تشوف ! أم أني أتعب وأطبخ ثم تقول لي أنك تغديت في العمل ...
- طيب .. الصلاة لم يبق على إقامتها إلاَّ قليل ؛ ما رأيك هل أضيعها من أجل عينيك ! ألم يكن لديك متسع من الوقت من بعد الظهر إلى قبل خروجي من عملي لطبخ الغداء ... وتنظيف الأطفال .. أهذه حياة ؟!
-



منقول