التنظيم الجديد للبناء في جده

خبراء عقار ورجال أعمال يتحدثون لـ"الوطن" عن سلبيات وإيجابيات النظام المقترح

أبرز سلبيات مخطط جدة الجديد التوسع الرأسي والتغاضي عن الورش والاهتمام بالمستثمرين فقط

جدة: منال الشريف
تباينت آراء خبراء التخطيط والعمارة حول سلبيات وإيجابيات المخطط الجديد لمدينة جدة، وتراوحت بين الترحيب بالإعلان عن المخطط الحضاري المقترح لمدينة جدة و بين إبداء بعض الملاحظات والإشارة إلى بعض النقاط الهامة التي تغاضى عنها المخطط أو أولاها اهتماما أقل من المطلوب.
وجاء في مقدمة المآخذ التي طرحها الخبراء، أن المخطط لم يول قضية الازدحام المروري والورش العشوائية المتناثرة داخل المدينة والتي تشوه وجهها العمراني الاهتمام المناسب, ولم يقترح حلولا لتخليص المدينة من هذه الأعباء التي بقيت عهودا طويلة تئن من وطأتها.
وتوقف خبراء العقار والعمارة عند اقتراح المخطط بزيادة ارتفاعات المباني السكنية في جدة باعتبار أن جدة تميزت طوال عمرها بنسق معماري اشتهرت به وأعطاها تميزا, وأشاروا إلى أن حل مشكلة الكثافة السكانية من الأفضل أن يتم عبر الامتداد الأفقي وليس الرأسي.
ويقول مدير عام التخطيط بمنطقة مكة المكرمة سابقاً ومدير عام مكتب اليافي للاستشارات الهندسية المهندس طارق أحمد اليافي إن هذا المخطط يعكس المجهود الجبار الذي قامت به الأمانة في الفترة الأخيرة، فلأول مرة تتعامل الأمانة من خلال إصدار هذا المخطط وفق منظور غير منظور (موظف الحكومة) بل وضعت في الاعتبار احتياج البلد وتوفير الخدمات للمواطنين.
مقاييس جديدة للبناء
وأضاف أنه شارك في دراسة المخطط الأول لجدة منذ 26 سنة وألم بالمخطط الأخير وهو إيجابي بقدر يفوق السلبيات، فلا يمكن أن تكون هناك أي دراسة تتسم بإيجابية كاملة على حد قوله.
ومن أهم السمات التي أطلقها المهندس اليافي على هذا المخطط هو استخدام أسلوب مغاير عما سبق في طريقة التفكير والشفافية العالية في قوانينه العامة بعيدا عن الجمود والروتين وما إلى ذلك.
فقد قدم المخطط مقاييس للبناء لم تؤخذ من قبل في التصميم حيث كان جمود التخطيط الأول و الالتزام بمحدودية ارتفاع المباني، بمعنى أن النظام الجديد سوف يعطي المواطن حرية الارتفاع بالبناء للمحافظة على الكثافة السكانية وما إلى ذلك، بالإضافة إلى الصعوبة التي واجهها المسؤولون في الأمانة من ضبط المخالفات والمشاكل التي نتجت عنها .
ويحدد المهندس طارق اليافي الآليات التنفيذية لنجاح هذا المخطط مؤكداً أن تطوير الجهاز الإداري في أمانة مدينة جدة ضرورة حتمية ومن المهم أن تتوفر في المسؤولين عن إصدار التراخيص قدرة فنية عالية، بالإضافة إلى أهمية توفر المقدرة المالية والفنية للموظفين المسؤولين عن ضبط عملية المخالفات التي تقع نتيجة هذا النظام.
ويرى المهندس طارق أن المواطن لن يتقبل هذا النظام بسهولة لأنه لن يفهمه في بادئ الأمر ويحتاج لمن يترجم له تلك المميزات وهو المهندس. وأضاف أن هذا النظام سوف يحقق له أكثر مما كان يحلم به، ولكن ليس بالطريقة المباشرة وإنما بلغة جديدة، فالأمتار التي كان المواطن يستطيع أن يبنيها سوف يبني الآن أكثر منها، والنسب التي كانت الأمانة تشترطها والارتدادات التي تسببت في الكثير من الجمود أصبحت اليوم بفضل هذا المخطط متحركة، فلأول مرة تتعامل الأمانة مع المواطن من خلال احتياجاته ورغباته، والموظف الذي كان بإمكانه إيقاف مشروع أو معاملة لا يستطيع اليوم فالنظام أصبح شفافا.
الاختناقات المرورية والمنطقة المركزية
ويؤكد المهندس اليافي أن الاختناقات المرورية لديها نظام مختلف وبعيد عن مخطط جدة الحالي فالنظام الذي وضع سابقاً لم تؤخذ فيه قضية الكثافة السكانية بأهمية، وبالتالي فتلك الاختناقات الحاصلة في مدينة جدة سببها عدم مواكبة المشاريع في شبكة الطرق مع النمو الحاصل في المدينة، ففي المخطط الأول كانت موجودة ولكنها لا تزال قيد التنفيذ، فتأخر تنفيذها أثر سلبياً وأصبح هناك ما نشاهده اليوم ونعانيه، فتلك الخطة من المفترض تنفيذها في عام 1415هـ. وقد بدأنا الآن تنفيذها في عام 1426هــ، فمخطط جدة الحالي لن يؤثر في زيادة أو نقصان، فالمشكلة واقعة لعدم تنفيذ المخطط الأول.
أما عن المنطقة المركزية فهي في المخطط الجديد إيجابية للغاية، فتلك المنطقة قد حرمت فترة طويلة ولم يعط لها أي مميزات، و أصبح النمو التجاري في محاور أخرى غير المنطقة المركزية بالرغم من أنها المنطقة الأولى التي تعتبر مصدر الرزق لأهل جدة، وقد أهملت وانخفضت أسعار أراضيها بسبب توجه الناس إلى الشمال، فالمخطط الجديد من إيجابياته أنه سيعيد الحياة والانتعاش إلى تلك المنطقة.
انتهاء زمن التجاوزات
أما رئيس تحرير مجلة الحج محمد صادق دياب فيرى أن جدة في أيام أمين جدة الأسبق محمد سعيد فارسي كانت ملكة جمال المدن من الخليج الأزرق إلى البحر الأحمر، ولكن هذه العروس ترهل جسدها وتمزق ثوبها، فهي على مدى عقود كانت خارجة عن سياق الزمن فتجاوزتها مدن ولم نملك نحن أبناء جدة وسكانها سوى أن نفعل ما كان يفعله الشعراء في العصر الجاهلي فبكينا فيك كتاباتنا على أطلالها .
ويضيف دياب: أنا متفائل جداً بتقلد عادل فقيه لمنصب أمين جدة، ويبدو لي أنه إداري يؤمن بالمنهجية، فنحن قد تعجلنا بمجرد تنصيبه بمطالبنا واستنكرنا صمته الطويل إلى حد ما، فظهوره بعد ذلك الصمت بهذا المخطط يمنحني الإحساس بأنه إداري ومنهجي، وليس إداري طوارئ كما كان يفعل بعض أمناء جدة السابقين.
ويرى دياب أن هذا المخطط حين يتم إقراره سيكون وثيقة بين سكان جدة وبين أمانتهم، ففي السابق كان الكثير من التجاوزات تحصل فالبعض يسمح له بدورين والآخر بأربعة، فكان هناك حالة من الفوضى التي لا يحكمها تنظيم، ولكن الآن لن يسمح هذا المخطط بالتجاوزات وهو مخطط حضاري وستستعيد جدة مكانها ومكانتها على خارطة المملكة .
ويرى دياب أن بعض الأمناء السابقين كانوا يفتقرون إلى عزم عادل فقيه في تنفيذ بعض القرارات، معربا عن اعتقاده بأن هذا لن يكون اليوم إذا استطاع أمين جدة أن يقول لا حينما يجب أن يقولها بدون تحيز. ويطالب دياب وزارة الشؤون البلدية والقروية بأن تقف داعمة وساندة لمشروعات جدة.
المخطط يخدم المستثمرين وليس المواطنين
ويناقض الرؤى السابقة أحد المقاولين ذائعي الصيت في مدينة جدة والذي رفض ذكر اسمه قائلاً: هذا المخطط لم يدرس أحوال الناس الذين يسكنون في مخططات المستائين نتيجة نقص الخدمات العامة والتي من المفترض أن توفر لهم، فالارتفاعات التي أطلقها المخطط لا نعرف على أي أسس تم ذلك، فهل تمت مراجعة المكاتب الاستشارية في مدينة جدة، والمقاولين؟، وهل تم توزيع استفتاء عام على المواطنين في جدة لكي يعكس ذلك المخطط أمانيهم ومتطلباتهم، فهذا المخطط سيغير الخريطة العمرانية لمدينة جدة.
ويضيف: لا يخفى على أحد مشكلة الكهرباء ومشكلة انقطاع المياه في جدة عن بعض الأحياء بينما أحياء أخرى تنعم بها وذلك يظهر جلياً مدى عدم تنظيم وتخطيط هذه المدينة، فاعتقد أن الموضوع أخذ عشوائياً وفي مدة لا تفي بدراسة عن مدينة جدة المترامية الأطراف، فأربعة أشهر أو ستة ليست كفيلة بإصدار نظام كامل وشامل يطبق على مدى عشرين عاماً ويسكنها أكثر من مليون ونصف المليون نسمة.
ويذهب إلى أن المصلحة وراء إقرار هذا المخطط هي إفادة المستثمرين وأصحاب التجارة وليس المواطن، فنظرة أمين جدة تجارية بحتة وليست نظرة المواطن الذي هو على رواتب الدولة ولا يستطيع إطلاق البناء، فمن يملك أرضا إما أن يحتفظ بها ويدخر سنوات من أمواله لكي يتمكن من بنائها أو يضطر لبيعها وبالتالي تقل فرصته في السكن مثلما كانت متوفرة سابقاً .
و يشير إلى أن هناك حركة انتعاش غير طبيعية للمستثمر من ناحية ولمكاتب المهندسين والمقاولين من ناحية أخرى، وسيكون ضخ أموال للعقار بنسبة عالية ولكن المواطن سيتضرر.
الارتفاعات تزيد أعباء المرافق
ويؤكد رجل الأعمال والكاتب جميل فارسي أن المخطط الجديد سعى للتوسعة العمودية من خلال إضافة أدوار على المباني، ولكن إذا علمنا أن تلك الطرقات والشوارع نفسها تئن تحت وطأة السيل وأسلاك الكهرباء المتواجدة تحتها والتي بالكاد تكفي لاستهلاك تلك الفيلات، فإن زيادة عدد الأدوار سيؤدي لزيادة الأعباء على الشوارع وعلى المرافق العامة، يضاف إلى ذلك أنه سيفقد خصوصية للسكن، وكنا نتمنى من المخططين البحث عن التوسع الأفقي وذلك بالانتشار في الأرض التي منحنا الله مجاناً بشكل صحراء تمتد 2 مليون ميل مربع بدلاً أن نحصر أنفسنا في مدن صغيرة ونوزع أراضي كبيرة حول المدن بشكل ملكيات خاصة , وكان من الأجدر ألا تعطى أي أرض كبيرة لأي شخص بل يكتفي بتخطيط الأراضي وتوزيعها على المواطنين بأسعار حقيقية.
ويتوقع فارسي أن يحدث اختناق غير عادي في الطرق وإخفاق في توفر الخدمات العامة، وانقطاع الكهرباء في الصيف خير دليل لما قد سيحدث بعد تطبيق هذا المخطط مستقبلا، فشركة الكهرباء لديها موقف واضح بأنها مددت خدماتها بما يكفي عددا معينا من السكان، فإن تضاعف العدد في نفس المساحة وجب عليها تنفيذ خطوط جديدة وهو ما لم يحدث.
الاستفادة من التجارب الناجحة
من جانبه، يشير خبير العقار عوض عبد الواحد الدوسي إلى أهمية الاستفادة من تجارب المدن الناجحة بالتركيز على الخدمات في منهجية التخطيط , و هو الأمر الذي يتحقق حتما بتوحيد الارتفاعات و مراعاة أصحاب المباني القائمة وفق تنظيم قديم قد لا يتيح مثل تلك الارتفاعات .
ويلفت النظر إلى نقطة أخرى تتعلق بأولوية التجميل المتمثل أولا في نقل الورش و تنظيم المناطق العشوائية و الحد من انتشارها حاليا شرق الخط السريع حيث ستصبح على غرار القائم منها داخل المدينة . ويضيف أن الاختناقات المرورية بحاجة إلى حلول جذرية عاجلة من خلال توزيع جغرافي سليم للأسواق ومنافذ الخدمات , فعلى سبيل المثال لا يمكن قبول تكدس الأسواق و التي تجاوزت 14 سوقا على امتداد شارع الأمير فهد - الستين سابقا- فقط و بطول لا يتجاوز 2 كيلو متر فقط من دوار الدراجة إلى دوار البواخر.

http://www.alwatan.com.sa/daily/2005...rst_page10.htm