كيف تصبح مليونير الحلقة الثالثة والرابعة عكاظ
الحلقة الثالثة
في دراسة لأكثر من ألف ومائة مليونير أمريكي اتضح أن أهم سبب لنجاحهم كان العمل والإخلاص في العمل, فلقد اتفق غالبية هؤلاء المليونيرية أن هذا هو العامل الرئيسي الذي ادى الى نجاحهم.
أما بالنسبة للحظ أو الإرث فكما ذكرت في المقالين السابقين لم يعتبر معظم المليونيرية أن الحظ له أي أثر في النجاح, بل أن بعضهم أنكر أن هناك شيئا إسمه حظ, أما بالنسبة للإرث فإنه ايضا كان عاملا غير مهم لمعظم المليونيرية وإن كانت هناك قلة اعتبرته عاملا مهما للحصول على الثروة, إلا أن مجموعة أخرى من المليونيرية اعتبرته عاملا سلبيا لايساعد على الحصول على الثروة وانما يساعد على فقدانها, وقد شرحنا ذلك كيف يؤدي الإرث الى التعود على الاسراف أو التبذير ليجاري الشخص مستوى من المعيشة لم يكن متعودا عليه, كما أن ليس لديه الدخل الكافي ليستمر في هذا المستوى من الإنفاق.
هذه النتائج جميعها الى حد ما متماشية مع التوقعات بأن الشخص الناجح يجب ان يعتمد على نفسه بعد الله سبحانه وتعالى, ولكن كانت هناك نتائج اخرى وبعضها لم يكن متوقعا, ومنها ان التعليم أو النجاح في الدراسة لم يكن له أثر كبير في النجاح في الحياة العملية وتحقيق الثروة, فغالبية المليونيرية الذين تم دراستها لم يكونوا من أصحاب الشهادات العليا, أو الدرجات المتفوقة, وهذه النتيجة قد تكون مفاجئة لنا.
ولكن يجب ان نتوقف أولا لنفصل ما بين نوعين من انواع المليونيرية, فهناك منهم من حقق نجاحه واكتسب ثروته عن طريق تخصصه في مجال علمي معين, كالأطباء البارعين, أو المحامين المتخصصين أو المهندسين وخلافهم من حقق نجاحا مميزا في مجال علمي معين, أو في تخصص علمي نادر كجراحة اعصاب المخ على سبيل المثال, فهؤلاء جمعيهم حققوا نجاحهم بسبب امتيازهم في الدراسة, وبالتالي كان التحصيل العلمي أو الدراسة هو السبب الرئيسي في تحقيقهم لثرواتهم, وهنا كان التعليم أهم عامل من عوامل النجاح.
ولكن هذه الفئة المتخصصة هي فئة قليلة من حجم المليونيرية ككل, وكان المتبقي من المليونيرية الذين حققوا نجاحهم بدون ان يتخصصوا في مجال علمي معين كانوا هؤلاء أغلبية, وهؤلاء لم يعتبروا ان الدراسة العليا, أو الامتياز في الدراسة كان من أهم العوامل في تحقيق نجاحهم بالطبع هذا لايعني انهم كانوا بدون تعليم, فغالبيتهم قد حصل على الشهادة الجامعية, أو على الاقل حصل على الشهادة الثانوية, ولكن لم يعتبروا هؤلاء ان الحصول على شهادات أعلى أو الحصول على درجات مرتفعة في الجامعة أو الثانوية كان له أثر رئيسي في نجاحهم في الحياة, حيث ان غالبيتهم كان من متوسط الطلبة, وتخرجوا بمعدل مقبول أو جيد, وقبل أن نحلل هذه النتيجة لاننسى ان صاحب أكبر ثروة في العالم لم يتخرج اصلا من الجامعة.
الحلقة الرابعة
لازلنا نستعرض نتائج البحث الذي قام بدراسة اكثر من الف ومائة مليونير امريكي, وذلك بهدف تحديد العوامل المشتركة التي ادت لنجاحهم في جمع ثرواتهم, ووجدنا في آخر مقال انه للأسف لم يعتبر معظم هؤلاء المليونيرية أن التعليم العالي او التميز فيه كان سببا رئيسيا أو هاما في نجاحهم.
صحيح ان معظم هؤلاء المليونيرية لم يكونوا من الجهلة أو الاميين, بالعكس فالغالبية العظمى منهم حصل على الشهادة الثانوية أو اكمل التعليم الجامعي.
وصحيح ايضا ان هناك فئة منهم أكملت دراسات أعلى من الجامعة وحصلت على تخصصات علمية مميزة, مثل الاطباء المتخصصين أو المهندسين المبدعين أو غيرهم, وهذه الفئة اعتبرت ان التعليم كان من أهم عوامل النجاح والحصول على الثروة, ولكن هذه الفئة كانت اقلية ولاتمثل سوى 10%, اما البقية وهم الاغلبية فإنهم لم يعطوا للتعليم أهمية كبيرة في نجاحهم.
وانا كدكتور جامعي لم أحب هذه النتيجة, واعتقد ان كثيرا ممن يحترمون العلم والتعليم ايضا لن تعجبهم هذه النتيجة, وقد يطعنون فيها بطريقة او اخرى - كمثال بأن البحث كان متحيزا او ان رجال الاعمال الناجحين كانوا (يحقدون) على رجال العلم أو غيره, ومع ذلك إلا أني اعتقد أن النتيجة صحيحة, بل أنها واقعية, ولكن مع ضرورة توضيح عدة نقاط ومنها:
اولا: عدم اعتبار غالبية المليونيرية بأن التعليم العالي او ان التميز في الدراسة كان سببا رئيسيا او هاما في نجاحهم, لايعني ان العلم بصفة عامة لم يكن سببا اساسيا للنجاح.
فكما ذكرت هؤلاء المليونيرية لم يكونوا من الأميين أو الجهلة, بل كانوا من الحاصلين على الشهادة الجامعية أو الثانوية, بالتالي لديهم مقدار معين من التعليم, وانهم لم يكونوا من الطلبة المتميزين أو المتفوقين.
ثانيا: التفوق في الدراسة لايعني بالضرورة التفوق في الحياة, فهناك من يأخذ الدرجات المرتفعة عن طريق حفظ المناهج, ويرددها بعد ذلك مثل الببغاء - دون أي تميز أو فهم, وهذا التلميذ حتى ولو حصل على درجات الامتياز فهو مؤهل للفشل في حياته العملية وليس النجاح.
ثالثا: هناك خلط كبير ما بين العلم والشهادات, بينما في الواقع الفرق كبير ما بين الاثنين, وهنا أمثلة كثيرة وواضحة لأشخاص مثل فضيلة الشيخ علي الطنطاوي (رحمه الله) الذي كان عالما واستاذا للعلماء يستطيع تدريس وتقديم وتصحيح مائة دكتور بالرغم من أنه لم تكن لديه هذه الشهادة.
كيف تصبح مليونيرا ''الحرص 2''
الحلقة الخامسة
" الحرص " نأتي أخيراً للعلاقة التي تدور في بالنا ما بين الحرص أو البخل وبين جمع الثروة, فلا شك أن هناك كثيراً من الأسئلة حول هذه العلاقة , إذ أن البعض قد يعتقد أن الحرص أو عدم الإنفاق هو الطريق الرئيسي لجمع الثروة, بينما يعتقد آخرون أن الصرف أو الكرم هي من صفات الأغنياء أو المليونيرية.
وفي الحقيقة كانت نتائج البحث الذي قام به دكتور / توماس استانلي لحوالي ألف مليونير أمريكي تؤيد أن التبذير أو الصرف الزائد ليس من صفات غالبية المليونيرية, صحيح فإن هناك فئة تعيش في مستويات مرتفعة من الصرف والإنفاق, ولكن هذه ليست الغالبية , وقد ظهر كثير من النتائج التي تؤيد أن المليونيرية يميلون الى الحرص في الانفاق, فعلى سبيل المثال وجد الدكتور إستانلي أن حوالي 70 % من المليونيرية الذين درسهم يقومون بإصلاح أحذيتهم القديمة, بدلاً من شراء جديدة , وأكثر من 70 % لا يدخلون الى أي بقالة أو متجر إلا ولديهم قائمة بالمشتروات التي يرغبون الحصول عليها . أي أن التسويق ليس عبارة عن نزهة أو موضوع عشوائي.
وكان حوالي نصف المليونيرية الذين تم دراستهم يؤيدون تصليح أو إعادة تنجيد مفروشات منازلهم عوضاً عن شراء فرش جديد, وحوالي نصفهم يستخدم كوبونات الخصم عند الشراء , ويتابع جمعها من الصحف أو المجلات.
أكثر من نصف المليونيرية يسكنون منازل فيها 4 غرف نوم أو أقل.
وفيها 3 حمامات أو أقل , وحوالي 16 % منهم ليس بمنازلهم سوى ال 3 غرف نوم أو أقل . بصفة عامة فإن شرائهم للمنازل عادة لا يكون بالدين بالرغم من أن الشراء عن طريق الدين هو الوسيلة الرئيسية لشراء المنازل في الولايات المتحدة الأمريكية حيث تم اجراء الدراسة . وحتى لو قام هؤلاء المليونيرية بالاقتراض لشراء منازلهم يحاولون بقدر الإمكان تخفيف مبلغ الدين, كما يحاولون بتسديده بأسرع فرصة ممكنة.
ووجدت الدراسة أن نسبة ضئيلة من المليونيرية وهي حوالي 20 % هي فقط التي تقوم بالسفر إلى أوروبا لقضاء إجازاتها خلال العام , ونسبة أخرى شبيهة هي التي تقوم بأخذ رحلات بحرية في يخوت فخمة , أما البقية الغالبية فإنهم يفضلون قضاء أجازاتهم قريباً من أهلهم وداخل بلادهم.
الحلقة السادسة
كما ذكرت في المقال السابق دلت الدراسة التي قام بها الدكتور توماس استانلي بأن هناك علاقة مابين الحرص وجمع الثروة, إذ أن أكثر من نصف المليونيرية الذين تم دراستهم أجابوا بأنهم يفضلون تصليح أو اعادة تنجيد مفروشات منازلهم بدلا من شراء فرش جديد.
كما أفاد أكثر من نصفهم بأنهم يفضلون قضاء اجازاتهم مع ذويهم في داخل وطنهم, وكانت هناك نسبة ضئيلة لاتزيد عن 20% من يسافرون سنويا الى اوروبا او غيرها بغرض الاجازة.
من هذه النتائج, ونتائج اخرى كثيرة كان واضحا أن معظم هؤلاء المليونيرية لايفضلون حياة البذخ, ويحرصون في إنفاق مالهم, ويتدبرون أمور معيشتهم, فنسبة ضئيلة جدا لديهم قصور كبيرة, او يستبدلون سيارتهم كل عام بموديلات جديدة. أما الغالبية العظمى فهي تستخدم نفس السيارة لعامين أو اكثر, ولا تشكل منازلهم الا 20% أو اقل من اجمالي حجم ثروتهم.
بالتالي هناك علاقة وثيقة مابين التدبير او الحرص في الانفاق, وجمع الثروة, ولكن يجب أن نلاحظ أن هناك فرقا واضحا ما بين الحرص والبخل.
فغالبية هؤلاء الميلونيرية يضعون أولادهم في أفضل مدارس ويحرصون على ذلك ولايقبلوا بأي بديل, ونسبة كبيرة منهم لاتقوم بنفسها بأي عمل يدوي وانما تستأجر من هو مختص ليقوم بذلك, فبصفة عامة لايقوم غالبية الميلونيرية باصلاح ماقد يعطل في منازلهم من كهرباء أو نجارة او سباكة, وانما يستدعون المختصين للقيام بهذه العمليات, وصحيح انهم يفضلون اعادة تنجيد مفروشاتهم بدلا من شراء مفروشات جديدة, ولكن عندما يقومون بشراء مفروشات جديدة, فإنهم يفضلون أفضل ماهو معروض, ويتجهون للأثاث القيم أو المصنوع من الخشب الأصلي, ولايتجهون بصفة عامة لاتباع الموضة, ونجد نفس التصرفات عند شرائهم لملابسهم, فهم يشترون أفضل ما هنالك, ولكن معظمهم لايتبع الموضة عند قيامه بهذه المشتريات, انما يشتري من بيوت عريقة وملابس تقليدية ذات جودة واصلية.
غالبية المليونيرية لايمانعون في صرف مبالغ كبيرة على انفسهم او ذويهم, ولكنهم لايصرفون من أجل الصرف فقط وانما يحرصون على وضع المال في مكانه المناسب.
وللحديث بقية
الخلاصة
كنا نستعرض دراسة للدكتور توماس استانلي, بحث فيها سلوكيات اكثر من الف مليونير امريكي في محاولة منه لتحديد العوامل المشتركة التي قد تكون وراء نجاحهم في جمع ثرواتهم, فوجد التالى:
اولا: معظم المليونييرة الذين تم دراستهم بدأوا من الصفر, وقاموا بجمع ثرواتهم من بدايات متواضعة, ومعظمهم لايؤمن بشيء اسمه الحظ, كما انهم لايؤمنون بفائدة الاعتماد على الغير, او الحصول على ارث او هبات نقدية من صديق, او قريب, النجاح كان يعتمد على عوامل اخرى, ومن اهم هذه العوامل كان العمل والاخلاص في العمل, والصدق والامانة, والعلاقات الطيبة مع الغير.
معظم المليونيرية مؤمنون ايمانا قويا بالله, ويتبرعون من مالهم ووقتهم للاعمال الخيرية, ويحافظون على صلات قوية بأهلهم وذويهم, والغالبية العظمى ترى ان الزوج الصالح او الزوجة الصالحة من اهم عوامل النجاح, فحوالي 90% منهم استمر مع نفس الزوجة مدى حياته.
معظم المليونيرية يحافظون على ثرواتهم من التبذير, ولا يميلون لاي نوع من انواع الانفاق بدون مبرر, او الترف في المعيشة, فمعظمهم يحتفظ بسيارته لأكثر من عام, ويعيش في بيت يعتبر متواضعما (بالنسبة لثروته) فغالبية هؤلاء المليونيرية يسكنون في منازل ذات اربع غرف نوم او اقل, وحوالي 15% من هؤلاء المليونيرية ليس في منزلهم سوى غرفتي نوم او غرفة واحدة.
معظم المليونيرية لايؤمنون بالانفاق على الموضة, ولا بالانفاق لمجرد الانفاق, فالتسوق ليس نزهة, والسفر في الاجازات ليس ضرورة, وليس اهم من قضاء الاجازة مع الاهل والابناء.
الايمان بالله والعمل الجاد والمثابرة والاستمرار والصدق والامانة, وتدبر المعيشة, والاعتدال في الصرف, والمحافظة على الثروة, هذه جميعا صفات من المتوقع ان من كان يتحلى بها سوف يحقق ثروة, وفي اعتقادي ان هذه الثروة لن تكون فقط ثروة مادية, فمن يتحلى بهذه الصفات لن يصبح مليونيرا فقط ويجمع ثروة لنفسه -باذن الله - وانما هو في حد ذاته ثروة لمجتمعه ولوطنه, فهذه جميعا صفات حميدة ومفيدة للشخص, ولمن حوله, وليس من المستغرب ان نجدها عوامل مشتركة لمن حققوا النجاح في حياتهم, بل ان المستغرب هو لماذا يغفل عنها الاخرون, فهي واضحة كاسلوب وسلوك, وطريق سريع للنجاح.