قبل أن يتخلف أقوى الاقتصادات الشرق أوسطية عن الركب العالمي ( 1- 2) ..
قبل أن يتخلف أقوى الاقتصادات الشرق أوسطية عن الركب العالمي ( 1- 2) ..
بقلم: د. فهد بن صالح السلطان @
يبدو أن العالم يلملم أطراف اقتصادياته و"يعولم" مشكلاته.. بحثاً عن حلول جماعية ربما لأن الحلول الفردية أو القطرية لم تتجاوز حد تصدير وإعادة تصدير المشكلات لتعود من جديد من خلال الدورة الاقتصادية!!. فالعولمة إذن من ناحية قد تعني الانعتاق من الحالة القطرية إلى الحالة العالمية للتعامل مع مشكلات لم تعد طبيعتها محلية. ومن هذا المنطلق يأتي اهتمام المنظمات الدولية بالأوضاع الاقتصادية لمختلف دول العالم.
وهذا هو البنك الدولي يدق الأجراس منبهاً لمشكلات شرق أوسطية قادمة!!
ربما لدينا الآن فرصة أخرى لتصحيح المسار وإعادة هيكلة اقتصاداتنا للحاق بركب العالمية وتجاوز المشكلات المزمنة، العجز والبطالة وكسر الحلقة المفرغة!!.. النفط ومخاطر الاقتصاد أحادي الدخل وأهمية تنويع مصادره.. المنتج السعودي وارتفاع تكلفة الإنتاج والقدرة على المنافسة في الأسواق العالمية!!.
تلك هي التحديات الماثلة أمام صانع القرار والمواطن السعودي على حد سواء، وربما هي مشكلات ثابتة على جداول أجندتنا الاقتصادية منذ عقود لكن هذه المرة لم يعد التأجيل ممكنا.
هذا "الثالوث" من المعضلات (العجز، البطالة، الاقتصاد أحادي الدخل)، كل يؤثر ويتأثر بالآخر والحل يكمن في كيفية اختراق هذه الحلقة المفرغة قبل أن تستفحل أكثر فأكثر.
أحدث تقرير اقتصادي للبنك الدولي يحذرنا كدول شرق أوسطية تقوم على الاقتصادات المحمية التي يقودها القطاع العام ومدعومة من قبل الموارد النفطية، من مغبة تجاهل خطر البطالة. فمثل هذه الاقتصادات كما يقول البنك الدولي لم تعد قادرة على النمو أو خلق وظائف كافية لمواجهة متطلبات سوق العمل.
ويضيف البنك الدولي في تقريره: "مثل هذه الاقتصادات تعجز عن استيعاب أفضل عناصر قوة العمل الواعدة في مجتمعاتها المتمثلة في المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد الفنية ولم يكتسبوا بعد الخبرة العملية المطلوبة، يضاف إليهم طاقات العمل النسائية التي لم تستغل بشكل جيد".. مشيراً إلى أن دول منطقة الشرق الأوسط التي تصل فيها نسبة البطالة إلى ما يزيد على معدل 15% وهي الأعلى في العالم ستقف عاجزة عن ذلك ما لم تطور لنفسها سياسات جديدة للعمل وإعادة هيكلة قطاعي التجارة والاستثمار.
يقترح البنك 3تحولات رئيسية مطلوبة منا لامتلاك زمام المبادرة والقدرة على الوفاء بمتطلبات الأجيال القادمة من خلال خلق وإيجاد الفرص الوظيفية المناسبة لهم. يأتي في مقدمة وصفات البنك لعلاج الأزمة التحول من اقتصادات نفطية إلى غير نفطية، ويأتي ثانياً التحول من أنشطة تديرها الدولة إلى أنشطة السوق من خلال برامج للخصخصة. وأخيراً التحول من الإحلال الحمائي للواردات إلى تفعيل الأنشطة الموجهة للتصدير.
غير أن مقترحات البنك الدولي هي ذاتها ما نريده لأنفسنا ولكن كيف.. ومتى يمكننا فعل ذلك؟
أبرز ما في التقرير الدولي هو حث دول المنطقة على إتباع "النموذج الإماراتي" في الانفتاح وتنويع مصادر الدخل مشيراً إلى أن نجاح دولة الأمارات "في تنويع مواردها الاقتصادية وتحقيق نمو سريع في صادراتها غير النفطية يعزى إلى التزامها بسياسات الانفتاح الاقتصادي والتجاري كمحركات قوية للتنمية" وحسب التقرير فإن النتيجة هي تضاعف دخل الفرد مرتين في دولة الإمارات في غضون 12عاماً مرتفعاً من 13ألف دولار عام 1989م إلى 26ألف دولار عام 2001م، كما نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل وسطي بلغ سبعة في المائة سنوياً خلال عقد التسعينات فيما نما دخل الفرد بمعدل 4% خلال نفس الفترة. وللمقارنة فإن متوسط دخل الفرد السعودي بلغ 7925دولاراً خلال عام 2001م، فيما بلغ معدل نمو الاقتصاد السعودي 2.2% خلال نفس العام والفجوة بين الجانبين ستزداد لو أخذنا في الاعتبار معدل النمو السكاني المتسارع في المملكة.
والإمارات "النموذج" احتلت المرتبة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بفائض الحساب الجاري في الفترة ما بين 1998- 2000م حيث وصلت نسبة الفائض إلى 43.2% من ناتجها المحلي الإجمالي مقارنة ب 40.9% للكويت التي جاءت في المرتبة الثانية.
أما مساهمة القطاعات غير النفطية في اقتصاد دولة الإمارات المتحدة والتي نمت بمعدل سنوي بلغ 9% فقد وصلت الى نحو 70% من الناتج المحلي و43% من الصادرات.
وبلغ معدل نمو الوظائف في هذه القطاعات حسب تقرير البنك الدولي نحو 8% سنوياً، كما ارتفعت استثمارات القطاع الخاص 11% سنوياً خلال عقد التسعينات.
ما ورد أعلاه هو ملخص تقرير للبنك الدولي سيكشف عن تفاصيله خلال ورش العمل الساخنة التي ستنعقد على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين في دبي خلال شهر سبتمبر الحالي.
أما لو عدنا إلى تساؤلاتنا السابقة.. متى وكيف؟.. فسنجد أن المملكة بقوتها الاقتصادية ومواردها الطبيعية المتعددة وبالرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت خلال العقدين الماضيين فإن اقتصادنا ما زال يعتمد بشكل رئيسي على النفط كمحرك للنمو الاقتصادي. فحسب احصائيات العام 2000فإن مساهمة القطاع الخاص السعودي لم تتجاوز ال 34% من النتاج المحلي (تبلغ هذه النسبة 46% وفق احصائيات عام 2002م)، مقارنة ب 70% لدولة الإمارات العربية المتحدة التي رأى فيها تقرير البنك الدولي نموذجاً يحتذى لدول الشرق الأوسط، وبلغ إسهام القطاع النفطي 41% والقطاع الحكومي 25%.
تعتبر مساهمة القطاع الخاص الحالية في الناتج المحلي الإجمالي جيدة مقارنة بعام 1973م مثلاً حيث كان يمثل 10% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، ومع ذلك فإن المحصلة لا ترقى إلى ما كان يمكن تحقيقه خلال ثلاثة عقود. فالضرورة ملحة لإعادة هيكلة الاقتصاد على الأقل لمواجهة النمو المتوقع في قوة العمل والوفاء بمتطلبات سوق العمل وهذا لن يحدث إذا حافظنا على الخارطة الاقتصادية التقليدية.
أسباب البطالة
يظل السؤال لماذا البطالة في بلد كالمملكة زاخر بالموارد والامكانات والثروات، يمتلك نحو ربع الاحتياطي العالمي من النفط وتتوفر لديه ثروات هائلة أخرى مثل الغاز الطبعي والذهب وغير ذلك من المعادن.
ربما أن الازدهار الاقتصادي الكبير في عقد السبعينات المدعوم بطفرة نفطية هائلة وراء إغراق السوق بالعمالة الوافدة التي ارتفعت الى 6.2ملايين عامل وافد يمثلون 73% من قوة العمل المحلي.. لقد استمر هذا النمو الاقتصادي حتى نهاية السبعينات وبداية الثمانينات حيث بدأ النمو في التراجع وبدأ عجز القطاع الحكومي في التوظيف منذ عام 1982م، قبله مثلاً في العام 1980م بلغ الفائض في الموازنة الحكومية 112بليون ريال مثل 23% من الناتج المحلي.
منذ ذلك الحين تراوح العجز بين 6% - 20% من الناتج المحلي ارتفاعاً وهبوطاً. أما العجز التراكمي والدين العام فقد بلغ نحو 600بليون ريال بحلول عام 2000م وبما نسبته 93% من الناتج المحلي. الواقع أننا لا يمكننا تجاهل حقيقة إن تنمية القدرات للمواطن السعودي حظيت بالأولوية المطلقة في كافة خطط التنمية التي رسمتها الدولة حيث تجاوز إجمالي ما انفقته الدولة في تنمية الموارد البشرية وتطويرها عن 670مليار ريال.
ويجادل البعض أن المبررات التي استوجبت استقدام ملايين القوى العاملة تمثلت في الأجور المتخفضة، لكن ذلك تدحضه الأرقام الفلكية لتحويلات العمالة الوافدة خلال سنوات الخطة السادسة التي بلغت أكثر من 285مليار ريال تمثل 68% من الانفاق الفعلي على الخطة السادسة.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن نسبة النمو السكاني في بلادنا وهي الأعلى عالمياً 3- 3.4% فإن مشكلة البطالة ستبدو أكثر تعقيداً. تقول الاحصائيات إن المملكة التي لا يزيد سكانها (السعوديون) على 16مليون نسمة تشهد ولادة مولود جديد كل دقيقة مقابل خمسة لمصر و 3للصين الشعبية، كما أن أكثر من 50% من المجتمع السعودي يمثلون فئة الشباب دون سن 18سنة. تلك هي التحديات التي تواجه الاقتصاد السعودي.
وفي نفس الوقت فإن توظيف السعوديين يحتوي على تحدٍ ثانٍ لا يقل أهمية عن تزايد عدد السكان، وهو كيفية المواءمة بين خلق فرص عمل جديدة للداخلين الجدد بالسوق والمحافظة على معدلات متدنية من تكاليف الإنتاج لمواجهة المنافسة الأجنبية داخل أسواقنا والأسواق الدولية.
ما يفاقم من قضية البطالة لدينا عدم وجود مقياس رسمي لمعدل البطالة الأمر الذي ساهم في زيادة التكهنات حول معدل البطالة.
@ أمين عام مجلس الغرف السعودية