سرّ الاهتمام الكبير بأسعار الفائدة
سرّ الاهتمام الكبير بأسعار الفائدة
دايفيد فريمان *
في الحديث عن أسعار الفائدة كل يغني على ليلاه. فمديرو الصناديق الاستثمارية يستمتعون بالحديث عنها ومديرو الشركات قلقون حولها والساسة يتمنون القدرة على استخدامها لتنشيط أو كبح الاقتصادات التي يقودونها. وتمثل معدلات أسعار الفائدة محرك دفع اقتصادات العالم ومكابحها في آن واحد،وتحرص المصارف المركزية على التحكم في أسعار الفائدة لموازنة التضخم والانكماش وتطوير منصة ثابتة يتمكن الاقتصاد من الاستناد إليها على الدوام.
والدولار الأمريكي هو عملة الصادرات المعتمدة عالميا. ويستخدم في عدد من الدول بديلا عن العملة المحلية كما أن النفط العالمي يسعر به. و قيل إن اليورو قد يهدد الدولار في سطوته العالمية لكن ذلك إن كان ممكنا فليس قبل مرور وقت طويل. ويراقب العالم بأسره مسيرة الدولار ولذلك عندما يتعرض الاقتصاد الأمريكي لهزة فإنه يؤثر في كل اقتصادات العالم. ولا يقتصر الاهتمام بما يجري في أروقة البنك المركزي الأمريكي أو ما يعرف باسم مجلس الاحتياطي الفيدرالي ،على مديري صناديق الاستثمار ومديري الشركات والمصرفيين وإنما يتعداه ليشمل كل فرد منا.
وقد أطلق آلان جرينسبان رئيس الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي تعليقات تستهدف إرسال إشارات تفيد بأن أسعار الفائدة الأمريكية مرشحة للارتفاع. ورغم أنه لم يحدد تاريخ هذا الارتفاع الا انه أراد أن يعرف كل مواطن أمريكي فضلا عن أسواق الأسهم والسندات العالمية وقطاع الأعمال أن معدلات أسعار الفائدة الحالية البالغة 1% لن تستمر الى ما لا نهاية. وكانت هذه الأسعار قد خفضت الى ما يعرف باسم “حد الطوارئ” في محاولة تهدف الى دعم انتعاش الاقتصاد الأمريكي. فعندما تنخفض اسعار الفائدة يتشجع الناس والشركات على الاقتراض سواء للانفاق الشخصي أو للاستثمار.
وتجاوب المستهلكون الأمريكيون مع طلبات حكومتهم واستدانوا وأنفقوا لتنشيط الاقتصاد. ويقدم العجز في ميزان الحسابات الجارية الأمريكي البالغ 500 مليار دولار الدليل الدامغ على نجاح هذه السياسة. وقد أقبل الناس على الاقتراض لشراء السيارات والمساكن ولتحسين مستوى معيشتهم. واقترضت الشركات للاستثمار في تحسين أدائها ورفع إنتاجيتها. وانتعاش الاقتصاد يعني عادة ارتفاع الطلب على العمالة وزيادة معدلات الأجور. لكن في الانتعاش الحالي في الاقتصاد الأمريكي لم تترافق الانتاجية مع ارتفاع الطلب على العمالة ولعل هذا ما دفع البعض لتسميته “بالانتعاش الخلبي”.
وربما تغير هذا الوصف حاليا إذ تظهر الاحصاءات توفير فرص عمل جديدة بلغت 308 آلاف فرصة في مارس/ آذار. وتزامن ذلك مع تزايد في الطلب على السلع والخدمات أثار بدوره المخاوف من التضخم نظرا لأحقية الناس وقدرتهم على طلب زيادة في الأجور وأسعار أعلى للسلع.
ويتكلم خبراء الاقتصاد والمصرفيون عن الدورات الاقتصادية. ورغم الترابط الوثيق بين اقتصادات العالم لدرجة أن ما يصيب أيا منها يؤثر في الآخرين، إلا أن لكل اقتصاد ظروفه الخاصة التي تحكم دورته. فالاقتصاد الأمريكي يحقق نموا منذ سبتمبر/ أيلول ،2001 وهذا يعني أن الحديث عن انتعاش الاقتصاد الأمريكي على أنه ظاهرة جديدة لا يخلو من مغالطة. فقد حقق هذا الاقتصاد على مدى ثلاث سنوات نموا ثابتا بالشروط الطبيعية بمعدل 7،8% سنويا. وحقق الاقتصاد البريطاني الذي شهد أدنى معدلات نموه في مارس/ آذار 2002 ،نموا بمعدل 4،6% منذ ذلك التاريخ. ونما الاقتصاد الياباني الذي يمتاز بدورة اقتصادية خاصة جدا ،بنسبة 6% منذ أدنى نمو له في مارس/ آذار 2002. وتتخلف كل من فرنسا وألمانيا عن الولايات المتحدة وبريطانيا سواء من حيث توقيت دورة الاقتصاد أو معدلات النمو. فقد سجل الاقتصادان المذكوران أدنى معدلات النمو في يونيو/ حزيران 2003 بينما نما الاقتصاد الألماني بنسبة 0،04% ونما الاقتصاد الفرنسي بنسبة 0،09% منذ ذلك التاريخ.
وشهدت الولايات المتحدة وبريطانيا واليابان بضع سنوات من النمو الجيد. أما فرنسا وألمانيا فبانتظار تحقيق مثل هذا النمو لكن ليس قبل الشروع في اصلاحات اقتصادية جذرية. وتستند البنى الأساسية المالية والعملية في ما يعرف بأوروبا القديمة على التقاليد والآمال المعقودة على قوى العمل التي نشأت في مجتمعات اعتادت على درجات إنفاق عالية. وتخفيض التعويض التقاعدي والاعانات الحكومية لهذه الشرائح في الدول الغربية لن يكون سهلا من الناحية السياسية ولا تزال فرنسا وبريطانيا بحاجة لمعالجة هذه المشكلة.
والمشكلة التي يواجهها جرينسبان وفريقه في “الاحتياطي الفيدرالي” هي في زيادة معدلات أسعار الفائدة للجم طفرة الائتمان والتأكيد على أن الاقتصاد الأمريكي لا يعاني من التسارع غير المتزن ، وعلى أن معدلات أسعار الفائدة لن ترتفع بسرعة كبيرة تتسبب في مشاكل مالية لأولئك الذين يرزحون تحت أعباء ائتمانية ضخمة الأمر الذي يؤدي الى انهيار الثقة وبالتالي دفع الاقتصاد الأمريكي نحو الركود. ولا شك أن هذه مهمة توازن شاقة. ويحظى جرينسبان باحترام واسع في العالم لنجاحه في ادارة الاقتصاد الأمريكي (رغم الانتقادات التي توجه اليه على خلفية العجز الهائل الذي نجم عن خفض معدلات أسعار الفائدة الذي هو بطله). لقد قرر بوضوح أن لا بد من رفع أسعار الفائدة شريطة أن لا توقف الانتعاش. والتهديد برفع أسعار الفائدة ليس أقل خطرا من التهديد برفعها فعليا إذا كان الهدف لجم الانفاق والاقتراض. ولقد بدأنا نشعر بهذا الخطر هنا في لندن. فارتفاع أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يستتبع ارتفاعها في بريطانيا في الوقت الذي تحافظ منطقة اليورو على معدلات فائدة منخفضة لحاجتها الماسة لكل ما يدعم انتعاش اقتصاداتها. ولذلك فإن على كبار المدينين في الولايات المتحدة وبريطانيا توقع ارتفاع فاتورة خدمة ديونهم العام المقبل.
* محام في لندن يكتب في قضايا الاقتصاد العالمي