المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أدوات "السعي" ومعوقاته



ghenaim
21-11-2004, Sun 9:03 PM
أدوات "السعي" ومعوقاته

2004/03/15
عبد الواحد أستيتو**


اسمه عبد العزيز، وهو صديق عزيز بالفعل، لكنه كان أكثر الأصدقاء إزعاجا للأسف. قصة هذا الصديق أن رزقه ضيق، وهو في الحقيقة لا يبالي بهذا كثيرا بقدر مبالاته بأن الآخرين أوفر منه رزقا و"حظا"؛ فهو دائم الشكوى، كاره لمن حوله، حاقد عليهم، يرى أنهم أخذوا كل شيء ولم يتركوا له شيئا.

يقول لي: "ها أنت ترى؛ لدي 3 بنات، إضافة إلى أمي التي تعيش معي بالبيت، وعلي أن أتكفل بهم جميعا، والحالة المادية في الحضيض. لا بد أن أغادر هذا البلد؛ لأبحث عن رزقي في مكان آخر" .

وكنت دائما أخجل من أن أقول له: ولماذا لا تفعلها؟ ذلك أن صاحبنا كان يقوم بعمل جليل طوال اليوم؛ وهو الوقوف إلى الجدران!! كنت أستغرب سر شكواه الدائمة من سوء الحال وهو الذي لا يحرك ساكنا، وكنت متأكدا أن حاله لن يتغير أبدا ما لم يبدأ بالسعي الحقيقي.

وبالفعل -وبعد تشجيع من عدد من الأصدقاء- استطاع أن يحصل على رخصة قيادة سيارة، وبدأ يعمل كسائق تاكسي، وتحسنت أحواله المادية والنفسية، وتغيرت طباعه تماما؛ بل إنه فعلها مؤخرا وهاجر خارج البلاد دون كثير ثرثرة.

قصة عبد العزيز مثلها مثل قصص ملايين الشباب العاطلين في عالمنا العربي، الذين ينتظرون دون أن يسعوا، رغم أنهم لو بدءوا فسيوفقهم الله. وعلى الرغم من أن رزق كل إنسان مقدر وثابت فإنه مشروط بالعمل والسعي، وما لم يتحقق هذا الشرط فلن يتحقق المشروط، وصدق الله العظيم إذ يقول: {وَأَن ليْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى}.

إن السعي يولد لدى الإنسان ذلك التوازن النفسي والعقلي المريحين.. فمتى انتابك شعور بأنك تقوم بما يجب عليك وأنك تجتهد؛ شعرتْ نفسيتك بمزيد من الطمأنينة والصلابة تجاه الأحداث، التي قد تشمل الفشل في أحيان كثيرة منها!!

لكن ما الأدوات التي على الإنسان أن يمتلكها كي يسعى ويترك النتيجة على الله؟

* العلم والمعرفة:

مما لا شك فيه أن مَنْ يمتلك العلم والمعرفة في هذا العالم يَسُود دون أدنى منافس، وبدونهما يصبح المرء كلًّا على الآخرين، معتمدا عليهم في إطعامه وتسيير أموره ما دام لا "يعلم" كيف يقوم هو بذلك!

ومن نعم الله أن العلم مِلْك للجميع؛ للضعيف وللقوي، للغني وللفقير ... لذا فلا حُجة لمن بقي بدون تعلم، خصوصا في هذا العصر؛ حيث أصبحت وسائل التعلم والمعرفة أقرب وأسهل في الحصول عليها من ذي قبل.

كيف أحصل على هذه المعرفة؟

يلخصها لنا الكاتب "فيلكس جاكبسون" في نقطتين:

يجب أن تحدد نوع المعرفة المتخصصة التي تطلبها وتحتاج إليها، والهدف من امتلاكها. وسوف يساعدك هدفك الرئيسي في الحياة، والهدف الذي تعمل من أجله -إلى حد كبير- في تحديد نوع المعرفة التي تحتاجها. وبعد الإجابة عن هذه المسألة تتطلب خطواتك التالية امتلاك معلومات دقيقة فيما يخص المصادر الموثوقة للمعرفة؛ وأهم تلك المصادر هي:

- تجاربك الذاتية ومستوى تعليمك وثقافتك.

- التجارب والتعليم المتوافر من خلال الآخرين.

- المعرفة المستمدة من مراكز التعليم.

- المكتبات العامة وكل وسائل الإعلام.

- برامج أو دورات تدريب خاص.

ونضيف نحن من جهتنا: الكتاب والسنة؛ باعتبارهما المرجعين الرئيسيين لدينا كمسلمين في كل المناحي.

المعرفة ضرورية، ليس للنجاح فقط بل للحفاظ على النجاح أيضا. ولدينا أمثلة كثيرة على أناس استطاعوا تحقيق نجاح مرحلي، لكنهم ما لبثوا أن فقدوه بسرعة، وطالهم ونجاحهم النسيان. وإلا فكيف نفسر موقف هؤلاء المخترعين والمبدعين الذين قدموا للعالم أعمالا واختراعات خالدة، لكنهم ماتوا وهم لا يجدون ما يقتاتون به؟!

* الموهبة:

لكل منا موهبة ما، قد تكون دفينة ولا ندركها، لكنها بالتأكيد هناك في مكان ما. وكثيرون منا قاموا بإقبار مواهبهم متذرعين بأسباب عدة، لكنها للأسف غير مقنعة. فالذي يريد يصل، والذي يسعى ينجح. والموهبة من بين وسائل السعي المهمة، وإن كانت ليست ضرورية دائما للنجاح؛ فهناك من تمكن من تحقيق ذاته دون أية موهبة تذكر.

لكننا -والحالة هذه- نوجه حديثنا لأصحاب المواهب الذين آثروا أن يدفنوها تحت الرمال بداعٍ أو بدون داع .. نقول لهم: إن الموهبة وسيلة مهمة جدا للسعي، وقد تكون مصدرا للرزق في كثير من الأحيان. وأمامنا في عالمنا المعاصر ما لا يحصى من الأمثلة؛ من فنانين وكتاب ونحاتين ولاعبي كرة ... إلخ.

وعليه، فيجب ألا نغمط موهبتنا حقها، وإن كنا نشعر أنه لا موهبة لنا وجب البحث عنها بكل دقة؛ فأحيانا -وبفعل الظروف- تختفي هذه المواهب، لكنها -لحسن الحظ- لا تموت تماما.

* اغتنام الفرص:

"قطار الفرصة يمر على كل المحطات، ولكنه لا يجبر أحدا على الركوب فيه".. هذه المقولة دعوة مباشرة إلى الركوب (السعي) في قطار الفرص، على الرغم مما قد توحي به كلمة (فرصة) من أنها لا علاقة لها بالسعي.

ولعل من مميزات كلمة السعي أنه -أي السعي- لا يترك لك الفرصة للتذرع بأية أعذار واهية أمام الفرص؛ لأنك مطالب بأن تكون دائما متيقظا، ضاربا في الأرض، مستغلا لكل خيراتها أينما وكيفما ومتى جاءت.

يقول صاحب كتاب"أساليب النجاح":

"إن أصحاب المبادرات هم الذين يوفقون لاقتناصها في الوقت المناسب، ولذلك فإنهم وحدهم المنتفعون بها دون غيرهم. والفرص تأتي متنكرة وتذهب ساخرة.. وهذا هو السر وراء تضييعها من قِبَل الكثيرين.. تسمع بعضهم يقول: كنت أعرف ولكنني لم أكن واثقا".

ولعل الجملة الأخيرة من المحاذير هي التي ينبغي أن ننتبه لها أثناء سعينا؛ لأن الآية -وهي لنا بمثابة شعار من شعارات السعي- تقول: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكلْ عَلَى اللهِ} فلا تردد في حياة المؤمن الساعي للحق.

ويواصل الكاتب معرفا خصائص الفرصة: "... وعلى كل حال، فلا بد قبل كل شيء من معرفة خصائص الفرصة .. وهي كالتالي:

أولا: الفرص تأتي ضبابية غير واضحة المعالم.

ثانيا: إنها لا تبطئ؛ فالزمن ليس في مصلحة مَنْ يريد اقتناصها.

ثالثا: إنها تأتي متكافئة، فهي متساوية للجميع، واقتناصها متاح لكل الناس.

رابعا: إنها بعد أن تذهب لا تعود".

* بذل كل الجهد:

ليس التماطل والتسويف من مميزات صاحب السعي الحقيقي، بل الجهد والجهد المتواصل، وبدونه يفقد المرء كثيرا من خصائص السعي الحقيقي، الذي يعتمد على التوكل على الله وإتقان العمل الذي لا يتأتى إلا بجهد حقيقي، دون إرهاق مبالغ فيه بالطبع وإلا فقد معناه.

وهذه خطوات ثلاث للوصول إلى طريقة معقولة من أجل بذل جهد حقيقي في كل عمل:

1- التزام مواعيد محددة: فهذا الأمر يضعك أمام موقف لا تراجع فيه، خصوصا أننا نفترض أنك ممن يحترمون مواعيدهم، وإلا فالحديث ليس موجها لمن يُخْلِفونها.

2- المواظبة على الحركة، واستغلال كل الطاقة الكامنة بدواخلنا: هناك الكثير من الناجحين الذين يشعرون بعوارض المرض إن هم توقفوا عن الحركة، وهؤلاء قد وصلوا إلى درجة من النشاط والشعور بالمسئولية جعلت من الإخلال بهما سببا في المرض والشعور بالانزعاج. وعليه، فلا مندوحة عن الحركة المتواصلة الدائمة ذات الهدف لإعمار الأرض.

3- مسابقة النفس: حاول -يوما عن يوم- أن تتفوق على نفسك، وأن تؤدي أفضل مما أديت البارحة؛ فالتطور قبل أن يكون فعلا فرديا فهو سُنة الحياة على أية حال.

* التجديد:

لا تركن إلى ما فعله الآخرون بدعوى أنه "ما أُنْجز قد أُنْجز، وأنا لن أضيف شيئا"؛ فالحياة في تطور وشعارها التجديد، وأغلب الناجحين إنما نجحوا لأنهم جاءوا بأفكار وإنجازات جديدة.

فلقد سخر الكثيرون من "فورد" عندما قال لهم: إن أمريكا ستصبح كلها عبارة عن سيارات تمشي في الشوارع. وها هي الإجابة على اتهاماتهم أمامنا إلى يومنا هذا، فمؤسسة فورد أضحت من أشهر مؤسسات السيارات في العالم.

معوقات السعي

يواجه الإنسان وهو يسعى إلى رزقه عوائق كثيرة عليه أن يتخطاها، وليس أفضل من حديث الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- لسرد معوقات السعي كاملة مكتملة: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والهم والغم، والجبن والبخل، وغلبة الدين وقهر الرجال". وباعتبار أن غلبة الدين وقهر الرجال قد لا تكون من فعل الإنسان بصفة محضة، يمكن القول إن باقي الأمور في حديث الرسول هي عوائق مباشرة للسعي.

* العجز:

إنه هذا الشعور الدائم الذي يعاني منه المرء، بأنه غير قادر على فعل كذا وكذا، متعللا بألف سبب وسبب، والحقيقة أنها صفة دميمة في المرء لا علاقة لها بالمؤثرات الخارجية؛ بل هي نتاج خمول وفشل داخليين ناتجين عن رغبة دفينة في الفشل، لا يدركها المرء. (راجع مقال: حي على الفشل!)

* الكسل:

كارثة هدامة لا مثيل لها، وهي ميزة الفاشلين بلا منازع. وعقل الكسول -كما يقولون- هو معقل الشيطان. ويقول شكسبير: "المتعب ينام على وسادة من الحجر ليستريح، أما الكسلان فلن يجد الراحة فوق وسادة من الريش".

* الهم والغم:

هي بمثابة "كلبشات" تمنع المرء من الحركة وتقيده، وتجعله عاجزا عن النظر إلى الحياة نظرة حقيقية مبنية على الإيمان، وتملأ حياته باليأس والقنوط والكآبة. ولا أجد هنا أفضل مما نشرته مجلة (الأبعاد الخفية) الكويتية في عددها الرابع والثلاثين، حيث يضعنا كاتب المقال أمام أهمية تجنب الحزن فيقول: " ... لا تحزن... وإذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت وضاقت عليك نفسك بما حملت، وإذا وقعت في مصيبة وحلت بك نكبة، وإذا أوصدت الأبواب أمامك فنادِ وقل: يا ألله ".

* الجبن:

الجبن هو عدم الإقدام في مواقف كان يجب على الواحد منا أن يقول الحق فيها أو يفعله أو ينجزه.. وهو نقيض التمهل تماما، ويجب عدم الخلط بينهما؛ فالجبن معيب، بينما التمهل محمود.

يقول فيلكس جاكبسون: "توجد 6 مخاوف رئيسية يعاني منها الإنسان، فردية أو مركبة في أي وقت من الأوقات؛ هي: الفقر - انتقادات الآخرين - المرض - فقدان أشخاص نحبهم - التقدم في السن - الموت. وليست المخاوف أكثر من حالات ذهنية، والحالة الذهنية لكل إنسان خاضعة للسيطرة والتوجيه. وعليه؛ فالرد على الجبن هو التحلي بالشجاعة والإقدام دون تهور.. والشجاعة صفة محمودة، وهي من صفات المؤمن القوي، الذي هو أحب إلى الله من المؤمن الضعيف.

أتذكر أنني في فترة الدراسة الابتدائية كنت أعرف إجابات أسئلة عديدة، لكن الخوف كان يمنعني من أن أرفع إصبعي للإجابة، فبقيت دائما مهمشا من طرف معلمي، وبعد أن فقهت الدرس، وانتقلت إلى المرحلة الابتدائية قررت مواجهة خوفي وترددي؛ بأن أخوض الأمر مهما كانت النتائج، فبدأت أجيب دائما بغض النظر عن خطأ الجواب من صحته.. واستطعت فعلا بعدها أن أحقق ما كنت أصبو إليه من اهتمام وتشجيع من طرف أساتذتي.

* البخل:

لعل البخيل من الأشخاص القلائل الذين يعتقدون أن ما يقومون به هو نوع من السعي -وهو يكنز الذهب والفضة- دون أن يعلم أنها ستكون وبالا عليه. في المقابل فإن الإنسان المنفق على الخير يوسع الله عليه في رزقه ويبارك له في ماله.

إن هذه المعوقات تحتاج لشخص صلب ليتخطاها، فقررْ أن تكون كذلك، وقم اسعَ إلى رزقك.

اقرأ أيضًا:

ففروا إلى النجاح.. (ملف)
ارتباط الرزق والأجل بالإيمان
النكاح من مفاتيح الرزق
الرزق ومحبة الله
بين القناعة والسعي للزرق
أسباب زيادة الرزق

الرويلي
21-11-2004, Sun 9:43 PM
الله يعطيك العافيه على هذا المقال الجميل...