المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إصدار عملة عالمية جديدة.. هل يحد من آثار ضعف الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي؟



ghenaim
19-11-2004, Fri 11:37 PM
إصدار عملة عالمية جديدة.. هل يحد من آثار ضعف الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي؟
د. عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يعاني الاقتصاد الأمريكي من عجزين متناميين. الأول في الموازنة العامة، والثاني في ميزان الحساب الجاري. وبات من المبرر التساؤل عن قدرة الاقتصاد الأمريكي على المحافظة على نموه المتزامن مع خلل مالي ونقدي يتمثل في ضعف الدولار الأمريكي. بل إن البعض يتساءل، هل أصبح العالم رهينة للسياسة النقدية الأمريكية؟ لقد حقق الدولار الأمريكي الكثير من المكاسب للاقتصاد الأمريكي على حساب مالكي الدولار، فبعد عام 1971م وسقوط قاعدة تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب لغير المقيمين إذا رغبوا؛ لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تتكلف أكثر من ثمن الورق الذي تطبع عليه الدولار. والغريب أن البلدان العربية والإسلامية تحصل على الدولار الأمريكي مقابل بيعها سلع وخدمات إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو بعض دول أوروبا ثم تودعه دون استخدامه كاحتياطي. ولا يغيب عنا ما مارسته الولايات المتحدة الأمريكية عدة مرات من تخفيض قيمة عملتها وكذلك تخفيض أسعار الفائدة عليها لتعود مرة أخرى للإضرار بحقوق حاملي الدولار الأمريكي وتقلل من ودائعهم وقيمة استثماراتهم، وهي السياسة التي تمارسها الولايات المتحدة الأمريكية بوضوح هذه الأيام. ويقول جون سنو، وزير الخزانة الأمريكي؛ إننا نؤيد دولاراً قوياً لكن يعود للأسواق أن تحدد قيمة العملات.


ضعف الدولار ليس إلا مكاسب


ولا ترى الولايات المتحدة الأمريكية حالياً في سعر الدولار الأمريكي المنخفض سوى مكاسب، فهو يجعل المنتجات الأمريكية أقل كلفة في الخارج ويدعم بالتالي الصادرات الأمريكية التي سجلت ارتفاعاً بنسبة 1،19% خلال الربع الأخير من العام الماضي 2003م. لكن هانس ماكينل، رئيس مجموعة فايزر للأدوية التي تنتج أقراص الفياجرا الشهيرة، أقر بأن انخفاض سعر الدولار يزيد إلى حد بعيد من نمو الشركة.
وإذا ارتفع مستوى نشاط الشركات المالية، فإن ذلك يسهم في ارتفاع معدل التوظيف، وهي مسألة حاسمة في هذه السنة الانتخابية حيث لا تزال البطالة تشكل نقطة الضعف في انتعاش الاقتصاد الأمريكي. وارتفعت الأسهم الأمريكية بعد أن راهن المستثمرون على بقاء أسعار الفائدة الأمريكية دون تغيير. كما تجاوزت الأسهم في نهاية العام الماضي 2003م وبداية عام 2004م الجاري عشرة آلاف نقطة للمرة الأولى منذ مايو 2002م.
وفي مؤتمر دافوس الذي انعقد في 24-1-2004م، قال ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي؛ إن العجز في الموازنة الأمريكية ليس ضخماً بدرجة كبيرة إذا ما قيس كنسبة مئوية من إجمالي ناتج الولايات المتحدة الأمريكية.
والعجز التجاري يمثل عبئاً على الدولار الأمريكي الأمر الذي يؤدي إلى ضغوط تضخمية بسبب زيادة أسعار الواردات بفعل انخفاض سعر الدولار الأمريكي. ويعتقد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) أنه في نهاية الأمر يمكن احتواء العجز التجاري الضخم مع تراجع صادرات الدول الأجنبية للولايات المتحدة الأمريكية. وبلغت الواردات 8،132 مليار دولار أمريكي في ديسمبر 2003م الماضي مسجلة مستوى قياسياً بسبب زيادة واردات البترول والمستلزمات الصناعية، بينما بلغت الصادرات الأمريكية 3،90 مليار دولار أمريكي في الفترة نفسها، أي أن العجز وهو 5،42 مليار دولار أمريكي كان في أعلى مستوياته على الإطلاق.
ويرفض رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أصلاً الحاجة لرفع سعر الفائدة في المستقبل القريب. وقالت دانيالا انشبيرغر، من مجموعة (درسدنر كلاينفورت فاسرشتاين)؛ تبدو الحكومة الأمريكية في الوقت الحاضر مرتاحة لضعف الدولار، إذ أنه يدعم الاقتصاد مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2004م القادم.


آثار ضعف الدولار على الاقتصاد العالمي


حذر رونالد جونستون، رئيس منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من أن ضعف الدولار الأمريكي يضر دولاً كثيرة وليس فقط دول منطقة اليورو، فهو مسلط على رأس الاقتصاد العالمي بأكمله. فالولايات المتحدة الأمريكية تعمل على المحافظة على مستوى فوائد منخفضة مما ينجم عنه تراجع في معدلات الادخار وارتفاع في حجم الاقتراض.
فأوروبا فقدت أسواقها بفعل تآكل الهامش التنافسي لليورو تجاه الدولار الأمريكي، بينما دول الأوبك باتت مرشحة لتقليص برامجها الإنمائية نتيجة انهيار القوة الشرائية لدولاراتها، والجانبان أصبحا مرشحين للتحول إلى مجرد سوق للمنتجات الأمريكية الأرخص سعراً. وسوف يأتي يوم يشعر فيه المستثمرون، غير الأمريكيين، بأنهم يتحولون إلى رهائن لسياسة واشنطن النقدية وسوف يهربون من الأصول والسندات المقومة بالدولار الأمريكي. وقد يرتد سلاح الدولار إلى صدر الاقتصاد الأمريكي في حالة انهياره الحاد مما يجبر مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على رفع سعر الفائدة. وسوف يتخلى المستثمرون عن العملة الأمريكية بحثاً عن عملات ذات أسعار فائدة أكثر جاذبية.
كما أعرب وزير المالية الألماني في مؤتمر دافوس نفسه عن قلقه بشأن قوة اليورو الذي زاد نحو 8% أمام الدولار الأمريكي خلال الشهرين السابقين للمؤتمر. وأبقى البنك المركزي الأوروبي سعر الفائدة في منطقة اليورو على 2%. بينما رفعت بريطانيا سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة إلى 4%. وتنص معاهدة الاستقرار والنمو في أوروبا على ألا يتجاوز عجز الموازنة لدى حكومات منطقة اليورو عن 3% من إجمالي الناتج المحلي.


هل الحل عملة عالمية جديدة؟


لقد حمَّل مهاتير محمد، رئيس الوزراء الماليزي السابق، المضاربين الغربيين على العملات مسؤولية الأزمة المالية الآسيوية في عامي 1997م و1998م التي دفعته إلى فرض قيود على رؤوس الأموال وتثبيت سعر صرف العملة الوطنية (الرنجيت) أمام الدولار الأمريكي.
لذلك عرضت ماليزيا خطة تقضي باستخدام الذهب بدلاً من الدولار الأمريكي من خلال استحداث وحدة قيمة إلكترونية يطلق عليها اسم "الدينار الذهبي" تعادل 402 جراماً من الذهب، وذلك بهدف تعزيز التبادل التجاري بين الدول الإسلامية بدلاً من الرضوخ إلى تقلبات أسواق الصرف الأجنبي وتأثيرات المؤسسات المالية الغربية، على الرغم من مخاطر تقلب أسعار الذهب وحرمان القطاع الخاص من مرونة أسواق العملات، بالإضافة إلى أن التقلب في أسعار صرف الذهب أكبر من التقلب في أسعار صرف العملات الأجنبية. والتحول من الدولار الأمريكي إلى الذهب لا يقلص المخاطر، وإن كان الذهب يعتبر الملاذ الآمن للمستثمرين الخائفين من الاستثمار في أسواق الأسهم بسبب تراجع الدولار الأمريكي في ضوء المخاوف من تعرض الأراضي الأمريكية مجدداً لهجمات مماثلة لما حدث في 11 سبتمبر 2001م. بل يرى المحللون أن الذهب يشكل صداعاً آخر للدول الإسلامية الكبيرة المنتجة للبترول مثل المملكة العربية السعودية وإيران اللتين سيكون عليهما مواجهة مخاطر تقلب أسعار الذهب العالمية. لكن رغم ذلك ففي دراسة صدرت عن مؤسسة "مورجان ستانلي" نشرت في يونية 2002م اعترف المحللون الاقتصاديون بأن أكبر المخاطر التي يتعرض لها الطلب على الأصول الأمريكية يكمن في تعاظم جاذبية الذهب، وحذروا من لجوء المستثمرين الآسيويين إلى تحويل أصولهم إلى المعدن الأصفر بدافع الخوف من مجهول الواقع العالمي مما سيفقد الدولار الأمريكي آخر حصونه.
وبالفعل تبنت ماليزيا الدينار الذهبي في أغسطس 2003م كوعاء إدخاري في الداخل لتخفيف حدة الطلب على الدولار الأمريكي، كما سعت لأن يكون الدينار الذهبي عملة حسابية لتجارتها الخارجية مع أربع دول عربية وإسلامية هي البحرين وليبيا والمغرب وإيران. وتهدف هذه الخطوة إلى تقليل مخاطر الاعتماد على الدولار الأمريكي كعملة دولية.
ونادى برنارد ليناير، الذي أسهم في إصدار العملة الأوروبية الموحدة عندما عمل لحساب البنك المركزي البلجيكي، في تصريحات له في كوالالمبور بإصدار عملة عالمية جديدة مدعومة بالكامل بسلة سلع استراتيجية مثل البترول أو القمح بالإضافة إلى الذهب.
*أكاديمي وكاتب سعودي - مكة المكرمة - ص.ب 2064 - ت-ف 1427-532(02).