ما هى الاصلاحات الهيكلية التى يمكن ان توضع موضع التنفيذ لرفع دخل الفرد ؟

[ghenaim]

المؤلف : إحسان على بوحليقة

الذهب فى الخمسينيات؟ ما هى الاصلاحات الهيكلية التى يمكن ان توضع موضع التنفيذ لرفع دخل الفرد ؟ وكيف نتعامل مع النمو السكانى ايجابيا باعتباره مورد ؟ ويبين هذا الكتاب .. أن لقاء المصادفة بين الاقتصاد السعودى والنفط دام – حتى الان – اكثر من ستة عقود اما بداية تأسيس مشروع الدولة فلم يك تحلقا حول شعلة غاز ، أو على مائدة نفط .. بل رغبة فى اقامة كيان حضارى ، وما دام الامر كذلك ، فالمشروع الحضارى بحاجة الى قوة اقتصادية دافعة ، لقد ظل النفط بطل الحقبة الصناعية ، والان اخذت الموجات الكهرومغناطيسية تتسلل بتؤدة للصدارة ، مما يعنى ان وقت وضع اصلاحات هيكلية موضع التنفيذ مطلب ضرورى للتعامل ، ليس فقط مع المستجدات والتداعيات الطارئة ، بل اصبح امر تمليه طبيعة التطور المتحضر للأشياء :
إضمحلال "قوة الالة " ونشوء "قوة المعرفة " كما يعرض هذا الكتاب .. أولا للتحديات الاقتصادية ويضع مقترحات لكيفية اصلاحها عمليا ، استنادا الى بيانات واحصاءات وحالات عملية تبين ان الفرص المتاحة تبرر الاقدام المتحرق لا الانتظار المتردد .. وهكذا ، يسعى الكتاب لتوضيح ان استراتيجية " الفوز على المنافسين " فى بيئة شفافة تضمن تكافؤ الفرص وانخفاض التكلفة ، هى المرتكز التى على الاقتصاد السعودى التمحور حولها لتحسين قدرته التنافسية .. نهوضا وتصديا لتحديات مزمنة وطارئة واصطياد لفرص تحلق عاليا وربما بعيدا .
وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التحليلية الطويلة كتبتها خلال العاملين 2001 و2002 م ، ونشرت بوتيرة اسبوعية فى صحيفة " الوطن " السعودية " خلال تلك الفترة .
كان محور تلك المقالات هو الاصلاح الاقتصادى ، انطلاقا من ان الاقتصاد السعودى اقتصاد ضخم مقارنة بمعظم الاقتصاديات النامية ، وانه اكتسب تجربة تنموية من موارد بشرية وطبيعية ورأسمالية وصلات عميقة مع الاقتصاديات الاخرى ، لكنه اقتصاد تحاصره تحديات مزمنة لا خيار امامه سوى تجاوزها والا تكالبت عليه حبائلها واختطفت فرصة أيدى المنافسين .. كان ذلك هو حال التحديات قبل تفجيرات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة ،وما زال صحيحا بعد تفجيرات 11 ربيع فى الرياض .
وتناول الاصلاحات الاقتصادية الهيكلية ليس تمرين رياضة ذهنية يمارس لتمرير الوقت ، فالعبرة دائما ترتكز الى ما ينفذ على الارض ، وعليه ، لا يستقيم تعطيل الاصلاح تحت أى ظرف ، كأن يرجأ تنفيذ برنامجه ريثما يتأكد شرط من نوع أو آخر ، إذ يمكن بيان ان الاصلاح حاجة غريزية تتوق لها المجتمعات المتحضرة وليس رغبة عابرة مترفة ، أما الغريزة فتشبع فى الاساس من تحد دائم للذات والسعى الحثيث للتحسين المستمر عبر الاتقان والابداع وامتلاك الجدارة لتقدم الصفوف .
وفى الحالة السعودية ، فقد تراكم عجز الخزانة العامة ليعادل حجم الدين العام من حيث القيمة الناتج المحلى الاجمالى للبلاد ( نحو 700 ألف مليون ريال ، أى أن نصيب كل مواطن منه نحو 30 ألف ريال ) ، والأداء الاقتصادى غير مرضى ( يقل متوسط معدل نموه السكانى عن نحو نصف قيمة متوسط معدل نمو السكان بما يعنى تراجع متوسط دخل الفرد ، حيث تراجع متوسط دخل الفرد قرابة 6.25 الى قرابة 30 ألفا فى العام 2002 م ) ، وتدنى نسبة الاستثمار للناتج المحلى الاجمالى لأقل من 20 بالمائة ، وارتفاع معدل البطالة لنحو 8.34 بالمائة من قوة العمل ، وزيادة اعداد العمالة الوافدة لتتجاوز ثلثى قوة العمل . هذه المؤشرات وسواها تمثل اعراضا لحالة بحاجة لاصلاح هيكى ناجز .. إذ ليس بوسع احد التصفيق لنمو اقتصادى قل عن واحد بالمائة فى العام المالى المنصرم (2002) فى حين تجاوز معدل نمو السكان ثلاثة اضعاف ذلك ، والا فانه يصفق للفقر ولتراجع دخل الفرد .
ويمكن الجدل ان الاقتصاد السعودى يملك فرصة للنهوض ، لكن الفرصة – أى فرصة – يستهلكها الانتظار وينهكها التثاقل .. فالانتظار لم يك قط قرار اقتصادى محبذ ، بل هو ملاذ اخير يمثل حالة طارئة بين حالات ، والانتظار مبرر لمدى زمنى قصير فقط وعند نقص المعلومات او تتابع المتغيرات العاصفة ، وبالقطع فالانتظار يعنى مضى الوقت دون استثمار عوامل الانتاج بما يضعف قدرة الاقتصاد المحلى مقارنة بالاقتصاديات المنافسة .. ومع ذلك يبدو ان هناك من يجادل ان بوسعه ضبط عقارب ساعة التنافس العالمى وفقا للتوقيت المحلى ! وهناك من يروج ألا فرصة امام الاقتصاد السعودى للمنافسة وازالة التشوهات من اسواق المال والسلع والخدمات والموارد البشرية وتوظيف تقنية المعلومات والاتصالات وسط تنافس عالمى وضغوط متزايدة متنوعة .
وبالمقابل فهناك من يدرك ان الاقتصاد السعودى قام على التحدى ، فقد تحدى الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الميلادى الماضى .. ومبدئيا ، لم يك قط مشروعا أدمن الاتكال على عوائد النفط ، فقد نجح دائما فى تجاوز صعوباته وان بصعوبة وتباطؤ .. نعم يأخذ بعض الوقت فى البداية نتيجة الرغبة فى التمعن والتريث حينا ، والمركزية والبيروقراطية احيانا ، لكن إجمالا يتمكن الاقتصاد السعودى من اكمال السباق ، وتاريخيا ، فقد واجه الاقتصاد السعودى تحديات عاتية فى الثلاثينيات والابعينيات وبالتأكيد فى الخمسينيات عندما تآكل غطاء الذهب للعملة المحلية الى نحو 10 بالمائة .. وعادت التحديات الاقتصادية الكبرى مع دخول منطقة الخليج العربى حالة من عدم الاستقرار وتتابع الحروب منذ بداية الثمانينيات الميلادية .. إذ يقدر ما فات الاقتصاد السعودى من استثمارات خلال العقدين الماضيين بنحو 580 مليار ريال .
وعلى أى حال ، ليس أمام الاقتصاد السعودى من خيار الا اظهار افضل ما لديه من اصرار فى توظيف موارده على تنوعها فى عصر العولمة والقضاء الافتراضى والتحولات الهائلة فى منطقة الخليج العربى بعد " تبخر" نظام صدام حسين .. وبعد بروز مؤشرات ضاغطة على الاقتصاد المحلى .
وهنا تتقدم اهمية انجاز اصلاحات هيكلية اقتصادية انجازا ميدانيا على الارض .. حتى يكتشف الاقتصاد ذاته من جديد .
ولعل الفرصة الاكيدة تكمن فى اجتياز تحدى توظيف الموارد البشرية الواعدة لبلد نحو ثلاثة ارباع مواطنيه دون الثلاثين من العمر نسبة الامية بينهم تقل عن 20 بالمائة .. ضمن رؤية اقتصادية تتحرق وتبدع لتحرك القدرة التنافسية الى اعلى .
الحاجة لبرنامج اصلاحات


لقد حفلت الاشهر القليلة الماضية بالعديد من الخطوات الاصلاحية الاقتصادية الجريئة ، التى لابد ان تترك آثارا ايجابية على مناخ الاستثمار ،ولعل من الضرورى الاقرار بان تلك الخطوات جاءت عقب خطوات مستقرة للحفاظ على توازن اقتصادنا الوطنى حتى فى ظل تحديات عصفت باقتصادات دول مجاورة وبعيدة ، ورغبة فى الحفاظ على استقلالية القرار الوطنى عن الضغوط الاقتصادية الخارجية ، حتى عندما ارتفعت الالتزامات وتراجعت الايرادات وجف الاحتياطي ، واصبح خيار الترشيد والتقشف غير كاف ،وحينما اطلت الحاجة للاستدانة برأسها قررت الدولة الاعتماد على الموارد المحلية وعدم الاستدانة من الخارج .
ولابد من بيان ارتكاز الحفاظ على قرار اقتصادى مستقل الى الابقاء على ادنى قدر ممكن من الالتزامات لجهات اجنبية ، فتلك الجهات تبحث عن مصالحها لا غير ، والمصادر التاريخية حافلة بالأدلة التى ترتهن مستقبل البلاد وثرواتها لسداد الديون ، ففى حال اختيار المملكة اللجوء للاقتراض الاجنبى ، فسداد تلك القروض الاجنبية لن يكون الا عبر زيادة ايرادات النفط ،وهذا امر لا يمكن ضمانه ، ذلك أن الايرادات كان يجب ان تكفى لتغطية احتياجات الانفاق زائدا التزامات سداد القروض الاجنبية وخدمتها ، وليس هناك من ضمانات ان دخل النفط سيكون كافيا لسداد مستحقات القروض الاجنبية وهكذا .. فكان لهاجس اضطرار البلاد الى الاقتراض من اجل سدا المستحق من قروض اجنبية ، أو الدخول فى دائرة الجدولة واعادة الجدولة ، وتطلب تجنب الوقوع فى هذه الدوامة المهلكة اقتصاديا قرار واعيا بالتداعيات الاقتصادية والسياسية ، وهكذا .. اتخذت القيادة السعودية قرارا تاريخيا بالاعتماد على الموارد المتاحة واللجوء لسياسة تقشفية اجمالا ، وانتهاج سياستين متكاملتين لتنفيذ قرار الاعتماد على الموارد المحلية :
الاولى خفض الانفاق ( بما فى ذلك اعادة جدولة الالتزمات المستحقة ) لتقليص فرص حدوث عجز مزمن فى الحساب الجارى ، ولتجنب استخدام اموال اجنبية لتغطية ما يعجز عنه ايراد الصادرات السعودية ( نفطية وغير نفطية) .
الثانية التوجه للاستدانة عند الضرورة من الداخل عبر ادوات عدة .
مراحل وأسماء


إذا كان مناسبا تقسم تقسيم الفترة التى أعقبت حرب الخليج بفترة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى والتكيف مع شح الموارد ، فان بداية الخطة الخمسة السابعة تحمل نفسا جديدا يرتكز الى اهمية تحديث الاقتصاد الوطنى لتحسين قدرته فى زمن التنافس المفتوح ، ولعل التسمية المناسبة لتلك الخطوات مجتمعة هو تحسين تنافسية الاقتصاد السعودى ، وحيث إن لا مساحة فى المصطلح – كما يقال – فلا يجب ان يأخذ النقاش حول التسمية حيزا هنا ، ولابد هنا من بيان ان استراتيجية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى للمجتمع كانت هى الأهم الاصلاحات الاقتصادية ليست مطلبا فى حد ذاتها ، بل وسيلة لهدف ، ومن هنا من المفيد تعريف برنامجنا الوطنى للاصلاح الاقتصادى والاطار الزمنى المناسب لانجازه ، وأن يتحلى هذا البرنامج باعلى قدر ممكن من الشفافية ، انطلاقا من أن تنفيذ الاصلاحات سيتطلب تعاضد الموارد على تنوعها من رأس مال خاص وموارد بشرية ، كما ان هناك توترا بين الادبيات الرصينة فى الدلالة على ان الاصلاح الاقتصادى عبارة عن مشروع يجب ان يكون له مدى زمنى محدد ، ويجب ان يشمل عناصر محددة لاصلاحها وعليه ، فالحديث عن الاصلاحات الاقتصادية ليس خوضا فى العموميات ، بل وصفة اقتصادية لعلاج اقتصاد ما من متاعبه او للرفع من قدراته ..
ومع ذلك ، تثبت المعطيات ان مجتمعنا السعودى قد خطى خطوات تنموية مهمة ، وأن أموالا وجهودا مشهودة قد بذلت للارتقاء بمستوى معيشة الافراد وعززت امكانات المجتمع ككل ، لكن الشعوب الطامحة تسعى لتحدى الذات للارتقاء الدائب بقدراتها ، وفى هذا السياق ، يخطو مجتمعنا حاليا خطواته التأسيسية لمرحلة تتعاضد فيها امكانات المجتمع بقطاعاته كافة لتحقيق قفزة تجعل لاقتصادنا مكانة مرموقة فى عالم قرر اعادة تعريف اقتصاده ، واستبدل رداء تسييس الاقتصتد برداء أقصدة السياسة ، فأصبح السياسيون ينافسون أرباب الشركات فى تسويق المنتجات والخدمات الوطنية وفى الترويج لفرص الاستثمار فى بلدانهم .
دخل الفرد


يمكن الجدل ان الخطوات التأسيسية ترتكز الى رفع القدرة التنافسية للاقتصاد المحلى ، بقصد تحقيق هدف محدد وغير قابل للتجزئة ولا حتى التأخير ، بل يستوجب اتخاذ خطوات متتابعة وبرنامج معلن ، أما التحدى فهو : رفع مستوى دخل الفرد ، وفى هذا المجال فان رفع القدرة التنافسية شرط مبدئى ، باعتبار ان الدول آخذة فى الانفتاح كوسيلة لاستقطاب الموارد من البلدان الاخرى ولتوسيع دائرة رواج منتجاتها ، وهذا يعنى أن ليس للدول من خيار لتحقيق مزيد من الدخل سوى التنافس مع الكيانات الاقتصادية الاخرى ، وفوق ذلك السعى الدائم لتحسين قدرتها التنافسية لتحسن بالتالى فرص فوزها بالاستثمارات وببيع المزيد من منتجاتها .
ورغم الانجازات الاقتصادية الواضحة اتلى احرزها الاقتصاد السعودى عبر مسيرته التنموية ، فمن المفيد الاقتناع بأن رفع مستوى دخل الفرد هو محصلة وليس متغيرا مستقلا ، وأن رفع مستوى الدخل مطلب صعب يخضع لمعطيات الاقتصاد الخارجى خضوعه للأوضاع الاقتصادية المحلية ، أى أن هناك عوامل كثيرة خارج نطاق السيطرة ، وتجدر الاشارة ان تعزيز الدخل اصبح مطلبا اكثر إلحاحا لاعتبارات منها ان التقليات العاتية التى عاشتها منطقة الخليج العربى خلال الثلاثين عاما الماضية أثرت على وتائر التنمية وادت الى تواضع معدل النمو الاقتصادى ، ويمكن هنا الاكتفاء بالاشارة الى ان عدد سكان المملكة كان فى العام 1970 نحو 5.8 مليون ( طبقا لبيانات الامم المتحدة ) وقيمة الناتج المحلى الاجمالى نحو 20 مليار ريال بالأسعار الثابتة (طبقا للاحصاءات الرسمية ) ، وفى العام 1999 فقد بلغ عدد السكان نحو 19.9 مليون ( طبقا للتقديرات الرسمية ) وقيمة الناتج المحلى الاجمالى ( بالاسعار الثابتة ) نحو 68 مليارا ( طبقا للاحصاءات الرسمية ) ، وهكذا نجد ان نصيب الفرد من الناتج كان قبل ثلاثين عاما قرابة 3500 ريال ، وفى السنة الاخيرة من الخطة الخمسية السادسة 34000 ريال ، ولابد من التنويه الى ان الفترة الفاصلة بين العاميين اعلاه عاشت مخاضا اقتصاديا متواترا بين انبساط وانكماش .
المنافسة


هناك من قد يجادل فى خصوصيتنا ، ليخلط بين الثابت والمتحول ، وكأنه يظن عدم قابليتنا التأقلم بل وتوظيف المتغيرات ؟ وهناك من يعود بنا كلما أتى ذكر التنمية الى المربع الاول ، وكلما أتى ذكر التحولات الاقتصادية تزايد استخدام مفردات التريث ( أو كما قال د. خالد السيف فى مقال فى هذه الصحيفة : إعقل .. إركد ) ، وليس ىف طلب التريث ما يعيب ، لكن من الضرورى ادراك ان ضبط ساعة الانجاز يكون ليس وفق ما هو مريح لنا ، بل انسجاما مع توقيت عالمى لا نملك الا ان نقارن به : فإما أن نسبقه واما الا نتأخر عنه على أسوء تقدير ، وبغض النظر عن التوقيت ، فالوقت هو مورد يجب ان يحترم كما النفط ، فهو الذى يستغرق اعمارنا ، فوقتنا هو جملة ثوان ودقائق وساعات وايام لملايين من البشر يعيشون هنا ، والاعمار – كما هو معروف – الى نقص مع طلوع شمس كل نهار ، والنقطة هنا تحديدا : انطلاقا من ان برنامج الاصلاح يومى لتعظيم الاستفادة من الموارد ، وهو هدف قابل للقياس ، فيتبع ذلك ضرورة ربطه بمنظور زمنى ، فعجلة الفرص تدور .. وحتى لا يعتبر هذا المطلب من باب تضييق واسع ، فلعل من المناسب الاشارة الى ان ادبيات عدة اهتمت بتقدير الوقت الذى قد تحتاجه الاصلاحات ، بل هناك من وضع لها حدودا دنيا وعليا من حيث الوقت والاداء ، فمثلا يقيس البنك الاوربى لاعادة التعمير والتنمية عاما بعد عام مؤشرات رقمية تفصيلية عن التحول فى الاقتصادات الراغبة الانضمام للاتحاد الاوربى .
ومهما يكن من امر ، لا يجب الخلط بين الثابت والمتحول ، فليس مطروحا للنقاش التفاوض حول ثوابتنا ، لكن علينا التحول بما يعزز وضعنا ، وعند التحول يجب ان نحافظ على ذرة من الوقت ، فنحن فى حالة سباق ، ثم إن الحديث هنا عن الشأن الاقتصادى ورفاه المجتمع ، أى تحديدا عن لقمة العيش ، وجعل هذه اللقمة سائغة وكافية ومتأتية نتيجة كد وانتاج لا مرتكزة الى ريع ناضب ، وهذا يأخذنا الى الاصلاحات الاقتصادية ، وماهية هذه الاصلاحات .
اصلاحات اقتصادية من دون حماية من الاحتكار مجرد ترتيبات ادارية

خطت السعودية خلال العقود الثلاث الاخيرة من القرن العشرين خطوات اقتصادية مهيبة حملت مبادرات جرئية لخلط اوراق النفط فلا يمكث سيد مستبد بمجريات الامور ، وليس أقل تلك المبادرات جرأة الاصرار على ان تكون الارض السعودية مركزا صناعيا رئيسا ، وامتدادا لتلك المبادرات ، تسعى الحكومة حاليا لتهيئة الاقتصاد لانطلاقه نوعية جديدة : تزوده بالمرونة وسرعة الحركة الضروريتين للتعايش مع المخاض العولمى المتلاحق الطلقات ، وتحسن – فى المحصلة – من قدرته التنافسية اكسب نقاط فى دورى العولمة حيث اللعب تكسير والفرق المشاركة متجردة من أى روح رياضية ، ولا ينصب الحديث هنا عن الخصخصة والانضمام لمنظمة التجارة العالمية ، بل ما يتزامن معها او يتبعهما من خطوات ز
المفاجأة
تمكنت السعودية خلال العقود الاخيرة من التعامل مع مستجدات قاسية فرضت نفسها على منطقة الخليج العربى تحديدا والامة العربية اجمالا ، رمت بتبعات منهكة دونما استئذان ، فامتصت من مقدرات البلاد الشئ الكثير ، وابتلعت من ساعة التقدم سنوات فى حروب خاسرة ومغامرات تستعصى على الكسب ، ومع ذلك ، بقى الملف الاقتصادى محل اهتمام لملامسته ضروريات الحياة واربتاطه بالاستقرار وبرسم معالم المستقبل ، والان ، هل نحن على اعتاب التجهيز والترتيب لطفرة " غير نفطية " لا تعتمد على فوائض النبط بل على توظيف الموارد الاخرى للبلاد ؟
لعل من المفيد التوقف قليلا عند تجربتنا وطفرتنا الاقتصادية الاولى ، التى مولتها الفوائض النفطية ، ووجهتها رغبة الحكومة لتحقيق نقلة معيشية ولتنويع البنية الاقتصادية ، وارتكازا على النتائج خلال الفترة 1970 – 2000 ، قفز بالاقتصاد السعودى ليصبح الاقتصاد العربى الاول ، وضمن اكثر اقتصادات ( ما يسمى بالشرق الاوسط ) حيوية ( وعلينا هنا ملاحظة ان عوائق جسيمة حدث خلال هذه الفترة الحرجة من جاذبية المناخ الاقتصادى للمنطقة ، وكان لهذا انعكاسات سلبية كابحة ) . ولا يتناقض التأهب المعاش حاليا مع ضرورة اتخاذ خطوات " تجاوزية " ، فحدود رؤيتنا نضعها نحن ، ولا احد يقول انها يجب ان تتوقف عند حدود الانضمام لمنظمة التجارة وتتضح ضرورة الخطوات التجاوزية عند ادراك ان الاقتصاد العالمى فى مرحلة اعادة التعرف الى ذاته لأسباب وجيهة ، يمكن تلخيصها فى :
أن النمو الصاروخى لصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات قد قلب الاوضاع ، واكتشف مجرة اقتصادية تسمى الاقتصاد الجديد وهذا امر يوجب اعادة الحسابات التفصيلية ويتطلب الخلوص لتوجهات استراتيجية نابعة من رحم الحقائق المستجدة .
ان الاقتصاد التقليدى وقواه المهيمنة اخذهما نمو الاقتصاد الرقمى – وان كانت تقنياته من صنعهما – على حين غرة ، فقد كانت تلك القوى مستغرقة تماما فى :
تحبير اتفاقات جولة " أورغوى" من جات ، ورسم خطوات " تعميد " الاقتصاد الدولى المتناثر الى اقتصاد عالمى مندمج ، تأخذ منظمة التجارة العالمية بناصيته ، لتصبح الحكومات الوطنية اقل سطوة بعد ان تفتح وتفتح ثم تفتح وتفتح .. والشركات العالمية تكسب اسواقا جديدة وارباحا متورمة .
حساب تبعات الضربات الصاعقة التى تلقتها آسيا المفجوعة باحتضار انجازها الاقتصادى .
أما المفاجأة فتتجسد ببروز دول فقيرة كالهند مثلا ، كنجوم ساطعة فى ط مجرة " الاقتصاد الرقمى وبعيدا عن نظرية المؤامرة ، أخذت القوى الاقتصادية التقليدية المهيمنة تتكالب على تلك الدول للاستئثار بمواردها كما كان ديدنها دائما ، مفرقة بين البلد الام وابنائه : فيكسب الهندى الفرد فى المدى القصير عندما يعمل فى وادى السيكون ويخسر الاقتصاد الهندى فى المدى الطويل ، ومن مؤشرات التنافس المجحف الذى افرزته المفاجأة ، ما يذكرنا بشركة الهند الشرقية واستبسالها فى سلب المواد الخام ، التنافس بين الولايات المتحدة وأوريا _ وخصوصا ألمانيا ) لاستقطاب الهنود من المتخصصين فى تقنيات المعلومات ، هذه العقول هى أهم مستلزمات الانتاج فى الاقتصاد الرقمى ، إذ تتجاوز اهمية المواد الخام ومصادر الطاقة فى الاقتصاد التقليدى .
حسابات جديدة


أولا ، لابد من الاقرار اقتصادية مثل الخصخصة والانضمام لمنظمة التجارة العالمية هى قضايا تنتمى لحقبة ماضية بتوقيت الاقتصاد العالمى المعاش .
وبالتأكيد ، فانجازهما مستحق ، يصب فى اصلاح المعطيات رغبة فى رفع مردودها واستفادة المجتمع منها : فالخصخصة مورست على نطاق واسع فى انحاء العالم منذ السبعينيات ، والتجأت اليها حتى جمهوريات الاتحاد السوفيتى المنهار والكواكب التى كانت تدور فى فلكه ، فروسيا احد أهم زبائن الخصخصة ، وأما اتفاقات جولة اورغوى من جات فقد وقعت فى مراكش فى ابريل من العام 1994 ، ودخلت نتائج الجولة حيز التنفيذ فى اليوم الاول من العام 1995 ، وكل من ينضم لاحقا يسعى للحاق بمن وقع تلك الوثائق آنئذ .
وعليه ، فتنفيذ برنامج واعى للخصخصة والاستجابة لمتطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية رغم اهميتها ، هما شرطان ضروريان لكنهما غير كافيين لتحقيق الازدهار فى عصر العولمة ، بل يمكن الاضافة ، أن عدم انجازهما فى نطاق زمنى قريب سيؤثر سلبا على القدرة التنافسية للبلاد ، ونضيف ان تحقيق نتائج فى زمن الانفتاح العالمى يتطلب مبادرات اقتصادية مميزة .. فالعولمة ركيزتها التقنية المعلوماتية وشبكات الاتصال ، ودافعها الرئيس ايثار الاقتصادات المتقدمة للأنشطة المستحدثة القائمة على المعرفة وليس للمواد الخام .
اذا ، فاعادة صياغة الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد لتحقيق نتائج فى عالم اكثر تنافسية ، يتطلب اكثر من مجرد استيفاء ذانيك الشرطين : الخصخصة والانضمام للمنظمة ، فمن الخطأ الظن ان الدخول فى عضوية نادى العولمة هو بحد ذاته ميزة ، فغاية ما تقدمه العضوية رفع الضرر او التخفيف منه ، بل حتى منع الضرر عن الدول فى عصر العولمة لن يأتى الا بجهد عنيد تحركه رؤية ، فتحقيق مكاسب يتطلب جهدا منفصلا ولكن منسجما مع التزامات منظمة التجارة العالمية ، اذا ، ولتحقيق نتائج لابد من العمل على مستويين :
التنويع الاقتصادى : أخذ مبادرة ضمن اطار زمنى محدد لتحسين الاستفادة من الموارد الحالية تعزيزا لمطلب التنوع الاقتصادى للخروج من شرنقة النفط .
مبادرة استشرافية : صياغة مبادرة ضمن اطار زمنى محدد تربط بين الخطوة اعلاه ( اصلاح الهيكل الاقتصادى القائم) وبين امتلاك ادوات استيعاب الانشطة الاقتصادية المستجدة والعالية النمو ، لايجاد بيئة منافسة وحاضنة للأنشطة والممارسات الاقتصادية الحديثة .
ولعل من المقبول الجدل بأن هناك صراعا لاحتواء الاقتصاد الجديد ضمن منظومة عولمة الاقتصاد التقليدى ، بما يبقى قبضة القوى الاقتصادية التقليدية مهيمنة .. ولا فرق ان كان الصراع مخططا له أم لا ؟ فالعبرة ان مئات مليارات الدولارات قد حرقتها آلة " ناسداك" الجهنمية .. مما اكسب المشككين ورقة للقول بأن نكسة ناسداك دليل على تفجر فقاعة شركات الانترنت وبالتالى ما يسمى الاقتصاد الجديد ! لكن علينا ألا ننسى ان تلك الفقاعة تفجرت فى حضن الاقتصاد الامريكى .
وسط هذا الصراع بين القوى الاقتصادية ، وخصوصا الولايات المتحدة لاختطاف عصر المعلوماتية ، وروح تشكيك يبثها المعاون للعولمة ، يصعب : تلمس الحقائق ، واجتراح توجه واضح ، ووضع خطة تحرك تجلب لاقتصادنا المنافع .. فهل الخيار لا يخرج عما تفعله بعض الدول : " انفتاح وارتماء " ؟ الانجازات الاقتصادية لا تحققها البلدان بأن تتهافت ، فمنطق الاشياء يفرض علينا الفهم أولا ، بغض النظر عما يجنيه الاخرون فى المدى القصير نتيجة الارتماء ، فالالتزام لم يتعارض قط مع التفتح ، لكنه يتعارض بالضرورة مع التهافت .
وهكذا / ليس من بد ان ينسج الاقتصاد السعودى رداء واقيا وفكرا اقتصاديا استشرافيا مبادرا يجلب له المكاسب فى عصر انفلات واقتتال الاقتصاد العالمى ، وليس شرطا ان يكون ذلك الفكر تقليديا ، فلعل من المناسب استذكار ان مبادرة صناعة البتروكيماويات السعودية فى مطلع السبعينيات كانت جدلية ولم يضيرها ذلك ، وكانت محلية المنبت ، ومحلية الاصرار .. بل ان السعودية ضحت بالمصلحة العاجلة المنقطعة لتحقيق مصلحة آجلة مستقرة ، كما يضحى لاعب الشطرنج ببيدق حتى يكسب قطعة أثمن ، أما الفكر المطلوب فى المرحلة المعاشة والعقود القادمة فمرتكزة الانتقال من التنوع الى التميز ، فالتنوع يدور فى فلك الخصوصية المحلية : الحد من الاعتماد على النفط ، بأن تساهم انشطة اقتصادية متعددة فى توليد قيمة مضافة ، أما التميز فمقارن بطبيعته ، يتطلب الارتقاء باداء تلك الانشطة لبز المنافسة : تنمية الصادرات ، جذب الاستثمارات ، وبناء رأس مال بشرى قادر .. الخ .
انجازات واستشراف

باعتبار انجازات الماضى ، فالاقتصاد السعودى يملك الامكانات ، وسبق ان وظفها وحقق نتائج يجب الا تغيب عن الذهن فنحن بصدد مواصلة مسيرة وليس البدء من جديد ! ومن القناعات المحركة ان القضية ليست مجرد نفط ، ونتيجة تلك القناعات ان تعددت مصادر الناتج المحلى الاجمالى كالتالى : 7 بالمائة زراعة ، 10 بالمائة صناعة تحويلية ، 46% خدمات ، 37% نفط ، ومن حيث قيمة الناتج ، يحل الاقتصاد السعودى ثانيا فى منطقة الشرق الاوسط بعد تركيا ، متجاوزا اقتصادات اليونان وايران واسرائيل وباكستان وهو الاول عربيا من حيث قيمة الناتج المحلى الاجمالى ( يمثل نحو 23% من الاقتصاد العربى ) والاول من حيث صادرات الصناعة التحويلية ( نحو 27% من الصادرات الصناعية العربية ) ، والاول عربيا فى انشطة عدة بمعيار القيمة المضافة ، مثل : التشييد والبناء والنقل والمواصلات والاسكان والمرافق والخدمات الحكومية ، ويحل ثانيا (13.3 مليار دولار ) ، بعد مصر (16.3 مليار دولار ) فى ناتج الصناعة التحويلية ، وتمثل الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية نحو 38 % من القيمة المضافة للصناعة التحويلية ، ويأتى ثانيا فى نشاط التمويل والتأمين والمصارف (5.8 مليار دولار) بعد مصر (16.7 مليار دولار ) .
التنويع الجديد


يتربع البنك الدولى على رأس وعاظ الاصلاح الاقتصادى ، لكن مدرسة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى للاصلاح الاقتصادى ، مدرسة نمطية ، فرغم تمكنها التقنى لا تأبه كثيرا لتداعيات الحلول التى تقترحها ، ولابد من ادراك ان الاقتصاد السعودى ليس بحاجة لحلول معلبة مستوردة ، من نوع ما شهدناه يطبق فى بلدان حولنا ، اذ يمكن الجدل ان الرؤية الاقتصادية يجب دائما ان تكون محلية المنبع لتحقيق اهدافا مهمة محليا .. لا أن تكون مناسبة لهذه المؤسسة او لذلك البلد .. ثم هناك فرق بين الحديث عن الاقتصادات المتهالكة وتلك التى تسعى للرفع من كفاءتها وقدرتها على المنافسة ، والتى ترغب فى تحسين توظيف مواردها البشرية والمالية بل وحتى موقعها الجغرافى ، ولعل من غير المجدى انتقاد البنك الدولى ، فله الكثير من المحبين ن ممن لا يقبلون اى نقد له ، فما ان يطرح سؤالا او تبرز الحاجة لدراسة حتى تمتلئ بعض الاذهان بالبنك الدولى كمرشح وحيد ، لدرجة بت أشعر ان البنك الدولى – بالنسبة لنا – بيت استشارات وتدبيج دراسات اكثر منه مؤسسة تمويل !
وليس هذا مجالا لتناول البنك ، وليس لدى مع البنك قضية ، لكن يجب التاكيد – بصورة عامة – ان الرغبات والتحديات المحلية بحاجة كذلك لخيارات ولحلول ولمهارات وعقول محلية ، متفتحة وقادرة نعم ، لكن يشترط أن تكون محلية ، فالحلول والدراسات الاستراتيجية المستوردة تبقى محدودة القيمة تصلح لرفع الثقافة الاقتصادية من باب التعرف الى الادبيات لقضية معينة ليس اكثر . ثم بعد هذا كله ، ما الاصلاح الاقتصادى المقصود؟ هل هو رفع كفاءة القطاع الخاص وتنافسيته ؟ أم رفع اداء الحكومة ومؤسساتها ، وتقليص حجمها وبالتالى انفاقها ؟ فباب الرواتب (الباب الاول من الميزانية السعودية ) ، استغرق نحو 60% من ميزانية العام المالى 19/1429هـ (1999م ) ، أم أن ذلك كله ليس مقصودا بالاصلاح ، بل الاصلاح هو فك واعادة تركيب الالة البيروقراطية الضخمة التى يقارب تعداد موظفيها 700 الف ، وتنمو بمعدل 2.8 % سنويا ؟ أم أن المقصود اصلاح المالية العامة بما فى ذلك اعادة هيكلية مواردها وجدولة التزاماتها ؟ خلاصة القول اننا نفهم المقصود بالتنويع الاقتصادى ، لكن ليس واضحا ما المقصود بالاصلاح الاقتصادى فى البيئة السعودية ، وما هى اهداف هذا الاصلاح وآلياته ؟ وما هى انعكاساته على المؤسسات القائمة ، العام منها والخاص ؟ اصلاح المناخ خلال العقود الثلاثة الماضية تغيرت مفاهيم اقتصادية عديدة ، منها دور الحكومة ، فقد توسع ليشمل كل نواحى الاقتصاد ، فالحكومة حاليا هى القوة الاقتصادية المحركة ، وهكذا .. نجد أن مدخلنا للاصلاح الاقتصادى هو مدخل يقصد به كذلك التحول من اقتصاد يرتكز الى الانفاق الحكومى الى اقتصاد يحركه القطاع الخاص ومبادراته ، وبالتأكيد هناك تفاصيل وعوامل عدة يمكن تناولها ، لكن لنركز على القضية الاساسية : تقليص دور الحكومة كممارس للنشاط الاقتصادى .. هل سيكون من خلال الخصخصة ؟ واذا كان من خلال الخصخصة فقط ، فوق أى ألية ؟ وما هى القواعد والى اى مدى ستكون الشفافية متبعة ؟ تطرح هذه الاسئلة لبيان ان الخصخصة لم تكن قط هدفا نهائيا ، الخصخصة لن تخرج عن كونها نقل ممتلكات من جانب الى جانب آخر ضمن الاقتصاد السعودى ليس اكثر ، اما الامر الذى سيمثل نقله نوعية فى الحياة الاقتصادية ، فهو ايجاد بيئة تنافسية بعيدة عن سطوة الاحتكار ، فان كان النفط قد مول الخطط الخمسية الست الاولى ، ونجحت الحكومة فى ادارة الفوائض النفطية لدعم هدف استراتيجى هو التنويع ، يمكن الجزم ان كسر طوق الاحتكار والتقنين والترخيص للأنشطة الاقتصادية كفيل بتحسين اداء الاقتصاد السعودى للخروج من تحت عباءة النفط : فالحكومة تمارس الى الان دور المحفز والممول للأنشطة غير النفطية ، ولعل الارتقاء المطلوب الدفع بالتنويع الاقتصادى لآفاق جديدة عبر محفزات وتمويل من مؤسسات خاصة ، لتركز الحكومة على تحسين المناخ الاقتصاد العام ، فيما يمارس القطاع الخاص ليس فقط مهام الاستثمار بل كذلك توفير التمويل والمنتجات ذات العلاقة ، وهذا يعنى :
اعادة النظر فى وضعية مؤسسات حكومية وجدت اساسا كآليات لتحقيق سياسة التنويع ، ولعل هذه المؤسسات يجب ان تدرج على راس قائمة الخصخصة ، ولن اسهب فى موضوع الخصخصة فقد حظيت بكثير من التناول والتنظير .
كسر الاحتكار ووضع نظام لمجابهته ومحاربته .. فكما ان نظام الحماية قد ساهم عبر اربعين سنة من وجوده فى رعاية الصناعات الناشئة تحقيقا لهدف التنويع ، فالحقبة القادمة بحاجة لنظام للحماية ضد الاحتكار تحقيقا لذات الهدف ولكن بأدوات اخرى ، وستعرض الفقرات اللاحقة لهذه النقطة ببعض التفصيل .
حفز التنويع فى الاقتصاد السعودى يجب ان يرتكز على ادوات نابعة من رحم القطاع الخاص ، والاساس يرتبط بالرحم ذاته ويعنى فى المقام الاول بمكافحة الاحتكار ، فالاحتكار هو انعدام المنافسة ليخدم بائع واحد سوقا بكاملها .
آليات السوق

المنافسة ليست مطلوبة لذاتها ولا الاحتكار مرفوض لذاته ، لكن المنافسة تتلازم اجمالا مع الكفاءة الاقتصادية وظاهرة الاحتكار مستشرية فى الاقتصادات العربية ، وهذا احد اسباب تخلفها وعند استشراء الاحتكار تكون المنافسة والحرية الاقتصادية حبيستين حكما ، فيفقد بذلك الاقتصاد – اى اقتصاد – جزءا مهما من حيويته وحريته ، ذلك ان الحرية الاقتصادية لا تنحصر فقط فى ان يكون بامكان شخص (الطبيعى او الاعبتارى) التصرف بامواله استثمارا ونقلا ، ولكن تعنى كذلك حرية ذلك الشخص فى توظيفها فى اى نشاط اقتصادى يشاء ، اما عندما يقابل المستثمر بقائمة من الانشطة المحتكرة ، التى ليس بوسعه وضع امواله فيها ، فهذه اعاقة تتعارض مع الحرية الاقتصادية ، انطلاقا من ان قصر الممارسة الاقتصادية على مؤسسة او اثنتين يعنى بالضرورة استبعاد البقية ويأتى السؤال : لماذا ليس بامكان فلان او يؤسس بنكا او شركة طيران او شركة تليفونات ؟
وعوائق دخول السوق متعددة منها : عوائق نظامية كأن تحظر الحكومات المنافسة فى انشطة اقتصادية معينة ، وهذا النوع من العوائق يعد تدخلا حكوميا يحد عدة من جاذبية مناخ الاستثمار ، فهو ليس مبررا وفق اسس اقتصادية ، ومن العوائق غير الحكومية ان تحول ظروف السوق عمليا دون دخول منافسين جدد ، كأن تكون تكلفة الدخول فى السوق عالية مثل ايجاد شركة عملاقة تجابه مايكروسوفت ، او من خلال الكثافة الاعلانية كما هو متبع فى السلع الاستهلاكية وتعلق المستهلك باسم الشهرة مثل ماكدونالدز او ببسى كولا او استى لودر .
ثم ان عدم فتح المجال امام المؤسسات المحلية لتتنافس ، بما يساهم لتهيئة الانفتاح على الخارج .. لا ينسجم مع مطلب اتاحة الدور الاكبر للقطاع الخاص .. وربط النشاط الاقتصادى بالمبادرة الخاصة للفرد وللمؤسسات ، لتصبح هذه المبادرة هى القوة الدافعة للنمو الاقتصادى وترتكز اتاحة الفرصة للمبادرة الاقتصادية الخاصة الى ازالة العوائق ابتداء ومن العوائق الواضحة ان تمنع تلك المبادرة من الدخول فى انشطة اقتصادية باعتبار انها انشطة مقصورة (محتكرة ) على مؤسسة حكومة او على مؤسسة خاصة صاحبة امتياز .
ان الاحتكار هو عدو المنافسة اللدود ، يقمع فى آن واحد المستثمر والمستهلك معا ، الاول بأن يحد الفرص امامه ، والثانى بأن يقدم له سلعا مرتفعة السعر متواضعة الصنعة فاغلاق انشطة اقتصادية يعنى بالضرورة ان الاستثمار فى تلك الانشطة سيقتصر على جهات بعينها ، لتصبح مساهمة تلك الانشطة فى الاقتصاد الوطنى متعلقة بأوضاع المؤسسات المحتكرة وقدرتها على الاستثمار ثم ـأتيك الاسئلة المحيرة : لماذا لا تأتى الاموال من الخارج ، ولماذا لا يستثمر الاجانب اموالهم لدينا ؟ ولعل من المناسب ادراك ان الامر لا يتعلق فقط بتعديل نظام الاستثمار الاجنبى وبتحديثه ، لكن باتاحة افق ومجالات اوسع للاستثمار وللجميع وبما يعظم المصلحة العامة .

[ghenaim]

ولعل من المقبول القول أن اطلاق الحرية للمبادرة الاقتصادية دون تأجيا يعنى الفتك بالاحتكار وازالته ازالى تامة من الجميع ، والا فالاحتكار سيفتك بأنشطة اقتصادية واعدة ، فيحجمها ويقلصها ويجرها الى طريق الضمور والاندثار الاكيد ، فيما تكبر تلك الانشطة وتزدهر فى جنبات اخرى فى العالم ، فنطرح السؤال بعد سنوات لماذا ؟ ويمكن الجزم ان اصجاب الاعمال والاستحكامات التجارية الحالية لن يرحبوا اجمالا بالمنافسة .. وهذه ليست ظاهرة سعودية ، فقد كان " روفلكر" ، البليونير الامريكى الراحل ، يكره المنافسة ، حتى اشتهر عنه ترديده لمقولة المنافسة خطيئة ! هذا تفكير مقبول لدى كل من يريد ان يسير الاسواق على هواه ، وكما كان روكفلر يؤمن بضرورة انهاء المنافسة ، كذلك بل جيتز يمارس ذلك عمليا ، حتى اصبحت شركته الصديق اللدود ، تتربص بها الدوائر اطراف كثيرة وليس فقط الحكومة الامريكية اذا لابد من عمل شئ ، نظام مثلا ، لحبس الاحتكار ومحاصرته .. حتى لا يصبح الامر مجرد نفثات على صفحات الصحف ، تمكث يوما وما تلبث ان تموت . ؟ وكيف نتعامل مع النمو السكانى ايجابيا باعتباره مورد ؟ ويبين هذا الكتاب .. أن لقاء المصادفة بين الاقتصاد السعودى والنفط دام – حتى الان – اكثر من ستة عقود اما بداية تأسيس مشروع الدولة فلم يك تحلقا حول شعلة غاز ، أو على مائدة نفط .. بل رغبة فى اقامة كيان حضارى ، وما دام الامر كذلك ، فالمشروع الحضارى بحاجة الى قوة اقتصادية دافعة ، لقد ظل النفط بطل الحقبة الصناعية ، والان اخذت الموجات الكهرومغناطيسية تتسلل بتؤدة للصدارة ، مما يعنى ان وقت وضع اصلاحات هيكلية موضع التنفيذ مطلب ضرورى للتعامل ، ليس فقط مع المستجدات والتداعيات الطارئة ، بل اصبح امر تمليه طبيعة التطور المتحضر للأشياء :
إضمحلال "قوة الالة " ونشوء "قوة المعرفة " كما يعرض هذا الكتاب .. أولا للتحديات الاقتصادية ويضع مقترحات لكيفية اصلاحها عمليا ، استنادا الى بيانات واحصاءات وحالات عملية تبين ان الفرص المتاحة تبرر الاقدام المتحرق لا الانتظار المتردد .. وهكذا ، يسعى الكتاب لتوضيح ان استراتيجية " الفوز على المنافسين " فى بيئة شفافة تضمن تكافؤ الفرص وانخفاض التكلفة ، هى المرتكز التى على الاقتصاد السعودى التمحور حولها لتحسين قدرته التنافسية .. نهوضا وتصديا لتحديات مزمنة وطارئة واصطياد لفرص تحلق عاليا وربما بعيدا .
وهذا الكتاب عبارة عن مجموعة من المقالات التحليلية الطويلة كتبتها خلال العاملين 2001 و2002 م ، ونشرت بوتيرة اسبوعية فى صحيفة " الوطن " السعودية " خلال تلك الفترة .
كان محور تلك المقالات هو الاصلاح الاقتصادى ، انطلاقا من ان الاقتصاد السعودى اقتصاد ضخم مقارنة بمعظم الاقتصاديات النامية ، وانه اكتسب تجربة تنموية من موارد بشرية وطبيعية ورأسمالية وصلات عميقة مع الاقتصاديات الاخرى ، لكنه اقتصاد تحاصره تحديات مزمنة لا خيار امامه سوى تجاوزها والا تكالبت عليه حبائلها واختطفت فرصة أيدى المنافسين .. كان ذلك هو حال التحديات قبل تفجيرات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة ،وما زال صحيحا بعد تفجيرات 11 ربيع فى الرياض .
وتناول الاصلاحات الاقتصادية الهيكلية ليس تمرين رياضة ذهنية يمارس لتمرير الوقت ، فالعبرة دائما ترتكز الى ما ينفذ على الارض ، وعليه ، لا يستقيم تعطيل الاصلاح تحت أى ظرف ، كأن يرجأ تنفيذ برنامجه ريثما يتأكد شرط من نوع أو آخر ، إذ يمكن بيان ان الاصلاح حاجة غريزية تتوق لها المجتمعات المتحضرة وليس رغبة عابرة مترفة ، أما الغريزة فتشبع فى الاساس من تحد دائم للذات والسعى الحثيث للتحسين المستمر عبر الاتقان والابداع وامتلاك الجدارة لتقدم الصفوف .
وفى الحالة السعودية ، فقد تراكم عجز الخزانة العامة ليعادل حجم الدين العام من حيث القيمة الناتج المحلى الاجمالى للبلاد ( نحو 700 ألف مليون ريال ، أى أن نصيب كل مواطن منه نحو 30 ألف ريال ) ، والأداء الاقتصادى غير مرضى ( يقل متوسط معدل نموه السكانى عن نحو نصف قيمة متوسط معدل نمو السكان بما يعنى تراجع متوسط دخل الفرد ، حيث تراجع متوسط دخل الفرد قرابة 6.25 الى قرابة 30 ألفا فى العام 2002 م ) ، وتدنى نسبة الاستثمار للناتج المحلى الاجمالى لأقل من 20 بالمائة ، وارتفاع معدل البطالة لنحو 8.34 بالمائة من قوة العمل ، وزيادة اعداد العمالة الوافدة لتتجاوز ثلثى قوة العمل . هذه المؤشرات وسواها تمثل اعراضا لحالة بحاجة لاصلاح هيكى ناجز .. إذ ليس بوسع احد التصفيق لنمو اقتصادى قل عن واحد بالمائة فى العام المالى المنصرم (2002) فى حين تجاوز معدل نمو السكان ثلاثة اضعاف ذلك ، والا فانه يصفق للفقر ولتراجع دخل الفرد .
ويمكن الجدل ان الاقتصاد السعودى يملك فرصة للنهوض ، لكن الفرصة – أى فرصة – يستهلكها الانتظار وينهكها التثاقل .. فالانتظار لم يك قط قرار اقتصادى محبذ ، بل هو ملاذ اخير يمثل حالة طارئة بين حالات ، والانتظار مبرر لمدى زمنى قصير فقط وعند نقص المعلومات او تتابع المتغيرات العاصفة ، وبالقطع فالانتظار يعنى مضى الوقت دون استثمار عوامل الانتاج بما يضعف قدرة الاقتصاد المحلى مقارنة بالاقتصاديات المنافسة .. ومع ذلك يبدو ان هناك من يجادل ان بوسعه ضبط عقارب ساعة التنافس العالمى وفقا للتوقيت المحلى ! وهناك من يروج ألا فرصة امام الاقتصاد السعودى للمنافسة وازالة التشوهات من اسواق المال والسلع والخدمات والموارد البشرية وتوظيف تقنية المعلومات والاتصالات وسط تنافس عالمى وضغوط متزايدة متنوعة .
وبالمقابل فهناك من يدرك ان الاقتصاد السعودى قام على التحدى ، فقد تحدى الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الميلادى الماضى .. ومبدئيا ، لم يك قط مشروعا أدمن الاتكال على عوائد النفط ، فقد نجح دائما فى تجاوز صعوباته وان بصعوبة وتباطؤ .. نعم يأخذ بعض الوقت فى البداية نتيجة الرغبة فى التمعن والتريث حينا ، والمركزية والبيروقراطية احيانا ، لكن إجمالا يتمكن الاقتصاد السعودى من اكمال السباق ، وتاريخيا ، فقد واجه الاقتصاد السعودى تحديات عاتية فى الثلاثينيات والابعينيات وبالتأكيد فى الخمسينيات عندما تآكل غطاء الذهب للعملة المحلية الى نحو 10 بالمائة .. وعادت التحديات الاقتصادية الكبرى مع دخول منطقة الخليج العربى حالة من عدم الاستقرار وتتابع الحروب منذ بداية الثمانينيات الميلادية .. إذ يقدر ما فات الاقتصاد السعودى من استثمارات خلال العقدين الماضيين بنحو 580 مليار ريال .
وعلى أى حال ، ليس أمام الاقتصاد السعودى من خيار الا اظهار افضل ما لديه من اصرار فى توظيف موارده على تنوعها فى عصر العولمة والقضاء الافتراضى والتحولات الهائلة فى منطقة الخليج العربى بعد " تبخر" نظام صدام حسين .. وبعد بروز مؤشرات ضاغطة على الاقتصاد المحلى .
وهنا تتقدم اهمية انجاز اصلاحات هيكلية اقتصادية انجازا ميدانيا على الارض .. حتى يكتشف الاقتصاد ذاته من جديد .
ولعل الفرصة الاكيدة تكمن فى اجتياز تحدى توظيف الموارد البشرية الواعدة لبلد نحو ثلاثة ارباع مواطنيه دون الثلاثين من العمر نسبة الامية بينهم تقل عن 20 بالمائة .. ضمن رؤية اقتصادية تتحرق وتبدع لتحرك القدرة التنافسية الى اعلى .
الحاجة لبرنامج اصلاحات


لقد حفلت الاشهر القليلة الماضية بالعديد من الخطوات الاصلاحية الاقتصادية الجريئة ، التى لابد ان تترك آثارا ايجابية على مناخ الاستثمار ،ولعل من الضرورى الاقرار بان تلك الخطوات جاءت عقب خطوات مستقرة للحفاظ على توازن اقتصادنا الوطنى حتى فى ظل تحديات عصفت باقتصادات دول مجاورة وبعيدة ، ورغبة فى الحفاظ على استقلالية القرار الوطنى عن الضغوط الاقتصادية الخارجية ، حتى عندما ارتفعت الالتزامات وتراجعت الايرادات وجف الاحتياطي ، واصبح خيار الترشيد والتقشف غير كاف ،وحينما اطلت الحاجة للاستدانة برأسها قررت الدولة الاعتماد على الموارد المحلية وعدم الاستدانة من الخارج .
ولابد من بيان ارتكاز الحفاظ على قرار اقتصادى مستقل الى الابقاء على ادنى قدر ممكن من الالتزامات لجهات اجنبية ، فتلك الجهات تبحث عن مصالحها لا غير ، والمصادر التاريخية حافلة بالأدلة التى ترتهن مستقبل البلاد وثرواتها لسداد الديون ، ففى حال اختيار المملكة اللجوء للاقتراض الاجنبى ، فسداد تلك القروض الاجنبية لن يكون الا عبر زيادة ايرادات النفط ،وهذا امر لا يمكن ضمانه ، ذلك أن الايرادات كان يجب ان تكفى لتغطية احتياجات الانفاق زائدا التزامات سداد القروض الاجنبية وخدمتها ، وليس هناك من ضمانات ان دخل النفط سيكون كافيا لسداد مستحقات القروض الاجنبية وهكذا .. فكان لهاجس اضطرار البلاد الى الاقتراض من اجل سدا المستحق من قروض اجنبية ، أو الدخول فى دائرة الجدولة واعادة الجدولة ، وتطلب تجنب الوقوع فى هذه الدوامة المهلكة اقتصاديا قرار واعيا بالتداعيات الاقتصادية والسياسية ، وهكذا .. اتخذت القيادة السعودية قرارا تاريخيا بالاعتماد على الموارد المتاحة واللجوء لسياسة تقشفية اجمالا ، وانتهاج سياستين متكاملتين لتنفيذ قرار الاعتماد على الموارد المحلية :
الاولى خفض الانفاق ( بما فى ذلك اعادة جدولة الالتزمات المستحقة ) لتقليص فرص حدوث عجز مزمن فى الحساب الجارى ، ولتجنب استخدام اموال اجنبية لتغطية ما يعجز عنه ايراد الصادرات السعودية ( نفطية وغير نفطية) .
الثانية التوجه للاستدانة عند الضرورة من الداخل عبر ادوات عدة .
مراحل وأسماء


إذا كان مناسبا تقسم تقسيم الفترة التى أعقبت حرب الخليج بفترة الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى والتكيف مع شح الموارد ، فان بداية الخطة الخمسة السابعة تحمل نفسا جديدا يرتكز الى اهمية تحديث الاقتصاد الوطنى لتحسين قدرته فى زمن التنافس المفتوح ، ولعل التسمية المناسبة لتلك الخطوات مجتمعة هو تحسين تنافسية الاقتصاد السعودى ، وحيث إن لا مساحة فى المصطلح – كما يقال – فلا يجب ان يأخذ النقاش حول التسمية حيزا هنا ، ولابد هنا من بيان ان استراتيجية الحفاظ على الاستقرار الاقتصادى للمجتمع كانت هى الأهم الاصلاحات الاقتصادية ليست مطلبا فى حد ذاتها ، بل وسيلة لهدف ، ومن هنا من المفيد تعريف برنامجنا الوطنى للاصلاح الاقتصادى والاطار الزمنى المناسب لانجازه ، وأن يتحلى هذا البرنامج باعلى قدر ممكن من الشفافية ، انطلاقا من أن تنفيذ الاصلاحات سيتطلب تعاضد الموارد على تنوعها من رأس مال خاص وموارد بشرية ، كما ان هناك توترا بين الادبيات الرصينة فى الدلالة على ان الاصلاح الاقتصادى عبارة عن مشروع يجب ان يكون له مدى زمنى محدد ، ويجب ان يشمل عناصر محددة لاصلاحها وعليه ، فالحديث عن الاصلاحات الاقتصادية ليس خوضا فى العموميات ، بل وصفة اقتصادية لعلاج اقتصاد ما من متاعبه او للرفع من قدراته ..
ومع ذلك ، تثبت المعطيات ان مجتمعنا السعودى قد خطى خطوات تنموية مهمة ، وأن أموالا وجهودا مشهودة قد بذلت للارتقاء بمستوى معيشة الافراد وعززت امكانات المجتمع ككل ، لكن الشعوب الطامحة تسعى لتحدى الذات للارتقاء الدائب بقدراتها ، وفى هذا السياق ، يخطو مجتمعنا حاليا خطواته التأسيسية لمرحلة تتعاضد فيها امكانات المجتمع بقطاعاته كافة لتحقيق قفزة تجعل لاقتصادنا مكانة مرموقة فى عالم قرر اعادة تعريف اقتصاده ، واستبدل رداء تسييس الاقتصتد برداء أقصدة السياسة ، فأصبح السياسيون ينافسون أرباب الشركات فى تسويق المنتجات والخدمات الوطنية وفى الترويج لفرص الاستثمار فى بلدانهم .
دخل الفرد


يمكن الجدل ان الخطوات التأسيسية ترتكز الى رفع القدرة التنافسية للاقتصاد المحلى ، بقصد تحقيق هدف محدد وغير قابل للتجزئة ولا حتى التأخير ، بل يستوجب اتخاذ خطوات متتابعة وبرنامج معلن ، أما التحدى فهو : رفع مستوى دخل الفرد ، وفى هذا المجال فان رفع القدرة التنافسية شرط مبدئى ، باعتبار ان الدول آخذة فى الانفتاح كوسيلة لاستقطاب الموارد من البلدان الاخرى ولتوسيع دائرة رواج منتجاتها ، وهذا يعنى أن ليس للدول من خيار لتحقيق مزيد من الدخل سوى التنافس مع الكيانات الاقتصادية الاخرى ، وفوق ذلك السعى الدائم لتحسين قدرتها التنافسية لتحسن بالتالى فرص فوزها بالاستثمارات وببيع المزيد من منتجاتها .
ورغم الانجازات الاقتصادية الواضحة اتلى احرزها الاقتصاد السعودى عبر مسيرته التنموية ، فمن المفيد الاقتناع بأن رفع مستوى دخل الفرد هو محصلة وليس متغيرا مستقلا ، وأن رفع مستوى الدخل مطلب صعب يخضع لمعطيات الاقتصاد الخارجى خضوعه للأوضاع الاقتصادية المحلية ، أى أن هناك عوامل كثيرة خارج نطاق السيطرة ، وتجدر الاشارة ان تعزيز الدخل اصبح مطلبا اكثر إلحاحا لاعتبارات منها ان التقليات العاتية التى عاشتها منطقة الخليج العربى خلال الثلاثين عاما الماضية أثرت على وتائر التنمية وادت الى تواضع معدل النمو الاقتصادى ، ويمكن هنا الاكتفاء بالاشارة الى ان عدد سكان المملكة كان فى العام 1970 نحو 5.8 مليون ( طبقا لبيانات الامم المتحدة ) وقيمة الناتج المحلى الاجمالى نحو 20 مليار ريال بالأسعار الثابتة (طبقا للاحصاءات الرسمية ) ، وفى العام 1999 فقد بلغ عدد السكان نحو 19.9 مليون ( طبقا للتقديرات الرسمية ) وقيمة الناتج المحلى الاجمالى ( بالاسعار الثابتة ) نحو 68 مليارا ( طبقا للاحصاءات الرسمية ) ، وهكذا نجد ان نصيب الفرد من الناتج كان قبل ثلاثين عاما قرابة 3500 ريال ، وفى السنة الاخيرة من الخطة الخمسية السادسة 34000 ريال ، ولابد من التنويه الى ان الفترة الفاصلة بين العاميين اعلاه عاشت مخاضا اقتصاديا متواترا بين انبساط وانكماش .
المنافسة


هناك من قد يجادل فى خصوصيتنا ، ليخلط بين الثابت والمتحول ، وكأنه يظن عدم قابليتنا التأقلم بل وتوظيف المتغيرات ؟ وهناك من يعود بنا كلما أتى ذكر التنمية الى المربع الاول ، وكلما أتى ذكر التحولات الاقتصادية تزايد استخدام مفردات التريث ( أو كما قال د. خالد السيف فى مقال فى هذه الصحيفة : إعقل .. إركد ) ، وليس ىف طلب التريث ما يعيب ، لكن من الضرورى ادراك ان ضبط ساعة الانجاز يكون ليس وفق ما هو مريح لنا ، بل انسجاما مع توقيت عالمى لا نملك الا ان نقارن به : فإما أن نسبقه واما الا نتأخر عنه على أسوء تقدير ، وبغض النظر عن التوقيت ، فالوقت هو مورد يجب ان يحترم كما النفط ، فهو الذى يستغرق اعمارنا ، فوقتنا هو جملة ثوان ودقائق وساعات وايام لملايين من البشر يعيشون هنا ، والاعمار – كما هو معروف – الى نقص مع طلوع شمس كل نهار ، والنقطة هنا تحديدا : انطلاقا من ان برنامج الاصلاح يومى لتعظيم الاستفادة من الموارد ، وهو هدف قابل للقياس ، فيتبع ذلك ضرورة ربطه بمنظور زمنى ، فعجلة الفرص تدور .. وحتى لا يعتبر هذا المطلب من باب تضييق واسع ، فلعل من المناسب الاشارة الى ان ادبيات عدة اهتمت بتقدير الوقت الذى قد تحتاجه الاصلاحات ، بل هناك من وضع لها حدودا دنيا وعليا من حيث الوقت والاداء ، فمثلا يقيس البنك الاوربى لاعادة التعمير والتنمية عاما بعد عام مؤشرات رقمية تفصيلية عن التحول فى الاقتصادات الراغبة الانضمام للاتحاد الاوربى .
ومهما يكن من امر ، لا يجب الخلط بين الثابت والمتحول ، فليس مطروحا للنقاش التفاوض حول ثوابتنا ، لكن علينا التحول بما يعزز وضعنا ، وعند التحول يجب ان نحافظ على ذرة من الوقت ، فنحن فى حالة سباق ، ثم إن الحديث هنا عن الشأن الاقتصادى ورفاه المجتمع ، أى تحديدا عن لقمة العيش ، وجعل هذه اللقمة سائغة وكافية ومتأتية نتيجة كد وانتاج لا مرتكزة الى ريع ناضب ، وهذا يأخذنا الى الاصلاحات الاقتصادية ، وماهية هذه الاصلاحات .
اصلاحات اقتصادية من دون حماية من الاحتكار مجرد ترتيبات ادارية

خطت السعودية خلال العقود الثلاث الاخيرة من القرن العشرين خطوات اقتصادية مهيبة حملت مبادرات جرئية لخلط اوراق النفط فلا يمكث سيد مستبد بمجريات الامور ، وليس أقل تلك المبادرات جرأة الاصرار على ان تكون الارض السعودية مركزا صناعيا رئيسا ، وامتدادا لتلك المبادرات ، تسعى الحكومة حاليا لتهيئة الاقتصاد لانطلاقه نوعية جديدة : تزوده بالمرونة وسرعة الحركة الضروريتين للتعايش مع المخاض العولمى المتلاحق الطلقات ، وتحسن – فى المحصلة – من قدرته التنافسية اكسب نقاط فى دورى العولمة حيث اللعب تكسير والفرق المشاركة متجردة من أى روح رياضية ، ولا ينصب الحديث هنا عن الخصخصة والانضمام لمنظمة التجارة العالمية ، بل ما يتزامن معها او يتبعهما من خطوات ز
المفاجأة
تمكنت السعودية خلال العقود الاخيرة من التعامل مع مستجدات قاسية فرضت نفسها على منطقة الخليج العربى تحديدا والامة العربية اجمالا ، رمت بتبعات منهكة دونما استئذان ، فامتصت من مقدرات البلاد الشئ الكثير ، وابتلعت من ساعة التقدم سنوات فى حروب خاسرة ومغامرات تستعصى على الكسب ، ومع ذلك ، بقى الملف الاقتصادى محل اهتمام لملامسته ضروريات الحياة واربتاطه بالاستقرار وبرسم معالم المستقبل ، والان ، هل نحن على اعتاب التجهيز والترتيب لطفرة " غير نفطية " لا تعتمد على فوائض النبط بل على توظيف الموارد الاخرى للبلاد ؟
لعل من المفيد التوقف قليلا عند تجربتنا وطفرتنا الاقتصادية الاولى ، التى مولتها الفوائض النفطية ، ووجهتها رغبة الحكومة لتحقيق نقلة معيشية ولتنويع البنية الاقتصادية ، وارتكازا على النتائج خلال الفترة 1970 – 2000 ، قفز بالاقتصاد السعودى ليصبح الاقتصاد العربى الاول ، وضمن اكثر اقتصادات ( ما يسمى بالشرق الاوسط ) حيوية ( وعلينا هنا ملاحظة ان عوائق جسيمة حدث خلال هذه الفترة الحرجة من جاذبية المناخ الاقتصادى للمنطقة ، وكان لهذا انعكاسات سلبية كابحة ) . ولا يتناقض التأهب المعاش حاليا مع ضرورة اتخاذ خطوات " تجاوزية " ، فحدود رؤيتنا نضعها نحن ، ولا احد يقول انها يجب ان تتوقف عند حدود الانضمام لمنظمة التجارة وتتضح ضرورة الخطوات التجاوزية عند ادراك ان الاقتصاد العالمى فى مرحلة اعادة التعرف الى ذاته لأسباب وجيهة ، يمكن تلخيصها فى :
أن النمو الصاروخى لصناعة الاتصالات وتقنية المعلومات قد قلب الاوضاع ، واكتشف مجرة اقتصادية تسمى الاقتصاد الجديد وهذا امر يوجب اعادة الحسابات التفصيلية ويتطلب الخلوص لتوجهات استراتيجية نابعة من رحم الحقائق المستجدة .
ان الاقتصاد التقليدى وقواه المهيمنة اخذهما نمو الاقتصاد الرقمى – وان كانت تقنياته من صنعهما – على حين غرة ، فقد كانت تلك القوى مستغرقة تماما فى :
تحبير اتفاقات جولة " أورغوى" من جات ، ورسم خطوات " تعميد " الاقتصاد الدولى المتناثر الى اقتصاد عالمى مندمج ، تأخذ منظمة التجارة العالمية بناصيته ، لتصبح الحكومات الوطنية اقل سطوة بعد ان تفتح وتفتح ثم تفتح وتفتح .. والشركات العالمية تكسب اسواقا جديدة وارباحا متورمة .
حساب تبعات الضربات الصاعقة التى تلقتها آسيا المفجوعة باحتضار انجازها الاقتصادى .
أما المفاجأة فتتجسد ببروز دول فقيرة كالهند مثلا ، كنجوم ساطعة فى ط مجرة " الاقتصاد الرقمى وبعيدا عن نظرية المؤامرة ، أخذت القوى الاقتصادية التقليدية المهيمنة تتكالب على تلك الدول للاستئثار بمواردها كما كان ديدنها دائما ، مفرقة بين البلد الام وابنائه : فيكسب الهندى الفرد فى المدى القصير عندما يعمل فى وادى السيكون ويخسر الاقتصاد الهندى فى المدى الطويل ، ومن مؤشرات التنافس المجحف الذى افرزته المفاجأة ، ما يذكرنا بشركة الهند الشرقية واستبسالها فى سلب المواد الخام ، التنافس بين الولايات المتحدة وأوريا _ وخصوصا ألمانيا ) لاستقطاب الهنود من المتخصصين فى تقنيات المعلومات ، هذه العقول هى أهم مستلزمات الانتاج فى الاقتصاد الرقمى ، إذ تتجاوز اهمية المواد الخام ومصادر الطاقة فى الاقتصاد التقليدى .
حسابات جديدة

أولا ، لابد من الاقرار اقتصادية مثل الخصخصة والانضمام لمنظمة التجارة العالمية هى قضايا تنتمى لحقبة ماضية بتوقيت الاقتصاد العالمى المعاش .
وبالتأكيد ، فانجازهما مستحق ، يصب فى اصلاح المعطيات رغبة فى رفع مردودها واستفادة المجتمع منها : فالخصخصة مورست على نطاق واسع فى انحاء العالم منذ السبعينيات ، والتجأت اليها حتى جمهوريات الاتحاد السوفيتى المنهار والكواكب التى كانت تدور فى فلكه ، فروسيا احد أهم زبائن الخصخصة ، وأما اتفاقات جولة اورغوى من جات فقد وقعت فى مراكش فى ابريل من العام 1994 ، ودخلت نتائج الجولة حيز التنفيذ فى اليوم الاول من العام 1995 ، وكل من ينضم لاحقا يسعى للحاق بمن وقع تلك الوثائق آنئذ .
وعليه ، فتنفيذ برنامج واعى للخصخصة والاستجابة لمتطلبات الانضمام لمنظمة التجارة العالمية رغم اهميتها ، هما شرطان ضروريان لكنهما غير كافيين لتحقيق الازدهار فى عصر العولمة ، بل يمكن الاضافة ، أن عدم انجازهما فى نطاق زمنى قريب سيؤثر سلبا على القدرة التنافسية للبلاد ، ونضيف ان تحقيق نتائج فى زمن الانفتاح العالمى يتطلب مبادرات اقتصادية مميزة .. فالعولمة ركيزتها التقنية المعلوماتية وشبكات الاتصال ، ودافعها الرئيس ايثار الاقتصادات المتقدمة للأنشطة المستحدثة القائمة على المعرفة وليس للمواد الخام .
اذا ، فاعادة صياغة الاستراتيجية الاقتصادية للبلاد لتحقيق نتائج فى عالم اكثر تنافسية ، يتطلب اكثر من مجرد استيفاء ذانيك الشرطين : الخصخصة والانضمام للمنظمة ، فمن الخطأ الظن ان الدخول فى عضوية نادى العولمة هو بحد ذاته ميزة ، فغاية ما تقدمه العضوية رفع الضرر او التخفيف منه ، بل حتى منع الضرر عن الدول فى عصر العولمة لن يأتى الا بجهد عنيد تحركه رؤية ، فتحقيق مكاسب يتطلب جهدا منفصلا ولكن منسجما مع التزامات منظمة التجارة العالمية ، اذا ، ولتحقيق نتائج لابد من العمل على مستويين :
التنويع الاقتصادى : أخذ مبادرة ضمن اطار زمنى محدد لتحسين الاستفادة من الموارد الحالية تعزيزا لمطلب التنوع الاقتصادى للخروج من شرنقة النفط .
مبادرة استشرافية : صياغة مبادرة ضمن اطار زمنى محدد تربط بين الخطوة اعلاه ( اصلاح الهيكل الاقتصادى القائم) وبين امتلاك ادوات استيعاب الانشطة الاقتصادية المستجدة والعالية النمو ، لايجاد بيئة منافسة وحاضنة للأنشطة والممارسات الاقتصادية الحديثة .
ولعل من المقبول الجدل بأن هناك صراعا لاحتواء الاقتصاد الجديد ضمن منظومة عولمة الاقتصاد التقليدى ، بما يبقى قبضة القوى الاقتصادية التقليدية مهيمنة .. ولا فرق ان كان الصراع مخططا له أم لا ؟ فالعبرة ان مئات مليارات الدولارات قد حرقتها آلة " ناسداك" الجهنمية .. مما اكسب المشككين ورقة للقول بأن نكسة ناسداك دليل على تفجر فقاعة شركات الانترنت وبالتالى ما يسمى الاقتصاد الجديد ! لكن علينا ألا ننسى ان تلك الفقاعة تفجرت فى حضن الاقتصاد الامريكى .
وسط هذا الصراع بين القوى الاقتصادية ، وخصوصا الولايات المتحدة لاختطاف عصر المعلوماتية ، وروح تشكيك يبثها المعاون للعولمة ، يصعب : تلمس الحقائق ، واجتراح توجه واضح ، ووضع خطة تحرك تجلب لاقتصادنا المنافع .. فهل الخيار لا يخرج عما تفعله بعض الدول : " انفتاح وارتماء " ؟ الانجازات الاقتصادية لا تحققها البلدان بأن تتهافت ، فمنطق الاشياء يفرض علينا الفهم أولا ، بغض النظر عما يجنيه الاخرون فى المدى القصير نتيجة الارتماء ، فالالتزام لم يتعارض قط مع التفتح ، لكنه يتعارض بالضرورة مع التهافت .
وهكذا / ليس من بد ان ينسج الاقتصاد السعودى رداء واقيا وفكرا اقتصاديا استشرافيا مبادرا يجلب له المكاسب فى عصر انفلات واقتتال الاقتصاد العالمى ، وليس شرطا ان يكون ذلك الفكر تقليديا ، فلعل من المناسب استذكار ان مبادرة صناعة البتروكيماويات السعودية فى مطلع السبعينيات كانت جدلية ولم يضيرها ذلك ، وكانت محلية المنبت ، ومحلية الاصرار .. بل ان السعودية ضحت بالمصلحة العاجلة المنقطعة لتحقيق مصلحة آجلة مستقرة ، كما يضحى لاعب الشطرنج ببيدق حتى يكسب قطعة أثمن ، أما الفكر المطلوب فى المرحلة المعاشة والعقود القادمة فمرتكزة الانتقال من التنوع الى التميز ، فالتنوع يدور فى فلك الخصوصية المحلية : الحد من الاعتماد على النفط ، بأن تساهم انشطة اقتصادية متعددة فى توليد قيمة مضافة ، أما التميز فمقارن بطبيعته ، يتطلب الارتقاء باداء تلك الانشطة لبز المنافسة : تنمية الصادرات ، جذب الاستثمارات ، وبناء رأس مال بشرى قادر .. الخ .
انجازات واستشراف

باعتبار انجازات الماضى ، فالاقتصاد السعودى يملك الامكانات ، وسبق ان وظفها وحقق نتائج يجب الا تغيب عن الذهن فنحن بصدد مواصلة مسيرة وليس البدء من جديد ! ومن القناعات المحركة ان القضية ليست مجرد نفط ، ونتيجة تلك القناعات ان تعددت مصادر الناتج المحلى الاجمالى كالتالى : 7 بالمائة زراعة ، 10 بالمائة صناعة تحويلية ، 46% خدمات ، 37% نفط ، ومن حيث قيمة الناتج ، يحل الاقتصاد السعودى ثانيا فى منطقة الشرق الاوسط بعد تركيا ، متجاوزا اقتصادات اليونان وايران واسرائيل وباكستان وهو الاول عربيا من حيث قيمة الناتج المحلى الاجمالى ( يمثل نحو 23% من الاقتصاد العربى ) والاول من حيث صادرات الصناعة التحويلية ( نحو 27% من الصادرات الصناعية العربية ) ، والاول عربيا فى انشطة عدة بمعيار القيمة المضافة ، مثل : التشييد والبناء والنقل والمواصلات والاسكان والمرافق والخدمات الحكومية ، ويحل ثانيا (13.3 مليار دولار ) ، بعد مصر (16.3 مليار دولار ) فى ناتج الصناعة التحويلية ، وتمثل الصناعات الكيماوية والبتروكيماوية نحو 38 % من القيمة المضافة للصناعة التحويلية ، ويأتى ثانيا فى نشاط التمويل والتأمين والمصارف (5.8 مليار دولار) بعد مصر (16.7 مليار دولار ) .
التنويع الجديد


يتربع البنك الدولى على رأس وعاظ الاصلاح الاقتصادى ، لكن مدرسة البنك الدولى وصندوق النقد الدولى للاصلاح الاقتصادى ، مدرسة نمطية ، فرغم تمكنها التقنى لا تأبه كثيرا لتداعيات الحلول التى تقترحها ، ولابد من ادراك ان الاقتصاد السعودى ليس بحاجة لحلول معلبة مستوردة ، من نوع ما شهدناه يطبق فى بلدان حولنا ، اذ يمكن الجدل ان الرؤية الاقتصادية يجب دائما ان تكون محلية المنبع لتحقيق اهدافا مهمة محليا .. لا أن تكون مناسبة لهذه المؤسسة او لذلك البلد .. ثم هناك فرق بين الحديث عن الاقتصادات المتهالكة وتلك التى تسعى للرفع من كفاءتها وقدرتها على المنافسة ، والتى ترغب فى تحسين توظيف مواردها البشرية والمالية بل وحتى موقعها الجغرافى ، ولعل من غير المجدى انتقاد البنك الدولى ، فله الكثير من المحبين ن ممن لا يقبلون اى نقد له ، فما ان يطرح سؤالا او تبرز الحاجة لدراسة حتى تمتلئ بعض الاذهان بالبنك الدولى كمرشح وحيد ، لدرجة بت أشعر ان البنك الدولى – بالنسبة لنا – بيت استشارات وتدبيج دراسات اكثر منه مؤسسة تمويل !
وليس هذا مجالا لتناول البنك ، وليس لدى مع البنك قضية ، لكن يجب التاكيد – بصورة عامة – ان الرغبات والتحديات المحلية بحاجة كذلك لخيارات ولحلول ولمهارات وعقول محلية ، متفتحة وقادرة نعم ، لكن يشترط أن تكون محلية ، فالحلول والدراسات الاستراتيجية المستوردة تبقى محدودة القيمة تصلح لرفع الثقافة الاقتصادية من باب التعرف الى الادبيات لقضية معينة ليس اكثر . ثم بعد هذا كله ، ما الاصلاح الاقتصادى المقصود؟ هل هو رفع كفاءة القطاع الخاص وتنافسيته ؟ أم رفع اداء الحكومة ومؤسساتها ، وتقليص حجمها وبالتالى انفاقها ؟ فباب الرواتب (الباب الاول من الميزانية السعودية ) ، استغرق نحو 60% من ميزانية العام المالى 19/1429هـ (1999م ) ، أم أن ذلك كله ليس مقصودا بالاصلاح ، بل الاصلاح هو فك واعادة تركيب الالة البيروقراطية الضخمة التى يقارب تعداد موظفيها 700 الف ، وتنمو بمعدل 2.8 % سنويا ؟ أم أن المقصود اصلاح المالية العامة بما فى ذلك اعادة هيكلية مواردها وجدولة التزاماتها ؟ خلاصة القول اننا نفهم المقصود بالتنويع الاقتصادى ، لكن ليس واضحا ما المقصود بالاصلاح الاقتصادى فى البيئة السعودية ، وما هى اهداف هذا الاصلاح وآلياته ؟ وما هى انعكاساته على المؤسسات القائمة ، العام منها والخاص ؟ اصلاح المناخ خلال العقود الثلاثة الماضية تغيرت مفاهيم اقتصادية عديدة ، منها دور الحكومة ، فقد توسع ليشمل كل نواحى الاقتصاد ، فالحكومة حاليا هى القوة الاقتصادية المحركة ، وهكذا .. نجد أن مدخلنا للاصلاح الاقتصادى هو مدخل يقصد به كذلك التحول من اقتصاد يرتكز الى الانفاق الحكومى الى اقتصاد يحركه القطاع الخاص ومبادراته ، وبالتأكيد هناك تفاصيل وعوامل عدة يمكن تناولها ، لكن لنركز على القضية الاساسية : تقليص دور الحكومة كممارس للنشاط الاقتصادى .. هل سيكون من خلال الخصخصة ؟ واذا كان من خلال الخصخصة فقط ، فوق أى ألية ؟ وما هى القواعد والى اى مدى ستكون الشفافية متبعة ؟ تطرح هذه الاسئلة لبيان ان الخصخصة لم تكن قط هدفا نهائيا ، الخصخصة لن تخرج عن كونها نقل ممتلكات من جانب الى جانب آخر ضمن الاقتصاد السعودى ليس اكثر ، اما الامر الذى سيمثل نقله نوعية فى الحياة الاقتصادية ، فهو ايجاد بيئة تنافسية بعيدة عن سطوة الاحتكار ، فان كان النفط قد مول الخطط الخمسية الست الاولى ، ونجحت الحكومة فى ادارة الفوائض النفطية لدعم هدف استراتيجى هو التنويع ، يمكن الجزم ان كسر طوق الاحتكار والتقنين والترخيص للأنشطة الاقتصادية كفيل بتحسين اداء الاقتصاد السعودى للخروج من تحت عباءة النفط : فالحكومة تمارس الى الان دور المحفز والممول للأنشطة غير النفطية ، ولعل الارتقاء المطلوب الدفع بالتنويع الاقتصادى لآفاق جديدة عبر محفزات وتمويل من مؤسسات خاصة ، لتركز الحكومة على تحسين المناخ الاقتصاد العام ، فيما يمارس القطاع الخاص ليس فقط مهام الاستثمار بل كذلك توفير التمويل والمنتجات ذات العلاقة ، وهذا يعنى :
اعادة النظر فى وضعية مؤسسات حكومية وجدت اساسا كآليات لتحقيق سياسة التنويع ، ولعل هذه المؤسسات يجب ان تدرج على راس قائمة الخصخصة ، ولن اسهب فى موضوع الخصخصة فقد حظيت بكثير من التناول والتنظير .
كسر الاحتكار ووضع نظام لمجابهته ومحاربته .. فكما ان نظام الحماية قد ساهم عبر اربعين سنة من وجوده فى رعاية الصناعات الناشئة تحقيقا لهدف التنويع ، فالحقبة القادمة بحاجة لنظام للحماية ضد الاحتكار تحقيقا لذات الهدف ولكن بأدوات اخرى ، وستعرض الفقرات اللاحقة لهذه النقطة ببعض التفصيل .
حفز التنويع فى الاقتصاد السعودى يجب ان يرتكز على ادوات نابعة من رحم القطاع الخاص ، والاساس يرتبط بالرحم ذاته ويعنى فى المقام الاول بمكافحة الاحتكار ، فالاحتكار هو انعدام المنافسة ليخدم بائع واحد سوقا بكاملها .
آليات السوق

المنافسة ليست مطلوبة لذاتها ولا الاحتكار مرفوض لذاته ، لكن المنافسة تتلازم اجمالا مع الكفاءة الاقتصادية وظاهرة الاحتكار مستشرية فى الاقتصادات العربية ، وهذا احد اسباب تخلفها وعند استشراء الاحتكار تكون المنافسة والحرية الاقتصادية حبيستين حكما ، فيفقد بذلك الاقتصاد – اى اقتصاد – جزءا مهما من حيويته وحريته ، ذلك ان الحرية الاقتصادية لا تنحصر فقط فى ان يكون بامكان شخص (الطبيعى او الاعبتارى) التصرف بامواله استثمارا ونقلا ، ولكن تعنى كذلك حرية ذلك الشخص فى توظيفها فى اى نشاط اقتصادى يشاء ، اما عندما يقابل المستثمر بقائمة من الانشطة المحتكرة ، التى ليس بوسعه وضع امواله فيها ، فهذه اعاقة تتعارض مع الحرية الاقتصادية ، انطلاقا من ان قصر الممارسة الاقتصادية على مؤسسة او اثنتين يعنى بالضرورة استبعاد البقية ويأتى السؤال : لماذا ليس بامكان فلان او يؤسس بنكا او شركة طيران او شركة تليفونات ؟
وعوائق دخول السوق متعددة منها : عوائق نظامية كأن تحظر الحكومات المنافسة فى انشطة اقتصادية معينة ، وهذا النوع من العوائق يعد تدخلا حكوميا يحد عدة من جاذبية مناخ الاستثمار ، فهو ليس مبررا وفق اسس اقتصادية ، ومن العوائق غير الحكومية ان تحول ظروف السوق عمليا دون دخول منافسين جدد ، كأن تكون تكلفة الدخول فى السوق عالية مثل ايجاد شركة عملاقة تجابه مايكروسوفت ، او من خلال الكثافة الاعلانية كما هو متبع فى السلع الاستهلاكية وتعلق المستهلك باسم الشهرة مثل ماكدونالدز او ببسى كولا او استى لودر .
ثم ان عدم فتح المجال امام المؤسسات المحلية لتتنافس ، بما يساهم لتهيئة الانفتاح على الخارج .. لا ينسجم مع مطلب اتاحة الدور الاكبر للقطاع الخاص .. وربط النشاط الاقتصادى بالمبادرة الخاصة للفرد وللمؤسسات ، لتصبح هذه المبادرة هى القوة الدافعة للنمو الاقتصادى وترتكز اتاحة الفرصة للمبادرة الاقتصادية الخاصة الى ازالة العوائق ابتداء ومن العوائق الواضحة ان تمنع تلك المبادرة من الدخول فى انشطة اقتصادية باعتبار انها انشطة مقصورة (محتكرة ) على مؤسسة حكومة او على مؤسسة خاصة صاحبة امتياز .
ان الاحتكار هو عدو المنافسة اللدود ، يقمع فى آن واحد المستثمر والمستهلك معا ، الاول بأن يحد الفرص امامه ، والثانى بأن يقدم له سلعا مرتفعة السعر متواضعة الصنعة فاغلاق انشطة اقتصادية يعنى بالضرورة ان الاستثمار فى تلك الانشطة سيقتصر على جهات بعينها ، لتصبح مساهمة تلك الانشطة فى الاقتصاد الوطنى متعلقة بأوضاع المؤسسات المحتكرة وقدرتها على الاستثمار ثم ـأتيك الاسئلة المحيرة : لماذا لا تأتى الاموال من الخارج ، ولماذا لا يستثمر الاجانب اموالهم لدينا ؟ ولعل من المناسب ادراك ان الامر لا يتعلق فقط بتعديل نظام الاستثمار الاجنبى وبتحديثه ، لكن باتاحة افق ومجالات اوسع للاستثمار وللجميع وبما يعظم المصلحة العامة .
ولعل من المقبول القول أن اطلاق الحرية للمبادرة الاقتصادية دون تأجيا يعنى الفتك بالاحتكار وازالته ازالى تامة من الجميع ، والا فالاحتكار سيفتك بأنشطة اقتصادية واعدة ، فيحجمها ويقلصها ويجرها الى طريق الضمور والاندثار الاكيد ، فيما تكبر تلك الانشطة وتزدهر فى جنبات اخرى فى العالم ، فنطرح السؤال بعد سنوات لماذا ؟ ويمكن الجزم ان اصجاب الاعمال والاستحكامات التجارية الحالية لن يرحبوا اجمالا بالمنافسة .. وهذه ليست ظاهرة سعودية ، فقد كان " روفلكر" ، البليونير الامريكى الراحل ، يكره المنافسة ، حتى اشتهر عنه ترديده لمقولة المنافسة خطيئة ! هذا تفكير مقبول لدى كل من يريد ان يسير الاسواق على هواه ، وكما كان روكفلر يؤمن بضرورة انهاء المنافسة ، كذلك بل جيتز يمارس ذلك عمليا ، حتى اصبحت شركته الصديق اللدود ، تتربص بها الدوائر اطراف كثيرة وليس فقط الحكومة الامريكية اذا لابد من عمل شئ ، نظام مثلا ، لحبس الاحتكار ومحاصرته .. حتى لا يصبح الامر مجرد نفثات على صفحات الصحف ، تمكث يوما وما تلبث ان تموت .

[سيف الخيال]

التدريب ( الموارد البشرية ) والانفاق الاستثماري المدروس في مشاريع ذات جدوى اقتصادية ورفع الانتاجية ( الانتاج ) باستغلال الموارد أفضل استغلال وتوظيف الاموال والمحافظه عليها ( الموارد المالية ) ومحاولة فتح اسواق خارجية وداخلية ( التسويق ) ، وطبعا يسبق كل ذلك هو التخطيط والتظيم الجيد مع الاهتمام بالتوجيه والرقابة للمجهودات التي نقوم بها من خلال مدخلات صحيحة يجب علينا ايضا معالجتها معالجة صحيحة لكي تكون المخرجات حسب ما تم الترتيب اليها ترتيباً مسبقاً وبشكل صحيح ... ويجب ان نستغل التقنية الحديثة لرفع الكفاءة الانتاجية ...

[ghenaim]

شكرا اخى سيف كل ما ذكرته صحيح ولكن لن يتحقق الا بقرار اصلاحى سياسى وجراءة وابعاد المتنفذين من رجال الاعمال الشباب حول القيادة الذين لهم نفوذ على المستشارين

[سيف الخيال]

أخي غنيم اي شخص اذا تم تعليمه وتدريبه وتشجيعه وتم دعمه وتم توفير لها مناخ مناسب فانه سوف ينتج وبالانتاجية يستطيع تحسين دخله الى الأفضل ...

توفير المناخ المناسب ... خصوصا ونحن في تركيبه سكانية تتوفر فيها عوامل النجاح والشباب يحتل نسبة معدلات عالية ، فاذا لم نستطع أن نحسن دخلنا الى الافضل ونحن في عز الشباب ! فمتى سوف نحسن دخلنا ! اذا شيبنا وشاب الرأس ؟ :D

علينا استغلال العوامل الايجابية باسرع وقت ممكن ...