المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : كم نحن رخيصون



سامي التميمي
18-11-2004, Thu 7:01 PM
كم نحن رخيصون! مقال رائع لفيصل القاسم


ما أن يقع رهينة غربي أو حتى آسيوي في الأسر في العراق أو في أي مكان آخر حتى يتأهب بلده بأكمله، حكومة وشعباً ومجتمعاً مدنياً ووسائل إعلام، للاهتمام بقضيته لتصبح قضية وطنية بامتياز تشغل الرأي العام المحلي عن كل شيء آخر. فعلى الصعيد الرسمي تستنفر وزارة الخارجية في ذلك البلد ويشد الوزير الرحال فوراً إلى أقرب مكان يمكن أن يتابع منه مسألة الرهينة. وحدث ولا حرج عن السفارات التي تتحول إلى غرف عمليات للبحث عن أفضل طريقة لتخليص مواطنها المأسور من براثن الخاطفين. أما رئيس الدولة فيكون كله آذاناً صاغية لتلقي آخر الأنباء عن وضع ابن بلده المخطوف هذا إذا لم يكن الرئيس مربوطاً بخط هاتفي ساخن مع أكثر من جهة للإطمئنان على صحة الرهينة. أما الصحف والتلفزيونات والإذاعات فتنسى العالم وما فيه وتركز على قصة المخطوف الذي تتصدر أخباره الصفحات الأولى ونشرات الأخبار ناهيك عن حديث الشارع.

لقد شاهدنا كيف انطلق وزير الخارجية الفرنسي بسرعة البرق إلى العاصمة الإردنية عمان للتباحث مع أكثر من جهة لتأمين إطلاق الصحفيين الفرنسيين المختتطفين في العراق. لا بل إنه قام بجولة مكوكية في المنطقة والتقى بعض الزعماء العرب كي يساعدوه في إطلاق سراح المخطوفين الفرنسيين، ويا للحمية والنخوة لم يبخل قادتنا بوقتهم ومالهم لمساعدة فرنسا. وعندما تم اختطاف سيدتين إيطاليتين في بغداد فعل وزير الخارجية الإيطالي الشيء نفسه وراح يستخدم وسائل الإعلام العربية لمناشدة الخاطفين الإفراج عن المخطوفتين . وأجرت الحكومة البريطانية مفاوضات سرية مطولة لإطلاق الرهينة (بيغلي) واستنفرت كل طاقاتها الإعلامية والدبلوماسية والشعبية من أجله. وقد رأينا الشعب البريطاني وهو يرسل آلاف برقيات المواساة والتأييد لزوجة الرهينة. وها هو وزير الخارجية الياباني يكرر التجارب الفرنسية والإيطالية والبريطانية، لا بل إن رئيس الوزراء الياباني نفسه قطع أشغاله وظهر في أكثر من مقابلة تلفزيونية للتعليق على قضية الرهينة الياباني المختطف في العراق الذي غدت قضيته الهم القومي الأول في البلاد.

حتى الفليبين البلد الآسيوي الفقير آثر سحب قواته من العراق مقابل الحفاظ على روح رهينة فيلبيني هدد الخاطفون بقتله. بعبارة أخرى فقد فضلت رئيسة الفيلبين إنقاذ حياة أحد مواطنيها على المكاسب التي كان يمكن أن تجنيها حكومتها من غنيمة الغزو الأمريكي للعراق، بينما نجد بعض الأنظمة العربية تعمل من تحت الطاولة لإرسال قوات عربية إلى بلاد الرافدين بعد أن قبضت عمولات على رؤوس جنودها الذين تنوي إرسالهم إلى المسلخ العراقي.

الإسرائيليون بدورهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يفقدون أسيراً أو عندما يُعتقل لهم جاسوس. فهم لم يتركوا باباً إلا وطرقوه للإفراج عن عزام عزام المسجون في مصر وجاسوسهم الآخر جوناثان بولارد المعتقل في أمريكا. وقد لاحظنا كيف أن الحكومة الإسرائيلية تفاوض منذ سنوات عدة من أجل إطلاق سراح الطيار الإسرائيلي رون آراد المختفي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ويعتقدون أنه مأسور لدى حزب الله. ولا تتردد إسرائيل في مبادلة آلاف المعتقلين العرب لديها برفات جندي إسرائيلي موجودة في بلد عربي. وهي لا تيأس أبداً من الطلب والانتظار وفي أحيان كثيرة تجند جهات أوروبية لمساعدتها في مسعاها. لا بل إنها دخلت في مفاوضات ماراثونية مع ألد أعدائها في المنطقة ألا وهو حزب الله اللبناني من أجل استرداد أسراها مقابل الإفراج عن مئات العرب لديها وكأنها تقول لنا:"إن كل ألف عربي يساوون جمجمة يهودي ميت".

لسنا بحاجة لإسرائيل طبعاً كي تذكرنا بأن قيمة الإنسان العربي في المزاد الإنساني تساوي صفراً في أحسن الأحوال. فلا بواكي للأسرى والمختطفين والمنفيين والمفقودين العرب لا في الداخل ولا في الخارج، وكل من يتجرأ ويسأل عنهم قد يلحق بهم في بعض الدول العربية. وقد لاحظنا أنه في الوقت الذي كانت فرنسا تجند العالم من أجل صحفييها المختطفين في العراق لم يأت أحد على ذكر السائق العربي الذي كان يرافق الصحفيين واختطف معهما وكأنه بلا أي قيمة تـُذكر هذا مع العلم أن والدته المسكينة قد تمتلك من الحنان والرأفة تجاهه أكثر مما تمتلكه الأمهات الغربيات تجاه أبنائهن. واستطيع أن اؤكد أن سفير البلد الذي ينتمي إليه السائق المختطف في العراق لم يحرك ساكناً من أجله هذا إذا كان قد تذكره أصلاً. فمن هو السفير العربي الذي سيهتم بمجرد سائق مخطوف؟ لاحظوا الفرق بين التأهب الرئاسي في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا واليابان وبين اللامبالاة العربية الرسمية الكاملة تجاه الأسرى والمفقودين العرب حتى على مستوى السفارات فما بالك على مستوى زعمائنا "التاريخيين".

كيف تبكي أنظمتنا مفقودينا إذا كانت لا تأبه أصلاً بشعوبها داخل أوطانها إلا عندما تريد أن تقتص منها وتدوسها؟ لقد تأهبت كل الدول التي اقتيد أسراها إلى غوانتانامو باستثناء الدول العربية التي لم تحرك ساكناً من أجل مجرد الاطمئنان على رعاياها في ذلك المعسكرالفاشي. لقد تناستهم تماماً إن لم تكن أصلاً قد سلمت بعضهم للأمريكان. وكلنا يعرف قصة الأفغان العرب وعائلاتهم المسكينة الذين تشردوا وراحوا طعاماً للوحوش بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان. فلم يتجرأ بعض الأنظمة العربية حتى على الاعتراف بأن لديه رعايا في أفغانستان فما بالك أن يعمل من أجل عودتهم الميمونة إلى وطنهم. لا بل إن بعض الأنظمة أخبرت الأمريكيين عنهم كي تتدبر أمرهم بالطريقة الأمريكية المعهودة. وقد سمعنا أخباراً تقول إن إحدى الدول العربية كانت، من خلال جمعياتها الخيرية، تتظاهر بالاعتناء بالأفغان العرب وعائلاتهم في أفغانستان وباكستان بينما كانت في الواقع تقوم بدور قذر الهدف منه الإيقاع بهم والتحقيق معهم ومن ثم تسليمهم للأمريكيين.

إن الأنظمة العربية مشهورة بكرمها الزائد في التخلي عن مواطنيها وبيعهم برخص التراب، فبعضها لا يمانع حتى في تسليم رعاياه إلى دول أخرى كي يقضوا بقية حياتهم في غياهب السجون الأجنبية. وقد وصل الأمر بأجهزة استخبارات دولة عربية إلى تقديم معلومات إلى دولة أوربية عن معتقل مسكين من تلك الدولة العربية في سجن أوروبي مساهمة منها في تأكيد إدانته وتوريطه وإبقائه في السجن فقط لأنه كان معارضاً للنظام في ذلك البلد العربي. يا للشهامة! هذا في الوقت الذي كانت فيه جمعيات حقوق إنسان أوروبية تكافح من أجل إطلاق سراحه وتأكيد برائته. ومما يثير الضحك المجلجل أن الزعماء والمسؤولين العرب يهبون هبة رجل واحد لمساعدة نظرائهم الأوربيين والأمريكيين في البحث عن المختطفين الغربيين وبذل الغالي والرخيص من أجل تأمين سلامتهم. وقد لاحظنا في الأونة الأخيرة كيف استنفرت الجامعة العربية والعديد من الحكام العرب ناهيك عن الجمعيات والمؤسسات ووسائل الإعلام العربية في الداخل والخارج لمؤازرة الطليان والفرنسيين واليابانيين في البحث عن أسراهم في العراق. وقد شاهدنا شخصيات عربية كبيرة تتوجه إلى بغداد للتفاوض من أجل الإفراج عن الرهائن الغربيين بينما لم يحركوا ساكناً من أجل الإفراج عن عشرات الألاف من الأسرى العرب في السجون الأمريكية في أبو غريب وغيره من السجون التي يلقى فيها الإنسان العربي ابشع أنواع التعذيب والإهانة.

وقد ذهب أحد الأنظمة العربية إلى أبعد من ذلك في كرمه الحاتمي عندما أوعز إلى جمعياته الخيرية الثرية جداً وذات "الصيت العالمي" أن تجود بالملايين من أجل إنقاذ حياة الرهينة البريطاني الشهير (بيغلي). ولو توقف الأمر على الرهائن الغربيين في العراق لقلنا ماشي الحال، لكن النظام العربي إياه تبرع بمجهوداته المادية والمعنوية في الماضي من أجل إطلاق مختطفين أمريكيين في مناطق أخرى من العالم، هذا في الوقت الذي لا يتردد فيه ذلك النظام العربي وأمثاله في سحل الألاف من مواطنيه وإطعام لحمهم للكلاب الضالة أو زجهم في سجون جهنمية لمجرد أنهم يطالبون ببعض حقوقهم البسيطة. وبينما تبرعت بعض الأنظمة العربية بمالها الوفير من أجل المساهمة في الإفراج عن رهائن غربيين تبرعت أخرى بسجونها ومعتقلاتها كي تكون مراكز لتعذيب الأشخاص العرب المطلوبين لوكالات الاستخبارات الأمريكية والتحقيق معهم وذلك لأن التعذيب ممنوع في السجون الأمريكية حسب القوانين. لاحظوا المفارقة في موقف بعض الدول العربية فهي تبذل كل ما في وسعها للمساعدة في تأمين سلامة الرهائن الغربيين بينما تتواطئ على التنكيل برعايها وسومهم سوء العذاب نيابة عن الأمريكيين.

لسنا طبعاً ضد الإفراج عن أي رهينة بريء في العراق أو في أي مكان آخر من العالم أو المساعدة في إطلاق سراحه، لا بل إننا يجب أن ننحني إجلالاً وإكباراً للقادة والمسؤولين الغربيين والآسيويين الذي استبسلوا في إنقاذ حياة رهائنهم في العراق بكل السبل. وفي المقابل لا يمكننا إلا أن ندين هذا النفاق العربي ومعه موقف الحكومات العربية التي لم تتحرك يوماً لإنقاذ مجتمعاتها فضلاً عن أسراها. متى سمعتم أن زعيماً أو حتى وزيراً عربياً أو مسؤولاً من الدرجة العاشرة تنازل وطالب بالإفراج عن أسير أو رهينة عربية؟ متى سمعتم زعيماً عربياً تلفظ باسم سجين أو أسير؟ لم يحدث. ولولا حزب الله لبقي مئات الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية إلى أبد الآبدين لأن ليس لهم من يطالب بهم، فثمن الإنسان العربي بنظر حكامه أرخص من الماء.

وطالما بقيت أنظمتنا تعامل رعاياها بهذا الاستخفاف والاستحقار الصارخين سنبقى في مؤخرة الأمم، فمن لا يحترم نفسه ويحترم شعبه لا يمكن أن يحترمه أحد. ومن لا يصنع قيمة وهيبة لنفسه لا يمكن أن يصنعهما أحد له. هل أخطأ الأمريكيون عندما رفعوا في يوم من الأيام يافطة تقول: "ادفع دولاراً واقتل عربياً"؟



جريدة الشرق القطرية

عبدالله الكثيري
18-11-2004, Thu 9:48 PM
http://www.thegulfbiz.com/vb/showthread.php?threadid=95683

Fadi
19-11-2004, Fri 12:16 AM
الرسالة الأصلية كتبت بواسطة سامي التميمي
كم نحن رخيصون! مقال رائع لفيصل القاسم


ما أن يقع رهينة غربي أو حتى آسيوي في الأسر في العراق أو في أي مكان آخر حتى يتأهب بلده بأكمله، حكومة وشعباً ومجتمعاً مدنياً ووسائل إعلام، للاهتمام بقضيته لتصبح قضية وطنية بامتياز تشغل الرأي العام المحلي عن كل شيء آخر. فعلى الصعيد الرسمي تستنفر وزارة الخارجية في ذلك البلد ويشد الوزير الرحال فوراً إلى أقرب مكان يمكن أن يتابع منه مسألة الرهينة. وحدث ولا حرج عن السفارات التي تتحول إلى غرف عمليات للبحث عن أفضل طريقة لتخليص مواطنها المأسور من براثن الخاطفين. أما رئيس الدولة فيكون كله آذاناً صاغية لتلقي آخر الأنباء عن وضع ابن بلده المخطوف هذا إذا لم يكن الرئيس مربوطاً بخط هاتفي ساخن مع أكثر من جهة للإطمئنان على صحة الرهينة. أما الصحف والتلفزيونات والإذاعات فتنسى العالم وما فيه وتركز على قصة المخطوف الذي تتصدر أخباره الصفحات الأولى ونشرات الأخبار ناهيك عن حديث الشارع.

لقد شاهدنا كيف انطلق وزير الخارجية الفرنسي بسرعة البرق إلى العاصمة الإردنية عمان للتباحث مع أكثر من جهة لتأمين إطلاق الصحفيين الفرنسيين المختتطفين في العراق. لا بل إنه قام بجولة مكوكية في المنطقة والتقى بعض الزعماء العرب كي يساعدوه في إطلاق سراح المخطوفين الفرنسيين، ويا للحمية والنخوة لم يبخل قادتنا بوقتهم ومالهم لمساعدة فرنسا. وعندما تم اختطاف سيدتين إيطاليتين في بغداد فعل وزير الخارجية الإيطالي الشيء نفسه وراح يستخدم وسائل الإعلام العربية لمناشدة الخاطفين الإفراج عن المخطوفتين . وأجرت الحكومة البريطانية مفاوضات سرية مطولة لإطلاق الرهينة (بيغلي) واستنفرت كل طاقاتها الإعلامية والدبلوماسية والشعبية من أجله. وقد رأينا الشعب البريطاني وهو يرسل آلاف برقيات المواساة والتأييد لزوجة الرهينة. وها هو وزير الخارجية الياباني يكرر التجارب الفرنسية والإيطالية والبريطانية، لا بل إن رئيس الوزراء الياباني نفسه قطع أشغاله وظهر في أكثر من مقابلة تلفزيونية للتعليق على قضية الرهينة الياباني المختطف في العراق الذي غدت قضيته الهم القومي الأول في البلاد.

حتى الفليبين البلد الآسيوي الفقير آثر سحب قواته من العراق مقابل الحفاظ على روح رهينة فيلبيني هدد الخاطفون بقتله. بعبارة أخرى فقد فضلت رئيسة الفيلبين إنقاذ حياة أحد مواطنيها على المكاسب التي كان يمكن أن تجنيها حكومتها من غنيمة الغزو الأمريكي للعراق، بينما نجد بعض الأنظمة العربية تعمل من تحت الطاولة لإرسال قوات عربية إلى بلاد الرافدين بعد أن قبضت عمولات على رؤوس جنودها الذين تنوي إرسالهم إلى المسلخ العراقي.

الإسرائيليون بدورهم يقيمون الدنيا ولا يقعدونها عندما يفقدون أسيراً أو عندما يُعتقل لهم جاسوس. فهم لم يتركوا باباً إلا وطرقوه للإفراج عن عزام عزام المسجون في مصر وجاسوسهم الآخر جوناثان بولارد المعتقل في أمريكا. وقد لاحظنا كيف أن الحكومة الإسرائيلية تفاوض منذ سنوات عدة من أجل إطلاق سراح الطيار الإسرائيلي رون آراد المختفي منذ أكثر من خمسة عشر عاماً ويعتقدون أنه مأسور لدى حزب الله. ولا تتردد إسرائيل في مبادلة آلاف المعتقلين العرب لديها برفات جندي إسرائيلي موجودة في بلد عربي. وهي لا تيأس أبداً من الطلب والانتظار وفي أحيان كثيرة تجند جهات أوروبية لمساعدتها في مسعاها. لا بل إنها دخلت في مفاوضات ماراثونية مع ألد أعدائها في المنطقة ألا وهو حزب الله اللبناني من أجل استرداد أسراها مقابل الإفراج عن مئات العرب لديها وكأنها تقول لنا:"إن كل ألف عربي يساوون جمجمة يهودي ميت".

لسنا بحاجة لإسرائيل طبعاً كي تذكرنا بأن قيمة الإنسان العربي في المزاد الإنساني تساوي صفراً في أحسن الأحوال. فلا بواكي للأسرى والمختطفين والمنفيين والمفقودين العرب لا في الداخل ولا في الخارج، وكل من يتجرأ ويسأل عنهم قد يلحق بهم في بعض الدول العربية. وقد لاحظنا أنه في الوقت الذي كانت فرنسا تجند العالم من أجل صحفييها المختطفين في العراق لم يأت أحد على ذكر السائق العربي الذي كان يرافق الصحفيين واختطف معهما وكأنه بلا أي قيمة تـُذكر هذا مع العلم أن والدته المسكينة قد تمتلك من الحنان والرأفة تجاهه أكثر مما تمتلكه الأمهات الغربيات تجاه أبنائهن. واستطيع أن اؤكد أن سفير البلد الذي ينتمي إليه السائق المختطف في العراق لم يحرك ساكناً من أجله هذا إذا كان قد تذكره أصلاً. فمن هو السفير العربي الذي سيهتم بمجرد سائق مخطوف؟ لاحظوا الفرق بين التأهب الرئاسي في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا واليابان وبين اللامبالاة العربية الرسمية الكاملة تجاه الأسرى والمفقودين العرب حتى على مستوى السفارات فما بالك على مستوى زعمائنا "التاريخيين".

كيف تبكي أنظمتنا مفقودينا إذا كانت لا تأبه أصلاً بشعوبها داخل أوطانها إلا عندما تريد أن تقتص منها وتدوسها؟ لقد تأهبت كل الدول التي اقتيد أسراها إلى غوانتانامو باستثناء الدول العربية التي لم تحرك ساكناً من أجل مجرد الاطمئنان على رعاياها في ذلك المعسكرالفاشي. لقد تناستهم تماماً إن لم تكن أصلاً قد سلمت بعضهم للأمريكان. وكلنا يعرف قصة الأفغان العرب وعائلاتهم المسكينة الذين تشردوا وراحوا طعاماً للوحوش بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان. فلم يتجرأ بعض الأنظمة العربية حتى على الاعتراف بأن لديه رعايا في أفغانستان فما بالك أن يعمل من أجل عودتهم الميمونة إلى وطنهم. لا بل إن بعض الأنظمة أخبرت الأمريكيين عنهم كي تتدبر أمرهم بالطريقة الأمريكية المعهودة. وقد سمعنا أخباراً تقول إن إحدى الدول العربية كانت، من خلال جمعياتها الخيرية، تتظاهر بالاعتناء بالأفغان العرب وعائلاتهم في أفغانستان وباكستان بينما كانت في الواقع تقوم بدور قذر الهدف منه الإيقاع بهم والتحقيق معهم ومن ثم تسليمهم للأمريكيين.

إن الأنظمة العربية مشهورة بكرمها الزائد في التخلي عن مواطنيها وبيعهم برخص التراب، فبعضها لا يمانع حتى في تسليم رعاياه إلى دول أخرى كي يقضوا بقية حياتهم في غياهب السجون الأجنبية. وقد وصل الأمر بأجهزة استخبارات دولة عربية إلى تقديم معلومات إلى دولة أوربية عن معتقل مسكين من تلك الدولة العربية في سجن أوروبي مساهمة منها في تأكيد إدانته وتوريطه وإبقائه في السجن فقط لأنه كان معارضاً للنظام في ذلك البلد العربي. يا للشهامة! هذا في الوقت الذي كانت فيه جمعيات حقوق إنسان أوروبية تكافح من أجل إطلاق سراحه وتأكيد برائته. ومما يثير الضحك المجلجل أن الزعماء والمسؤولين العرب يهبون هبة رجل واحد لمساعدة نظرائهم الأوربيين والأمريكيين في البحث عن المختطفين الغربيين وبذل الغالي والرخيص من أجل تأمين سلامتهم. وقد لاحظنا في الأونة الأخيرة كيف استنفرت الجامعة العربية والعديد من الحكام العرب ناهيك عن الجمعيات والمؤسسات ووسائل الإعلام العربية في الداخل والخارج لمؤازرة الطليان والفرنسيين واليابانيين في البحث عن أسراهم في العراق. وقد شاهدنا شخصيات عربية كبيرة تتوجه إلى بغداد للتفاوض من أجل الإفراج عن الرهائن الغربيين بينما لم يحركوا ساكناً من أجل الإفراج عن عشرات الألاف من الأسرى العرب في السجون الأمريكية في أبو غريب وغيره من السجون التي يلقى فيها الإنسان العربي ابشع أنواع التعذيب والإهانة.

وقد ذهب أحد الأنظمة العربية إلى أبعد من ذلك في كرمه الحاتمي عندما أوعز إلى جمعياته الخيرية الثرية جداً وذات "الصيت العالمي" أن تجود بالملايين من أجل إنقاذ حياة الرهينة البريطاني الشهير (بيغلي). ولو توقف الأمر على الرهائن الغربيين في العراق لقلنا ماشي الحال، لكن النظام العربي إياه تبرع بمجهوداته المادية والمعنوية في الماضي من أجل إطلاق مختطفين أمريكيين في مناطق أخرى من العالم، هذا في الوقت الذي لا يتردد فيه ذلك النظام العربي وأمثاله في سحل الألاف من مواطنيه وإطعام لحمهم للكلاب الضالة أو زجهم في سجون جهنمية لمجرد أنهم يطالبون ببعض حقوقهم البسيطة. وبينما تبرعت بعض الأنظمة العربية بمالها الوفير من أجل المساهمة في الإفراج عن رهائن غربيين تبرعت أخرى بسجونها ومعتقلاتها كي تكون مراكز لتعذيب الأشخاص العرب المطلوبين لوكالات الاستخبارات الأمريكية والتحقيق معهم وذلك لأن التعذيب ممنوع في السجون الأمريكية حسب القوانين. لاحظوا المفارقة في موقف بعض الدول العربية فهي تبذل كل ما في وسعها للمساعدة في تأمين سلامة الرهائن الغربيين بينما تتواطئ على التنكيل برعايها وسومهم سوء العذاب نيابة عن الأمريكيين.

لسنا طبعاً ضد الإفراج عن أي رهينة بريء في العراق أو في أي مكان آخر من العالم أو المساعدة في إطلاق سراحه، لا بل إننا يجب أن ننحني إجلالاً وإكباراً للقادة والمسؤولين الغربيين والآسيويين الذي استبسلوا في إنقاذ حياة رهائنهم في العراق بكل السبل. وفي المقابل لا يمكننا إلا أن ندين هذا النفاق العربي ومعه موقف الحكومات العربية التي لم تتحرك يوماً لإنقاذ مجتمعاتها فضلاً عن أسراها. متى سمعتم أن زعيماً أو حتى وزيراً عربياً أو مسؤولاً من الدرجة العاشرة تنازل وطالب بالإفراج عن أسير أو رهينة عربية؟ متى سمعتم زعيماً عربياً تلفظ باسم سجين أو أسير؟ لم يحدث. ولولا حزب الله لبقي مئات الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية إلى أبد الآبدين لأن ليس لهم من يطالب بهم، فثمن الإنسان العربي بنظر حكامه أرخص من الماء.

وطالما بقيت أنظمتنا تعامل رعاياها بهذا الاستخفاف والاستحقار الصارخين سنبقى في مؤخرة الأمم، فمن لا يحترم نفسه ويحترم شعبه لا يمكن أن يحترمه أحد. ومن لا يصنع قيمة وهيبة لنفسه لا يمكن أن يصنعهما أحد له. هل أخطأ الأمريكيون عندما رفعوا في يوم من الأيام يافطة تقول: "ادفع دولاراً واقتل عربياً"؟



جريدة الشرق القطرية


مقال رائع ....لاكن....:(