المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المورمون والمسلمون والـ"سي إن إن"



Dr.M
17-11-2004, Wed 10:48 AM
المورمون والمسلمون والـ"سي إن إن"

عبدالله المغلوث*
فطائر وابتسامات طازجة أقطفها يوميا من جاري كين (56 عاماً)، يعمل صباحا في مصنع للزجاج بمدينة أوقدن في ولاية يوتاه (غرب أمريكا) ومساءً في مطبخه الواسع لإعداد الفطائر والبسكويت لأبنائه وأحفاده.
يتسلق الأطفال بانتظام على كتفيه والفرح على وجهه، يعلق على صدر غرفة الطعام صورة زوجته التي التهمها السرطان وبقية أعضاء أسرته وصورتي بالزي التقليدي.
طائفة (المورمون) المسيحية في أمريكا، تواجه مشكلات الحياة عبر تنمية العلاقات الأسرية وتعميق الروابط الاجتماعية، اكتشفت هذا الأمر بوضوح أثناء إقامتي قبل عدة سنوات في ولاية يوتاه (نحو71% من السكان من المورمون)، لاحظت طبيعة العلاقة بين سكان الولاية، شعرت أنني في منزل كبير، أتبادل الطعام، والهدايا، والأفراح، والأتراح مع الجيران ورفاق الفصل، والجميع يعرف الجميع...
مراكز لتنمية الموارد البشرية تنتشر بكثافة في أرجاء الولاية، لم ألتق عاطلا طوال 3 سنوات أفنيتها في يوتاه، يدركون أن هناك وظيفة ما لكل كائن، لا تزور وجهي علامات التعجب عندما أدخل فصلا في الكلية وأجده مليئاً بأطفال هادئين يسكنون الزوايا الرحبة مشغولين بقطع حلوى تطرز شفاههم، عقيدة المورمون تحذر من الجنس قبل الزواج وتحث على الاقتران المبكر مما يجعل شبان وفتيات لم يتجاوزن العشرين يدفعون عربات تتصدرها أطفالهم بين ممرات الجامعة والشوارع.
يقول لي جاري كين: "نشبهكم، جدي تزوج 5 نساء، بلاشك نختلف في تفاصيل عدة لكن ربما نكون من أقرب الأديان إلى الإسلام".
لا يشبهوننا في تعدد الزوجات فحسب بل في تحريم المشروبات الكحولية، لا تتوافر القهوة في المنازل بوفرة، حيث ينهى عنها أبناء المورمون باستمرار، أستاذ قوانين الإعلام الدولية في كلية يوتاه ريتشارد شيري عانى كثيرا عندما انتقل إلى الدراسة في كاليفورنيا واعتاد على القهوة والسجائر: "مشاهدة سيجارة أمامي في التلفزيون أثناء وجودي في يوتاه أمر مؤذٍ، أضعف أمامها، أسترجع رائحتها التي أحبها والقهوة التي تختلط بنكهتها في فمي، الكافيين محرم هنا، دراستي الدكتوراة في سان دييجو جعلتني أمارس عادات لا أستطيع القيام بها الآن أمام عائلتي التي تعتبرني مثالا للمؤمن الصرف، أرجوك لا تنشر هذا الكلام في صحيفة محلية، أزهو ببيئتي حاليا وأريد أن أنسى الماضي ورائحته".
الزائر إلى يوتاه - يعيش في أنحائها أكبر عدد من المورمون- يفتش بصعوبة عن مراكز متخصصة لتقديم القهوة، مقهى(ستار باكس) الأمريكي المنتشر في مدن سعودية متعددة، لم يفتتح فرعا له في مدينة أوقدن- يوتاه - إلا قبل أسابيع قليلة.
يعيش في يوتاه وحدها 1,236,242 شخصاً تقريبا، وفي كاليفورنيا نحو 533,741 شخصاً ويمثل عددهم 1.79% من السكان، وفي آيداهو يعيش 268,060 شخصاً من المورمون ما نسبته 26.63%، وفي كولورادو يكبر الرقم تدريجيا، حاليا عددهم 70,313 شخصاً بنسبة 2.13%، وتكساس استقطبت عدداً يستحق الإشارة فقد بلغ 111,276 شخصاً أي ما يعادل 0.66% من السكان، أما نيفادا المشهورة بعاصمتها لاس فيجاس فنسبة المورمن على أراضيها يزيد على 7.41% حيث وصل عدد المورمون وفق آخر إحصائية أعلنتها الولاية إلى 89,033 شخصاً، وأكثر من 10 ولايات أمريكية يسكنها أكثر من 50 ألفاً من المورمون تشملها الستة السابقة و البقية هي: واشنطن 150,634شخصاً، و أوريجون 89,601 شخصاً، و فلوريدا 59,845 شخصاً، و أريزونا 199,761 شخصاً.
16% فقط من مواليد الولاية لغير متزوجين كأقل نسبة في الولايات كلها، وتأتي آيداهو في المرتبة الثانية بنسبة 30% وهي الثانية أيضا في عدد المورمون بالنسبة لسكان الولاية.
يعلق الاختصاصي الاجتماعي بوب فالي: "أعتقد أن الـ 16% جاءت من 28% التي يتضمنها سكان الولاية غير المورمون، يوتاه محافظة للغاية وأبناؤها حريصون على هويتهم وصورتهم المختلفة عن سائر الولايات، وقد يتندر بعض السكان على عادات المورمون وتقاليدهم، لكنني أجد أنها الولاية الأكثر أمانا واستقرارا على الرغم من شح ثرواتها ومواردها مقارنة بالولايات الأخرى، لستُ من المورمون لكن الصورة التي ينقشها الإعلام عن هذه الطائفة غير حقيقية، هل عشت بينهم؟".
دراستي في الولاية الجبلية جعلني أشعر بحميمية بالغة وكأنني في بيتي، أطفال يهبطون من النوافذ، وأرواح قريبة، لم أذكر بغربة فاقعة أثناء تنقلي بين الولايات، شعرت بقبول، لكن يوتاه مختلفة جدا، الضيف مهما كان يحظى بالأولوية، أذكر مشفى الجامعة عندما نظم بالتعاون مع كلية طب الأسنان يوما للكشف المجاني على الطلبة، اسمي والطلاب الأجانب تقدم اللائحة، أيضا بعد أحداث سبتمبر، بكت مديرة الطلاب الأجانب الأمريكية ديانا ريدرز على مسامع مدير الجامعة وآلاف الطلاب لأن أمريكا ضخت الرعب في أوردة السعوديين.
رفاق الفصل يقضون عطلة نهاية الأسبوع بمتابعة المباريات دون كحول وسجائر تعانق أياديهم مثل عادة الولايات الأخرى.
14% فقط من البالغين يدخنون السجائر في يوتاه مقابل 18% في مينيسوتا وكنتاكي، بينما ترتفع النسبة في الولايات الأمريكية الأخرى.
يعدُّ تخصص الصحافة، أكثر التخصصات التي تجد رواجا في العقد الأخير في يوتاه، يأمل أبناء الولاية عبر التحاقهم بهذا الحقل في أن يعكسوا صورة وطنهم كما يرونه لا كما يراه الزائر غير الدقيق على حد تعبيرهم، رفيقة الفصل فينسا ووربر عملت مراسلة لقناة فوكس أثناء الألعاب الشتوية التي استضافتها سولت ليك سيتي (عاصمة يوتاه عام2001م) تحلم في الانتقال إلى الأعلى، إلى واشنطن، أو نيويورك: "من أبسط حقوقي، أن أقول للعالم أنا من المورمون، فتاة تتحرك بمفردها، بثقة، تحب مسقط رأسها وتحترم العالم، سأروي حكايات أجدادي بحبور، نجاحات أمي في إدارتها محطة القطار".
أثناء الأولمبياد الشتوي، بثت شبكة الـ"سي إن إن" الإخبارية تقريرا عن يوتاه، تخللته مغالطات تتعلق بالولاية كما ظهر على وجه المدينة.
اجتاحني شعور بالخيبة بعد أن شاهدت حلقة بثتها شبكة "سي إن إن" عن السعودية قبل أيام، استضاف عبرها مراسل المحطة الإنجليزي في الشرق الأوسط نيك روبرتسون المهندسة نادية باخراجي، والكاتب الصحفي عبدالله بجاد العتيبي، والمحامي محسن العواجي، وشاباً يدعى محمد من جدة وغيرهم، وقد تخلل اللقاء تصريحات قصيرة للوزيرين الأمير سعود الفيصل وغازي القصيبي...
كنت أعول على الزميل العتيبي كثيرا في الإشارة إلى الحوار الوطني والانتخابات البلدية ومراجعة المناهج وبعض الفعاليات التي تعكس نمواً حقيقياً في تعاملنا مع ما يجري.
كنت أراقب الكلمات التي يطلقها الزميل عبدالله بعناية وهو يقود سيارته في حي السويدي بالرياض ومراسل القناة الأمريكية مختفيا في المقعد الخلفي.
سعادتي كانت كبيرة بلغة المهندسة باخراجي الإنجليزية وتأكيدها على أن المرأة السعودية ستأخذ حقوقها تدريجيا وليس بين ليلة وضحاها.

لكن انطفأ فرحي الصغير بسرعة عندما خرج محمد على الشاشة بسلسلة مطلية باللون الذهبي في عنقه وكلام غير واضح، خاصة عندما قال: "لماذا أعيش؟ أعمل، وأعمل ، وأعمل فقط، هناك شيء مفقود، عندما أرى فتاة تعجبني لا أستطيع محاورتها، ولو فعلت، فقد أقبع في السجن لمدة
6 أشهر".
صحيفة أمريكية أسهبت في الحديث عن محمد وأهملت كل أطراف التقرير، وصفت قميصه، وبنطاله، ومدى تأثره بالأفلام الأمريكية.
بلا شك بلدنا كبير ومليء بكل الألوان والأطياف، واختلاف الآراء صحي للغاية، لكن يجب أن نركز في المقبل من الأيام على توعية الناشئة وتكريس أهمية صورة الوطن أمام الآخرين، يراقبنا العالم بحرص، فعلينا أن نتحين الفرص للظهور شكلا ومضمونا بشكل يعكس تقاليدنا وبيئتنا، من الحضارة أن نستفيد من الناجحين لكن هذا لا يعني أن نتخلى عن قيمنا...
مازلت أذكر جيداً ملامح جاري الخمسيني وتجاعيده النيئة، والحزن الذي يتساقط ويسيل منها بعد إذاعة التقرير عن مسقط رأسه يوتاه.
حبنا للوطن يجب ألا ينام، اختلافنا ونقدنا يجب أن تحتويه الأسوار التي شيدتها أمهاتنا بكفوفهن التي ترتفع على الدوام باتجاه السماء.



*طالب دراسات عليا، الولايات المتحدة الأميركية


http://www.alwatan.com.sa/daily/2004-11-17/writers/writers07.htm