المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ عبدالله بن بيه:لا نتـفق مع الغرب شـرعاً .. فلماذا لا نتفق عقلاً ؟



Dr.M
16-11-2004, Tue 10:45 AM
الدكتور العلامة الشيخ عبدالله بن بيه:
لا نتـفق مع الغرب شـرعاً .. فلماذا لا نتفق عقلاً?


المصدر : حاوره : د. عبدالعزيز النهاري


الحديث الى معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه.. يجذبك الى عالم واسع من الثقافة .. والعلم .. والرؤية الناصعة للاسلام كعقيدة .. وفكر وسلوك .. ولقد شرفت كثيرا وانا أجلس الى هذه الشخصية الاسلامية العميقة .. واستمع الى العالم والمفكر الإسلامي .. والوزير الموريتاني الأسبق للعدل .. وأستاذ الثقافة الإسلامية وأصول الدين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ..
كان موعدي مع معاليه عقب عودته من مؤتمر لحوار الأديان عقد في برشلونة بحكم منصبه كنائب لرئيس المجلس الأعلى للعلماء المسلمين .. والذي مقره لندن .. وكان حوار الأديان هو بداية لقائي هذا بفضيلته.
*معالي الدكتور .. هل حان الان وقت الحوار بين المسلمين او بين الاسلام والديانات الاخرى ?
** يبدو لي ان الحوار حان وقته منذ زمن طويل.. ووقت هذا الحوار لاينقطع.. فالحوار وقت اداء..وليس وقت قضاء.. ففي الشريعة نقول.. وقت اداء.. ووقت قضاء..فنحن عندما نصلي الصلاة في وقتها.. فهذا وقت اداء.. واذا صلينا في غير وقتها فهذا قضاء.. لكن وقت الحوار وقت دائم.. لان الله سبحانه وتعالى امر بالحوار .. ((وجادلهم بالتي هي احسن )) لان الحوار قيمة انسانية.. ولهذا يقول افلاطون كما ينقل ( وايت هد ) في كتابه( مغامرات الافكار) عن افلاطون انه قال.. ان الحوار قيمة إنسانية لتعريف الإنسان على البديل للحرب.. وان أي حضارة تستعمل القوة تعتبر حضارة فاشلة.. لان الانسان اعطيت له قيمة الحوار والاقناع..و من شان ذلك ان يعرفه على بدائل للحروب.. بدائل للمآسي التي تنسب للإنسانية ..
* هل يعني هذا ان يكون الحوار حالة دائمة ومستمرة .. وغير مرتبطة بزمن معين ?
** نعم .. الحوار هو قيمة دائمة ..وبالتالي فهو لايرتبط بزمن دون زمن.. حوار في السلام.. حوار في التواصل الحضاري.. حوار في التعارف (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) .. فالحوار هو كما قلت قيمة دائمة .. طبعا هناك وقت يصبح الحوار فيه اشد الحاحا واشد الزامية اذا صح التعبير.. خصوصا في وقت الأزمات .. ولهذا فانا اعتبر ان الحوار في هذه الفترة واجب.. وانه يجب الا نيأس .. وان لا نقنط .. فالمؤمن لا ييأس.. والله سبحانه وتعالى يقول في شأن سيدنا ابرهيم.. ( من يقنط من رحمة ربه الا الضالون) ويقول عن سيدنا يعقوب( ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) فاليأس والقنوط ليس من شان المؤمنين .. طبعا قد تعترض المؤمن عقبات ..وتقف في وجهه صعوبات.. فيجب عليه ان يحاول دائما التغلب على هذه الصعوبات.. لان الحوار هو نوع من الجهاد .. ونوع من الصراع.. الحوار ليس نزهة.. كما ان القتال والحروب ليست نزهة ايضا.. ويجب علينا ان نفهم الحوار على هذا الأساس .. وان نحاول دائما ان نستمر فيه..لاقناع الاخر ..ونقيم راينا بالحجة والبرهان.. الاسلام ينتصر بالبرهان لا بالسيف والسنان كما يقول القاضي ابو مكرم العربي الأ أندلسي
حوار ما بعد سبتمبر
* طالما ان الحوار هو شيء مستمر ولن ينقطع.. كيف ينظر الغرب الان الى حوارنا معهم ..خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما يحدث الان من اعمال ارهابية.. يقوم بها المسلمون ?
** الحوار ينقطع ..لكنه لاينبغي ان يتوقف.. والا سيكون هناك نوع من القطيعة بيننا وبين الغرب وفي ذلك نوع من عدم الفهم.. أو ( الفهم الاحادي) اذا صح التعبير.. ولهذا فالغرب ينظر الينا نظرة سلبية .. يرى فيها ان المسلمين هم مشاغبو الحضارة المعاصرة..وبالتالي فان موقف بعض الغربيين منهم هو موقف سلبي.. وفي المقابل فان المسلمين ايضا ينظرون الى الغربيين كأناس متوحشين .. لايعترفون بغير منطق القوة.. ومنطق الجبروت والقهر.. وبالتالي هذا المنطق يهيج عواطف المسلمين.. ولان الوضع وضع في غاية الصعوبة في بعض الاحيان.. وكما قلت اخيرا في برشلونة.. انه من الصعب على البريء ان يعتذر.. وهذا واقعنا ..نحن نقول ديننا براء من كل الاعمال العنيفة التي ليست مبررة.. وليست شرعية ونحن براء منها.. حتى ولو جاءت من طائفة تنتمي الى هذا الدين و قد تستنجد بالدين .. لكن ذلك لايعنى ان الذي تعمله هو من صلب الدين .. ولكنه استنجاد لتقوم باعمال خارج حدود الشرعية والقانون.. و هذا يجب ان لا يعمم على المسلمين.. لذلك فانه لايجب أن يفرض علينا جميعا ان نعتذر ونحن براء.من تلك الأعمال ..
النظرة السلبية
* اذن كيف نعدل هذه النظرة السلبية من الغرب نحونا كمسلمين ?
**بالامكان ان نعدل من هذه النظرة السلبية للغرب .. بكثير من الصبر وكثير من المثابرة.. وكثير من المنطق.. وكثير من الشجاعة ايضا ..وان نحاول ان نجد اطرافا من الغرب لها هذا التعقل.. لنضع اليد في اليد.. سواء على مستوى المثقفين او مستوى الهيئات البرلمانية.. فقد خبرت هذا بنفسي وذهبت الى البرلمان الاوروبي قبل اشهر والتقيت بالمساعد( رومانو برودي) وهو السفير النمساوي المسؤول عن شؤون ( حوار الديانات والفلسفة) فوجدت عنده تفاهما كبيرا جدا.. لاني انا عضو في المجلس الاوروبي للبحوث والافتاء.. بمقرهم بدبلن بايرلنده.. ورئيس لجنة الحوار.. فحاورتهم في مايسمى بالقيم الاوروبية لان الاوروبيين لديهم كلمات ينطلقون منها .. ويبنون تحليلاتهم عليها.. مثل كلمة النظام العام.. يقول احدهم مثلا .. هذا يخالف النظام العام ..الحجاب في فرنسا يخالف النظام العام.. يخالف القيم الاوروبية.. يخالف القيم العلمانية.. هذه كلمات غامضة .. نحن نحتاج الى حوار على المستوى الفلسفي والفكري ليحدد لنا مضمون هذه الكلمات.. ماهي القيم الاوروبية??.. العباءة الاوروبية لايمكن ان تشمل المسلمين ايضا .. دعونا نتحاور.. ليس فقط من منطلق ديني .. قد نختلف في الدين( لكم دينكم ولي دين) لكن من منطلق العقل.. يقول ديكارت '' ان العقل هو احسن الاشياء توزيعا على بني البشر'' .. فدعونا نتحاور عن طريق العقل.. عندنا شاعر قديما قبل قرنين يقول: ((وحكم لها ياصاح من هن حكم ثلاثة هن الشرع والعقل والعرف )) فمرجع الاحكام ثلاثة اشياء..هي الشرع والعقل والعرف ..فنحن مع الغرب قد لانتفق شرعا .. لكن قد نتفق عقلا .. وعرفا .. هنا نحن نريد تكوين ماسميته لهم في مؤتمر حوار الديانات ((espace de tolerance بمعنى (فضاء التسامح) .
فضاء التسامح
*وما الذي يحتويه هذا الفضاء ?
** في هذا الفضاء ستجد امرأة محجبة...و امراة كاشفة .. ستجد رجلا بلحية .. وآخر بلا لحية.. ناس على دين..و ناس على غير دين .. هناك مئة وخمسون مليون مسلم على ضفة البحر االمتوسط الجنوبي.. واكثر من هذا العدد ربما على الضفة الاخرى من الاوروبيين.. هم يتحدثون عن التبادل التجاري .. ونحن معهم .. لكن ماهي قواعد هذا التبادل.. لايمكن ان تكون القواعد الا بالتسامح في الاختلاف الفكري والحضاري..لذلك فان علينا ان نتبنى مثل هذا المنطق .. لنؤكد للغربيين بالبرهان.. امكانية واسس التعايش التي تقوم على الاختلاف الحضاري.. لقد قلنا لهم انتم ليست لكم مهمة الهية في ان تفرضوا علينا بعض القيم.. ونحن ايضا لانملك هذه المهمة ..دعونا اذن نتعايش بسلام ..الارهاب منبوذ.. وكل ما يتصل بالعنف نحن لانوافق عليه.. و اذا كانت هناك فئة قليلة فقدت صوابها لسبب او لآخر.. فان الغالبية الكبرى من حكومات وشعوب ومثقفين لا يقرون ذلك .. بل يريدون ان نعيش بسلام معكم.. نريد ان نستفيد من التكنلوجيا.. وتستفيدون ايضا.. ان هذه الاسس في نظري يمكن ان تكون نافعة ومجدية في الحوار مع الغرب
حوار المسلمين اولا
* لكن قد يكون لدى الغرب حجة في انكم تريدون ان تتحاوروا معنا .. لماذ انتم كمسلمين .. لا تتحاورون اولا مع انفسكم ?.. وحقيقة فضيلة الدكتور نحن كمسلمين نعاني من انقسام كبير مع بعضنا البعض?
** الانقسام والاختلاف طبيعة بشرية.. وينبه على هذا ابن القيم في كلام جميل جدا ..يقول: ان الاختلاف يرجع الى الارادات .. مادام البشر عندهم إرادات.. هذه الإرادات ستختلف مادام لهم عقول.. هذه العقول ستختلف.. لكن الاشكال هو كيف نحجم هذه الخلافات حتى لاتكون خلافات مضرة ..و حتى نجعلها من نوع الاختلاف الحميد و هذا النوع وهو موجود لا شك في ذلك.. لهذا عندنا في الشرعيات يقول ابن القيم .. وقد سماه الاختلاف السائغ بين اهل الحق.. هم كلهم على الحق لكنهم يختلفون.. انقسامات المسلمين يجب ايضا يجب التغلب عليها و ان نعمل معها في اتجاهين.. اتجاه للداخل.. واتجاه للخارج.. طبعا بالنسبة للغربيين .. لايمكن ان يكون هذا الانقسام حجة لهم ..
*كيف ?
** يمكن ان نعتبر ان هذا مشوه للجانب الاسلامي.. ولقد طرح علينا مثل هذا السؤال في برشلونة.. طرحه واحد مقرب من البابا.. قال لنا : لقد عرفنا المحاور المسيحي .. فمن هو المحاور الاسلامي.. ? انتم مذاهب! فقال لي رئيس الجلسة (ماركو) وهو ايطالي مسيحي : نريد ان نسمع منك جوابا على ذلك السؤال.. قلت له بالنسبة للحوار مع المسلمين فحواركم مع المرجعيات.. و انتم ايضا تمثلون طرائق قددا.. انتم بروتستانت .. وكاثوليك.. وارثوذكس.. لستم شيئا واحد.. ولا لونا واحدا .. ونحن قد كوّنا ماسميناه بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين في لندن.. وهو يمثل صفوة من العلماء المسلمين.. كان منخرطا فيه حوالى مائة عالم.. لكن الان ربما توسعت القاعدة.. فهذا الاتحاد موجود الان معكم و يمكن ان يكون محاورا منطلقا من مرجعيات .. ونحن نرى بأنه لا اشكاليات هناك حول من هو الطرف المحاور.. انني اعتقد ان الاختلاف موجود حتى عندهم.. هم مختلفون ايضا .. ولذلك فان ما يعوز هنا هو عقلنة الخلاف.. بمعنى ان يكون هذا الخلاف في الحدود المقبولة ..الحدود الممكنة.. الحدود التي لا توصل الى التناحر .. فالحديث الشريف يقول (لا تباغضوا ولا تدابروا ) فالتباغض والتدابر داء.. ويجب ان نتغلب عليه
عقبة الحوار مع الغرب
*لكن التباغض والتدابر موجود الان نتيجة هذا الاختلاف الذي يعيشه المسلمون .. فهناك من خرج على الجماعة, وعلى الاجماع.. وهناك تعصب للرأي الواحد ..فكيف يمكن لنا ان نقنع الغرب ..في حوارنا معه ?
** في الواقع انا اتفق معك ..ان هذا يمثل معوقا في حوارنا مع الغرب ..لكنه لايمثل عقبة لايمكن التغلب عليها ..فكما قلت نحن نعمل في اتجاهين .. اتجاه داخل الاسلام لتعريف المسلمين بان الاختلاف مقبول.. وانه لا اشكال في الاختلاف.. أما مسألة الراي الواحد والعين الوحيدة .. فهذا خطا .. وهذا لايمثل شريعتنا الاسلامية.. وخاصة في القرون الاولى نشأت عشرات المذاهب.. وتعايشت في نطاق هذه الامة الاسلامية التي امتدت من جدار الصين الى جبال البرامس في فرنسا.. هذا ما اسميه بالحيز الآمن للعالم الاسلامي.. لان الصحابة رضوان الله عليهم .. كونوا خلال خمس وثمانين سنة حيزا لايمكن القضاء عليه ..مهما كانت قوة العدو.. يمكن ان يقضي على اجزاء بسيطة من اطرافه .. لكن الحيز كله منيع وصامد .. و في هذا الحيز ازدهرت المذاهب المختلفة ..فهناك ثوابت الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر.. وهناك المتغيرات والاختلافات المقبولة والسائرة ..وهناك الاختلافات حتى وان كانت مقبولة فانه يمكن التعايش معها ..فصاحب الرجل العرجاء اذا قلت له هل تفضل ان نقطع رجلك.. أو أن تتعايش مع رجلك.. سيقول انا أفضل ان اتعايش مع رجلي.. فالعملية هنا .. هي عملية تأهيل ..هو سيؤهل رجله حتى يسير معها.. لماذا لا ننظر الى المسألة من هذه الزاوية.. ونحاول تأهيل ارجلنا العرجاء حتى نسير معها.. ولهذا قضية الاختلاف قضية في غاية الاهمية.. ويجب ان نحافظ على الاسلام.. وان ننظم الخلافات.. ونسيرها كما تسير القطارات.. هذا يسير ..وهذا يسير.. وكل واحد له وقته.. ننظم الخلافات حتى لاتصطدم القطارات.. والحمد لله بدأت الان.. أصوات تتكلم..و بدون هذا سيظل الصدام دائما.. اما ان تكون هناك مجموعة ولو قليلة.. تقول انها تحتكر الحق المطلق.. و تتكلم باسم الاله عز وجل .. والرسول صلى الله عليه وسلم.. وبالتالي تريد ان تقاتل الجميع.. فهي حرب على الجميع وتكون مثل اولئك الذين يقولون من ليس معنا فهو ضدنا.


http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/11/6/Art_161119.XML



(بن بيه) مخاطباً شيوخ الطلبة: تأقلموا مع الاختلاف وتعودوا عليه
ليس لدينا إمام معصوم


المصدر : حاوره: د. عبدالعزيز النهاري


فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه كعادته لا يخشى في الحق لومة لائم.. ولذلك جاءت اجاباته صريحة حد الصدمة للبعض فهو يرفض منطق العصمة الذي يحاول شيوخ الطلبة فرضه وبنفس القدر يأبى تشويه صورة الاسلام بواسطة (مفتي السرداب) وينتقد دور بعض العلماء الذين قال عنهم ان الزمن تحرك بسرعة ولم يستطيعوا اللحاق به.. ويقترح انشاء مراكز أحواض الفكر hinktank)ُّ) لتوفيرالحلول الواقعية لمشاكلنا.
ويواصل فضيلته آراءه التي لا يخشى حتما وصفها بالتصادمية في هذا الجزء من الحوار الصريح:
* تحدثتم -فضيلة الدكتور- عن الخلاف.. وقلتم أن الخلاف قد يكون حميدا.. كيف يكون هذا الخلاف.. وماهي آدابه?
** ان الشريعة تحمل اسسا للخلاف.. والشريعة سمحت للاجتهاد والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (ان اجتهد الحاكم فاصاب فله اجران.. وان اجتهد الحاكم فاخطا فله اجر) هذا تشجيع على الاجتهاد.. واعتراف بالخطا.. لان المجتهد قد يخطئ لكن مع ذلك له اجر.. هذه قاعدة ذهبية بنى عليها العلماء احكاما كثيرة.. بنى عليها ان حكم القاضي لاينقض بالاختلاف.. فمثلا اذا حكم القاضي الحنفي في مسألة.. ورفعت للقاضي الحنبلي يقضي بها كما هي بحكم القاضي الاول.. فهناك قاعدة تقول بان (الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد) بمعنى اذا اجتهد هذا.. واجتهد هذا فليس اجتهاد هذا بأولى من اجتهاد الآخر.. لقد كان هذا هو الوضع في الصدر الاول من الاسلام.. مر رجل ذو قضية بسيدنا عمر رضي الله عنه.. وقال ماذا تريد:.. قال عندي قضية خلاف مع فلان.. فذهبا الى القاضي فحكم بينهما.. فرجع الرجل -وكان يعرفه عمر- قال ماذا قال لكما.. قال كذا.. قال عمر: لو كنت مكانه لفعلت كذا.. قال مايمنعك وانت امير المؤمنين.. قال هذا رأيه لو أني ارده الى الكتاب والسنة لفعلت.. ولكن هذا رأيه.. فالراي مشترك.. هناك عشرات المسائل من الخلاف.. حتى في بعض الامور الاعتقادية.. والصحابة رضوان الله عليهم سوغوا هذا الاختلاف لماذا? لان دلالات الالفاظ في الشريعة هي اصل من اصول الخلاف الحميد.. الذي لا اشكال فيه.. الى جانب معقول النص
أدب الخلاف
* وماهو معقول النص?
** هوالذي فيه القياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان.. هذه كلها من اسباب الاختلاف.. هذا يعمل بقياس.. والاخر يقيس بقياس اخر.. هذا يقول بالاستحسان والاخر لا يقول بالاستحسان.. هذا يقول بالمصالح المرسلة كالامام مالك.. والاخر لايقول بها.. هذا اصل من اصول الاختلاف.. وهو من الاختلاف الحميد.. لماذا لانكون كالسلف??.. الامام احمد يقول ماعبر الجسرــ ويقصد جسر نهر دجلةــ اعلم من اسحاق بن راهويه.. وقد كان على خلاف مع الامام احمد لكن هذا لايشكل مشكلة بالنسبة له.. علينا ان ندرس أدب الخلاف لشعوبنا حتى يتربى الجميع على ذلك.. انا دائما عندما ادرس أصول الفقه لطلبتي.. اقول لهم ستعرفون سبب الاختلاف.. واذا عرف السبب زال العجب.. والح دائما على هذا.. لان بعض من اسميهم شيوخ الطلبة.. عندما يسمعون كلمة لم يكونوا قد سمعوها.. اذا بهم ينتبهون.
ديكتاتورية فكرية
* ينتبهون?
* عندما اتحدث لهم عن المجاز مثلا تجدهم ينتبهون.. صحيح ان شيخ الاسلام انكر المجاز.. لكن جمهرة العلماء بما فيهم الحنابلة قالوا بالمجاز..
* وبماذا ترد على شيوخ الطلبة?
** اقول لهم نحن ليس عندنا امام معصوم.. المعصوم واحد هو النبي صلى الله عليه وسلم.. تاقلموا مع الاختلاف.. وتعودوا عليه.. اذا تربى الشاب وهو يسمع رايا واحدا لايجوز الا هذا الراي.. فكل من خالفه حتى ولو كان رايه هوالشخصي.. لايكون على حق.. ان هذا نوع من (الديكتاتورية الفكرية)اذا صح التعبير.. نوع من الانغلاق.
وشريعتنا والحمدلله رب العالمين.. تهيئ جوا كبيرا للاختلاف الحميد...
* ماذا عن قضايا الاجتهاد السياسي? وانعكاساتها على الخلافات السياسية في الدول الاسلامية?
** قضايا الاجتهاد السياسي فيها أيضا اجتهادات.. لكن الغربيين مع اختلافاتهم في الاجتهاد السياسي ومع وجود الاحزاب عندهم استطاعوا ان يعملوا سبيلا تسير فيه هذه الاختلافات بشيء من الانسياب.. بعض البلاد الاسلامية طبعا مرجعيتها الشريعة الاسلامية.. وبالتالي هي في نطاق الشورى والتي بامكانها ان تحل هذه الخلافات السياسية.. وتجعلها انسيابية.. وهناك بعض البلاد الاسلامية عندها ارث استعماري بحكم انها كانت مستعمرة.. وبالتالي هي لايمكن ان تكون مرجعيتها كاملة للكتاب والسنة.. وربما الديمقراطية تحل مشاكلها.. لذلك على مثل تلك البلاد الانسجام في المرجعية من الكتاب والسنة والأخذ بالشورى وان لا ينتقل الى مذهب آخر... في نطاق هذا المذهب لديه فسحة.. ولديه اتساع.. وقد يحكم على مرجعية اخرى انتخابات غربية.. في نطاق (الديمقراطية)
الديمقراطية وسيلة
* أعذرني لم أفهم هذه النقطة الأخيرة?
** سوف اذكر لك هذه الحادثة لعلها توضح لك ماقلته.. قبل ثلاث سنوات كان هناك مؤتمر في المانيا او سويسرا.. لاأذكر.. كان المؤتمر حول الديمقراطية.. وحضره وزير خارجية فرنسا (هوبير فيدرين) في ذلك الوقت.. ومادلين اولبرايت وزير خارجية الولايات المتحدة.. فشددت مادلين اولبرايت على الديمقراطية فقال لها وزير خارجية فرنسا : الديمقراطية ليست دينا.. قالت :ليست دينا لكنها ايمان.. يعني تلاعبت بالكلمات.. فهو قال ذلك من شدة تعصب الغربيين حيث كان يرى انهم يريدون تصدير دين للاخرين.. فقال فيدرين هذه الكلمة (الديمقراطية ليست دينا).. فهناك بلاد مرجعيتها قد تكون هذه الديمقراطية الغربية.. لان ماضيها الاستعماري اثر فيها تاثيرا كبيرا.. بحيث ان الانسجام مع الاساسيات اصبح يخضع الى نوع من تلك المرجعية.. لكن بصفة عامة فان الجميع يبحثون عن العدالة.. وبالنسبة للشريعة الاسلامية فان المرجعية الكبرى هي العدالة.. و الشورى وسيلة للوصول الى العدالة.. وبالتالي عندما يعتبر الغربيون ان الديمقراطية هدف.. اقول لا هذه ينبغي الا تكون هدفا.. انما هي وسيلة للوصول الى الهدف.. انا اشعر بان كثيرا من البيئات لدينا تحتاج الى تاهيل.. واقولها صادقا.. واظن والحمدلله ان العالم الاسلامي يتطور.. والتطور هو عبارة عن حركة ليست فيها قطيعة مع البعض.. فهناك فرق بين التطوير والتغيير.
* ماهو الفرق?
** التغيير قد يكون في بعض الاحيان شديدا متوحشا.. وقد لايأتي بنتائج.. لكن التطوير هو حركة الى الاحسن.. ومن منطلق ماذكرته لك من عدم القنوط.. ان العالم الاسلامي يتطور وله موارد كثيرة لايمكن القضاء عليه ابدا.. وهذه قاعدة ابدية.. و كما ان الله سبحانه وتعالى حفظ القرآن {انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون} كذلك امة القرآن ايضا محفوظة.. والاعداد الهائلة التي يرهبها من يكره العالم الاسلامي.. و يقول لابد ان تحددوا النسل.. لابد ان تقطعوا نسلكم لانكم كثرتم علينا.. هذه الاعداد هي ايضا من فضل الله سبحانه وتعالى.. وتساعد على التطوير فلا نيأس ان شاء الله.
التسامح والعنف
* فضيلة الدكتور طالما ان ديننا الاسلامي بهذه الدرجة من التسامح فلماذا نشأ العنف بيننا?.. ولماذا جاء من بيننا من يكفرنا? لماذا نشأ بيننا من خرج علينا? لماذا نشأ بيننا من قتل.. ونهب.. وسلب.. باسم التشدد.. وباسم الدعوة?
** هذه مصيبة فكرية وقد برزت حتى في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وذلك لنتعلم منه.. وقد كان من الحكمة ان تبرز بعض هذه الاعراض.. حتى نتعلم منه عليه الصلاة والسلام.. حتى قال ابو حنيفة : الحمد لله أن الصحابة اختلفوا حتى تعلمنا منهم حكم الباغية.
* ومن هي الباغية?
** الباغية الطائفة التي تخرج على الامام.. ولهذا انا اقول ان الشريعة الاسلامية فيها عقوبات كافية.. بمعنى اننا لسنا بحاجة الى تعريف ماهية الارهاب.. نحن عندنا المحارب.. وعندنا الباغية.. وعندنا جريمة الفساد في الارض.. ثلاث جرائم تغطي كل الفضاء الذي تغطيه جريمة الارهاب.. لقد بدأ هذا التعصب الفكري.. ويسمى في الاسلام ( الغلو) ويسمى ايضا (التشدد).. ويسمى (التنطع).. وهذه العبارات الثلاث وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.. (لاتشددوا على انفسكم يشدد الله عليكم ) والتنطع حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون) وايضا الغلو.. ( انما اهلك من كان قبلكم الغلو).. هذه الظاهرة كما قلت ظهرت وعادة ان كل مذهب يكون جاهلية تكون طاردة في بعض الاحيان.. فتعيش على هوامش بعض الافكار التي لاتمثل حقيقة المذهب.. فاذا ضعف المذهب في دواخله.. قويت الهوامش.. واستأسدت.. واذا كان قويا كانت هذه الهوامش ضعيفة.. والخوارج لما خرجوا في زمن الصحابة.. امتد هذا الخروج حوالى ستين سنة في العصر الاموي.. ثم قوي مركز السنة وبقي قويا متماسكا بالعلماء.. حتى اصبح الفكر الخارجي هامشيا بفعل العلماء.. صحيح أن السلطة قامت بواجبها في حرب الخوارج باعتبار ان ذلك لازم شرعي (فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر الله).. لكن تماسك علماء السنة وموقفهم الصلب والذي كون شبه اجماع رغم ان اختلافاتهم المذهبية.. كان له اثر كبير في الابقاء على الاعتداد بالاسلام.. ولذلك فان لدينا رصيدا وتجربة تاريخية..
هامش مستأسد
* وكيف نصنف الخروج الأخير على الأمة?
** هذا الخروج هو عبارة عن هذا الهامش الذي استأسد لظروف.. ولاوضاع تاريخية.. اعتقد ان علينا ان نحاول تشخيص الحالة المرضية.. وان نحاول محاربة هذه الحالة فكريا وثقافيا.. طبعا الجهات الامنية واجبها لابد ان تقوم به.. وكذلك الجهات السياسية.. وعلى المثقفين وعلى العلماء على الهداة كما قال ابو بكر رضي الله عنه (ياهادي الطريق انما هو الفجر او الفجر) ذلك ان أبا بكر رضي الله عنه لما رشح سيدنا عمر للخلافة جادله الناس فيه.. فتكلم معه عبدالرحمن بن عوف.. فقال ابو بكر كما يقول ابن بر في كامله (وليت عليكم ابن الخطاب فكلكم والين انفه.. ياهادي الطريق انما هو الفجر اوالفجر) يعني ليس امامكم الا الضياء.. او الظلمة.. فعلى المثقفين والعلماء ان ينصحوا الناس وان يبينوا لهم.. فانما هو الفجر او الفجر.. وقد قلت كلمة اذا صح لي ان انسبها واستشهد بنفسي.. فقد قلت مرة للإخوة في الجزائر ومن التلفزيون الجزائري.. قلت لهم : انهزموا لوجه الله.. بمعنى ان هذه الامور تخرج عن نطاق كونها دينا.. فتتحول الى حرب عصبية.. بين حزب وآخر ويكون الدين حينها عبارة عن عذر ومبرر.. فقلت لهم انهزمو لوجه الله اذا كان الامر هكذا فهذا هو حكم الشريعة.
تشويه الدين
* وماذا عن اعمال العنف والتفجيرات في العالم الاسلامي?
** اعتقد ان تفجيرات العالم الاسلامي امر لايمكن ان يبرر.. لا من منطق شرعي ولا من منطق العقد والمصلحة.. لان هذا اولا يشوه ديننا.. ومعروف ان من مقاصد الشريعة.. النهي عن تشويه الدين.. فالنبي صلى الله عليه وسلم قال (لا يتحدث الناس ان محمدا يقتل اصحابه..) قال ذلك عن المنافقين وهم مشهود عليهم بالكفر.. ان من مقاصد الشريعة ان يظل هذا الدين نقيا جليا في اعين الناس.. ولهذا ندعو اليه بالكلمة الحسنة.. بالفعل الحسن.. هذا امر في غاية الاهمية.. وهو غير مدرك.. اما الشيء الآخر.. فهو قتل الانفس اعتداء على الناس بغير حق شرع.. فهو يدخل في حد الحرابة.. سواء كان هؤلاء مسلمين.. او غير مسلمين ممن يدخلون الديار الاسلامية بعهد ووعد.. والذي نسميه الان (فيزا).. فبهذه (الفيزا).. او بهذه التأشيرة.. يأتي غير المسلمين الى ديارنا.. ونحن نذهب الى ديارهم.. فالامر واضح جدا من الناحية الشرعية.. فيجب ان نحاول علاج من تبنى هذا الفكر اولا وهو (مفتي السرداب) فهذه العقليات يجب علاجها بالإقناع..
* فقط بالاقناع?
** الاقناع وسيلة هامة ومجدية.. وهناك أمر آخر اود ان اقوله لك وهو مهم جدا بالنسبة لي.. وهو ضرورة انشاء مراكز بحث ودراسة.. على غرار مايسمى في الغرب وامريكا بـ (think tank) يفسرها البعض بـ (احواض الفكر).. وهي مراكز منتشرة بكثرة في أمريكا.. وهذا هو الذي يكون الرأي صحيح.. عندنا الجامعات والافتاء.. والخطباء.. و الصحافة.. هذه ادوات لتكوين الراي العام.. لكن مراكز الدراسة المتخصصة ليست عندنا في العالم الاسلامي.. هذه المراكز من شائها ان تكون قنوات تقدم للجمهور الفكر وتقدمه حتى للحكومات.. فأنا أشكو دائما من عدم وجود هذه المراكز.. حتى اني حاولت مرة ان اغامر بانشاء مركز للدراسات.. اقول اغامر لانه ليست لدي وسائل.. وربما ايضا وسائل فكرية.. احتاج الى مجموعة وليس فردا.. هذه المراكز الفكرية غائبة في العالم الاسلامي.. وكما قلت فان من شانها ان تقدم الافكار من غرف باردة.. وليس من غرف ساخنة كساحات القتال.. والتفجير فاذا ما كانت هناك مشكلة في منطقة من الارض.. وتحاول ان تنقل المشكلة الى بيتك فتضرب نفسك أو تضرب اهلك.. هذا خطا.. من ناحية العقل والشرع والعرف وهي المرجعية القديمة.. التي ذكرتها لك.. لايجوز التفجير في نطاق العالم الاسلامي.. يجب ان لايكون ساحة للاقتتال ابدا مهما كانت الظروف..


http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/11/8/Art_161689.XML



بن بيه: الإعلام جعل من الحبة قبة ومن البيضة دجاجة
الصـحـوة فـرط زمامهـا وأفـرزت جـمـاعـات متـسـيبـة


المصدر : حاوره: د. عبدالعزيز النهاري


عندما تتحدث الى شخصية مثل العلامة الدكتور عبدالله بن بيه.. تتمنى أن يطول بك الوقت.. فكل دقيقة تمر من حديثه تعتبر محاضرة قيمة في مناح شتى من علم وفن شريعتنا الأسلامية.
في الحلقة الاخيرة تطرق حوارنا معه لنشأة الفكر التكفيري.. وضيق حوصلة مجتمعاتنا الإسلامية بالحوار.. على عكس السلف الصالح الذي احترم الحوار.. وقنن الاختلاف.
واليوم نستكمل الجزء ألأخير من حديث فضيلته:
* أستطيع أن استنتج من كلام فضيلتكم في حلقة أمس أن علماءنا قد قصروا في أداء واجبهم حتى صار ما صار واستشرى ذلك الفكر التكفيري والسلوك التفجيري.. فهل هذا صحيح?
** قد يقول قائل وربما معه بعض الحق ان العلماء قد قصروا الى حد ما.. بمعنى ان الزمن تحرك بسرعة.. فظلوا هم على الوتيرة.. والرتم الهادئ.. الذي كانوا عليه.. بمعنى تقدم الفتوى لمن يطلبها.. وبالتالي لم يستطيعوا لحاق الركب بسرعة.. وانتم تعرفون الصحافة والتاريخ.. وتعرفون السرعة التي يجري بها هذا الزمن.. وسرعة تكوين الافكار وتغيرها.. وهي ما عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا.. ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا.. وهناك اشارات في هذا الحديث عن هذا الوضع العولمي.. فيمكن ان لايكون العلماء قد استطاعوا مواكبة هذه الحركة الدائبة.. وخاصة وقد دخل عليهم المنافس الاكبر.. وهو انتم.. الاعلام هذا المنافس الاكبر الذي اصبح يستحوذ ويستولي على الافكار ويقدم البدائل المختلفة.. وفي بعض الاحيان يعيد رسم توجهات فكرية.. وفي بعض الاحيان يدفع لكل انسان علما ويقول دافع عن علمك.. هذا متطرف.. وهذا معتدل.. يعني التصنيفات التي تقوم بها الصحافة احيانا.. ايضا لاننسى نشر الغسيل الوسخ الاوروبي والغربي على العالم الاسلامي.. وكثير من العوامل يمكن ان تعتبرها عذرا.. لكنه ومع ذلك ليست مبررات.. وعلى العلماء ان يتحركوا حركة تناسب وتلائم الوضع العالمي.. هذا قطعا لاشك فيه مسؤولية على العلماء في هذا الزمان.. لذلك عليهم الا ينعزلوا.. والايكونوا في معازل (الجيتوهات) والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الرهبنة.. وعلى العالم ان ينزل في الساحة وان يتعامل مع الناس في حدود الامكانات المتاحة.
* قلتم -فضيلة الدكتور- ان هناك ممارسات لتشويه الدين.. الى أي حد وصلت الان.. خصوصا بعد هذا الذي نشاهده في وسائل الاعلام.. من ذبح المختطفين.. وقتل النساء والاطفال?
** التشويه بلغ ذروته.. وبخاصة ان الصحافة العالمية.. والاعلام ينقلون هذا الجانب بشيء كبير من الالحاح.. وربما تفعل من الحبة قبة.. ومن البيضة دجاجة.. ومرة سألني احدهم فقال هل شاهدت مآسي قتل الأبرياء.. فقلت له ايضا.. شاهدت القصف الكثيف من الجو حيث قتل الاطفال والنساء.. قلت ذلك ليأخذ الصورة كاملة عن الحرب.. والحرب مرادفة للفوضى.. اذا وقعت في مكان ستقع الفوضى فيه.. وبالتالي على الجميع أن يكونوا عقلاء.. نحن ضد تشويه الدين.. ضد قتل الابرياء.. ضد قتل وتشويه الرهائن.. هذا كله ديننا بريء منه.. لكن من المنطق العام للحروب وهو منطق فوضى كما قلت.. فالقول عليهم ان يكون الجميع عقلاء والا نطلب من الضعيف فقط ان يكون عاقلا.
فعلينا أن نحاول نحن كمسلمين.. وكحملة رسالة وحضارة.. أن(نؤنسن) الآخرين أيضاً.. فلنبادلهم بالحسنى وبالتي هي أحسن من السيئة.. لأنه إذا كانت الحضارة الغربية كما ظهرت في السنوات الأخيرة هي جانب متوحش يحتاج إلى(آنسنة) وقد كان رأيي في وقت من الأوقات أن نجمع مؤتمرا كبيرا فيه أطياف مختلفة من الشيوخ والشباب والأطفال.. والمثقفين والمسؤولين.. وأن يذهبوا إلى أمريكا لأنسنتها حتى تكون إنسانية أكثر وليقولوا أيها الشعب الأمريكي يجب أن تفهموا الإنسانية.. لأن الإنسانية مشتركة بيننا.. صحيح أن هناك فئة من المسلمين أعطت فرصة لاذكاء هذه النار.. لكن ذلك ليس حال كل مسلم.. وأيضاً الجانب الآخر ليس بريئا أبداً وعليه أن يتوقف.. فكل شيء له حدود.. وهناك مثل يقول (أن الصيني إذا شاع حارب) يعني ان الصينيين إذا شاعوا دخلوا الحرب.. لكن المسلمين إذا أهينت كرامتهم دخلوا الحرب.. فالمسلم كرامته مقدسة.. وبالتالي عندما تهان الكرامة فسيحارب.. والمسلم لايحارب ولن يحارب الآخر الذي ليس على دينه.. انطلاقا من قوله تعالى {لكم دينكم ولي دين} ويمكنه ايضا أن يدفع بالحسنى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين}.. إذاً لا شي ءيدفع المسلم أن يحارب.. وإذا فعل ذلك فهو مخطئ وخاطئ.. حتى أن الخاطئ عندنا أقوى من المخطئ..
* واذا كان من قام بأحداث الحادي عشر من المسلمين?
** إذا كان فعلها مسلمون كما يعتقد ذلك.. فهذا خطأ فادح.. وفعله خاطئ.. وهو ارتكاب خطيئة.. لكن هذا لا يبرر أن يكون كل المسلمين هكذا.. أو أن تشن حرب في كل الاتجاهات على الإسلام وعلى المسلمين.. وأن تقوم بعض المراكز.. مثل (هانجيجتون وبرنار لويس) في أمريكا ومجموعة من المراكز الأخرى بتبني نبرة ولهجة معادية للإسلام والمسلمين.. ولابد أن ننهيهم.. ولا بد أن دينهم سلبي ودينهم يقوم على الحرب.. هذا ليس صحيحاً.. ونحن واجهنا هذا بعد 11 سبتمبر في اجتماع في روما.. لما قال احد القسس: في القرآن آيات تحض على القتل والقتال.. قلنا له.. نحن عندنا القتال له ثلاثة أسباب في ثلاثة آيات.. الأولى {اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير}.. {الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله}.. هذا قتال للمظلوم الذي اخرج من داره.. الشيء الثاني هو القتال لرد العدوان {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا..}الشيء الثالث {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء} قتال لحماية المستضعفين.. نحن أعلم بكتابنا بمتشابهه ومحكمه.. وأرجع إلى ميثاق الأمم المتحدة إقرأ وراجع هذه الآيات.. حيث ستجد ميثاق الأمم المتحدة ينص على أن الدولة المعتدى عليها لها أن تقوم بإجراءات.. وحتى ميثاق حلف شمال الأطلسي كدول متضامنة إذا وقع الاعتداء على منطقة من تلك المناطق عليها ان تدافع عنها.. نحن نريد أن نتعايش معكم رغم الاختلاف.. وديننا دين التعايش..
الصحوة
* قبل عدة سنوات مرت على عالمنا الاسلامي فترة سميت فترة (الصحوة) وتبعها الكثيرون الى درجة انها قد استفحلت.. فولّدت ذلك العنف وذلك الرأي المتسلط.. والرأي الاوحد.. هل تعتقدون بأنه قد فرط زمام الصحوة من يد علمائنا ودعاتنا في ذلك الوقت حتى عشنا مانعيشه الآن?
** سؤال مهم جداً.. ومن لم يطرحه من الناس صراحة فهو في نفسه.. هذه افرازات.. والسؤال هو هل هذه الافرازات هي نتيجة الصحوة? أو هي نتيجة عكسية للصحوة?
* ولماذا نشأت أصلاً الصحوة?
** الصحوة هي عبارة عن تطور أمة كانت تحت نير الاستعمار.. خرج الاستعمار فشعر كثير من أبناء هذه الأمة بأن عليها أن تجعل المرجعية هي الدين الإسلامي وليست مرجعية أخرى.. طبعاً أنتم وأنا -أنتم شاب أصغر مني- عايشنا فترة الماركسية.. وهي فترة كانت مناهضة للدين الإسلامي.. وكان لابد من رد فعل لهذا الفعل.. فالفعل الماركسي كان نابذا للعالم الإسلامي.. وكان متحركاً في اتجاهات متعددة.. وبالتالي كان هناك تضامن جهود من أجل سد هذا الطريق.. هذه الجهود التي تضافرت في ذلك الوقت قد لا تكون متفقة جميعها.. قضيتها الكبرى وإذا شئت تقول عالمها الكبير وبيرقها الكبير هو الإسلام.. لكن في نفس الوقت لما انتهت مواجهة الماركسية.. بقيت المذاهب تتشكل وبالتالي تشكلت نواة صلبة خرجت من عباءة هذه الصحوة.. لتكون متطرفة بعض الأحيان.. ولتكون متكدرة ولتكون معتدة بنفسها وتكون متجاوزة للعلماء في كثير من الحالات.. هي حالة إنسانية.. يعني لو نظرنا إليها من هذا المنظار فقد تكون تطورا مرضياً لكنه يمكن علاجه.
* كيف نعالجه?
** لابد أن نعالجه بالمضادات الحيوية.. وهي الفكر الواعي المستنير.. وأن لا يكون العلاج موسمياً.. لقد كنت في اجتماع مكافحة الإرهاب الذي عقدته جامعة الإمام فطلبت أن لا تكون هذه المعالجة موسمية.. مع الأسف الشديد نعقد مؤتمرات وتنتهي أصداؤها.. وتنتهي بانتهاء المؤتمر.. يجب أن ينشأ عن كل مؤتمر فريق يتابع النتائج.. فالمؤتمرات تنتهي ثم لا ينشأ عنها شيء يقوم بالمتابعة.. طبعاً يقدمون في المؤتمرات أفكارا جيدة لمعالجة الأوضاع المرضية.. نقدم بعض الأحيان قرارات وتوصيات جيدة.. لكنها بدون متابعة.. فلو ان المؤتمرات التي عقدت تشكل بعدها فريق مسؤول عن المتابعة يجتمع شهرياً او سنوياً او كل نصف سنة.. لكانت هناك نتائج ملموسة.. ماذا فعلنا في هذه الفترة? ما الذي قمنا به? ما هي الوسائل والطرق التي استنبطناها..? تلك اسئلة لازالت مفتوحة.
انني ادعو هنا الى قيام مراكز فكرية.. فهي في غاية الأهمية لأن من شأنها أن تحصن المجتمعات.. من شأنها أن تقدم الفكر.. ففي أمريكا تعتبر هذه المراكز كما سبق وذكرت لك الأساس الذي تصاغ منه الأفكار ثم تنزل هذه الأفكار إلى الأحزاب وإلى البرلمان وإلى الصحافة وهي بمثابة المستشارة لكل تلك المؤسسات.. لقد زرت المركز الفكري في جامعة جورج تاون في واشنطن وزرت مركزا آخر في جامعة ستانفور في كلفورنيا.. زرت كثيرا من هذه المراكز الفكرية واطلعت على عملها وهو عمل دائم.. وهو الذي ينقصنا حقيقة.. وينقصنا الكثير.. لكن المتابعة والعمل الدائم والدائب والوافي ضروري جداً.
* لنعد الى الصحوة.. هل تعتقدون بأنه قد فرط زمامها?
** أكيد.. فقد خرج من عباءة هذه الصحوة جماعات متسيبة إذا صح التعبير.. لها مفتوها.. ولها منظروها.. وهذا أمر مشاهد بالعين.. ففقه المصالح ودرء المفاسد لم يعد معتبراً.. وأصبح فقه الاطوار.
* اذا من المسؤول عن ذلك?
** هو كما يقولون الكل مذنب.. والكل بريء.. المسؤولية هي مسؤولية الجميع.. المجتمع والمفكرين والعلماء.. ولأنها ظاهرة اجتماعية فالمسؤولية مسؤولية الجميع.. بمعنى انه من الصعب أن تحدد.. أو أن تقول الجهة الفلانية مسؤولة.. هناك ما يسمى في الشريعة المسؤولية الجنائية.. هذه مسؤولية فرضية واحد ارتكب جناية فهو شيء مشخص.. لكن هناك المسؤولية الفكرية وهذه المسؤولية عبارة عن تراكمات.. تراكمات تاريخية.
* سؤالي الأخير هل نحن بحاجة إلى علماء أو إلى مفكرين إسلاميين?
** نحن بحاجة إلى علماء وإلى مفكرين.. وبحاجة إلى زواج سعيد بين الفكر وبين الفقه.. لأن الفقيه الذي لا يعيش زمانه.. لا يمكن أن يقدم لنا حلولاً.. لابد أن يعيش هذا الزمن.. أبو حنيفة كان بزازاً.. يحب أن يعرف مسائل البيع.. لأنه يشتغل فيها.. فنحن بحاجة إلى كل الفعاليات الضامنة.. بحاجة إلى المجامع الفقهية.. وفعلاً المجامع الفقهية الآن أصبحت تضم الفقهاء.. وتضم اقتصاديين ليكمل بعضهم بعضاً.. حتى في مجال الإعلام بحاجة إلى مجامع تحتضن الإعلام.



http://www.okaz.com.sa/okaz/Data/2004/11/9/Art_162042.XML