المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زيارة مجددة للعقل العربي



Dr.M
16-11-2004, Tue 8:09 AM
زيارة مجددة للعقل العربي

فائق فهيم

15/11/2004 /


أن كافة الاتهامات التي كالها الصهيوني باتاي للعرب مردود عليها، ومعظمها يصدق على اليهود قبل العرب، ولكن المهم أن نعرف كيف ينظرون إلينا، بغض النظر عن أمانة الكتابة أو صدق الرواية.
ليس هذا العنوان من بنات أفكاري، فأنا شأن ملايين العرب جزء من هذا الكيان، والإنسان لا يزور نفسه. ولكن هذا الاختيار لعنوان فلسفي تأملي، ورد في مجلة "ميدل إيست كوارترلي الشرق الأوسط" ربع السنوية بقلم نورفيل ب. آتكاين، وهو كولونيل متقاعد خدم في لبنان، الأردن، ومصر فضلا عن خدمة مطولة في فيتنام وهو خريج كلية ويست بونيت الحربية الشهيرة، ويحمل شهادة في الدراسات العربية من الجامعة الأمريكية في بيروت. يقول الكاتب إنه قرر الكتابة عن مقومات وأسس العقل العربي بعد الضجة الهائلة التي ثارت في الربيع الماضي حول فضائح سجن أبو غريب في العراق، خاصة بعدما كتب صحافي آخر في صحيفة "نيويوركر" تقريرا بعنوان "المنطقة الرمادية"، وصف فيه ما حدث لسجناء أبو غريب من مهانة، وتوصل إلى نتيجة محددة، هي أن هذا التعذيب كان نتاج سياسة متعمدة، نبعت من قراءة أمريكية لكتاب يعتبر دستورا ومرجعا أساسيا ومصدرا رئيسيا للتعامل مع العرب، خاصة في عهد التحالف الصهيوني مع المحافظين الجدد الذين يسيطرون على مقاليد الحكم في الولايات المتحدة. والكتاب هو "العقل العربي" كتبه اليهودي الصهيوني رافائيل باتاي، الذي ولد سنة 1910، وتوفي سنة 1996، وهو عالم أنثروبولوجيا ثقافية.
وإذا كان كتاب باتاي ركنا ركينا لدى واضعي السياسات في واشنطن، فإن قراءته مهمة ومفيدة لفهم الكثير من التوجهات التي تستهدف العرب. ويقول سيمور هيرش، الذي ألقى الأضواء على فظائع أبو غريب.
"إن باتاي ركز في كتابه على أن العرب في غاية الحساسية، فيما يتعلق بالإذلال الجنسي والمهانة التي تتعلق بالرجولة. وكان هذا الموضوع محور حديث المحافظين الجدد قبل غزو العراق في آذار (مارس) 2003، وكان كتاب "العقل العربي"، الذي نشر لأول مرة عام 1973، بقلم باتاي، قد اجتذب هؤلاء خاصة الفصل المعنون "العرب والجنس"، الذي ورد في 25 صفحة. وقد صور باتاي الجنس لدى العرب بأنه من المحرمات التي يحيط بها العار والقمع.
وقد أسفرت المناقشات التي تمت في واشنطن حول الكتاب، الذي وصف بأنه "إنجيل المحافظين الجدد حول سلوك العرب" عن بروز خطين أساسيين هما:
< إن العرب لا يفهمون إلا لغة القهر والقوة.
< إن أكبر نقطة ضعف لدى العرب هي العار والإذلال.
أدى الحديث الموسع عن كتاب الصهيوني رافائيل باتاي إلى حالة من الحرص والاهتمام الشديدين لاقتناء الكتاب وقراءته. وقد حظي باستنكار هائل لدى المحايدين ووصفه بريان ويتيكر في صحيفة "الجارديان" بأنه "نموذج لكتب المستشرقين الذين ركزوا اهتمامهم على ما وصفه إدوارد سعيد بأنه الجانب الآخر المغاير لدى العرب. وقال أكاديميون إن هذا الكتاب يصلح لتطأه الأقدام لدى دخول عتبة أو باب، ووصفته الكاتبة آن مارلو بأنه عمل ملوث قبيح يتنافى مع أبسط مبادئ الاحترام. لكن الجدير بالتأمل هو أن هذا الكتاب استخدم في العراق كدليل ميداني من قبل المخابرات الأمريكية في سجن أبو غريب، رغم أن الأكاديميين ـ في شبه إجماع ـ أخرجوا الكتاب من قائمة الكتب المقبولة لفرط انحياز صاحبه اليهودي المجري خريج الجامعة العبرية والحاصل على الدكتوراة في "يوميات تيودور هرتزل" مفكر الصهيونية الأول.
وإكمالا للصورة لا بد من التوقف أمام الأفكار الرئيسية التي ينقلها هذا الكتاب وهي كما يضعها آتكاين على الوجه التالي:
< العرب مصابون برومانسية لا علاج لها ولا فكاك منها.
< يشعر العرب بحساسية مفرطة لأي انتقاد لثقافاتهم مهما كان النقد خفيفا، وقد حاول بعض العرب نقد أنفسهم، لكنهم فشلوا إزاء مزاج عام يرفض النقد، بينما يرحب الغربيون بالنقد.
< الإدانة الوحيدة التي يقبلها العرب هي إدانتهم لقبولهم الثقافة الغربية، ورغم العولمة الاتصالية، فإن نخبة قليلة من العرب تتعرض لها.
< أبدى رافائيل باتاي تعاطفا ودفئا إزاء العرب وقال إنهم مثل كل الشعوب لهم فضائل ورذائل ومن فضائلهم دفء الصداقة والشجاعة والكرم وحب العائلة. ولكن هجومه كان كاسحا ومليئا بالإسفاف.
< تلعب اللغة العربية دورا ساحرا في حياة العرب، فقد استخدم عباراتها الرنانة وأساليبها الجزلة عشرات الخطباء من ساسة وقادة، بحيث تحولت اللغة إلى حافز معنوي وبديل عن العمل والإنجاز. وقال إن الإسلاميين تفوقوا على رجل اعتمد على الخطابة كثيرا في تحريك الجماهير هو جمال عبد الناصر.
< من سمات اللغة العربية التي تمثل الكثير بالنسبة للعربي، أنها لغة جميلة جذابة ولها صفات تخويفية ونزعة للمبالغة، وضرب مثالا لاستخدام صدام حسين تعبير "أم المعارك" ليؤكد على نزعة المبالغة والبلاغة. ووصم الجهود الصحافية العربية بالنزوع إلى المبالغة "الحديث عن آلاف الضحايا الغربيين" رغم أن الهزيمة كانت قد وقعت. وقال إن الغريب هو قبول الشارع العربي لهذا اللون من التعامل اللغوي، الذي يصنع أبطالا وهميين. وقال باتاي إن هذه عادة ترجع إلى ما قبل الإسلام حينما كان العرب يحلون اللغة محل الإنجاز، ويخوضون في التفكير بالأماني.
< يعشق العرب تقديس تاريخهم وربطه بالأسطورة. وهو ما دفعهم إلى تسمية التدخل الأمريكي بالحملة الصليبية وإسرائيل بالدولة "الصليبية"، وإكساب أبطالهم التاريخيين صورة المثالية.
< يميل العرب إلى الازدواج والصراع مع بعضهم، ويدلل على ذلك بأن الضربات التي تلقاها الفلسطينيون على يد السوريين والأردنيين 1970، واللبنانيين أكبر مما تلقوه على يد العدو الإسرائيلي، فضلا عن حرصهم الدائم على الاختلاف. فقديما قسموا أنفسهم إلى رجعيين وتقدميين، والآن ينقسمون إلى إسلاميين وعلمانيين.
< العرب لا يدعمون بعضهم بعضا، إذا واجه طرف عربي تحديا خارجيا ـ فالعراق تلقى معونة مالية فقط لدى محاربته إيران ـ وسورية تركت تواجه تركيا وحدها.
< هناك عقدة دونية منذ احتل الفرنسيون مصر عام 1798، وشعور بالانهيار أمام الغرب الصاعد بقوة. وأدى ذلك إلى تباطؤ العرب في الأخذ بالقيم الغربية كما فعلت اليابان وكوريا مثلا مع اختلافهما الثقافي عن الغرب. ويقول إنه مع زيادة التطور التقني لدى الغرب يتذكر العرب عجزهم عن المنافسة، فيتوقفون عند ماضيهم، وهذا يفسر نجاح النزعات السلفية، على حد قوله. والتي تتحاور مع الغرب على طريقة "أعطني التلفزيون دون برامجك والفيديو دون أشرطتك".
< العرب يميلون إلى لوم الآخرين ومن ثم حالة الكراهية للولايات المتحدة والغرب.
< العرب قدريون تماما فهم يقبلون الشرور لأنها مكتوبة عليهم.
< رغم تحديث الأسلحة يظل الفكر العسكري عربيا تقليديا.
< العربي يعشق الأسرة ويقدس الشرف ويمتعض من العار وهذا هو السبب في قمعه للمرأة.
هكذا يقرأ المحافظون الجدد العرب كأمة متكاملة، ويقبلون الرؤية الصهيونية بحذافيرها، ويستفيدون من وشاية باتاي عن شعور العربي بالشنار والعار إذا تعلق الأمر بشرفه فكان تعذيب أبو غريب محاولة مدروسة لهزيمة الإنسان العربي، وهي محاولة قدر الله أن تسقط ويسقط في شر أعماله من بدأها ومارسها.
كلمة أخيرة وهي أن كافة الاتهامات التي كالها الصهيوني باتاي للعرب مردود عليها، ومعظمها يصدق على اليهود قبل العرب، ولكن المهم أن نعرف كيف ينظرون إلينا، بغض النظر عن أمانة الكتابة أو صدق الرواية.

http://stage.eqt-srpc.com/Detail.asp?InSectionID=20&InNewsItemID=24574