المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تقرير اقتصادي



الهاجري
17-12-2001, Mon 2:02 AM
التحرير المالي المفرط يفضي إلى تكرار الازمات الاقتصادية

حذر تقرير دولي حديث من ان التحرير المالي المفرط قد اخذ يفضي إلى عالم من عدم الاستقرار البنيوي والازمات المتكررة والقى التقرير اللوم في تفسير حدوث هذه الازمات على سوء توجيه السياسات والمحسوبية في ممارسات الاستثمار في الاقتصادات الناشئة،

وليس من المعروف بعد ما اذا كانت هناك اتهامات مماثلة ستظهر عندما يكشف التباطؤ الاقتصادي عن نتائج التحرير المالي المفرط والاستثمارات المفرطة والمعرفة في الولايات المتحدة.

واكد التقرير الصادر عن مؤتمر الامم المتحدة للتجارة والتنمية بجنيف تحت عنوان «تقرير التجارة والتنمية 2001» ان مثل هذه الاتهامات لن تكون اكثر جدوى مما كانت عليه في اعقاب الازمة الآسيوية، والاسواق يمكن ان تكون اكثر جدوى مما كانت عليه في اعقاب الازمة الاسيوية.

واوضح التقرير ان الاسواق يمكن ان تخطيء، بل هي تخطيء بالفعل، في تصور الحالة سواء في البلدان النامية أو المتقدمة، ويظل العبء ملقى على عاتق المسئولين عن رسم السياسات لايجاد التدابير الوقائية وسبل العلاج الملائمة.
واوضح التقرير ان هذه المهمة صعبة في اقتصاد عالمي مندمج إلى حد كبير، ولكن القواعد والمؤسسات المالية المتعددة الاطراف قد انشئت تحديدا لمنع تكرار الفوضى الاقتصادية التي حدثت بعد الحربين - الأولى والثانية - والمرتبطة بالاضطرابات المستمرة في المدفوعات والعملات وبالاعتماد المفرط على التدفقات الرأسمالية القصيرة الاجل.
وذكر التقرير انه من المحزن ان العالم ما برح منذ انهيار نظام بريتون وودز غير مستعد الاستعداد اللازم للتصدي بعودة ظهور مثل هذه المشاكل، وقد ثبت ان الحديث عن اصلاح بعيد المدى للبنية المالية الدولية بعد الازمة الاسيوية لم يكن اكثر من مجرد كلام، الا انه اذا ما هبت بالفعل ريح قوية من الشمال فان النتائج بالنسبة للاقتصاد العالمي ستكون اشد وقعا بكثير من تلك التي انتابها الريح التي هبت من الجنوب، ومما يؤمل ان يكون هذا التهديد كافيا لبعث روح جديدة في جهود الاصلاح.
الهبوط الاقتصادي العالمي وآفاق المستقبل وتطرق التقرير إلى الاداء الاقتصادي العالمي الذي كان في عام 2000 افضل اداء يسجل على مدى ما يزيد عن عقد من الزمن، فقد سار النمو في اتجاه الارتفاع في كل المناطق، وحدثت انتعاشات كانت اقوى مما كان متوقعا في امريكا اللاتينية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية، يضاف إلى ذلك ان هذا الاداء قد سجل في ظل ارتفاع حاد في اسعار النفط، ولئن كانت النبضات الايجابية التي تولدت في السنة السابقة، ولاسيما ضخ مقدار كبير من السيولة لتفادي مشكلة انتقال الحاسوب إلى الألفية الجديدة ودعم تطبيق نظام اليورو، قد ساعدت في المحافظة على ما تحقق من زخم، فان استمرار قوة اقتصاد الولايات المتحدة هو الذي ادى اساسا إلى نمو الناتج العالمي بنسبة 4%، ويرى بعض المراقبين ان تضافر تحرير الاسواق مع تكنولوجيات المعلومات الجديدة قد قضى على الافكار التي تجاوزها الزمن حول كيفية عمل الاقتصادات، وأخذ العديد من المراقبين ينظرون نظرة تواقة إلى ظهور حقبة غير مسبوقة من الرخاء العالمي.
وقال التقرير ان الامور تغيرت تغيرا مذهلا على مدى الربع الاخير من عام 2000 واوائل العام الجاري، إذ بدأ اقتصاد الولايات المتحدة يتباطأ تباطؤا حادا، وقد يكون الهبوط في نهاية الرحلة اشد صعوبة مما يتوقعه المتفائلون، فقد ادى تراجع طفرة التكنولوجيا العالية في اقتصاد الولايات المتحدة إلى حدوث انخفاض في الانفاق الاستثماري زادت حدته من جراء ضعف ثقة المستهلكين ومخاطر حدوث خسائر كبيرة في الوظائف في القطاعات الاقتصادية الجديدة والقديمة على السواء، وكان رد فعل مجلس الاحتياط الفيدرالي سريعاً إذ خفض سعر الفائدة مرتين في يناير، مع توقع اجراء المزيد من التخفيضات، والمسألة التي تظل قائمة هي ما اذا كان اقتصاد الولايات المتحدة يشهد ذلك النوع من الهبوط الدوري الذي يستجيب لمثل هذه التحركات بما يتضمن تحقيق انتعاش سريع للنمو ليعود إلى معدل محتمل يتجاوز3% بعد فصلين أو ثلاثة من النمو الصفري أو السلبي، وإذا كانت الاجابة عن هذا السؤال بالنفي، فهل تكون الولايات المتحدة متجهة نحو فترة اطول من تصفية الاستثمارات واعادة تنظيم الديون تشابه تلك التي حدثت في اليابان وانحاء من اوروبا في مطلع التسعينيات؟ ويظل من المتوقع إلى حد بعيد ان أى هبوط قصير الاجل يحدث في الولايات المتحدة، وفقا للنظرية الكينزية، يمكن ان يصحح من خلال اتخاذ اجراءات نقدية وضريبية ملائمة، وقد كان في بعض المؤشرات التي ظهرت في بداية السنة ما يبرر الشعور بالتفاؤل الحذر: فقد كانت اسعار النفط قد هبطت من مستوى ذروتها السابق، وبدا ان اسعار الاسهم قد اخذت تستقر، وبدأ الميزان التجاري يتحسن، ومن الامور المشجعة ايضا الاجراءات السريعة والحاسمة التي اتخذها مجلس الاحتياط الفيدرالي، ومن شأن التخفيضات الضريبية التي يجري النظر في تطبيقها، إذا كانت حسنة التوقيت ومحددة الاهداف، ان تعزز استقرار الحالة.


الا انه حتى ولو تمت المحافظة على ثبات السياسات التي انتهجت في السنوات الاخيرة، فان ثمة شكوكا في نجاح السياسات الاقتصادية الكلية التقليدية بالنظر إلى ارتفاع مستوى المديونية الخاصة، والافراط في الاستثمار خلال طفرة التكنولوجيا، وحالة عدم التيقن المحيطة بوضع الدولار، وبينما يستعد القطاع العام لسداد ديونه المستحقة، سجل القطاع الخاص مستويات ديون قياسية، وإذ ترى الاسر المعيشية ان نمو دخلها ينحسر، فسيتعين عليها اقتراض المزيد من اجل المحافظة على انفاقها الحالي في الوقت الذي اصبحت تواجه فيه صعوبة اكبر في تحمل تكاليف سداد ديونها المستحقة، وفي الوقت نفسه، فان قدرا كبيرا من الاستثمار في التكنولوجيا العالية على طريقة شومبيتر، قد يقوض بالعودة إلى شروط التمويل المعتادة، وإذا ما تعين على الاسر المعيشية وقطاع الاعمال ان يحدا في الوقت نفسه، من انفاقهما ليقتصر على الايرادات الحالية، فقد يحدث انخفاض كبير في الناتج المحلي الاجمالي.


التدفقات التجارية وان كون هذه الفترة الطويلة من التوسع فترة لم يكن لها مثيل في السنوات الاخيرة يتطلب توخي الحذر في تقييم اتجاه الهبوط الحالي، الا ان مختلف الضغوط المتضاربة تشير، بصورة عامة، إلى مستقبل غير مؤكد، فأية تحولات سريعة ومفاجئة في المشاعر أو السياسات يمكن ان تفضي إلى هبوط اعمق مما يتوقعه الكثيرون وان تضر بالانتعاش السريع.


وبالنظر إلى الدور المحوري لاقتصاد الولايات المتحدة في تعزيز الطلب العالمي في السنوات الاخيرة، يرى التقرير ان آفاق هذا الاقتصاد هي مسألة مثيرة للاهتمام على نطاق العالم، ومن المؤكد ان تزايد اندماج الاقتصاد العالمي يعني ان الصدمات في القطاعين العيني والمالي على السواء تنتقل على نحو أسرع بكثير عبر المناطق والبلدان والقطاعات، وفي الوقت نفسه، وبالنظر إلى ترابط التمويل والانتاج، يمكن ان تترتب على هذه الصدمات نتائج غير متوقعة حسبما اثبتته الازمات المالية التي بدأت في اسيا في عام 1997.


وايا كانت التطورات التي ينطوي عليها المستقبل القريب بالنسبة لاقتصاد الولايات المتحدة، فليس من الممكن ان يترك للسياسات والتطورات في بلد واحد تقرير مصير الاقتصاد العالمي في الاجل الطويل، وفي سياق تعاظم الترابط، يتعين على جميع الاقتصادات الصناعية الرئيسية ان تعمل على توحيد قواها اذا ما اريد للمكاسب الناشئة عن عملية العولمة ان توزع على نطاق واسع وان تصل بصفة خاصة إلى البلدان النامية، وبالتالي فان نهج «سير العمل كالمعتاد» ليس النهج السليم بالنسبة للمسئولين عن رسم السياسات في أي مكان.


ولقد تخطى النمو في اوروبا في عام 2000 حاجز الـ 3% لأول مرة منذ اكثر من عقد ولكن مؤشرات الاقراض تشير إلى حدوث تباطؤ في عام 2001، والآن وقد تمت السيطرة على حالات العجز في الميزانية، اصبح الحساب الجاري في وضع سليم وليس هناك سوى القليل من العلامات على حدوث ضغط تضخمي، واصبح الطريق ممهدا للتحول نحو الاخذ بسياسة اقتصادية كلية توسعية، ومع انخفاض اسعار الفائدة في الولايات المتحدة وامكانية انتعاش اليورو الذي من شأنه ان يزيد من تخفيف الضغط على السياسة النقدية، تبدو أوروبا مهيأة تماما للاضطلاع بمسئوليات اقتصادية عالمية وتعزيز الطلب العالمي، مما يعوض عما يترتب على التباطؤ في الولايات المتحدة من اثار، بيد ان الاتحاد الاوروبي يبدو عاجزا عن اختبار حدود نموه المحتمل كما فعلت الولايات المتحدة في النصف الثاني من التسعينيات، غير ان مثل هذا الاجراء ضروري ايضا من اجل التغلب على مشكلة البطالة العالية والمستمرة في الاتحاد الاوروبي، ويرى المصرف المركزي الاوروبي انه ليست هناك علامات تدل على ان معدل النمو المحتمل في منطقة اليورو سيرتفع إلى مستوى يتجاوز معدلا متواضعا يتراوح بين 2.0 و2.5%، مما يعني ان المصرف المركزي لا يرى أن هناك أية امكانية في الاجل القريب لتخفيف السياسة النقدية دون ان تترتب على ذلك نتائج تضخمية، وقد يلزم اعادة النظر في هذا الموقف اذا تعرض الاتحاد الاوروبي، كما يبدو محتملا، لتأثير التباطؤ في الولايات المتحدة على نحو اشد مما تدل عليه روابطه التجارية المحدودة بذلك البلد.


ومن غير المحتمل ان تستطيع اليابان ملء هذا الفراغ بالنظر إلى انتعاشها الهش وما تتسم به سوق الولايات المتحدة من اهمية بالنسبة لها، فتوسعها الذي نشأ حديثا والذي بدأ قويا في النصف الاول من عام 2000 قد قام على اساس ارتفاع صافي الصادرات، ولكنها عادت إلى تسجيل نمو سلبي في الربع الثالث من السنة، فانخفاض قيمة الدولار وضعف الطلب في سوق الولايات المتحدة يلقيان عبء الانتعاش على الطلب المحلي القوي، ولكنه بالنظر إلى ان الاستثمار المحلي لايزال مرتبطا بالصادرات ارتباطا وثيقا، وحيث ان البطالة قد عادت لتتخذ اتجاها تصاعديا، فان الجهة التي ستأتي منها القوة الدافعة ليست واضحة على الاطلاق.


ولقد استجابت الحكومات في اليابان بصورة متكررة لحالة تباطؤ النمو حيث اعتمدت تدابير مالية اكثر فعالية، الا انه بعد ان وصل الدين العام الآن إلى مستوى عال لم يسبق له مثيل، بدأ الضغط من اجل تعزيز التدابير المالية يؤثر على السياسة الاقتصادية الكلية، كما ان هناك درجة كبيرة من عدم التيقن تكتنف الاتجاه المقبل للسياسة النقدية، ولم يعد المصرف المركزي يبدو مستعدا للتمسك بسياسة سعر الفائدة الصفرى، وهي سياسة يرى أنها تشكل عائقا امام التنظيم المالي، ومع اطباق «شراك» السيولة والتدابير الضريبية، وبالنظر إلى افاق التصدير القائمة، فقد يتوقف الانتعاش مرة اخرى في الوقت الذي اخذ يكتسب فيه قوة دافعة.


الا ان الكثير يتوقف على تفسيرات واجراءات المسئولين عن رسم السياسات في واشنطن، ومن السابق لاوانه الحكم بان الاقتصاد العالمي يتمتع بعافية تامة، وحتى ولو استطاعت اوروبا ان تجاري الولايات المتحدة في ادائها السابق على صعيد النمو، فلن يكون لذلك نفس الاثر على العالم النامي، ذلك لانها اقل ميلا للاستيراد من هذه البلدان، وبالتالي فان مخاطر تعرض البلدان النامية للآثار السلبية المترتبة على الهبوط هي اثار كبيرة.


وتعتبر التدفقات التجارية احدى قنوات انتقال عدوى التباطؤ في الولايات المتحدة، ويتضح هذا الخطر من التجربة الاسيوية عندما كان لتباطؤ النمو في الصادرات التكنولوجيا العالية اثر هام في تزايد الهشاشة الخارجية وتعاظم تأثير الصدمة المالية التي اعقبت ذلك من خلال التجارة المتبادلة داخل هذه المنطقة، وبنفس القدر من الاهمية، كان لنمو الصادرات القوي دور رئيسي في تحقيق الانتعاش الاسيوي، وفي عام 2000، بلغ نمو واردات الولايات المتحدة معدلا من رقمين للسنة الثالثة على التوالي، وكانت الفوائد التي حققتها البلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية ملحوظة بصفة خاصة، حيث تشير التقديرات إلى ان الاحجام الاجمالية لصادراتها قد ارتفعت بنسبة تزيد عن 10 و15%، على التوالي. ومن العوامل الاخرى التي كانت في صالح هذه البلدان ما تمثل في حدوث تحسن في معدلات تبادلها التجاري بفضل الزيادات المستمرة في أسعار النفط. أما الآفاق المرتقبة لهذه السنة فهي غير مؤاتية.


وتشكل الأسواق المالية وأسواق العملات قناة اخرى لانتقال العدوى. فمن المؤكد ان خفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة سيكون مفيدا لتلك البلدان التي توجد لديها أرصدة ديون كبيرة بالدولار. ومن الممكن أيضا إعادة توجيه التدفقات الرأسمالية نحو الأسواق الناشئة لان انخفاض حجم الأرباح في الولايات المتحدة يثبط التدفقات الرأسمالية الوافدة التي تسعى الى اللحاق بثورة التكنولوجيا العالية بينما يفضي خفض أسعار الفائدة الى وهن تدفقات المراجحة القصيرة الأجل. إلا انه من الممكن بالقدر نفسه ان يؤدي التباطؤ في الولايات المتحدة الى زيادة حدة الهواجس إزاء الهبوط في الأسواق المالية العالمية، مما يؤدي الى رفع علاوة السيولة في الأسواق الآجلة فيما يتصل بالأصول المقومة بالدولار، وتفاوت هوامش المخاطر على صعيد اقتراض الأسواق الناشئة، الأمر الذي يقضي على الفوائد المحققة نتيجة لخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة، واذا حدث ذلك، فلن تتجاوز التدفقات الرأسمالية الى البلدان النامية، الا في حالات نادرة، المستويات المخيبة للآمال التي بلغتها في عام 2000.


وأوضح التقرير ان وجود قنوات مختلفة لانتقال العدوى يعني ان التأثر بالتباطؤ في الولايات المتحدة سيتفاوت تفاوتا واسعا في مختلفة مناطق العالم النامي. ولقد كانت منطقة شرق آسيا المنطقة الأسرع نموا في السنة الماضية. وعقب حدوث انتعاشات قوية في عام 1999 في معظم الاقتصادات التي كانت قد تضرر من جراء الاضطراب المالي الذي شهدته الفترة 1997 ـ 1998، فقد سجل النمو المزيد من التسارع في عام 2000، وكان للصادرات الى الولايات المتحدة، التي تشكل أكثر من 20% من الناتج المحلي الاجمالي في ماليزيا، و10% في تايلاند، و7% في جمهورية كوريا، دور رئيسي ولاسيما الصادرات من قطاعات التكنولوجيا العالية. وقد أسفر التضافر الحالي لانخفاض المبيعات في الولايات المتحدة وانخفاض أسعار أشباه الموصلات عن حدوث خسائر في معدلات التبادل التجاري وانخفاض حصائل الصادرات في جميع هذه البلدان، وبالتالي فإنه من المتوقع ان يتراجع النمو في جميع انحاء المنطقة بنهاية العام الجاري ويمكن بروابط التجارة المتبادلة داخل المنطقة ان تؤدي مرة اخرى الى زيادة حدة التأثير السلبي لهذه الصدمات، مما يطلق جولة اخرى من تقلبات أسعار الصرف المزعزعة للاستقرار في جميع انحاء المنطقة، يضاف الى ذلك ان هذه الاقتصادات قد أخذت تتباطأ في وقت تواجه فيه عملية إعادة التنظيم المالي وإعادة هيكلة الشركات صعوبات في عدد من البلدان.


كما ان اقتصاد الصين يبدي حساسية ازاء التطورات في الولايات المتحدة التي تستأثر بما يزيد عن 20% من صادراتها، وان كان في النمو القوي الذي سجل في السنة الماضية ما يبرر الشعور بالأمل بأن الصين يمكن ان تتجاوز اثار الهبوط في الولايات المتحدة مثلما فعلت في حالة الازمة الآسيوية، فإن مهمة إقامة التوازن الصحيح على صعيد السياسة العامة قد أخذت تتعقد من جراء المفاوضات المتطاولة والتي لم تنجز بعد فيما يتصل بانضمام الصين الى منظمة التجارة العالمية. كما ان امكانيات انضمام الصين كانت مسألة آثارة قلق بعض المصدرين الأصغر في آسيا ممن يعتمدون على كثافة العمل ويخشون ان يفقدوا قدرتهم التنافسية في نفس الوقت الذي تبدو فيه إمكانياتهم التصديرية قائمة من جراء ضعف الطلب على الواردات في الولايات المتحدة.


وثمة صعوبة أكبر في قياس تأثير التباطؤ في الولايات المتحدة على منطقة أمريكا اللاتينية. فقد كان الانتعاش في تلك المنطقة أقوى مما كان متوقعا في عام 2000 عندما وصل معدل النمو الى ما يقرب من 4% بعد ركود سجل في السنة السابقة. إلا ان الصورة الكلية تنطوي على قدر كبير من التفاوت فيما بين البلدان.


خمس المجموعة والمكسيك التي يشكل انتاجها خمس مجموع الانتاج في هذه المنطقة قد سجلت معدل نمو قدره نحو 7%، مما يعكس روابطها الاقتصادية الوثيقة بالولايات المتحدة (التي تستورد نحو 85 ـ 90% من الصادرات المكسيكية)، فضلا عن الارتفاع في أسعار صادراتها النفطية. ويبدو من غير المحتمل ان يتمكن الاقتصاد المكسيكي من النجاة من الآثار المترتبة على التباطؤ في الولايات المتحدة رغم ان خفض أسعار الفائدة يمكن ان يكون مفيداً لها. يضاف الى ذلك ما تشعر به المكسيك وبعض البلدان الاخرى في أمريكا الوسطى ومنطقة الكاريبي من قلق ازاء إمكانية مواجهة منافسة أكبر من قبل الصين بعد انضمامها الى منظمة التجارة العالمية.


ويحتمل ان يكون الأثر على بقية بلدان أمريكا اللاتينية مختلفا. فبالنظر الى ان لهذه البلدان روابط تجارية أضعف مع الولايات المتحدة، فضلا عن اعتمادها الشديد على التدفقات الرأسمالية الوافدة، فإن تحسن الأوضاع المالية الخارجية قد يكون له أثر يوازن ويتجاوز تأثير انخفاض الطلب على صادراتها في الولايات المتحدة، وفي غياب أية زيادة ذات شأن في تفاوت هوامش المخاطر، ينبغي لخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة ان يؤدي الى انخفاض تكاليف الاقتراض وخدمة الديون، مما يخفف الضغط على موازين المدفوعات والميزانيات. يضاف الى ذلك انه في حالة البلدان التي اختارت الأخذ بنظام المجلس النقدي أو الدخول المباشر في نظام الدولار «الدولرة»، يؤدي ضعف الدولار الى تحسن القدرة التنافسية لهذه البلدان إزاء أطراف ثالثة. وقد تكون الارجنتين من كبار الفائزين في كلتا الحالتين بخروجها من الحلقة المفرغة المتمثلة في الركود والتكيف الانكماشي مع الصدمات الخارجية التي شهدتها الفترة 1998 ـ 1999، وينبغي ان تستفيد البرازيل أيضا من هذا التحسن في الأوضاع المالية، وإن يكن بدرجة أقل.


وبالرغم من وجود بعض المبررات للشعور بالتفاؤل، فإن الخطر الحقيقي الذي يواجه منطقة أمريكا اللاتينية هو انخفاض مستوى التوقعات. فالمسئولون عن رسم السياسات في جميع انحاء هذه المنطقة مقتنعون فيما يبدو بالسعي الى تحقيق معدل نمو في حدود 3 ـ 4%، وهو معدل يقل بكثير عن المعدل اللازم لتعزيز الانتقال الى المستوى التالي من التنمية. يضاف الى ذلك انه مع اختيار المزيد من البلدان الدخول في نظام الدولار (الدولرة)، اخذ الاعتماد على الاوضاع والقرارات المتخذة على صعيد السياسة العامة في الولايات المتحدة يتزايد. ومن شأن زيادة حدة اتجاه الهبوط في هذا البلد، مع ما ينطوي عليه من عودة الى حالة عدم التيقن المالي وإعادة تقييم المخاطر، ان يقضي على الفوائد المحتملة التي تنشأ عن ضعف الدولار وانخفاض اسعار الفائدة، كما ان من شأنها اذا اقترنت بتباطؤ في نمو الصادرات ان تسبب انتكاسة اخرى لامكانيات النمو.


التوسع العالمي وفيما يتعلق بأفريقيا، ثمة درجة معينة من التباين في تأثير التقلبات في النشاط الاقتصادي العالمي. فبالنظر الى التصلبات في جانب العرض، لا يمكن للبلدان الافريقية المصنفة في فئة اقل البلدان نموا والتي تعتمد على الصادرات من سلعة او سلعتين من السلع الاساسية ان تستفيد من التوسع العالمي من خلال زيادة احجام صادراتها في الوقت الذي تتحمل فيه هذه البلدان العبء الكامل الناجم عن الانخفاضات في اسعار السلع الاساسية. فقد سجلت اسعار الكثير من السلع الاساسية التي تصدرها افريقيا انخفاضا في فترة التسعينيات. وكان الارتفاع في اسعار النفط مفيدا لبعض البلدان في عام 1999، وكذلك في عام 2000، ولكن النتيجة المترتبة على ارتفاع اسعار النفط كانت زيادة اتساع فجوة الموارد بالنسبة لبلدان افريقية اخرى وبخاصة في حالة عدد كبير من هذه البلدان التي تعتمد على الواردات النفطية.


وهكذا فإنه بالرغم من النمو القوي الذي شهده الاقتصاد العالمي في عام 2000، فإن معدل النمو افريقيا لم يسجل الا ارتفاعا متواضعا ليصل الى 3.5% وهو معدل ادنى من ذلك الذي سجل قبل حدوث الازمة المالية الآسيوية كما انه ادنى بكثير من المعدل اللازم للتصدي لمشكلتي زيادة الفقرة وتدني الحالية الصحية. وحتى قبل حدوث التباطؤ في الولايات المتحدة، كانت توقعات النمو تعدل في اتجاه الانخفاض وذلك بسبب الركود المستمر لبعض الاقتصادات الاكبر وبسبب احوال الطقس القاسية والاضطرابات الناجمة عن القلاقل المدنية والسياسية.


وفي ظل هذه الظروف، يمكن لأية صدمة عالمية ان تلحق بالبلدان الافريقية اضرارا بالغة بصفة خاصة. وبالتالي فإنه ليس من المستغرب ان تظل للمعونة وتخفيف اعباء الديون مكانة بارزة على جدول الاعمال السياسي لهذه البلدان. وينبغي لهذه المنطقة ان تستفيد من تخفيض الديون الثنائية الذي تجريه بعض البلدان الصناعية لصالح الاقتصادات الاشد فقرا وكذلك من المبادرات التي اتخذتها مؤخراً البلدان الأوروبية والولايات المتحدة لفتح اسواقها أمام اشد الاقتصادات فقرا في افريقيا. غير انه بالنظر الى ان التقدم المحرز على صعيد مبادرة تخفيف اعباء البلدان الفقيرة المثقلة بالديون لا يزال بطيئا، والى ان هناك اعترافا متزايدا بأن الفوائد المالية هي اقل بكثير مما هو متوقع فإن ثمة حاجة ملحة للأخذ بنهج اكثر جرأة ازاء تخفيف الديون المتعددة الاطراف.


وقد استفادت البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية استفادة كبيرة من الاوضاع التجارية المؤاتية التي شهدها عام 2000. فلأول مرة منذ انهيار جدار برلين، سجل الناتج المحلي الاجمالي زيادة في جميع البلدان. وسجل النمو في الاتحاد الروسي ارتفاعا حادا بفضل الطلب القوي على الصادرات من سلعه الاساسية وبخاصة النفط. وفي اماكن اخرى، كان القطاع الصناعي محور ما تحقق من تحسن ولاسيما في بلدان أوروبا الشرقية التي استفادت من النمو القوي في الصادرات من المصنوعات الى الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك فإن كون الانتعاش قد تحقق انطلاقا من مستوى منخفض وفي ظل اوضاع طلب عالمي مواتية يعني أن حدوث تباطؤ في الاقتصاد العالمي سيكون له أثره على العديد من البلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية وأن اي انتعاش اخر يتعين ان يكشف الى حد بعيد عن وجود محفزات منشؤها الطلب المحلي.


إن اتجاه الهبوط في الولايات المتحدة، والصعوبات الهيكلية التي لم يتم تذليلها، وركود النمو في اليابان، واستمرار السياسية النقدية في التشديد المفرط على التضخم في اوروبا، هي امور تفضي الى نتيجة مفادها ان البلدان الصناعية الرئيسية ستشهد تباطؤا في وتيرة نشاطها الاقتصادي. وبالرغم من الاجراءات الحاسمة المتخذة على صعيد السياسة العامة، فإن الانتعاش السريع في اقتصاد الولايات المتحدة يتعرض للخطر من جراء التدابير المالية المفرطة المرتبطة بفترة توسع هذا الاقتصاد على نحو لم يسبق له مثيل. يضاف الى ذلك ان الانتقال المنظم نحو عالم تشق فيه جميع الاقتصادات الرئيسية طريقها في الاتجاه نفسه هو امر يزداد تعقيدا من راء حالة عدم التيقن التي تكتنف تكييف اسعار الصرف مع الاختلالات التجارية التي تراكمت على مدى السنوات القليلة الماضية. وإن حدوث ضعف سريع في الدولار هو امر ليس من شأنه فقط ان يضعف قدرة السياسة النقدية في الولايات المتحدة على الاستجابة بقوة لتزايد حدة اتجاه الهبوط بل انه يمكن ان يؤدي ايضا الى ابراز جوانب الضعف المالي في أماكن اخرى. ولهذه الاسباب جميعها يمكن لاتجاه الهبوط وعدم الاستقرار في الاقتصاد العالمي ان يكونا اكثر حدة مما يمكن ان يكونا عليه في ظل الاوضاع الدورية الاعتيادية. وبالتالي فإن التعاون فيما بين الجهات الرئيسية الفاعلة في الاقتصاد العالمي وقيامها باتخاذ اجراءات مسئولة يصبحان اكثر ضرورة




--------------------------------------------------------------------------------