المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بعد تجربة الاكتتاب في "اتحاد الاتصالات" ... في السعودية متسع للهوامير والسردين



المشغول
06-11-2004, Sat 10:10 PM
اثار الاندفاع الفريد من نوعه نحو الاكتتاب في اسهم شركة اتحاد الاتصالات الكثير من التعليقات والمطالبات من خلال الصحافة واحاديث المجالس.

والآن بعد ان اكتتب ما يزيد عن 5 ملايين سعودي، دفعوا اكثر من 50 الف مليون ريال سعودي (الدولار يعادل 3.75 ريال) ليحصلوا على اقل من 5 اسهم لكل مكتتب، قد يكون الوقت مناسبا لاستنشاق نفس عميق ومراجعة ما تم لاستخلاص ما يمكن من دروس.

بداية، فان توجه المواطنين نحو الاستثمار في سوق الاسهم، امر ينبغي الاحتفاء به وتشجيعه، وهو ينسجم مع توجه الحكومة منذ بداية تأسيس الشركات المساهمة. فشركات الكهرباء عندما بدأت كانت الحكومة تضمن للمساهمين فيها ربحا موزعا قدره 15 % من القيمة الاسمية للسهم. وقد خفض بعد ذلك لظروف الميزانية الى %10 ثم الى 7%.، وطبق المبدأ نفسه على شركتي الغاز والتصنيع والنقل الجماعي.

وكانت سياسة الدولة ترتكز على توفير الحوافز للقطاع الخاص للاستثمار في أصول ملموسة داخل الوطن،. ومن اجل ذلك اقيمت الصناديق المختلفة، ووفرت الاراضي والكهرباء بأسعار رمزية.

ان الحاجة اليوم الى فتح المجال للمواطنين لتملك الاسهم في اصول منتجة داخل الوطن؛ أصبحت أكثر إلحاحا لما يمثله ذلك من تعزيز لانتمائهم من خلال كون المساهم مهما صغرت مساهمته شريكا في تلك الأصول.

وهناك سبب آخر يدعو الى توسيع قاعدة ملاك الاسهم من المواطنين. فالحديث هذه الايام عن البطالة، يركز على ايجاد الحلول عن طريق ضبط عملية الاستقدام، وتحسين برامج التدريب. وهذه امور مطلوبة، ولكنها لن تحقق الهدف دون تعزيز اعتمادات الباب الرابع من ميزانية الدولة ـ المشروعات ـ ودون اللجوء الى التخصيص وتوسيع قاعدة تملك الاسهم.

. فالاستثمار في سوق الأسهم والمتاجرة بها يعززان معنى جديدا لكلمة طالما زينت خانة المهنة في الجوازات السعودية وهي كلمة «متسبب». إن ممارسة النشاط في سوق الاسهم اصبحت وجها مهما من أوجه البحث عن أسباب الرزق.

كان لا بد من هذه المقدمة لان النقاش الدائر حول ما صاحب الاكتتاب في اتحاد الاتصالات بدأ يفرز طروحا تبدو وكأنها تفترض ان الظروف التي احاطت بذلك الاكتتاب هي ظروف ثابتة، وانها هي القاعدة ولا يمكن ان تكون الاستثناء.

فارتفاع اسعار البترول وانخفاض اسعار الفائدة، والقلق حول الاستثمار في الخارج، ادى الى وضع تطارد فيه نقود كثيرة اكتتابات قليلة. هذه هي ظروف السوق اليوم، ولكن دوام الحال من المحال فكلنا يذكر أن سعر البترول كان اقل من عشرة دولارات، وان سعر الفائدة كان اكثر من 15%، وان فقاعة سوق الاسهم في نيويورك سحبت مبالغ ضخمة من السوق.

هل نسينا ان هناك شركات سبق طرحها في السوق السعودي وعجز القطاع الخاص عن تغطيتها، واكملت الدولة تلك التغطية ـ شركات اسمنت ينبع والشركة العقارية السعودية مثلا-؟! وهل نسينا ان الدولة بدأت إقامة شركة سابك برأسمال حكومي كامل، مع التعهد بطرح ثلاثة أرباعه خلال سبع سنوات ـ كان ذلك سنة 1976 ـ لعدم قدرة القطاع الخاص على التغطية وقت التأسيس؟

ان اكثر الملاحظات التي دارت حول الاكتتاب في اتحاد الاتصالات ركزت على انخفاض ما خصص للاكتتاب العام للجمهور مقارنة بالمؤسسين، وانه كان ينبغي ان يكون 50% من 20%، غير ان ذلك كان سيرفع عدد الاسهم المخصصة من أربعة أسهم مثلا الى عشرة اسهم. فهل هذا هو الحل؟

وإذا القينا نظرة على ما يتوقع من اكتتابات فهناك شركة التأمين التعاوني وبنك البلاد. والاولى، رغم انها من نوع الطرح الثانوي الذي سيتوقف سعر السهم فيه على التقييم وقت الطرح، إلا أن قيمة الاسهم المطروحة ستكون متواضعة ولن تشبع نهم السوق.

اما بنك البلاد فهو من نوع الطرح الأولي بالسعر الاسمي (50 ريالا) والمبلغ المطروح هو الف وخمسمائة مليون ريال وسيتكرر عند طرحه ما حدث في تجربة اتحاد الاتصالات وربما بصورة اكبر.

الوضع الذي أمامنا اليوم هو ان هناك سيولة كبيرة في السوق تبحث عن قنوات استثمار، وان ما يطرح اما انه بحجم لا يتناسب مع تلك السيولة، وذلك الطلب، او انه يطرح بسعر اسمي (50 ريالا) يعتقد السوق انه سيتضاعف ثلاث مرات او تزيد بمجرد تخصيص الاسهم وتداولها.

باختصار هناك اختلال بين العرض والطلب، والحل يكمن في زيادة العرض، إما عن طريق تأسيس شركات مساهمة جديدة وطرحها، او إدراج شركات مساهمة مقفلة قائمة، او زيادة رأسمال شركات مساهمة مدرجة وطرحها بعلاوة إصدار، او تحويل شركات موجودة الى شركات مساهمة تطرح كليا او جزئيا للاكتتاب العام، او قيام الدولة ببيع جزء من أسهمها عن طريق الاكتتاب العام.

ولعل البديل الأخير هو المناسب في الظروف الحالية، وهو الذي يؤدي الى امتصاص السيولة الزائدة تمهيدا لأي اكتتاب عام في اسهم جديدة بالسعر الاسمي.

فالدولة مثلا تملك 70% من اسهم سابك البالغة 300 مليون سهم، فلو طرحت لاكتتاب الجمهور 10% من مجموع اسهم سابك بسعر 700 ريال، فان ذلك يمثل 21 الف مليون ريال هي استثمار للمواطنين ودخل للدولة تسدد به جزءا من الدين العام، علما بان حصة الدولة حسب نظام سابك كان ينبغي ان تخفض الى 25% من رأس المال بحلول عام 1982م، ولكن ان تأتي متأخرا خير من ان لا تأتي على الاطلاق.

وقس على ذلك اسهم الدولة في شركة الكهرباء، وهنا ستجد الدولة فائدة إضافية من بيع أسهمها إذ انها ستحول الكثير من مستهلكي التيار الكهربائي الى مستثمرين في ذلك التيار، اضافة لكونهم مستهلكين، مما يسهل تشغيل هذا المرفق على اساس تجاري وتنافسي عن طريق تخفيض الضغط على تركيبة شرائح التعرفة، ومقابلة احتياجات التوسع وتحسين الخدمة.

هذه امثلة فقط لتملك الدولة في اسهم شركات مدرجة، وهناك شركات اخرى في قطاعات الإسمنت والبنوك والفنادق والنقل البحري والاتصالات، مما يمثل ربما نصف القيمة السوقية للاسهم.

وإضافة الى امكانية بيع اسهم الدولة هناك امكانية تحويل المؤسسات العامة الحكومية ذات الصفة التجارية الى شركات مساهمة وطرحها للاكتتاب العام مثل الخطوط السعودية والمؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق. وتحويل هذه المؤسسات سيتيح لها العمل على أسس تجارية، ويزيد من كفاءة العمل في قطاعاتها من خلال عمليات الدمج والابتلاع مع شركات مماثلة أو مكملة.

بالطبع هناك مجال كبير لتحويل شركات قائمة الى شركات مساهمة، وطرحها للاكتتاب، وهنا مرة اخرى ينبغي ان تعطى الاولوية للشركات ذات الاصول المنتجة داخل الوطن، والتي لا تمثل عبئا على موارده المائية، والتي لها سجل جيد في حسن الادارة وتحقيق الارباح.

ان القرار حول بيع أسهم الدولة للمواطنين والتخصيص عموما قد اتخذ، وصدرت به قائمة بقرار مجلس الوزراء رقم 219 وتاريخ 6/9/1423هـ. والآن وقد قامت هيئة سوق المال، فان المؤمل ان يشرع بالتنفيذ.

نخلص من كل ذلك إلى ان في خيرات المملكة العربية السعودية متسعا للهوامير والسردين من المواطنين، ومن أبناء مجلس التعاون، ومن المهم ان يكون سوق المملكة مرحبا لا طاردا للمستثمرين كبيرهم وصغيرهم. اما الدولة فليست ـ ولا ينبغي لها ان تكون ـ الهامور الكبر.