سيف الخيال
13-10-2004, Wed 11:17 PM
من بره مليارديرات ومن جوه "خليها على الله"
أولى الكتاب السعوديون اهتماما كبيرا لموضوع الدين العام، ونسوا أمر الدين الخاص، الذي تقول وكالة رويترز إنه سيبلغ بنهاية العام الجاري نحو مائة مليار ريال،.. بالعربي الفصيح هذه المائة مليار قروض حصل عليها الأفراد من البنوك.. وهؤلاء الأشخاص المليارديرات أناس مثلي مثلك، لا تجد في سيماهم ولا مظهرهم أثرا للنعمة، لسبب بديهي وهو أن لقب ملياردير ينطبق عليهم ك"مجموعة" أما كأفراد فإن معظمهم يعيشون على الفول الذي قال عنه غازي القصيبي إنه قوت المفلسين، والبنوك صارت تفضل تقديم القروض للأفراد العاديين لأن معظمهم يحرص على سدادها ليحصل على المزيد منها، ولأنهم يرغمونهم على تقديم ضمانات تجعل استرداد الديون منهم ميسورا إلى حدٍ ما.. وحقيقة الأمر هي أن الاقتراض شديد الإغراء: يكون في جيبك عشرة ريالات وتدخل أحد البنوك وتخرج منه وقد ضاق جيبك بالنقود واضطررت إلى حمل بعضه في كيس.. والسداد على مدى سنتين أو ثلاث أو أربع، و... عيش يا حمار.. يمكن تفرج إذا أمطرت السماء ذهبا، ويمكن أموت قبل انقضاء مدة السداد وأهلي ما راح يقصرون، وحتى إذا عجزوا عن السداد، فعلى البنك أن يركب أعلى ما في خيله!! ماذا فعل الناس بتلك المليارات؟
أستطيع أن أخمن: بعضها استخدم في شراء سيارات، ففيروس الإنفاق التفاخري يجعل من لا تسمح له إمكانياته بشراء دراجة هوائية نقدا، باقتناء بي أم دبليو أو لكزس أو سيارة ذات دفع رباعي.. وهناك الإجازات، حيث بات الكثيرون يعتقدون أن السفر إلى الخارج في الصيف "سنة مؤكدة"، (بينما قد لا يحفلون بـ"الفروض" التي لا جدال حولها).. وفي الخارج لابد أن يتصرف الإنسان العربي بما يليق بسمعته كشخص غني "يلعب بالفلوس"، ويقول للجرسون: خلي الباقي معك.. حتى لو كان الباقي يساوي ربع راتب دافع البقشيش.. والمحزن أن مبلغا ضخما من تلك القروض يروح لإنعاش اقتصاديات دول معينة في آسيا وهناك من يقترض كي يتزوج، ويلجأ الشباب للاقتراض في سبيل الزواج، ليس بالضرورة لغلاء المهور، ولكن لأن أهلهم يصرون أن تكون الزيجة حديث المجالس، فيرهقون كاهل أبنائهم بنفقات مالية تتبخر خلال 48 ساعة: مجوهرات بالشنطة وحفلات في أفخر القاعات يتم فيها توفير طعام لمئات أو آلاف الأشخاص، (وقد لا ينجح المدعوون في تناول لقمة واحدة بعد أن تشتعل معركة بسبب قيام ضيفة باستخدام كاميرا هاتفها الجوال لرصد وقائع الحفل) ويتزوج اثنان بقرض مصرفي ويبقيان "مرهونين" لدى البنك، فتكون حياتهما الزوجية من بدايتها توترا وكرا وفرا.. وقد عانيت في بداية حياتي العملية من ذل الاقتراض المصرفي، ولم أذق طعم النوم الهانئ إلا بعد أن أقسمت ألا اقترض فلسا من أي مصرف، وتعلمت أن أمد رجلي على "قدر" لحافي، متذكرا الحكمة السودانية التي تقول "خالي من الدين غني"، بل وصرت أرفض بكل وقاحة أن أضمن شخصا ينوي الاقتراض من مصرف، بعد أن لسعت من ذلك الجحر مرتين.. وإذا كانت مواردك المالية محدودة فإنني أنصحك بأن تلقي ببطاقة الائتمان البلاستيكية في أقرب حفرة مجاري لأنها فخ للديون يقع فيه الناس وهم لا يشعرون.
جعفر عباس
:D
أولى الكتاب السعوديون اهتماما كبيرا لموضوع الدين العام، ونسوا أمر الدين الخاص، الذي تقول وكالة رويترز إنه سيبلغ بنهاية العام الجاري نحو مائة مليار ريال،.. بالعربي الفصيح هذه المائة مليار قروض حصل عليها الأفراد من البنوك.. وهؤلاء الأشخاص المليارديرات أناس مثلي مثلك، لا تجد في سيماهم ولا مظهرهم أثرا للنعمة، لسبب بديهي وهو أن لقب ملياردير ينطبق عليهم ك"مجموعة" أما كأفراد فإن معظمهم يعيشون على الفول الذي قال عنه غازي القصيبي إنه قوت المفلسين، والبنوك صارت تفضل تقديم القروض للأفراد العاديين لأن معظمهم يحرص على سدادها ليحصل على المزيد منها، ولأنهم يرغمونهم على تقديم ضمانات تجعل استرداد الديون منهم ميسورا إلى حدٍ ما.. وحقيقة الأمر هي أن الاقتراض شديد الإغراء: يكون في جيبك عشرة ريالات وتدخل أحد البنوك وتخرج منه وقد ضاق جيبك بالنقود واضطررت إلى حمل بعضه في كيس.. والسداد على مدى سنتين أو ثلاث أو أربع، و... عيش يا حمار.. يمكن تفرج إذا أمطرت السماء ذهبا، ويمكن أموت قبل انقضاء مدة السداد وأهلي ما راح يقصرون، وحتى إذا عجزوا عن السداد، فعلى البنك أن يركب أعلى ما في خيله!! ماذا فعل الناس بتلك المليارات؟
أستطيع أن أخمن: بعضها استخدم في شراء سيارات، ففيروس الإنفاق التفاخري يجعل من لا تسمح له إمكانياته بشراء دراجة هوائية نقدا، باقتناء بي أم دبليو أو لكزس أو سيارة ذات دفع رباعي.. وهناك الإجازات، حيث بات الكثيرون يعتقدون أن السفر إلى الخارج في الصيف "سنة مؤكدة"، (بينما قد لا يحفلون بـ"الفروض" التي لا جدال حولها).. وفي الخارج لابد أن يتصرف الإنسان العربي بما يليق بسمعته كشخص غني "يلعب بالفلوس"، ويقول للجرسون: خلي الباقي معك.. حتى لو كان الباقي يساوي ربع راتب دافع البقشيش.. والمحزن أن مبلغا ضخما من تلك القروض يروح لإنعاش اقتصاديات دول معينة في آسيا وهناك من يقترض كي يتزوج، ويلجأ الشباب للاقتراض في سبيل الزواج، ليس بالضرورة لغلاء المهور، ولكن لأن أهلهم يصرون أن تكون الزيجة حديث المجالس، فيرهقون كاهل أبنائهم بنفقات مالية تتبخر خلال 48 ساعة: مجوهرات بالشنطة وحفلات في أفخر القاعات يتم فيها توفير طعام لمئات أو آلاف الأشخاص، (وقد لا ينجح المدعوون في تناول لقمة واحدة بعد أن تشتعل معركة بسبب قيام ضيفة باستخدام كاميرا هاتفها الجوال لرصد وقائع الحفل) ويتزوج اثنان بقرض مصرفي ويبقيان "مرهونين" لدى البنك، فتكون حياتهما الزوجية من بدايتها توترا وكرا وفرا.. وقد عانيت في بداية حياتي العملية من ذل الاقتراض المصرفي، ولم أذق طعم النوم الهانئ إلا بعد أن أقسمت ألا اقترض فلسا من أي مصرف، وتعلمت أن أمد رجلي على "قدر" لحافي، متذكرا الحكمة السودانية التي تقول "خالي من الدين غني"، بل وصرت أرفض بكل وقاحة أن أضمن شخصا ينوي الاقتراض من مصرف، بعد أن لسعت من ذلك الجحر مرتين.. وإذا كانت مواردك المالية محدودة فإنني أنصحك بأن تلقي ببطاقة الائتمان البلاستيكية في أقرب حفرة مجاري لأنها فخ للديون يقع فيه الناس وهم لا يشعرون.
جعفر عباس
:D