المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدمة 2004 النفطية وتداعياتها العالمية



المشغول
01-10-2004, Fri 11:45 PM
شكل الارتفاع الجنوني لأسعار النفط المسلسل الرئيسي لهذا الصيف، إذ كانت لكل حلقة من حلقاته، خاصية غالبة: مالية واقتصادية ودبلوماسية وبيئية وعسكرية ومضاربية في البورصة أو جيوبوليتيكية وحتى دينية. ومع الاقتراب التدريجي لسعر البرميل السقف التاريخي 50 دولاراً، ثمة سؤال طرح نفسه بحدة، إلى أي مدى سيتأثر نمو الاقتصاد العالمي بهذه الموجة الجديدة من ارتفاع أسعار الذهب الأسود؟

بداية لا بد من رؤية آفاق الاقتصاد العالمي، إذ إن النزعة التفاؤلية للمؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، التي تعول على نمو بنحو 4.6 % هذه السنة، تتناقض مع إشارات اللهاث للأنشطة الاقتصادية التي برزت خلال الربيع الماضي، من خلال الأرقام الأخيرة المعروفة سواء في الولايات المتحدة الأمريكية أو اليابان، وبدرجة أقل في بلدان الاتحاد الأوروبي.

وهكذا، عاد النمو للاقتصاد العالمي خلال الفصل الثاني من هذه السنة الى أقل من 3% في أمريكا بعد أن كان المعدل المسجل للنمو في الفصل الأول هو 4.2 %. ولا شك أن هذا التباطؤ في النمو شكل قلقا حقيقيا للمستهلكين الأمريكيين في مجال التوظيف، وجعلهم يحتاطون أكثر في نفقاتهم للأشهر المقبلة. ويسهم ارتفاع أسعار الوقود ومعدلات الفائدة وكذلك بلوغ تخفيف الضرائب حدة في تغذية هذا القلق.

ويتجادل خبراء النفط والاقتصاديون حول الطبيعة المستمرة أو الظرفية لارتفاع الأسعار الملحوظة منذ عام 2002. وكما هي العادة، يقدم الخبراء لأسئلة بسيطة، أجوبة معقدة ومتناقضة راديكاليا في آن معا. ويرى الأوائل، أن الأسوأ حتمي. انه بسبب قلة الاستثمارات في استكشاف آبار نفطية جديدة وكبيرة كما كان الأمر في الماضي، لم يتوصل الإنتاج الحالي للنفط إلى تلبية الطلب المتنامي عليه، خاصة من قبل الصين، الأمر الذي يدفع بالضرورة الأسعار إلى الارتفاع. وفضلا عن ذلك، فإن تمركز الذهب الأسود في المناطق المتوترة من الكرة الأرضية، التي تشهد صراعات دامية مثل (الشرق الأوسط، وبحر قزوين، وغرب إفريقيا) لن تترك للأسواق مهلة استراحة. فهناك من يرى أن أسعار النفط، بالنظر إلى أوضاع الشرق الأدنى والشرق الأوسط، وكذلك نضوب الاحتياطات النفطية، ستظل مرتفعة دائما. وكما هو الحال عقب الصدمتين البتروليتين عام 1973 وعام 1979يتربص التضخم والانكماش بالاقتصاد العالمي. وسابقا، روجوا أن الاقتصاد الأمريكي أظهر إشارات ضيق نفس. فالناتج الوطني الأمريكي الإجمالي لم يتقدم سوى بنحو 2.8 % في الفصل الثاني، مقابل 4.2 % في الفصل الأول. وخيبة أمل مماثلة في اليابان، إذ لم يبلغ النمو سوى معدل 1.7 % فقط خلال الفترة الممتدة من أبريل/ نيسان ولغاية يونيو/ حزيران بينما كان المحللون يتوقعون معدلا وسطيا بنحو4.1 % ويعود تفسير هذا التشاؤم، إلى استمرار سعر برميل النفط فوق 40 دولاراً، إضافة إلى الاختناقات، التي ستتحول إلى ركود اقتصادي.

ويعتقد "المتفائلون" أن الأمر عكس ذلك، وليس هناك من دواعٍ للقلق. فالارتفاع الحالي ناجم في قسم منه عن التوترات السياسية في مناطق إنتاج النفط( العراق، فنزويلا)، وفي قسم آخر بسبب النقص في الاستثمارات الحديثة، الذي حدّ من قدرات الإنتاج. وإذا انعكست هذه الأسباب، فإن الأسعار ستنخفض، أما من خلال عودة الهدوء والاستقرار إلى مناطق إنتاج النفط، أو من خلال حصول تباطؤ في النمو الصيني. وأخيرا، بعدم سماح الاستثمارات، المجتذبة من ارتفاع الأسعار، زيادة الإنتاج.

وقد قدر عالم الاقتصاد في البنك الدولي، فرانسوا بورغينيون، مؤخراً، ان ارتفاع أسعار النفط يمكن أن يحرم النمو العالمي بنحو 0.2 % نقطة. ويعتبر هذا الأمر غير مهم بالنظر الى الارتفاع بنحو 4.6 % للناتج المحلي الاجمالي العالمي المرتقب عام 2004. وفي اليوم ذاته قال رئيس البنك المركزي الأوروبي، جان كلود تريشيه، ان: “الانتعاش الاقتصادي يستمر في منطقة اليورو ويتوسع خلال الفصول المقبلة، ويقودها الى تحسن تدريجي ومستمر عام 2005 .

ويرتكز هذا التفاؤل على واقع أنه، بفضل التغيرات التي حصلت في بنياتها خلال العقدين الماضيين، تجد اقتصادات البلدان الصناعية نفسها اليوم محصنة بشكل كبير من أخطار الصدمة البترولية حسب رأيهم. فمن خلال استخدام الطاقات البديلة، ومكافحة "التبذير" في استهلاك الطاقة، توصلت معظم البلدان الأوروبية إلى تخفيض استهلاكها من النفط بالقياس إلى عام 1980 إضافة إلى ذلك، هناك عوامل أخرى أسهمت في ذلك، ومنها: غلبة القطاع الثالث على الاقتصاد، وعدم ربط تبدلات الأجور بتبدلات الأسعار، وظاهرة نقل خطوط الانتاج الصناعية نحو البلدان النامية .

وفي الواقع،اذا كان تحويل 150 مليار دولار من البلدان المستوردة نحو البلدان المنتجة، سيسهم في اثراء هذه الأخيرة، بيد أن هذا الاثراء ستكون له تأثيرات محدودة على النمو العالمي، خاصة للبلدان الأكثر تطورا، في حين ستكون له تأثيرات مدمرة للاقتصادات القابلة للانجراح بسبب سيادة التخلف في معظم بلدان الجنوب.

بكل تأكيد، لا يمكن لتأثيرات ارتفاع أسعار النفط أن تكون متماثلة بشكل ميكانيكي على جميع البلدان. وفي الواقع، تتبنى البلدان استراتيجيات مختلفة لتغيير المعطيات، ولتقديم أجوبة على الأخطار المطروحة، كما تشهد على ذلك ردات الفعل غير المتطابقة لثلاثة بلدان آسيوية أمام ثقل الفاتورة النفطية: لقد قررت الهند تخفيض الضريبة على المواد النفطية لحماية مستهلكيها، وفرضت تايلاندا حالة طوارىء يومية على محطاتها لبيع البنزين والمازوت للحد من الطلب، وخفضت كوريا الجنوبية معدلات الفائدة، للحفاظ على النمو.

ويمكن أن نلاحظ ثلاث فئات من البلدان حسب تأثيرات ارتفاع أسعار النفط على نموها الاقتصادي:

1- البلدان المصدرة: انها المستفيدة الكبيرة من استمرار بقاء سعر برميل النفط فوق 40 دولاراً. فقد خدم ارتفاع اسعار النفط الذي حصل بعد احداث 11 سبتمبر/ ايلول الرئيس الفنزويلي هوغو شافيز، الذي بقي في السلطة بفضل تطبيقه البرنامج الاجتماعي السخي والممول من قبل الريع النفطي. أما روسيا التي كانت على أبواب افلاس عام ،1998 استطاعت أن تعيد توازن موازنة ميزان مدفوعاتها، وأن تحترم استحقاقات ديونها المقدرة بنحو 123 مليار دولار، بفضل نمو عائداتها النفطية، التي تمثل 20% من ناتجها المحلي الاجمالي. وحققت المملكة العربية السعودية فائضا ماليا بنحو 35 مليار دولار، بعد أن سددت العجز في موازنتها.

2- البلدان المتطورة المستوردة للنفط: حسب حسابات منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، فإن ارتفاع أسعار النفط بنحو 10 دولارات للبرميل سيكلفها هبوطا بنحو 0،4 نقطة من النمو.

3- البلدان المستوردة الناشئة: انها تعاني. وحسب حسابات وكالة الطاقة الدولية فإنها ستخسر من النمو: 0.8 للصين (التي قفزت وارداتها النفطية بنحو 40% خلال السبعة الأشهر الأولى من عام 2004)، 1 للهند، 1.6 للفلبين، 1.8 لتايلاندا، ولكن 0.4 فقط للأرجنتين، والبرازيل، وتشيلي. ان أعباء الفاتورة النفطية على هذه البلدان لن تكون كارثية، بما أن البعض من هذه الاقتصادات يسجل معدل نمو يتجاوز 8% سنويا.* نقلا عن جريدة "الخليج" الإماراتية