المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق الأسهم السعودية أين ستتوقف ؟



صقر العرب
29-09-2004, Wed 1:16 AM
سوق الأسهم السعودية أين ستتوقف ؟

د. عبدالعزيز بن محمد الدخيل*

تعتبر سوق الأسهم لأي بلد مؤشراً لنموه الاقتصادي، إن اقتصاد دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام واقتصاد السعودية بصفة خاصة يشهد نمواً عالياً على إثر ارتفاع أسعار النفط العالمية بمعدلات قياسية وقد انعكس ذلك بوضوح من معدلات أداء أسوق الأسهم في المنطقة. وتفوقت سوق الأسهم السعودية في أدائها على كافة أسواق الأسهم في دول منطقة مجلس التعاون الخليجي وذلك بتحقيقها عائدا للعام حتى تاريخه بنسبة 44.95 % كما حدث في 16 سبتمبر(أيلول) 2004. ومع أن السوق قد شهدت عملية تصحيح فنية خلال الشهرين الخامس والسادس من السنة، مما أثر على العائد الكلي خلال العام الحالي، فإنها لا تزال تسجل مكاسب على أساس أسبوعي منذ الثلاثة أشهر المنصرمة (ما عدا أسبوع واحد). لقد خلق هذا النمو المستمر شعوراً من القلق في أذهان المستثمرين وجعلهم يتساءلون حول موعد نهاية هذا الاتجاه الارتفاعي أو متى ستتوقف السوق لإجراء تصحيح فني يؤدي إلى إعادة توجيه السوق إلى مسارها الإيجابي. وقبل أن نخوض في تحليل الاحتمالات نلقي أولا نظرة على الحقائق التي تكمن وراء الارتفاع الذي ساد السوق. فقد سجلت السوق عائداً بنسبة 78 في المائة خلال عام 2003. ووفقاً لتحليلنا، هناك عدة عوامل أسهمت في المحافظة على هذا الارتفاع في السوق تتمثل في أسعار النفط المرتفعة، والسيولة الضخمة، ومستويات الأداء الجيدة للشركات، وأسعار الفائدة المنخفضة، وتقديم القروض من قبل البنوك بأسعار فائدة منخفضة للمستثمرين، اضافة الى الأنباء السائدة حول فائض الموازنة الضخم وعدم رغبـة المستثمـرين فـي استثمـار أموالهـم فـي الخارج.
في عام 2003، قفز عرض النقود بمعناه الواسع (M3) بنسبة 8.19 في المائة بعد ارتفاع بنسبة 15.22 في المائة عام 2002 . وفي عام 2004 نما عرض النقود بنسبة 10.15 في المائة الربع الأول وبنسبة 11.47 في المائة الربع الثاني على أساس هذه الفترة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. وبلغت أسعار النفط ومستويات الإنتاج ذروتها ونتجت عن ذلك إيرادات نفطية قدرت بحوالي 300 مليار ريال (80 مليار دولار) في عام 2004. إن أسعار النفط التي سادت خلال عام 2004 حتى تاريخه يتوقع أن تظل في متوسط 35 دولاراً للبرميل خلال بقية العام، وهي أعلى كثيراً من الأرقام المقدرة في الميزانية التي تبلغ 20 دولاراً للبرميل. ونمت الأرباح الصافية للشركات المدرجة في سوق الأسهم السعودية عموماً بشكل جيد جداً خلال عام 2003 مسجلة معدل نمو بلغ 54 في المائة عما كانت عليه في عام 2002 . وبناءً على النتائج المتاحة للنصف الأول من العام، فإنه يتوقع أن تزداد الأرباح الصافية للشركات المسجلة في السوق أكثر.
وحدث انخفاض كبير في أسعار الفائدة البنكية مما شجع العديد من كبار المستثمرين والمستثمرين من المستويات المتوسطة في سوق الأسهم السعودية على الاقتراض من البنوك لتمويل استثماراتهم في مجـال الأسهـم. وقد انخفضت الـودائع لأجل وودائـع الادخـار خـلال الربـع الأول مـن عـام 2004. واندفعت البنوك نحو الإقراض من أجل عمليات الاستثمار في الأسهم بعمولات منخفضة جداً (تشير بعض مؤشرات السوق إلى حوالي 5 في المائة في العام). وقد تعزز ذلك بالدور الذي تلعبه البنوك في نظام التداول في سوق الأسهم ومقدرتها على الاحتفاظ بالسهم كضمان لهذه القروض. أما مصدر القلق الوحيد الذي يمكن إدراكه فإنه يتمثل في سلسلة الهجمات الإرهابية والتوسع في الإجراءات الأمنية مما يؤدي إلى اضطرابات في بعض مناطق السعودية. وقد ظل السوق حصيناً إلى حدٍ ما إزاء هذا العامل كما حدث في عام 2004 .
إن سوق الأسهم السعودية يمكن أن ينظر إليها على أساس أنها سوقان، الأول هو ذلك السوق الخاص بشركات لا تتمتع بأداء مالي سليم والذي يمكن تسميته بسوق شركات المضاربة أو بسوق الشركات ذات المخاطر العالية. إن حساب أسعار أسهم هذه الشركات على أساس فني سيوضح أن سعرها أقل كثيراً من أسعارها السائدة في السوق حالياً، كما أن أي تحليل فني لن يوصي بالاستثمار في هذه الأسهم بمستوى معقول من المخاطرة. ولكن في الواقع يتم التداول في هذه الأسهم بنشاط في السوق وتشهد قيمتها تذبذباً كبيراً. ويقوم المضاربون عادة بالتحكم في أسعار هذه الأسهم. وفي بعض الحالات تسود هذه النشاطات السوق وتؤدي لإرباك المستثمر العادي. ومن المفروض أن يتم فصل هذه السوق كلياً عن سوق الشركات الممتازة، وأن يكون له مقياس خاص به منفصل عن مقياس سوق الشركات الممتازة. إن سوق الأسهم السعودية لا يمكن تصنيفها على أنها سوق تسودها المغامرة كلها، فهناك أسهم شركات ممتازة تعكس أسعارها القيمة المالية والاقتصادية للسهم القائمة على أداء الشركة. ويمكن الإشارة إلى هذه الأسهم بأنها تلك الأسهم التي تعمل على المحافظة على الصورة الحقيقية للسوق. إن المستثمر الحريص على الاستثمار في سوق الأسهم للمدى البعيد عليه أن يفكر في مثل هذه الأسهم باعتبارها استثمارات بدون مخاطر كبيرة. ومن أمثلة هذه الشركات سابك، والاتصالات ومعظم البنوك ومعظم شركات الإسمنت وبعض الشركات الصناعية والبتروكيماوية.
في سوق الأسهم العالمي، قبل الشروع في أي مشروع استثماري، يقوم المستثمر بتحليل متعمق للأداء المالي للشركة من حيث اتجاهها السابق وسلوك السوق تجاه سهم معين والوضع الاقتصادي الكلي السائد في البلد وفي المنطقة. ويتم القيام بهذه الاستثمارات بناءً على افتراضات قائمة على قدر كبير من المهنية مع مخاطر محسوبة. وفي هذه الدول نجد أن معلومات السوق أقرب إلى وضعها الأمثل كما أنها تكون متوفرة بشكل عام للمستثمرين. ومقارنة بالسوق العالمي، فإن السوق السعودية يؤمها عدد من المستثمرين الذين إما أنهم لا يملكون المعلومات الصحيحة حول الشركات، أو أنه ليس بمقدورهم الوصول إلى المعلومات أو أنهم لا يستطيعون إجراء التحليل الفني. إن مثل هؤلاء المستثمرين ينظرون فقط إلى اتجاهات الأسعار وبناءً عليها يشرعون في استثماراتهم. مثل هؤلاء المستثمرين عادة ما يصبحون فريسة في أيدي المضاربين.
ومع وجود العوامل الإيجابية المحددة آنفاً، يمكن أن نخلص إلى حتمية حدوث هبوط في سوق الأسهم ذي طبيعة تصحيحية نظراً لأن سيكولوجية المستثمرين في هذا السوق تميل دائماً إلى توقع حدوث مرحلة لتصحيح الأسعار عقب كل ارتفاع كبير. وهذا الميل ينطبق على سوق الأسهم السعودية وعلى الأسواق الإقليمية والعالمية على حدٍ سواء. ويتطلب حدوث الحركة التصحيحية للأسعار فقط وقوع حدث يكون له أثر سلبي على نفسية متداولي الأسهم في السوق. هذا الحدث ربما يكون سياسياً أو اقتصادياً، وعلى الصعيدين المحلي أو العالمي. إن هذا العامل السيكولوجي هو جزء من آلية سوق الأسهم والقوة المحركة له. ليس بمقدور أي خبير تحليل مالي أو اقتصادي أن يجزم بعدم حدوث انخفاض أو انهيار في سوق الأسهم في المستقبل. ويعزى ذلك أساساً إلى أن مثل هذا المحلل لا يمكنه التنبؤ بالصدمات السياسية والاقتصادية المستقبلية التي تؤثر تأثيراً مباشراً على أسعار السوق. ومع ذلك، فإنه يمكننا القول إن سوق الأسهم السعودية لن تشهد انهياراً في المستقبل القريب لأسباب مالية واقتصادية.
إن نشاط السوق الحالي يحركه عدد قليل من كبار المستثمرين أو المضاربين الذين يعملون على تسيير وحصر السوق في الاتجاه الذي يميلون إليه. ومع امتلاك الحكومة نسبة 30 في المائة من الأسهم وامتلاك مؤسسي بعض الشركات وعائلاتهم لنسبة أخرى تتراوح بين 35 في المائة و 45 في المائة فإنه تتبقى نسبة تتراوح بين 25 في المائة و 30 في المائة فقط كأسهم متداولة في السوق. ومثل هذا الوضع يجعل السوق سوقاً غير كاملة ويؤدي إلى استفادة عدد قليل من الأشخاص من مزايا هذا الوضع وإفلاس صغار المستثمرين. لقد آن الأوان لتطبيـق قانون السـوق المـالي الجديد وإعـداد النظـم والإجـراءات بشكل فعـال.
* رئيس المركز الاستشاري للتمويل ـ الرياض

صحيفة الشرق الأوسط