المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سوق المال السعودية.. الفرص والتحديات



المشغول
09-09-2004, Thu 9:50 PM
دفعت التطورات الاقتصادية والسياسية والتقنية السريعة، التي يشهدها العالم خلال الأعوام الأخيرة، وما صاحبها من تكتلات والحاجة إلى الاندماج في المنظومة العالمية من خلال منظمة التجارة، وتطوير منتجات لتمويل المشاريع الكبيرة التي تساهم في تحقيق النمو الاقتصادي للدولة، وتوافر مجالات استثمارية ترفع من مستوى معيشة المواطن وتحقق له الرخاء، دفعت الحكومة السعودية إلى إنشاء هيئة مستقلة تعتني بسوق المال السعودية، وتهدف إلى إعادة هيكلته لتعمل وفق أسس أكثر تطوراً من شأنها توسيع، وإيجاد وسائل فاعلة لاستثمار المدخرات وزيادة عمق السوق، وإيجاد مصادر تمويل جديدة، وتعزيز متطلبات الشفافية، والعدالة والكفاية والحماية للمتعاملين في السوق.

وبالرغم من التحديات المستقبلية التي ستواجهها الهيئة للنهوض بالسوق إلى مصاف الأسواق المتقدمة، إلا أن البنية الأساسية الجيدة التي طورتها مؤسسة النقد العربي السعودي منذ تأسيس السوق ستسهل دور الهيئة وتجعل منها المنطلق لنجاحات مستقبلية أكبر ـ بإذن الله كما أن تجارب الآخرين الممكن الاستفادة منها، والتي وصلوا إليها خلال فترة طويلة من الزمن تزيد من توقعاتنا مما يمكن تحقيقه من إنجازات من قبل هيئة سوق المال.

ومن خلال متابعتي سوق الأوراق المالية السعودية الحالية بأدواتها المختلفة، يجدر بي إلقاء الضوء على جوانب الضعف والقصور في السوق الحالية لعلي أساهم في بنــاء سوق مالية ناجحة على غرار أسواق المال المتقدمة.




نتطلع إلى سوق تحقق الكفاءة

السوق الكفؤة هي التي تتضمن أسعارها، سواء المؤشرات أو الأسهم المتداولة فيها على كافة المعلومات المصدرة وبذلك يمكن اعتبار أن القيمة السوقية للمؤشر أو لسهم معين هي قيمة عادلة fair value تعكس تماماً قيمته الحقيقية التي يمكن أن تحقق عائداً للمستثمرين يكفي لتعويضهم عما ينطوي عليه استثمارهم في هذه السوق من أخطار لذا يفضل الاستثمار في الدول المتقدمة في المؤشرات وبأسلوب الشراء والاحتفاظ Passive approach، حيث يصعب تحقيق عائد يفوق عائد السوق، والذي عادة ما يتحقق عند الاستفادة من معلومات داخلية غير منشورة أو غير متاحة للجميع Inside information إن المتابع لسوق الأسهم المحلية يتساءل لماذا وصل مؤشر تداول في أيار مايو الماضي إلى 6400 نقطة تقريباً، في ظل بيانات اقتصادية أقل تشجيعاً من البيانات الحالية؟ ولماذا الإقبال الكبير على شركات خاسرة وضعيفة، في المقابل تتداول شركات ناجحة بأقل من قيمتها العادلةFair value ؟ إن هذا ناتج عن ضعف كفاءة السوق.




السوق بحاجة إلى عمق أكبر

تعتبر سوق الأسهم السعودية أكبر سوق أسهم عربية، فهي تشكل تقريباً 50 % من قيمة الأسواق العربية، وتفوق القيمة السوقية لشركة سابك وحدها القيمة السوقية لسوق تونس، مسقط، بيروت، عمان، ودبي مجتمعةً إلا أن هناك حاجة كبيرة وفرصة لتوسيع قاعدة السوق، من خلال طرح حصص الدولة في الشركات المساهمة مثل "سابك"، و"الكهرباء"، و"لاتصالات" وغيرها، وتخصيص شركات ومؤسسات حكومية أخرى، مثل البنك الأهلي والخطوط السعودية وغيرها، وتحفيز الشركات الكبيرة الناجحة التي يمتلكها القطاع الخاص لطرح أسهمها للاكتتاب العام، والأمثلة كثيرة في هذا المجال إن ذلك سيحقق سيولة أكبر للسوق ويوفر فرصاً استثمارية أكثر تنوعاً، وبالتالي تقل الأخطار الاستثمارية والتذبذب في أسعار الأسهم، ويتوافر لدى المستثمر أكثر من شركة تعمل في الصناعة نفسها، ما يمكنه من المقارنة واختيار الأفضل.




السوق بحاجة إلى أدوات أكثر تنوعاً

سوق المال السعودية في حاجة كبيرة إلى وجود أدوات استثمارية على غرار ما توفره أسواق المال العالمية، مثال على هذه الأدوات، السندات أو الصكوك التي تصدرها الشركات Corporate bonds والبلديات Municipal bonds، كذلك المشتقات المالية Derivatives، إضافة إلى إدراج تداول سندات التنمية الحكومية وأذونات الخزانة في نظام تداول، لإتاحة الفرصة للمستثمرين للتعرف على هذه الأدوات والاستثمار فيها ومتابعة تقييمها إن تنوع الأدوات الاستثمارية يوفر اختيارات عديدة للمستثمرين ـ كل حسب قدرته المالية ودرجة تحمله الأخطار وحاجته للنمو أو الدخل ـ ما يحقق بالتالي أهداف كافة شرائح المستثمرين، إضافة إلى أن الشركات والبلديات ستقبل أكثر على الاقتراض مباشرة من السوق لبناء المشاريع التي تتطلب رساميل كبيرة ومددا استثمارية طويلة من خلال إصدار الصكوك أو السندات.




تحسين الشفافية

هل تعكس الأسهم السعودية في أيامنا هذه قيمتها الحقيقية؟ بالطبع لا، وذلك ناتج عن عوامل سلبية عديدة من أهمها اندفاع المتعاملين خلف الشركات التي تحقق أسعارها ارتفاعات كبيرة مدعومة بمعلومات عن الشركات، في ظل صمت كبير من القائمين على تلك الشركات؟ كما أن الكثيرين يعتمدون للأسف على صافي الأرباح عند قراءتهم القوائم المالية المنشورة، في ظل أن هناك مجالا واسعا لإظهار صافي الأرباح بصورة تحوز على رضا السوق، مع أنه يجب على الشركات التركيز على العوامل التي لعبت الدور الأكبر في إظهار نتائجها بهذا الشكل كذلك من أقل حقوق حاملي الأسهم الحصول على تفسير من مجالس إدارات الشركات أو الإدارات التنفيذية للشركات المستثمرين فيها عن الإخفاقات التي وقعوا فيها قبل تبرئة ذممهم في الجمعيات العمومية، التي لا نتوقع أن تحقق هذا الغرض لأنها تجمع صوري أكثر من أنه عملي.




تطوير ونشر المعلومات والأبحاث

إن للاقتصاد الكلي الدور الرئيسي في تحفيز السوق من عدمه، وتوقع صورة مستقبلية عن أدائه أين أرقام إجمالي الناتج المحلي ربع السنوي، البطالة، أسعار المنتجين، مؤشر المستهلكين، عدد الوظائف التي يخلقها الاقتصاد شهرياً، تغيرات وتوقعات أسعار الفائدة، دور البنك المركزي وأين المؤسسات أو الشركات المتخصصة والمستقلة التي تؤدي هذا الدور؟ إذا أردنا أن نصل إلى نظرية السوق الكفؤة، فلا بد من نشر تلك المعلومات وإتاحتها للجميع، وعمل برنامج تثقيفي عن أهميتها وكيفية استخدامها إن ذلك لن يتحقق إلا بوجود شركات متخصصة تعتني بالبحث والتحليل، وتنشر تقاريرها مقابل رسوم معينة، بشرط أن يتم فصل تلك الشركات تماماً عن شركات الوساطة التي تدير المحافظ لكيلا يكون هناك تضارب في المصالح، ولنا في السوق الأمريكية خير مثال، حيث تم فصل هذه الجهات بعد انهيار الأسوق بداية هذا العقد.




إعادة النظر في احتساب المؤشر

يعتبر المؤشر الإرشادي هو المعيار الذي يقيس أداء سوق معينة، وتنتهج بعض المؤشرات السعر ليعبر عن التغير في المؤشر Price Weighted، كما هو الحال في مؤشري داوجونز الصناعي ونيكاي الياباني، وهناك مؤشرات أخرى تتبع طريقة أكثر مصداقية ودقة وهي قيمة الشركة في السوق Value weighted، كما هو المتبع عند احتساب مؤشر ناسداك ومؤشر ستاندرد آند بورز لأكبر 500 شركة أمريكية، حيث إن تأثير التغير في سعر سهم الشركات الصغيرة يكون أقل على المؤشر من التغير في أسعار الأسهم الكبيرة وقد تبنت الكثير من الأسواق مؤشرات معدلة تعكس القيمة الحقيقية للمؤشر، من خلال عدم الأخذ في الاعتبار الأسهم المحجوبة عن التداول عند احتساب قيمة المؤشر، مثال على هذه المؤشرات داكس الألماني وكاك الفرنسي، وهذا ما نحتاج إليه عند احتساب مؤشر تداول، فإن القيمة الحقيقية مثلاً لشركة الكهرباء هي فقط 18 في المائة من قيمتها الإجمالية، حيث إن ما يقارب 82 في المائة من أسهمها المصدرة محجوبة عن التداول، من خلال حصة الدولة وحصة شركة أرامكو، كذلك حصص الشركاء الأجانب في البنوك المشتركة وغيرها.




تطوير شركات لتقديم الخدمات المالية

لا بد من وجود مخططين ماليين مستقلين ومصرح لهم من قبل هيئة السوق وتشرف الهيئة على أعمالهم، وشركات لإدارة الأموال منفصلة تماماً عن الشركات التي تقدم الاستشارات والبحوث، وذلك لتضارب المصالح وشركات مستقلة تعمل في مجال تقديم خدمات الوساطة منفصلة تماماً عن شركات إدارة الأموال وذلك للسبب نفسه إن تحفيز إنشاء مثل هذه الشركات سيكون له الأثر الإيجابي على منطقية التعاملات في السوق، وبالتالي خدمة الاقتصاد والمواطنين، كما أنه سيساهم في خلق فرص وظيفية للشباب السعودي، ويجهز سوق المال للانفتاح على العالم الخارجي.

في الختام نتطلع إلى بناء سوق مالية تحقق العدالة للجميع، من خلال الشفافية، التشريعات الواضحة والعادلة، والأنظمة القضائية الفعالة كذلك تطوير المنشآت المساندة للسوق مثل شركات الوساطة والأبحاث والاستشارات وشركات إدارة الأموال إن الأهداف واضحة والأمثلة حولنا كثيرة، ما يجعل توقعاتنا أكبر لبناء سوق مالية ناجحة تحقق المنفعة للاقتصاد الكلي والرخاء للمواطنين