الشاهق
04-09-2004, Sat 11:58 PM
د. عصام بن عبد المحسن الحميدان(*)
9/7/1425
25/08/2004
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعـــد:
فإن الإنسان يعجب عندما يسمع عن بعض الناس الذين أصيبوا بسكتة قلبية، أو بمرض، أو باعوا بيوتهم، أو غير ذلك نتيجة لمضاربات الأسهم!
إن ذلك دليل على أحد شيئين: إما قلة الإيمان، أو قلة الحرص والاحتياط والخبرة.
ولذا فإني سأوجِّه بعض النصائح والتوجيهات لهؤلاء الناس وغيرهم، ممن يريد أن يقدم على المساهمة، أو هو أحد المساهمين.
قبل التجارة:
أولاً: عدم الإفتاء بغير علم، وتحريم ما لم يحرمه الله، فبعض الناس يسأل فيسارع إلى التحريم من باب الاحتياط، وهذا لا يجوز شرعاً، لأن التحريم والتحليل لله تعالى، قال سبحانه "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذِب هذا حلالٌ وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" ]النحل 116[ وهو جزء من التشريع للأمة، فهل هذا يرضى أن يكون مشرِّعاً مع الله تعالى ؟! وقد كان السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين يخافون أن يتحدث أحدهم في الدين فيكون مخطئاً.
ثم إن الأصل في المعاملات الإباحة، كما قال العلماء، والأصل في العبادات الحظر والتوقيف .
والنبي صلى الله عليه وسلّم أبقى على التجارات الموجودة في زمنه، إلا استثناءات يسيرة .
وقال صلى الله عليه وسلّم " أعظم الناس جُرماً من سأل عن شيء لم يحرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته " متفق عليه عن سعد رضي الله عنه .
والورع شيء والتحريم شيء آخر، قد أتورَّع أنا أو يوجه أحد العلماء بالتورع عن شيء، ولكن ذلك لا يعني التحريم، وأبو ذرّ رضي الله عنه من ورعه اعتزل الناس في الربَذة، لأنه يرى أن الناس قد توسعوا في الدنيا، ولكن بقي عثمان رضي الله عنه وكبار الصحابة في المدينة، وبقاؤهم هو الأصح، لأن يد الله على الجماعة .
ومما يجب قبل التجارة: الرجوع للمختصَّين من العلماء الخبيرين بالأمور المالية شرعاً وواقعاً ؛ لأن المعاملات تعددت وتنوَّعت وتفرَّعت، وأصبح من الصعب على الفقيه أن يستوعب كل أنواع المعاملات .
وأما الحكم في حال اختلاف الفقهاء، فهو باعتماد المجامع الفقهية واللجان الشرعية، فإنها أقرب إلى الصواب من غيرها .
وإذا وُجِد قولٌ لغيرهم من الفقهاء، فهو رحمةٌ من الله تعالى، لأن في اختلافهم سعةٌ على الأمة.وقد جاء للإمام أحمد رحمه الله رجلٌ يستشيره في تأليف كتابٍ في الاختلاف، فقال له: سمِّه كتاب السعة .
وقال ابن العربي رحمه الله (إنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه، فيحرم عالم، ويحلل آخر، ويوجب مجتهد، ويسقط آخر، واختلاف العلماء رحمةٌ للخلق، وفسحةٌ في الحق، وطريقٌ مهيع –بيِّن- إلى الرفق) (أحكام القرآن: 2 / 699).
ثانياً: الاستفادة من أهل العلم والخبرة:
فإن المال أمانة بيد الإنسان، حتى المال الذي تنسبه لنفسك هو حقيقة لله تعالى، قال الله سبحانه "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" ]الحديد:7[ ومصادر الزراعة والتجارة والرعي، وكل الكون لله تعالى " له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى" ] طه: 6 [ وهذه هي نظرة الإسلام للمال، وهي تختلف عن النظرة الرأسمالية التي تهدف إلى الربح المادي الذاتي – دون مراعاة لدور الدين فيه -، وينتج عنها تكوين الطبقية في المجتمع – دون مراعاة للتكافل الاجتماعي - .
فإذا كان المال لله تعالى، فلا يحل تبذيره بغير حق، قال تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً" ]النساء:5[.
فيتقي الإنسان الله تعالى في ماله، فلا يضيع نفسه وأبناءه، والنبي صلى الله عليه وسلّم وجَّه إلى الاستفادة من أهل الخبرة والتخصص، فقال " هلا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال "، واستجاب لإشارة سلمان رضي الله عنه في حفر الخندق، وقال في الزراعة " أنتم أعلم بأمر دنياكم " رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه .
لذا ينبغي عدم التسرع في المساهمات، واستشارة الثقات، والسؤال عن الشركات، ومعاملاتها، ومعرفة واقعها من الناحية الشرعية، والمالية، لئلا يضطر إلى سحب ماله بعد ذلك .
ثم يسأل عن كيفية التجارة، والمرابحة، والمساهمة، وغيرها، لئلا يغبَن .
ثالثاً: عدم استعمال المال الضروري في الأسهم، وادّخار ما يحتاجه المرء، لأن في التجارة مخاطرة، فربما ذهب ماله بإذن الله تعالى ابتلاءً له، فمن الحزم أن يكون مستعداً ليوم الكريهة .
ثم يلتمس البركة في المال ولو في غير التجارة، كالزراعة، والصناعة وغيرهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنكم لا تدرون في أيّ طعامكم البركة " رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه .
عند التجارة :
أولاً: الصبر وعدم تعجُّل الربح، فكلما زاد الصبر قلَّت الخسارة:
والزمن جزء من العلاج، والربح السريع خطأ ؛ لأنه يؤدي إلى عدم مراعاة الضوابط الشرعية بشكل كامل، ويؤدي إلى السرعة في اتخاذ القرار دون التثبت في مدى نجاح المساهمة، ويؤدي إلى الغفلة عن بعض الثغرات التي لا تتضح إلا بالتأمل وذلك تحت تأثير الإغراء بالربح .
ثانياً: عدم التساهل في الأمور الربوية :
فقد قال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله" ]البقرة: 278، 279[، وقال صلى الله عليه وسلّم " درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله من ست وثلاثين زنية " رواه أحمد ورجال رجال الصحيح عن عبدالله بن حنظلة رضي الله عنه .
وقال عليه السلام " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه " رواه الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه .
وإذا كانت البنوك قد فتحت أبوابها للمساهمين والمضاربين، فليس معنى ذلك جواز التعامل بأسهم البنوك، فإن رؤوس أموالها ربوية، وهناك فرق بين شراء أسهم البنوك، والشركات الربوية، واستخدام غرف وشاشات البنوك في التعامل، فإن هذه الغرف والشاشات وسائل للتداول لا علاقة لها بنوع المال أو التجارة .
ولكن على المؤمن الابتعاد عن الشبهات خصوصاً في حال شيوع الحرام، قال صلى الله عليه وسلّم " من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله مثل الذي يأكل ولا يشبع " رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه .
وعلى المسلم مراعاة الضوابط الشرعية للمعاملات والمساهمات التي تصدرها المجامع الفقهية، واللجان الشرعية في البنوك.
ولما جاء الإسلام أغلق بعض أبواب التجارة لما فيها من الحرام، وإن كان فيها نفعٌ وأرباح، فقال سبحانه في الخمر والميسر "فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة:219] وقال في تشغيل النساء في الفتنة أول الإسلام "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصُّناً لتبتغوا عرَض الحياة الدنيا" [النور: 33]
فأغلق بعض الأبواب الضارة بالدين، وإن كانت نافعة في الدنيا .
يتبع......
9/7/1425
25/08/2004
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعـــد:
فإن الإنسان يعجب عندما يسمع عن بعض الناس الذين أصيبوا بسكتة قلبية، أو بمرض، أو باعوا بيوتهم، أو غير ذلك نتيجة لمضاربات الأسهم!
إن ذلك دليل على أحد شيئين: إما قلة الإيمان، أو قلة الحرص والاحتياط والخبرة.
ولذا فإني سأوجِّه بعض النصائح والتوجيهات لهؤلاء الناس وغيرهم، ممن يريد أن يقدم على المساهمة، أو هو أحد المساهمين.
قبل التجارة:
أولاً: عدم الإفتاء بغير علم، وتحريم ما لم يحرمه الله، فبعض الناس يسأل فيسارع إلى التحريم من باب الاحتياط، وهذا لا يجوز شرعاً، لأن التحريم والتحليل لله تعالى، قال سبحانه "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذِب هذا حلالٌ وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" ]النحل 116[ وهو جزء من التشريع للأمة، فهل هذا يرضى أن يكون مشرِّعاً مع الله تعالى ؟! وقد كان السلف رحمهم الله من الصحابة والتابعين يخافون أن يتحدث أحدهم في الدين فيكون مخطئاً.
ثم إن الأصل في المعاملات الإباحة، كما قال العلماء، والأصل في العبادات الحظر والتوقيف .
والنبي صلى الله عليه وسلّم أبقى على التجارات الموجودة في زمنه، إلا استثناءات يسيرة .
وقال صلى الله عليه وسلّم " أعظم الناس جُرماً من سأل عن شيء لم يحرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته " متفق عليه عن سعد رضي الله عنه .
والورع شيء والتحريم شيء آخر، قد أتورَّع أنا أو يوجه أحد العلماء بالتورع عن شيء، ولكن ذلك لا يعني التحريم، وأبو ذرّ رضي الله عنه من ورعه اعتزل الناس في الربَذة، لأنه يرى أن الناس قد توسعوا في الدنيا، ولكن بقي عثمان رضي الله عنه وكبار الصحابة في المدينة، وبقاؤهم هو الأصح، لأن يد الله على الجماعة .
ومما يجب قبل التجارة: الرجوع للمختصَّين من العلماء الخبيرين بالأمور المالية شرعاً وواقعاً ؛ لأن المعاملات تعددت وتنوَّعت وتفرَّعت، وأصبح من الصعب على الفقيه أن يستوعب كل أنواع المعاملات .
وأما الحكم في حال اختلاف الفقهاء، فهو باعتماد المجامع الفقهية واللجان الشرعية، فإنها أقرب إلى الصواب من غيرها .
وإذا وُجِد قولٌ لغيرهم من الفقهاء، فهو رحمةٌ من الله تعالى، لأن في اختلافهم سعةٌ على الأمة.وقد جاء للإمام أحمد رحمه الله رجلٌ يستشيره في تأليف كتابٍ في الاختلاف، فقال له: سمِّه كتاب السعة .
وقال ابن العربي رحمه الله (إنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم تختلف العلماء فيه، فيحرم عالم، ويحلل آخر، ويوجب مجتهد، ويسقط آخر، واختلاف العلماء رحمةٌ للخلق، وفسحةٌ في الحق، وطريقٌ مهيع –بيِّن- إلى الرفق) (أحكام القرآن: 2 / 699).
ثانياً: الاستفادة من أهل العلم والخبرة:
فإن المال أمانة بيد الإنسان، حتى المال الذي تنسبه لنفسك هو حقيقة لله تعالى، قال الله سبحانه "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" ]الحديد:7[ ومصادر الزراعة والتجارة والرعي، وكل الكون لله تعالى " له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى" ] طه: 6 [ وهذه هي نظرة الإسلام للمال، وهي تختلف عن النظرة الرأسمالية التي تهدف إلى الربح المادي الذاتي – دون مراعاة لدور الدين فيه -، وينتج عنها تكوين الطبقية في المجتمع – دون مراعاة للتكافل الاجتماعي - .
فإذا كان المال لله تعالى، فلا يحل تبذيره بغير حق، قال تعالى: "ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً" ]النساء:5[.
فيتقي الإنسان الله تعالى في ماله، فلا يضيع نفسه وأبناءه، والنبي صلى الله عليه وسلّم وجَّه إلى الاستفادة من أهل الخبرة والتخصص، فقال " هلا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال "، واستجاب لإشارة سلمان رضي الله عنه في حفر الخندق، وقال في الزراعة " أنتم أعلم بأمر دنياكم " رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه .
لذا ينبغي عدم التسرع في المساهمات، واستشارة الثقات، والسؤال عن الشركات، ومعاملاتها، ومعرفة واقعها من الناحية الشرعية، والمالية، لئلا يضطر إلى سحب ماله بعد ذلك .
ثم يسأل عن كيفية التجارة، والمرابحة، والمساهمة، وغيرها، لئلا يغبَن .
ثالثاً: عدم استعمال المال الضروري في الأسهم، وادّخار ما يحتاجه المرء، لأن في التجارة مخاطرة، فربما ذهب ماله بإذن الله تعالى ابتلاءً له، فمن الحزم أن يكون مستعداً ليوم الكريهة .
ثم يلتمس البركة في المال ولو في غير التجارة، كالزراعة، والصناعة وغيرهما، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول " إنكم لا تدرون في أيّ طعامكم البركة " رواه مسلم عن أنس رضي الله عنه .
عند التجارة :
أولاً: الصبر وعدم تعجُّل الربح، فكلما زاد الصبر قلَّت الخسارة:
والزمن جزء من العلاج، والربح السريع خطأ ؛ لأنه يؤدي إلى عدم مراعاة الضوابط الشرعية بشكل كامل، ويؤدي إلى السرعة في اتخاذ القرار دون التثبت في مدى نجاح المساهمة، ويؤدي إلى الغفلة عن بعض الثغرات التي لا تتضح إلا بالتأمل وذلك تحت تأثير الإغراء بالربح .
ثانياً: عدم التساهل في الأمور الربوية :
فقد قال سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله" ]البقرة: 278، 279[، وقال صلى الله عليه وسلّم " درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله من ست وثلاثين زنية " رواه أحمد ورجال رجال الصحيح عن عبدالله بن حنظلة رضي الله عنه .
وقال عليه السلام " الربا ثلاثة وسبعون باباً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه " رواه الحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه .
وإذا كانت البنوك قد فتحت أبوابها للمساهمين والمضاربين، فليس معنى ذلك جواز التعامل بأسهم البنوك، فإن رؤوس أموالها ربوية، وهناك فرق بين شراء أسهم البنوك، والشركات الربوية، واستخدام غرف وشاشات البنوك في التعامل، فإن هذه الغرف والشاشات وسائل للتداول لا علاقة لها بنوع المال أو التجارة .
ولكن على المؤمن الابتعاد عن الشبهات خصوصاً في حال شيوع الحرام، قال صلى الله عليه وسلّم " من يأخذ مالاً بحقه يبارك له فيه، ومن يأخذ مالاً بغير حقه، فمثله مثل الذي يأكل ولا يشبع " رواه مسلم عن أبي سعيد رضي الله عنه .
وعلى المسلم مراعاة الضوابط الشرعية للمعاملات والمساهمات التي تصدرها المجامع الفقهية، واللجان الشرعية في البنوك.
ولما جاء الإسلام أغلق بعض أبواب التجارة لما فيها من الحرام، وإن كان فيها نفعٌ وأرباح، فقال سبحانه في الخمر والميسر "فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة:219] وقال في تشغيل النساء في الفتنة أول الإسلام "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصُّناً لتبتغوا عرَض الحياة الدنيا" [النور: 33]
فأغلق بعض الأبواب الضارة بالدين، وإن كانت نافعة في الدنيا .
يتبع......